ندوة علمية دولية بالرباط تناقش العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية

شكل موضوع العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية موضوع ندوة علمية دولية، أول أمس الثلاثاء بالرباط، من تنظيم رئاسة النيابة العامة بشراكة مع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية. 
وشارك في هذه الندوة العلمية، التي تنظم بدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة، بالإضافة إلى 100 مشارك من السلك القضائي المغربي ومن القطاعات المعنية بحقل العدالة، 40 شخصا ينتمون إلى دول عربية هي السعودية والأردن والسودان وتونس ومصر والبحرين والكويت وعمان وفلسطين.
وتروم هذه الندوة العلمية، التي قام بتأطيرها خبراء مغاربة وعرب وأوربيين، تعزيز قدرات المشاركين، لاسيما القضاة العاملين في قضاء التحقيق وقضاء الأحداث والنيابة العامة، حول الممارسة الفضلى في مجال بدائل العقوبات السالبة للحرية، لأجل التخفيف من حالات الاعتقال الاحتياطي في صفوف الرشداء والأحداث، وتطوير أداء منظومة العدالة الجنائية الوطنية.
وحددت الأهداف الأساسية لهذه الندوة في بيان مكانة بدائل العقوبات السالبة للحرية في منظور القانون الجنائي المقارن والعلوم الإنسانية ذات الصلة وتوضيح الممارسات الحسنة في مجال إعمال العقوبات السالبة للحرية في قوانين الدول العربية، وشرح الجهود والتطبيقات القضائية العربية لبدائل العقوبات السالبة للحرية.
كما توخت الندوة دراسة أثر بدائل التدابير السالبة للحرية على ظاهرتي الاكتظاظ السجني والعود إلى الجريمة وتقديم مقترحات لتطوير وتنظيم بدائل العقوبات السالبة للحرية في قوانين ومؤسسات العدالة الجنائية، خاصة وأن وزارة العدل قد أعدت حاليا مشروع قانون يتعلق بالعقوبات البديلة.
وبهذه المناسبة، قال وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، في كلمة خلال افتتاح اللقاء، إن الاقتناع أصبح راسخا من خلال التشخيصات على منظومة العدالة الوطنية أن الوضع العقابي القائم أصبح بحاجة ماسة لاعتماد نظام العقوبات البديلة، خاصة في ظل المؤشرات والمعطيات المسجلة على مستوى الساكنة السجنية بالبلاد والتي تفيد أن ما يفوق 40 في المائة من السجناء محكومون بمدة تقل عن سنتين.
وأضاف الوزير أن العقوبات الصادرة بسنتين وأقل شكلت نسبة 44,97 في المائة حسب الاحصائيات المسجلة سنة 2020، وهو ما يؤثر سلبا على الوضعية داخل المؤسسات السجنية ويحد من المجهودات والتدابير المتخذة من طرف الادارة العقابية في تنفيذ برامج الإدماج وإعادة التأهيل وترشيد تكلفة الإيواء، لافتا إلى أن الممارسات أبانت عن قصور العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة في تحقيق الردع المطلوب والحد من حالات العود إلى الجريمة.
وأبرز أن مشروع قانون العقوبات البديلة أصبح يشكل رهانا أساسيا حرصت الوزارة على تسريع وثيرة تنزيله على أرض الواقع باهتمام بالغ وذلك من خلال البحث عن المقاربة والشروط الكفيلة لضمان نجاحه بتشاور مع كافة الجهات المعنية، مؤكدا أنه تم تهيئ مشروع قانون خاص بالعقوبات البديلة يجمع الأحكام القانونية الموضوعية والإجرائية معا إلى جانب الاحكام التنظيمية، نص عن خيارات متعددة للعقوبات البديلة ما بين العمل لأجل المنفعة العامة والمراقبة الالكترونية والغرامة اليومية وتدابير علاجية وتأهيلية أخرى لتقييد ممارسة بعض الحقوق.
ومن جانبه، قال الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، في كلمة ألقاها نيابة عنه الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، السيد مصطفى الإبزار، إنه ينبغي تحديث المنظومة القانونية وضمان المحاكمة العادلة والأخذ بالعقوبات البديلة، مشيرا إلى ضرورة استلهام تجارب الدول الناجحة في هذا المجال.
وأضاف أن المجلس يساهم في ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان عبر إعادة النظر في السياسة العقابية في المجال الزجري، مشددا على أن المجلس يستلهم سياسته من الخطب الملكية الداعية إلى نهج سياسة جنائية جديدة تقوم على مراجعة قانون المسطرة الجنائية.

