بنعبدالله: كل مقترحات حزب التقدم والاشتراكية حول إصلاح مدونة الأسرة تستند إلى المرجعية الدستورية

قال محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، “إن الخطب الملكية التي أطلق من خلالها جلالة الملك محمد السادس ورش إصلاح مدونة الأسرة، والمبادرة الملكية المتمثلة في إحداث الهيئة المكلفة بمراجعة هذه المدونة، تعني أننا بصدد إصلاح حقيقي، وليس كما تعتبره بعض الأطراف، مجرد محاولة شكلية لا ترقى إلى مراجعة هذه المدونة في العمق”.
وأوضح نبيل بنعبد الله في ندوة صحفية عقدها بمعية الوفد الذي رافقه لتقديم مذكرة حزبه أمام الهيئة المكلفة بإصلاح مدونة الأسرة، أنه في الفترة التي اعتمد فيها المغرب المدونة الحالية سنة 2004، لم يكن حينها قد اعتمد دستور 2011، وبالتالي، يضيف المتحدث، فإن المنطلق الأساسي لحزب علي يعته، وبالنسبة للعموم المغاربة هو أن الدستور الجديد يؤكد في ديباجته، على أن المغرب يطمح إلى بناء دولة ديمقراطية قائمة على الحق والقانون، وعلى إرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، وعلى التشبث بمنظومة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا وحمايتها ومراعاة طابعها الكوني، وعدم قابليتها للتجزيء، وعلى حظر ومكافحة كل أشكال التمييز بما فيه التمييز بسبب الجنس أو المعتقد وعلى الالتزام بما تقتضيه المواثيق الدولية، وجعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب تسمو على التشريعات الوطنية، مع العمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة.
ومن ثمة، يؤكد زعيم التقدميين المغاربة، على أنه قبل الخوض في مضامين مدونة الأسرة، يتعين التأكيد على أن كل ذلك يتم في إطار القانون الأسمى للبلاد، وهو الدستور الذي أقره المغاربة، وهو ما يعني، بحسبه، أن الجميع ملزم بمضامين هذا الدستور والمقتضيات التي جاء بها، بما فيهم أولئك الذين لا يريدون تطبيق بعض المقتضيات، مشيرا إلى أن الفصل 19 من القانون الأسمى ينص على أن الرجل والمرأة يتمتعان على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في الدستور، وفي الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب في نطاق أحكام الوقيفة الدستورية وثوابت المملكة وقوانينها، بالإضافة إلى تنصيصه على أن المملكة المغربية دولة إسلامية، وأن الهوية المغربية تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال.
وأضاف محمد نبيل بنعبد الله، أن حزب التقدم والاشتراكية محكوم بالدستور، وأن كل المقترحات التي يطرحها بخصوص إصلاح مدونة الأسرة، تستند على المرجعية الدستورية، وهو يعتبر في الوقت ذاته، أن مسار التحقيق الفعلي للمساواة وعدم التمييز على أساس الجنس أو المعتقد هو جزء من معركة طويلة وشاقة لبناء مغرب الديمقراطية والنماء. إنه مسارـ يقول المتحدث، راكم الكثير من المكتسبات، كما تشوبه كثير من الاختلالات، مما يطرح علينا العديد من التحديات، داعيا إلى نقاش هادئ، وناضج، ومسؤول من أجل الوصول إلى نتائج إيجابية في إطار الثوابت الجامعة للأمة المغربية.
كما أن مراجعة مدونة الأسرة، في نظر نبيل بنعبد الله، تقتضي ملامسة قوانين أخرى، وفي مقدمتها القانون الجنائي، وقانون الكفالة وقانون الحالة المدنية، وغيرها من القوانين المؤطرة والتي هي في حاجة إلى الملاءمة مع الدستور ومع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.

