غياب حضور الحكومة وتواصلها

المشترك بين عدد من الاحتجاجات التي تشهدها الساحة الوطنية في الفترة الأخيرة، أن الداعين لها لا يجدون محاورا أو إرادة للحوار والتواصل من طرف السلطات الحكومية، وهذا ما يزيد من حدة الاحتجاج والتوتر.

الاحتجاجات المتواصلة للمحامين مثلا تمتد في مختلف جهات المملكة وأمام أغلب المحاكم، ورغم ذلك يغيب الحوار من أجل وقف التوتر.

جمعية هيئات المحامين أكدت في بلاغ أخير أنها تدعو “جميع الشركاء في منظومة العدالة إلى حوار جدي وهادف، دون شروط مسبقة، لتجاوز هذه الأزمة غير المسبوقة”، ثم أضافت، أن المحامين يدعون إلى “فتح قنوات التواصل مع كل الجهات المعنية بالموضوع لتوضيح مواقفهم والدفاع عنها”.

الأمر يتعلق اليوم بالولوج إلى المحاكم، وبالسير العادي للعملية القضائية، وبحقوق أطراف وآجال، وكل هذا ليس بسيطا، ويفرض تغليب الحوار والتواصل، وسعي الجميع لإيجاد الحلول المناسبة، ووقف الأزمة.

احتجاجات أخرى، قبل احتجاج المحامين، فضحت، بدورها، عجز الحكومة الحالية عن النزول للحوار مع الفئات المعنية، وامتناعها عن التواصل مع الناس وشرح قراراتها والأهداف المتوخاة منها، وهذا السلوك غريب فعلا، ويتناقض مع شعار حكومة تعتبر نفسها سياسية، ومشكلة من أحزاب، وتمتلك أغلبية واسعة جدا في مختلف الهيئات المنتخبة.

الحكومة السياسية في كل الدنيا تتميز بقدرتها على الحضور في الميدان، والتواصل مع مختلف فئات الشعب الذي صوت عليها في الانتخابات، ويفترض أيضا أن لها تنظيمات حاضرة في المجتمع تقوم بأدوار التأطير والترافع والدفاع والإقناع، وتشرح كذلك السياسات والقرارات الحكومية…، ولكن حكومتنا الحالية تصدر قراراتها من دون أي استحضار للأثر، ومن دون مراعاة لرد فعل الناس أو الفئات المعنية بهذه القرارات، تماما كما يفعل كل مسير يفتقد للسياسة.

من المؤكد أن الزمن الوبائي الذي نحياه يفرض علينا جميعا إكراهاته وتقييداته، ومن المؤكد أيضا أن مصلحة بلادنا تفرض صيانة ما تحقق من مكتسبات في التصدي للجائحة وحفظ صحة وسلامة شعبنا، وكل هذا متفق عليه من دون شك، ولكن أيضا هناك انعكاسات اجتماعية واقتصادية وحقوقية لا بد من أخذها بعين الإعتبار، وهناك حاجة ملحة للحوار مع الناس وإقناعهم وتعبئتهم لعبور كامل هذه الظرفيات الصعبة، وهذا دور الحكومة السياسية ومختلف أذرعها وتنظيماتها، فضلا على أن صناعة القرار الحكومي والسياسات العمومية تستوجب توفير بيئة مجتمعية داعمة، وتعبئة الفئات المستهدفة والرأي العام الوطني.

إن غياب التواصل الحكومي والحضور السياسي القوى لمكونات الحكومة والانفتاح المباشر والمنتظم على التمثيليات المجتمعية المختلفة، من شأنه إذكاء التوترات باستمرار، وإشعال الاحتجاجات، وأيضا مفاقمة الفراغ التعبوي والتواصلي، وهنا يوجد بالضبط الخطر من هذا الصمت الذي تقترفه الحكومة، ومن لامبالاتها تجاه ردود فعل المجتمع عن عدد من قراراتها أو سلوكاتها الفوقية والمرتجلة.

الحكومة تفتقر إلى شجاعة الحوار مع الناس، وتفتقر إلى… السياسة.

محتات الرقاص

Top