الشاعرة المغربية مينة الأزهر.. الشعر بالنسبة لي هواء أتنفسه وأشتغل حاليا على مجموعة قصصية

تعتبر الشاعرة مينة الأزهر، من بين الشاعرات العاشقات لسحر الكلمات، حيث تتميز قصائدها بالاقتصاد في اللغة، لأنها كنز لا يجب تبذيره على حد وصفها، كما أن نصوصها الإبداعية تملؤها صور شاعرية الأحاسيس الإنسانية، وخاصة النسائية، وسبر أغوار الذات والفضاء ومقاومة رتابة الواقع المعيش.
صدر لمينة الأزهر ديوان شعري أول موسوم بـ “غيمة تمنعني من الرقص”، سنة 2019، كما صدر لها أضمومة شعرية ثانية تحت عنوان: “بين حُبيبات الرذاذ، خلسةُ صفاء”، سنة 2022. وشاركت الشاعرة الأزهر في العديد من الملتقيات الأدبية، ونشرت لها عدة نصوص شعرية ونثرية في منابر وطنية، منها الورقية والإلكترونية. وفي هذا الحوار الثقافي، تفتح جريدة بيان اليوم نافذة النقاش مع مينة الأزهر للحديث عن تجربتها الشعرية.

< ما هو سر تعلقك بالشعر؟
> بطريقة ما وقعت في عشق اللغة، اللغة العربية أساسا في محيطي العائلي الصغير أولا، حيث ولدت ونشأت في حضن أسرة، الوالد يرتل القرآن الكريم باستمرار في كنفها، والوالدة تروي بتشويق ممتع قصص الأنبياء وحكايات محتشدة بالأساطير. وفي المدرسة وعبر القراءة ثانيا. وكذلك بسبب حضوري منذ الصغر للفعاليات الثقافية التي كانت أزمور تحتضنها باستمرار، حيث كانت الأبيات الشعرية تحلق عاليا في السماء مثل آذان يدعو للتخشع والتأمل، منشَدَة من قبل أصوات شعرية مغربية كبيرة. غوتني الكلمة وصارت ترفع تحديا في مواجهتي، تحديا لم أجد بديلا عن الانخراط في لعنته الآسرة، أجبرني على خوض الحرب ضد بياض الأوراق مسلحة بقلم حبر جاف وممحاة. فيروس مزمن أكثر فأكثر، هو بمثابة بلسم لتغدو الحياة حياة، وسعي لتملك ما يجعل الإنسان إنسانا وما يضفي على الأيام معنى. وكان طبعا لفضاءات مدينة طفولتي ونشأتي وجنبات نهر أم الربيع، بشكل أو بآخر، دور في إقحامي في خانة من يدعون التعبير شعريا.

< هل تكتبين لأناك أم للغير؟
> الشعر بالنسبة لي هواء أتنفسه. بستان أستنشق عبير وروده. أرنو إليه لتخليص الذات مما تحمله من ضغوطات وأنتصر للحياة بواسطته ضد رداءة الكون. القصيدة، قبل أن تنكتب، همس للذات، حنين ذاتي لما كانته الذات، هدهدة لوليد يتخلق في رحم عزلة مخاض موجع ومناجاة شخصية للريح علها تهمد. هو ملكية شخصية قبل وضع نقطة الختم بعد إحدى محاولاتي في سياق بحثي عن ناصيته. وبعدها، يتسلل بعيدا عني، يتخلص من استحواذي عليه ليصير ملكا لقارئه المفترض. ومع ذلك، ولأن الإبداع، من وجهة نظري المتواضعة، قضية رسالة أحاول عبرها دغدغة العقل بدل مداعبة النبض، فالقارئ المفترض يكون قريبا مني، لكن دون أن يهيمن علي أو يتدخل في تفاصيل الخيمياء التي تعتمل في دواخلي وأنا أواجه سلطة البياض. الإبداع قارة واستقباله قارة مغايرة، ولكل واحدة منهما حاكم مستبد يفترض فيه العدل إزاء المتربع على عرش الأخرى.