فاطمة الزهراء برصات: منع زواج الرجل خلال فترة عدة المرأة بالعدة

وبخصوص مقترحات الحزب الستة عشر التي قدمها للهيئة المكلفة بإصلاح مدونة الأسرة، شددت فاطمة الزهراء برصات عضو الديوان السياسي للحزب، على ضرورة منع وتجريم تزويج الطفلات دون سن 18 سنة، ووضع حد لأي استثناء لذلك، مشيرة إلى أن تزويج القاصرات له انعكاسات وخيمة على هؤلاء الطفلات سواء على المستوى الصحي أو النفسي، أو على المستوى الاجتماعي، ويحرمن من أبسط حقوقهن الدستورية وفي مقدمتها الحق في التعليم.
وأضافت برصات، أن ظاهرة تزويج الطفلات دون سن 18 سنة، بلغت أرقاما قياسية وجد مقلقة، وهي تسير في اتجاه معاكس للتحولات المجتمعية، وتعكس انتهاكا صارخا لحقوق الطفل وتجاهلا لمصلحته الفضلى بشكل تعسفي وواسع، وتهدد استقرار الأسر وتوازنها، مشيرة إلى أن تزويج القاصرات هو نوع من أنواع الرق ويجسد مظهرا من مظاهر الاتجار في البشر ما يستوجب تجريمه عبر ترتيب العقوبات الزجرية الكفيلة بمحاربته.
ومن بين المقترحات التي تضمنتها مذكرة حزب التقدم والاشتراكية، والتي أوردتها فاطمة الزهراء برصات، توحيد مساطر الطلاق، والاكتفاء بالطلاق الاتفاقي وطلاق الشقاق، (عوض التطليق للشقاق)، وذلك تبسيطا للنص التشريعي، مع ضرورة تكريس حق التعويض عن الضرر الناتج عن الطلاق للشقاق لفائدة الطرف المتضرر سواء كانت المرأة أو الرجل، مع استبدال مصطلح المتعة بالتعويض عن الضرر لأنه حاط من كرامة المرأة.
إلى ذلك، طالب حزب التقدم والاشتراكية، وفق ما أوردته برصات، بمراجعة التصور التقليدي للعدة ولمقاربة مدتها من خلال اللجوء إلى الوسائل العلمية الحديثة للتأكد من وجود حمل من عدمه إعمالا لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة على أساس ألا يُسمح للرجل بالزواج هو أيضا خلال هذه الفترة المحددة، مبرزة أن الهدف من هذا المقترح هو إمكانية التراجع عن فكرة الطلاق، وإصلاح ذات البين في حال تبين أن هناك حمل.
ومن بين المقترحات التي تضمنتها مذكرة حزب الكتاب، إصلاح مؤسسة الصلح وإحداث آلية الوساطة الاجتماعية، والتي أصبحت في نظر القيادية الحزبية، ضرورة ملحة باعتبارها وسيلة مهمة للحد من هذا النزيف، في ظل الإشكالات العملية التي يعرفها تطبيق مسطرة الصلح، وجعلها مستقلة، وكمرحلة أولى يتوجه إليها الزوجان، مشيرة إلى أنه بات من الضروري التفكير في في تأطير الوساطة الأسرية لتساهم في تعزيز وتنويع صيغ الاستشارة في النزاعات الأسرية، قبل اللجوء إلى تحكيم القضاء.

سمية منصف حجي: إلغاء التعصيب وفتح نقاش هادئ ورصين حول قضايا الإرث

من جانبها شددت سمية منصف حجي، عضو الديوان السياسي للحزب، وعضو الوفد الحزبي الذي التقى الهيئة المكلفة بإصلاح المدونة، على ضرورة المنع التام لتعدد الزوجات لما يمثله من حيف وتمييز ضد المرأة، ويكرس مظهرا من مظاهر الاستعباد في صيغة الجديدة، ويضرب في العمق كل المقتضيات المتعلقة بالمساواة بين الرجل والمرأة.
وأوضحت سمية حجي، أن هذه الظاهرة، رغم أنها تبدو غير مقلقلة بحسب الأرقام الرسمية، إلا أنها في الواقع تشكل أحد أسوأ أشكال التمييز والعنف القانوني ضد المرأة، وهي متفشية بشكل غير معلن، عن طريق زواج الفاتحة، وتزوير الإذن الواحد، مؤكدة على أنه يتعين القطع بصفة نهائية مع التعدد.
كما أوردت القيادية في حزب التقدم والاشتراكية، مقترح حزبها القاضي بضرورة إقرار المساواة في حضانة الأبناء بين الزوج والزوجة، مشيرة إلى أن المرأة تعاني حيفا كبيرا على هذا المستوى حيث تجد نفسها مضطرة لأن تختار بين حياة زوجية جديدة أو الاحتفاظ بحضانة أبنائها، في حين أن هذه المسألة لا تطرح بالنسبة للزوج، ما يشكل تجليا آخر من تجليات التمييز بين الأبوين، لذا وجب عدم تقييد احتفاظ الأم بالحضانة بعدم زواجها أو بعقيدتها أو بوضعها المادي، بالإضافة إلى ضرورة جعل حضانة الطفل الذي يوجد في وضعية إعاقة مسؤولية مشتركة يتقاسمها الأبوان معا، ورفع سن التمييز بالنسبة للطفل المحضون إلى 12 سنة.
وتضمنت مدونة حزب التقدم والاشتراكية، مطلب إلغاء التعصيب في إفق إقرار المساواة في الإرث، حسب ما ذكرته سمية منصف حجي، التي اعتبرت أن استمرار العمل بالتعصيب فيه مآسي كبيرة، ويساهم في تشريد الأمهات وبناتهن، مشيرة إلى أن حزب التقدم والاشتراكية يؤكد على ضرورة فتح نقاش هادئ ورصين جدي ومسؤول، حول قضايا الإرث، وفق مبادئ المناصفة والمساواة، بما يستجيب للمتطلبات الواقعية التي أفرزها المجتمع، ويتفاعل إيجابا مع الاجتهادات المتقدمة في هذا الباب، وذلك في سبيل إحقاق المساواة الفعلية بين المرأة والرجل.

