مسرح القرب

عما قريب، سيتم افتتاح معلمتين بكل من الرباط والدار البيضاء، يتعلق الأمر بقاعتي مسرح كبيرتين وفخمتين بكل ما في الكلمة من معنى.

ومنذ مدة، بدأ التساؤل حول العروض المسرحية التي قد تكون في مقام هذين المعلمتين. هل مسرحنا يستحق أن ينشأ لأجله بنايات من هذا الحجم لاحتضان عروضه؟

لست هنا بصدد الوقوف على واقع التجربة المسرحية المعاصرة، فهذا يحتاج إلى دراسة وتمحيص وو..

ما يهم هنا بالأساس هو التساؤل حول ما إذا كانت هناك فضاءات كافية لتقديم العرض المسرحي في كل مدينة على حدة؟ الجواب بدون تردد هو: لا.

هناك العديد من الأحياء تفتقر إلى قاعة مسرح، وبالتالي لا ينبغي لبعض بنايات المسرح الاستثنائية أن تحجب عنا هذه الحقيقة. هناك العديد من المواطنين، خاصة من الأجيال الجديدة، ونحن في القرن الحادي والعشرين، لم يسبق لهم أن شاهدوا عرضا مسرحيا داخل قاعة مسرح.

هذا وضع في غاية السوء، على اعتبار أن المسرح يقوم على أساس ترسيخ القيم الفنية والجمالية، كما أنه يلعب دورا أساسيا في تهذيب النفوس وخلق فرص الانفتاح على الحضارة والثقافة بمختلف أبعادها.

 هناك فراغ مهول تشكو منه الأجيال الجديدة، بالنظر لحرمانها من فضاءات ثقافية، من قبيل قاعات المسرح، لأجل صرف أوقاتها في ما يمكن أن يعود عليها بالنفع، من حيث التشبع بروح الإبداع والتعبير الفني. أغلب الأوقات يقضونها أمام شاشات هواتفهم وألواحهم الرقمية، مما يساهم في تعميق عزلتهم واغترابهم، بصرف النظر عن قيمة ما يتلقونه من هذه الوسائط الإلكترونية.

 كان يمكن للجماعات المحلية أن تقوم بدورها في سد الفراغ الذي تشكو منه الساحة المسرحية ببلادنا، من خلال العناية ببناء قاعات مسرح صغيرة ومتقشفة حتى، في كل حي من أحيائنا المهمشة، فليس من الضروري أن يتم التكلف بإنشاء بناية فخمة يتيمة ومعزولة، لأجل التظاهر بأنه تمت العناية بأب الفنون.

 في اعتقادي أن قاعة مسرح لا تتجاوز مقاعدها الخميسن، بإمكانها أن تفي بالغرض، على أساس أن تكون متعددة وتلبي حاجة القرب من كل حي على حدة.

هناك مبادرة تستحق التنويه، تلك المتعلقة بالاتفاقية التي تمت بين وزارة الثقافة والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية في ما يخص تصوير ستين عملا مسرحيا واقتناء حقوق بثها على قنوات الشركة الوطنية وعبر المنصة الرقمية لقطاع الثقافة.

 لكن، هل الاكتفاء بمشاهدة العرض المسرحي على الشاشة، يمكن له أن يفي بالغرض؟ طبعا لا، على اعتبار أن المسرح خرج إلى الوجود لكي يتم تلقيه في الفضاء الخاص به، وبالتالي نخشى أن تساهم المبادرة الآنفة الذكر في تكريس الابتعاد عن قاعة المسرح والاكتفاء بمشاهدة العرض المسرحي عبر الشاشة.

عبد العالي بركات

الوسوم
Top