ومن جهته، قال الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة، مولاي الحسن الداكي، في كلمة بنفس المناسبة، إن بدائل الاعتقال الاحتياطي والتدابير البديلة للعقوبات السالبة للحرية تحتل مكانة متميزة في تنفيذ السياسة الجنائية المعاصرة، مضيفا أن من شأن إدراجها في التشريعات الوطنية وتفعيلها على الوجه المطلوب أن يسهم في تخفيف وطئ العقوبات الحبسية قصيرة المدة وآثارها السلبية، لا سيما تلك المرتبطة بتفاقم مشكلة الاكتظاظ السجني الذي أضحى ظاهرة عامة تشهدها العديد من النظم العقابية.
وأكد الداكي أن حتمية هذا النقاش تزداد عندما يتعلق الأمر بأحداث دون سن المسؤولية، حيث تقضي فلسفة عدالة الأحداث اعتبار جميع الأطفال في تماس مع القانون، سواء كانوا ضحايا أو جانحين أو في وضعية صعبة، أطفالا محتاجين للحماية، مبرزا أن هؤلاء الأطفال يعتبرون ضحايا عوامل وظروف شخصية واجتماعية ساقتهم إلى التماس مع القانون، وينبغي لآليات العدالة أن تتقصى مصلحتهم الفضلى عند اختيار التدبير الأنسب لهم.
ولفت إلى أن “خيار البدائل بالنسبة للأطفال هو أكثر إلحاحا إذ يضعنا أمام رهان تحقيق المصلحة والإصلاح والتأهيل والإدماج دون اللجوء إلى سلب الحرية، وذلك باعتماد آليات معترف بها دوليا كالعدالة التصالحية ونظام تحويل العقوبة وبدائل أخرى أثبتت فعاليتها كالعمل لفائدة المنفعة العامة أو التدابير الرقابية الخاصة بالأحداث”.
بدوره، قال رئيس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، عبد المجيد بن عبد الله البنيان، إن الندوة العلمية تروم تسليط الضوء على بدائل العقوبات والتدابير السالبة للحرية في التشريعات العربية وغير العربية من حيث التقنين والتطبيق، وكذلك إبراز طبيعة تعاطي الأجهزة القضائية مع ما تتيحه المنظومات القانونية من العقوبات البديلة التي تخول الاستغناء عن التدابير السالبة للحرية.
وأضاف البنيان أن الندوة ستركز أيضا على بيان سبل تعزيز جهود مؤسسات المجتمع المدني التي تسعى إلى توسيع نطاق تطبيق العقوبات البديلة وتحديث الترسانة التشريعية ذات الصلة لغاية تجديد آليات العدالة الجنائية العقابية في الدول العربية، مشيرا إلى أن جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، أولت اهتماما بالغا بموضوع العقوبات البديلة ترجمه تعدد الأنشطة العلمية ذات الصلة، حيث أنجز الباحثون في الجامعة العديد من الدراسات العلمية المحكمة وأوراق السياسات المتعلقة بالعقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية.

أما السفيرة ممثلة اليونيسيف بالمغرب، سبيسيوز هاكيزيمانا ندابيهور فقد أشادت بجهود المملكة المغربية المتواصلة لتطوير منظومة عدالة ملائمة للأطفال، وكذا بالنتائج الملموسة مثل تقليص عدد الأطفال المحتجزين بنسبة 30 في المائة منذ عام 2017، ومضاعفة عدد الأطفال المستفيدين من بديل سلب الحرية منذ عام 2014.

من جهته، قال مدير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لدول مجلس التعاون الخليجي، حاتم علي، إنه آن الأوان من أجل ايجاد عقوبات بديلة للعقوبات السالبة للحرية، مشيرا إلى أن العقوبات البديلة يجب أن تكون منسجمة مع ثقافة البلدان العربية.
وحضر افتتاح هذه الندوة الرابعة، التي عرفت توقيع مذكرة تفاهم بين جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية والنيابة العامة الأردنية، على الخصوص سفير المملكة العربية السعودية بالمغرب، ورئيس النيابة العامة بالمملكة الأردنية الهاشمية، والنائب العام بمملكة البحرين، وممثلو مؤسسات وطنية والهيئات القضائية العربية ومؤسسات ومنظمات دولية وإقليمية ومسؤولون قضائيون.

Related posts

Top