عزوز الصنهاجي: تبسيط إجراءات الزواج بالنسبة للمواطنين والمواطنات المقيمين بالخارج ومنع التمييز علىأساس الجنس أو المعتقد

من جانبه، أوضح عزوز الصنهاجي، عضو الديوان السياسي لحزب الكتاب، وعضو الوفد الذي قدم مذكرة الحزب للهيئة المكلف بإصلاح المدونة، أن هذه المذكرة تضمنت مقترحا، وصفه بـ “المهم” وهو تبسيط إجراءات الزواج بالنسبة للمواطنين والمواطنات المقيمين بالخارج، بالنظر إلى المشاكل المتعددة التي تواجههم على هذا المستوى، مشيرا إلى أن منع المرأة من الزواج بغير المسلم، مقابل منح الرجل حق الزواج بغير المسلمة، هو تمييز واضح قائم على أساس الجنس أو المعتقد، ويتناقض مع ما نص عليه الدستور وما تنص عليه المواثيق الدولية كما أنه لا يأخذ بعين الاعتبار التحولات الاجتماعية، وحركية الهجرة، وارتفاع حالات الزواج المختلط، ويدفع هذا المنع غالبا النساء المغربيات المتضررات منه إلى الاقتصار على إبرام عقد زواج مدني ببلدان المهجر، مع ما يترتب عن ذلك من مشاكل ببلدهن الأصلي تمس حقوق كل أفراد أسرهن، بالإضافة إلى أن العديد من هؤلاء يلجأ إلى التحايل على القانون عبر إعلان كاذب لاعتناق الإسلام من قبل الزوج كإجراء شكلي فقط.
كما يطالب حزب التقدم والاشتراكية، حسب عزوز الصنهاجي، بضرورة إلزامية توثيق عقد الزواج في حينه، لأن مقتضيات المادة 16 من المدونة الحالية التي عرفت التمديد لمرات عديدة، استنفذت مداها، وذلك بهدف وضع حد لعدم توثيق الزواج، وعدم استغلال ذلك من أجل تزويج القاصرات والتعدد.
وأضاف المسؤول الحزبي، أن اعتبار المصلحة الفضلى للأطفال، يتعين أن تأخذ بشكل عرضاني في المدونة، مشيرا إلى ضرورة تبسيط المساطر المرتبطة بالطعون سواء من طرف الزوج أو الزوجة، وتعجيل الأحكام بما يخدم المصلحة الفضلى للطفل، لأن الإطالة داخل ردهات المحاكم، يعطل مصلحة الأطفال.

شرفات أفيلال: تخصيص بيت الزوجية للحاضنة أو الحاضن وإشراك النيابة العامة في إجراء الخبرة المالية على الزوج

وفي موضوع تدبير الممتلكات المكتسبة من قبل الزوجين أثناء فترة الزواج، قالت شرفات أفيلال عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية وعضو الوفد الحزبي، ” ينبغي، في هذا الموضوع، ضمان حقوق كل من الزوجة والزوج في حالتي الطلاق والوفاة على نحو اختياري، من خلال جعل وثيقة تدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام الزواج من الوثائق الإلزامية لاستكمال ملف طلب الزواج، حتى يكون الزوجان على علم بها مسبقا ويعملان على اختيار ما يناسبهما قبل عقد الزواج وليس حين عقده”، مشيرة إلى أنه في حال عدم حصول اتفاق فيتعين حفظ حقوق الزوجة التي لا تشتغل خارج البيت على وجه الخصوص، سواء عند الطلاق أو عند وفاة الزوج بالحرص على تقييم العمل المنزلي وكل أعمال الرعاية التي يتعين اعتبارها مساهمة في تكوين الأموال المكتسبة خلال فترة الزواج، وذلك بالأخذ بمبدأ الكد والسعاية.
كما أفادت شرفات أفيلال أن من بين مقترحات حزبها، إقرار المسؤولية المشتركة بين الزوجين في الولاية القانونية على الأبناء، على اعتبار أن هناك تمييز على هذا المستوى، بالإضافة إلى المطالبة بتخصيص بيت الزوجية للحاضنة أو الحاضن، وإشراك النيابة العامة في إجراء الخبرة المالية على الزوج، في موضوع النفقة مع تحديد الآجال الزمنية لتنفيذها، مشيرة في هذا الجانب إلى ضرورة اللجوء إلى الاقتطاع من المنبع بالنسبة للموظف والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص، وإقرار إمكانية اللجوء إلى نفقة الأم في حال تعذر على الرجل، وإصلاح صندوق التكافل العائلي وتمكين الأم العازبة من الاستفادة منه.
إلى ذلك طالب حزب التقدم والاشتراكية بإلغاء المادة 400 من مدونة الأسرة الحالية التي تشكل خطرا على الأمن القانوني، وعلى التطبيق السليم للقانون، وتهدد المكتسبات التي حققتها بلادنا في مجال الحريات والحقوق الأساسية، ذلك أن هذه المادة جعلت من القاضي مُشرعا عوض أن يكون مطبقا للقانون، ووسعت، بشكل غير محدود من نطاق التطبيق القضائي لأحكام الفقه المنصوص عليها في القانون، مما يؤدي إلى تعدد الاجتهادات، وحتى تناقضها أحيانا، وتداخلها مع اختصاصات المجلس العلمي الأعلى.

محمد حجيوي
تصوير: رضوان موسى

Top