أكبر من احتضان مونديال كرة قدم…

القرار الذي أعلن عنه جلالة الملك في العاصمة الرواندية كيغالي بانضمام المغرب إلى الترشيح الإسباني البرتغالي لاستضافة مونديال كرة القدم لعام2030، واحتفاء اتحادي الكرة وحكومتي البلدين الإيبريين بذلك، يجعل الأمر أكبر من التظاهرة الرياضية المعنية، ويبرز رسالة حضارية وثقافية، وخطوة لا تخلو من دلالة سياسية استراتيجية.
بالفعل الترشيح الثلاثي المغربي الإسباني البرتغالي لن يكون تحدي المنافسة أمامه سهلا ومنسابا، خصوصا في مواجهة الترشيح اللاتيني، ولكن، مع ذلك، تبقى الخطوة عميقة الدلالات في السياق الجيو استراتيجي الإقليمي والدولي الحالي، وتؤكد مكانة المملكة في محيطها، وأيضا تطور الدينامية الإيجابية لعلاقات المغرب مع اسبانيا والبرتغال.
الإعلان الملكي يعني أنه كان مسبوقا بشهور من التفكير المشترك، والتخطيط والحوار، ويكشف أن مسؤولي الكرة في البلدان الثلاثة والسلطات السياسية اقتنعوا بقوة خطوة الترشيح المشترك، وبتكامل ما تقدمه الدول المعنية مجتمعة من فرص وممكنات النجاح.
البلدان الإيبريان الجاران للمغرب اقتنعا بما يوفره هذا الأخير من إمكانيات وفرص، سواء من خلال القرب الجغرافي والبنيات التحتية الرياضية والعامة، وأيضا من خلال الخبرات التنظيمية والشغف بكرة القدم، ومن ثم سيمثل انضمام المملكة قيمة مضافة حقيقية لملف الترشيح.
في السياق نفسه، يعتبر المنجز الكروي الميداني غير المسبوق لمنتخب المغرب خلال مونديال الدوحة، وانتشاء كل الشعوب الإفريقية والعربية بذلك، عاملا معززا من شأنه كسب أصوات العديد من الاتحادات الكروية المحلية أثناء التصويت، سواء من إفريقيا أو آسيا.
لا بد أيضا من التأكيد هنا على أن إعلان جلالة الملك جرى أثناء تسليم الإتحاد الإفريقي لكرة القدم لجائزة التميز للعاهل المغربي، وكان ذلك رسالة قوية تحتفي بما أنجزه المغرب داخل القارة، في كرة القدم والرياضة أو على مستوى البنيات الأساسية ومسلسلات التنمية ومحاربة الفقر والهشاشة والشراكات الاقتصادية والتقدم الاجتماعي، ومن ثم سيكون الترشيح الثلاثي جسر تواصل رياضي بين أوروبا وإفريقيا، ودلالة على أن افريقيا تستطيع، هي أيضا، إنجاح المبادرات التعاونية والتكاملية إن فيما بين دولها أو بينها وبين دول من قارات أخرى، شريطة التعامل معها باحترام وندية، وأن تعزز شعوبها ومجتمعاتها ثقتها في نفسها، وفي قدراتها وإمكانياتها الذاتية.
الترشيح الثلاثي الإيبري المغربي لاحتضان كأس العالم لكرة القدم من شأنه، إذا فاز في التصويت، أن ينجح في صياغة عرض مونديالي متميز على صعيدي التنظيم والجاذبية، وأيضا من شأنه تفعيل منظومات تعاون وشراكة بين البلدان الثلاثة الجارة في كرة القدم والرياضة، وكذلك في الميادين الاقتصادية والتجارية والتجهيزية وسواها، علاوة على أن الحدث من شأنه التأسيس لتعاون إقليمي متوسطي يفتح الباب لمرحلة جديدة على هذا المستوى، ويعزز الدينامية المستجدة، خصوصا في العلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد.
تبعا لكل هذا، يعتبر الإعلان الملكي التاريخي في كيغالي أكبر من بعده الرياضي والكروي، وهو يجسد خطوة ديبلوماسية وسياسية استراتيجية ذكية وعميقة المعنى والأبعاد، خصوصا في السياقات الإقليمية والدولية الحالية، والتي تطفح بالصعوبات والتعقيدات والتحديات.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Top