الذكاء الاصطناعي يقود موجة جديدة من جرائم الاحتيال

تبدو أصوات الأطفال التي يولدها الكمبيوتر حقيقية إلى درجة تخدع والديهم، ويمكن للأقنعة المصممة باستخدام صور من منصات التواصل الاجتماعي اختراق النظام المحمي ببصمة الوجه، إنها أمور تشبه الخيال العلمي، لكن تلك التقنيات متاحة لمجرمين يحتالون على المستهلكين العاديين، بحسب تقرير نشرته بلومبرغ.
وأثار انتشار تكنولوجيا الاحتيال قلق الجهات التنظيمية، وخاصة أرفع مسؤولي القطاع المالي، حيث يُستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل خاص لتطوير الاحتيال، وفقاً لتحذير رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية في الولايات المتحدة لينا خان في يونيو، ومطالبتها جهات إنفاذ القانون بمزيد من اليقظة.
ويقول خبراء الجرائم المالية في البنوك الكبرى، ومنها “ويلز فارغو” و”دويتشه بنك”، إن زيادة جرائم الاحتيال في المستقبل هي إحدى أكبر المخاطر التي يواجهها القطاع المصرفي. فإضافة إلى سداد تكاليف مكافحة جرائم الاحتيال، يجازف القطاع المالي بفقدان ثقة العملاء المتضررين. وقال جيمس روبرتس مدير إدارة مكافحة الاحتيال بمصرف “كومنولث بنك أوف أستراليا” إن “الأمر بات صراعاً محموماً، والقول بأننا ننتصر هو نوع من المبالغة”.
ولم يوفر انتشار الذكاء الاصطناعي أدوات جديدة فحسب، بل وفرصة لتكبد خسارة مالية تغير مجرى الحياة. والتطور المتزايد للتكنولوجيا وحداثتها يعني أن الجميع، وليس السُذّج فقط، هم ضحايا محتملون. وسرعّت إجراءات الإغلاق في حقبة جائحة كورونا وتيرة تبني الخدمات المصرفية عبر الإنترنت في أنحاء العالم، وحلت الهواتف والكمبيوترات المحمولة محل التعاملات المباشرة بفروع البنوك. فحققت ميزات بخفض تكاليف المعاملات وزيادة سرعتها للشركات المالية وعملائها، إلى جانب إتاحة الفرص للمحتالين.
المحتالون يشترون حاليا بيانات مسروقة تباع على الإنترنت المظلم، ويحصلون على صور ضحاياهم من منصات التواصل الاجتماعي
وقالت إيمي هوغان برني المديرة العامة لإدارة مراقبة الأمن السيبراني والحماية بشركة مايكروسوفت “بدأنا نشهد تطوراً أكبر في ما يخص الجرائم الإلكترونية”.
ويتوقع أن تبلغ الخسائر الناجمة عن الجرائم الإلكترونية على الصعيد العالمي 8 تريليونات دولار هذا العام، وستبلغ 10.5 تريليون دولار بحلول 2025، بعد أن ارتفعت أكثر من 3 أضعاف خلال عقد، وفقاً لشركة “سايبر سكيوريتي فينشرز” للبحوث.
وفي ضاحية رِدفيرن بمدينة سيدني، يقضي بعض أفراد فريق روبرتس الذي يضم أكثر من 500 فرد، الأيام في التنصت على المحتالين ليسمعوا بأنفسهم كيف يغير الذكاء الاصطناعي قواعد المعركة، فطلب زائف للحصول على المال من شخص عزيز ليس بجديد، لكن حالياً يتلقى الوالدان مكالمات تستنسخ صوت طفلهم بالذكاء الاصطناعي ليستحيل تمييزه عن الصوت الحقيقي. وتلك الحيل، المعروفة باسم الاحتيال باستخدام الهندسة الاجتماعية، تتجه إلى تحقيق أعلى معدل نجاح، وتوفر قدرا من أسرع الأرباح للمحتالين.
وتزداد سهولة استنساخ صوت شخص، ففور تحميل المحتال عينة قصيرة قد تكون مدتها 30 ثانية فقط من مقطع صوتي من حسابات التواصل الاجتماعي أو رسائل البريد الصوتي لشخص ما، يمكنه استخدام أدوات تركيب الصوت بالذكاء الاصطناعي المتاحة على الإنترنت لإنشاء المحتوى الذي يحتاجه.
وتسهّل حسابات التواصل الاجتماعي العامة التعرف على أقارب وأصدقاء شخص ما، ناهيك عن معرفة عناوين سكنهم وعملهم ومعلومات مهمة أخرى.
