المعرض والمتحف الدولي للسيرة النبوية.. مبادرة حضارية راقية للتعريف بشخصية رسولنا الكريم

أعلنت رابطة العالم الإسلامي عن تنظيم المعرض والمتحف الدولي للسيرة النبوية والحضارة الإسلامية، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس بمناسبة الاحتفاء بمدينة الرباط عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2022، وذلك بالتعاون مع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) والرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب.

وحسب بلاغ للإيسيسكو فقد تم الشروع في الإجراءات التنظيمية لهذا المتحف الذي ستستضيفه الإيسيسكو في مقرها في حي الرياض بالرباط. وسيكون المعرض والمتحف من أهم الفعاليات الثقافية هذه السنة في المغرب لما يحمله من معاني سامية باعتباره يقدم الصورة الحقيقية للإسلام من خلال التعريف بشخصية رسولنا الكريم وبسيرته الشريفة بواسطة أحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا الإعلام والاتصال .

وتجدر الإشارة إلى أن المقر الرئيس للمعرض يوجد بجوار المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، وقد أشرف على افتتاحه الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة المدينة المنورة، يوم 3 فبراير 2021، بحضور الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين، وعدد من الأئمة والدعاة ورجال الفكر.

وفي الوثيقة التعريفية بالمعرض ورد أنه يهدف إلى إظهار الإسلام في صورته الصحيحة، وتوفير أضخم وأشمل وأدق المحتويات ووسائل العرض العصرية لرسالة الإسلام السمحة وتشريعاتها الراقية، والعرض الشيِّق لسنَّة النَّبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وآدابه وشمائله وأخلاقه وهديه، عبر منهجٍ علميٍّ مبتكر، وعملٍ متقن، وتجديدٍ تقني متميز. ويضم المعرض محتويات ومقتنيات تاريخية وعدد من الأجنحة المتعددة لمشاهدة معالم حياة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة المكرمة والمدينة المنورة.

ويضم المعرض 25 جناحاً، ويعتمد على 350 أسلوباً تربوياً ووسيلة تعليمية، إضافة إلى 150 دليلاً عن عظمة الإسلام، وحفظ حقوق غير المسلمين، إلى جانب عرض أكثر من 500 قطعة من المصنوعات ومتحفيات العهد النبوي. وفقا لوكالة الأنباء السعودية.

كما يشتمل المعرض على دار عرض سينمائي تُعد الأولى من نوعها، لتقديم السيرة النبوية الشريفة عبر سلسلة أفلام موثقة بشكل متخصص، وعبر مضمون ومحتوى علميّ موثق لتُمكن الزائر من محاكاة واقع السيرة بكافة تفاصيلها والتفاعل معها، وتساعد في تكوين نقلة بالإنسان من العصر الحديث إلى العهد النبوي باستخدام أحدث تقنيات العرض البصري.

كما تم التأكيد على أن هذا المعرض يعد “الأضخم في التعريف الحضاري الشامل بالله عز وجل وأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وبالنبي ﷺ وآدابه الكريمة، وأخلاقه العظيمة وما تحمله من قيم ومبادئ حضارية إنسانية، عبر منهجٍ علميٍّ مبتكر، وعملٍ إبداعي متقن، وعرضٍ عصـريٍّ مبهر.”

وفي تصريح بمناسبة افتتاح المعرض في مقره الرئيس بالمدينة المنورة ، أشار الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي إلى أنه يُعد النواة والمقر الرئيس لمتاحف السيرة النبوية والحضارة الإسلامية، التي تعمل الرابطة على إنشائها في عدد من الدول الإسلامية وغير الإسلامية، مؤكداً أن هذه المشروعات تحظى بأهمية وأولوية ضمن مشروعات الرابطة ومبادراتها في خدمة الإسلام والمسلمين.

وأوضح أن المعرض يُعد النواة والمقر الرئيس لمتاحف السيرة النبوية والحضارة الإسلامية التي تعمل الرابطة على إنشاءها في عدد من الدول الإسلامية وغير الإسلامية، مؤكداً أن هذه المشروعات تحظى بأهمية وأولوية ضمن مشروعات الرابطة ومبادراتها في خدمة الإسلام والمسلمين.

وفي حوار صحافي أوضح الدكتور ناصر الزهراني، أمين مجلس إدارة المعارض والمتاحف الدولية في رابطة العالم الإسلامي أن المعرض والمتحف الدولي للسيرة النبوية والحضارة الإسلامية يعد أضخم عمل في تاريخ السيرة النبوية، ويحمل رسالة للمسلمين وغيرهم، ملخصها أن دين الإسلام دين الحب والرحمة والسلام والتسامح والعدل، وأشار إلى أن المعرض “يؤسس لمعرفة حقيقةِ السيرة النبوية، وبيان شمولها، وجمال آدابها، وهو بهذا يهدف إلى تعميق محبة النبي صلى الله عليه وسلم، والحث على أتباع سنته والاقتداء به صلى الله عليه وآله وسلم استجابة لأمر الله عز وجل: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم} وقوله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}. فهو صلى الله عليه وآله وسلم مضرب المثل في الصبر والعفو والصفح الجميل، ومقابلة الإساءة بالإحسان، قال تعالى: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم}.