< في زمن طغت فيه الرقمية و أخذتنا في دهاليزها، كيف توفق مينة الأزهر بين العمل والقراءة والكتابة؟
> أكون كاذبة إن ادعيت أن الأمر هين، لكن أحاول قدر الإمكان تجاوز حرمة الوقت/ حرمة الصمت لأقدر على خط أحرف من ماء الصبر وكلمات من رحيق المعاناة والصمود تعكس بعض المعنى، أو على الأقل بداية لبدايات المعنى. في أحيان كثيرة يملي الشعر علي نفسه دون سبق إصرار ولا ترصد، فألجأ إلى ورقة عذراء وقلم لأستنسخه، وليس إلى حاسوب.
أما الرقمنة، فهي شر لا بد منه في الحياة المهنية، لكنني لا أعد نفسي مدمنة عليها بشكل أو بآخر خارج العمل. للسند الورقي، عند الكتابة أو القراءة، لذة خاصة متفردة لا يمكن لشاشة الحاسوب أو لوحة مفاتيحه القيام مقامها.

< هل يمكن أن نشاهدك يوما ما تكتبين الرواية أم أنك وفية لدائرة الشعر؟
الشعر ملاذي الأبدي… لكن هذا لا يمنعني من الاشتغال حاليا على مجموعة قصصية. أما الرواية، فهي تتطلب استعدادات خاصة وبرنامج عمل مختلف تماما رغم أنها تحولت راهنا إلى “ديوان العرب”. أنا مدمنة على قراءة المنجز الروائي المغربي الحالي، وأكن احتراما وتقديرا كبيرين للشعراء المغاربة الذي حققوا الانتقال لكتابة الرواية بشكل متميز وممتاز.

< أيهما الآخر، هل القصيدة تسكنك أم أنك تسكنينها؟
> أكتب بفطرتي الخالصة، بصليقتي الخالية من التجليات. أكتب ما تمليه علي نفسي وقريحتي. أحاول أن أستحضر وأتمثل ذاكرة المكان الذي ترعرعت فيه، الطفلة التي كنتُها، الأنثى التي صرتها أو بالأحرى التي فرض علي المجتمع أن أصيرها. من يسكن الآخر، النص الشعري أم الذات الكاتبة، وهل الذات كاتبة فعلا أم مجرد ناسخة؟ لست أدري! كل ما أعرفه أنني لا أنسخ القصيدة وفق طقوس وفي أوقات محددة ومعينة، بل في حالات بعينها.

< من هو الشاعر الذي تأثرت به؟
> تأثرت بشكل كبير بالفرنسي شارل بودلير، صاحب “أزهار الشر” و”سأم باريس”، وبشكل أقوى بمحمود درويش ومحمد الماغوط وعبد الكريم الصباغ ومحمد السرغيني ومحمد بوجبيري ومحمد بن طلحة … اللائحة طويلة جدا وبصدق أعتز جدا بالمبدعين الذين لا يزالون يبذلون جهدا من أجل المساهمة في إغناء الساحة الأدبية، ومن بينهم العديد من الأصوات الشعرية الجديدة.

< إن خيرناك بين ديوان “غيمة تمنعني من الرقص” وبين “حبيبات الرذاذ، خلسة صفاء”، أيهما تفضلين؟
> أعتقد أنه لا مجال للتفضيل بينهما. هل تفاضل الأم بين فلذات كبدها؟ لكل واحد منهما سياقه ومتعته والاحتفال الذي حظي به. وفي الحقيقة، فديواني المفضل لدي بامتياز، يبقى هو الديوان الذي لم أنجزه بعد، والذي قد يأتي وقد لا يأتي.

< تربطك بأزمور علاقة وطيدة، تحدثي لنا عنها قليلا؟
>هي علاقة الرضيع مع ثدي أمه، وربما الرحيل منها جعلني شغوفة بها حد التقديس. أزمور تبقى الأرضية الثقافية الخصبة التي نهلت من عبقها، أعتبرها خلفيتي وملاذي، منطلقي بين البحر والنهر. لها الفضل في أن يكون الشعر منهجا لحياتي البسيطة. يقول العارف بدين الحب الشيخ محيي الدين بن عربي: “أدينُ بدين الحب أنّى توجهتْ/ ركائبُهُ فالحبّ ديني وإيماني”، وركائب الحب، لدي، تتوجه دائما صوب… أزمور!

< حاورها: عبد المالك اجريري

Related posts

Top