وما تشهده فرق الاحتيال حتى الآن هو مجرد لمحة مما سيتيحه الذكاء الاصطناعي، حسب روب بوب مدير هيئة الأمن السيبراني التابعة لحكومة نيوزيلندا، الذي أشار إلى أن الذكاء الاصطناعي يساعد المجرمين على زيادة هجماتهم وتخصيصها في نفس الوقت، وأضاف “الأرجح أننا سنشهد عدداً أكبر من الهجمات الإجرامية المستخدم فيها الذكاء الاصطناعي خلال السنتين أو الثلاث سنوات المقبلة. ما يفعله الذكاء الاصطناعي هو تسريع مستويات التطوير وزيادة قدرة أولئك المجرمين على تغيير إستراتيجيتهم بسرعة كبيرة. الذكاء الاصطناعي يسهل عليهم الأمور”.
ولإعطاء لمحة عن التحدي الذي تواجهه البنوك، قال روبرتس إن “كومنولث بنك أوف أستراليا” يتعقب حاليا نحو 85 مليون حادث يوميا عبر شبكة من أدوات المراقبة، في دولة يبلغ تعداد سكانها 26 مليون نسمة فقط.
وهناك مشكلة واحدة تواجهها الشركات والمؤسسات المالية، فكلما شددت الإجراءات يحاول المجرمون العثور على أسلوب للالتفاف عليها، فعلى سبيل المثال، تفرض بعض البنوك الأميركية على العملاء رفع صورة لمستند إثبات الهوية عند إنشاء حساب، فيشتري المحتالون حاليا بيانات مسروقة تباع على الإنترنت المظلم، ويحصلون على صور ضحاياهم من منصات التواصل الاجتماعي، ويطبعون أقنعة ثلاثية الأبعاد لإنشاء هويات زائفة باستخدام البيانات المسروقة. و”قد تتباين تلك الأقنعة ما بين أي شيء قد تشتريه من متجر لأزياء الهالوين إلى قناع من السيليكون يناسب معايير هوليوود أشبه ما يكون بالوجه الحقيقي”، حسب آلان ماير مدير قسم التحقق من الهوية بشركة “بليد” التي تساعد البنوك وشركات التكنولوجيا المالية وشركات أخرى على مكافحة الاحتيال عبر برنامجها للتحقق من الهوية. وتحلل “بليد” نسيج البشرة وشفافيتها للتأكد من أن الشخص الظاهر في الصورة يبدو حقيقياً.
وقال ماير الذي كرّس حياته المهنية لاكتشاف الاحتيال، إن أمهر المحتالين الذين يديرون مخططاتهم كما لو كانت شركة، يطورون برامج للاحتيال ويجهزونها للبيع في الإنترنت المظلم، وقد تتراوح الأسعار ما بين 20 دولاراً والآلاف الدولارات. وأضاف “على سبيل المثال، قد يكون امتداداً لمتصفح كروم ليساعدك على اجتياز التحقق من بصمة الأصبع، أو أدوات قد تساعدك على إنشاء صور اصطناعية”.
وتخشى البنوك من أن يسهل تغيير القوانين الأمور على المحتالين. ويحاول قادة القطاع المالي في أنحاء العالم أيضاً إلقاء جزء من المسؤولية على شركات التكنولوجيا.
والنوع الأسرع انتشاراً من الاحتيال هو الاحتيال الاستثماري، ويُعرض غالباً على الضحايا عبر محركات البحث، حيث يمكن للمحتالين شراء مساحات إعلانية مُمولة بسهولة. وعندما ينقر عليها المستثمر المحتمل، يجد في الأغلب نشرات تمهيدية حقيقية وبيانات مالية أخرى. وبعد تحويل المال، قد يستغرق الأمر شهوراً، إن لم يكن سنوات، قبل أن يدرك المستثمر أنه وقع ضحية للاحتيال عندما يحاول تسييل استثماره.
ومنتصف الصيف الماضي، أرسلت مجموعة مكونة من 30 بنكاً في المملكة المتحدة خطاباً إلى رئيس الوزراء ريشي سوناك تطالب فيه بمشاركة شركات التكنولوجيا في رد أموال ضحايا الاحتيال الناجم عن منصاتها. وتقول الحكومة إنها تعتزم إصدار قانون جديد واتخاذ إجراءات أخرى لتضييق الخناق على عمليات الاحتيال المالي على الإنترنت.

Top