إن تنظيم هذا المعرض يكتسي أهمية بالغة لاعتبارات عديدة من أهمها أنه يندرج في إطار رؤية مستنيرة تروم الدفاع عن معالم الحضارة الإسلامية والتعريف بها والرد على الحملات الإعلامية الهادفة إلى تشويه صورة الإسلام ومقدساته ورموزه، والصور النمطية السيئة والمخيفة التي روجتها عدد من الكتب والمقررات المدرسية في الدول الغربية، وبعض الإنتاجات السينمائية والرسوم الكاريكاتورية.

فالمقررات والكتب المدرسية في الغرب قدمت شخصية رسولنا الكريم للطلاب في صور متعددة فهو إما «رسول شاعر ملهم يرى رؤيا خارقة»، أو «شخصية مستبدة برأيها»، أو «فقيرا معدما لم يشعر بالأمن إلا بعد زواجه من سيدة ثرية جدا تكبره بكثير». ومما لا شك فيه أن المتلقي غير المسلم سيختزن في ذاكرته صورة سلبية عن رسولنا الكريم الذي قدم بنعوت وأوصاف يمتزج فيها الاستبداد بالسحر والعنف والجهاد والتعصب والدهاء. ولا يخفى أن الهدف من وراء ذلك هو زرع الشك والبلبة في نفوس الطلبة حول مصداقية رسولنا الكريم. كما لا تخفى الدوافع والمرامي التي جعلت دولة أوربية، مثل فرنسا، بلد حقوق الإنسان والحرية والعدالة، لا تزال في القرن الحادي والعشرين تدرس لأبنائها في المدارس الحكومية أن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام هو الذي ألف القرآن، وأنه ارتكز في دعوته على مجرد رؤيا وأحلام، وهي اقتراحات تتنافى مع معتقدات المسلمين ومنهم طلاب فرنسيون مسلمون يتلقون هذه المعلومات الخاطئة. وهو اعتداء شنيع على معتقداتهم الدينية التي يتم تشويهها علنا ورسميا في كتب التاريخ المدرسية. وما زالت تعتبر الرسوم الكاريكاتورية عن الرسول الكريم في الصحف حرية تعبير لا يجب الحد منها أو معاقبة القائمين بها .

من المعلوم أن الإساءة إلى الإسلام والمسلمين وللرسول الكريم أصبحت منذ بداية الألفية الثالثة، تتم في صور جديدة تخرق قواعد القانون الدولي المنظمة لحقوق الإنسان وللإعلام، فتطورت بفعل ذلك أساليب الخرق وآلياته، بحيث انتقلت الإساءة من بطون الكتب، والموسوعات، ودوائر المعارف، والدراسات الاستشراقية، إلى الأفلام والبرامج الإذاعية والتلفزية والشبكة العنكبوتية. وبواسطة هذه الوسائل تزايدت الخروقات القانونية لقواعد القانون الدولي، وضرباً في الصميم لمضامين وثائق الشرعية الدولية لحقوق الإنسان المؤكدة على حرية الإعلام، وحرية التعبير، والمقيدة لها حينما يتعلق الأمر بالإساءة إلى الأديان ورموزها المقدسة تحت بند منع وتحريم الدعوة إلى الكراهية والعنصرية والتمييز الديني، والدعوة إلى التسامح.

أما فيما يتعلق بالرسوم الكاريكاتورية المسيئة لشخصية الرسول الكريم في الصحافة المكتوبة، فقد انطلق نشرها يوم  30 سبتمبر 2005 عندما قامت صحيفة يولاندس بوستن الدانماركية بنشر 12 رسما ساخرا،  وبعد ذلك في أقل من أسبوعين، قامت صحف أوروبية بإعادة نشر تلك الرسوم. وقد أجج ذلك النشر المتعمد مشاعر ملايين المسلمين في كل بقاع العالم، فتم تنظيم احتجاجات عارمة تراوحت بين القيام بأعمال عنيفة والمطالبة بالمقاطعة التجارية والاقتصادية والديبلوماسية للدول الأوروبية التي توجد فيها مقرات هذه الجرائد .

إن حدة التوترات الناتجة عن نشر الصور الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم، أثارت في نظر الدكتور علي كريمي، الخبير المغربي في القانون الدولي وحقوق الإنسان، “نقاشا ساخنا على المستوى الدولي داخل الأوساط المهتمة بحقوق الإنسان والمدافعة عنها. فكان ذلك مثار الانشغال والاهتمام بالقوانين المانعة لسب وقذف واحتقار الأديان في أوروبا، كما ظهرت ضرورة احترام وسائل الإعلام للمعتقدات الدينية كواجب أخلاقي” .

لذلك فإن تنظيم المعرض والمتحف الدولي للسيرة النبوية والحضارة الإسلامية في الدول الإسلامية مبادرة مهمة جدا ستقوم بدور فعال في تعريف الأجيال بالأبعاد المختلفة لشخصية الرسول الكريم وتربيتهم على محبته والاقتداء بسيرته الطاهرة. كما يلزم تنظيم المعرض في الدولغير الإسلامية لتعريف الرأي العام العالمي بحقيقة الإسلام وحضارته وبخصال رسوله الحميدة وتسامحه واعتداله واحترامه لأتباع الأديان الأخرى، ولعل ذلك يسهم في تغيير الصورة النمطية السيئة التي تسعى جاهدة بعض وسائل الإعلام الغربية ترويجها لتحقيق أهداف سياسية وانتخابية وللتشويش على الجهود الدولية لمبذولة من أجل نشر قيم  السلم والإخاء والتضامن والتسامح بين الشعوب.

المحجوب بنسعيد

باحث في علوم الاتصال والحوار الثقافي/ المغرب

Related posts

Top