الذكرى 65 لانطلاق عمليات جيش التحرير بالجنوب المغربي والذكرى 64 لانتفاضة قبائل ايت باعمران

في غمرة أجواء احتفاليات الذكرى 46 للمسيـرة الخضـراء المظفرة، والذكرى 66 للأعياد الثلاثة المجيدة: عيد العودة، عيد الانبعاث وعيد الاستقلال المجيد، يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة المقاومة وجيش التحرير أيام 21 و22 و23 و43 نونبر 2021، الذكرى 65 لانطلاق عمليات جيش التحرير بالجنوب المغربي، والذكرى 64 لانتفاضة قبائل آيت باعمران؛ هذه الملاحم البطولية التي تنتصب محطات تاريخية بارزة ووازنة في مسيرة الكفاح الوطني من أجل تحقيق الاستقلال الوطني والوحدة الترابية والوطنية.
لقد خاض المغرب على امتداد تاريخه التليد، نضالات مريرة وملاحم بطولية في مواجهة الوجود الأجنبي والتسلط الاستعماري الذي لم يفوت فرصة لبسط نفوذه وهيمنته على التراب الوطني قرابة نصف قرن، فقسم البلاد إلى مناطق نفوذ موزعة بين الحماية الفرنسية بوسط البلاد، والحماية الإسبانية بشمالها والاستعمار الإسباني بالأقاليم الجنوبية، فيما خضعت مدينة طنجة لنظام حكم دولي، وهذا ما جعل مهمة تحرير التراب الوطني صعبة وعسيرة، قدم العرش والشعب في سبيلها كل غال ونفيس في سياق كفاح وطني عالي المقاصد، متلاحق المراحل، طويل النفس، ومميز الصيغ، لتحقيق الحرية والاستقلال والوحدة الترابية والسيادة الوطنية.

صفحات مشرقة

ومن الصفحات المشرقة في سجل التاريخ النضالي والأمجاد الوطنية، يجدر الوقوف عند روائع ومنارات وضاءة على درب التحرير والوحدة. فمن الانتفاضات الشعبية كحركة الشيخ أحمد الهيبة بالجنوب المغربي سنة 1912، إلى معركة الهري بالأطلس المتوسط سنة 1914، فمعارك أنوال بالريف من سنة 1921 إلى سنة 1926، ومعارك بوغافر بتنغير، ومعارك جبل بادو بالرشيدية سنة 1933، وغيرها من المحطات التاريخية الطافحة بصور المواجهة والتصدي المستميت للوجود الاستعماري.
كما تجلت أشكال وأساليب النضال السياسي في مناهضة سياسة التمييز والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد، بين العرب والأمازيغ بما سمي بالظهير البربري سنة 1930، وتقديم مطالب الشعب المغربي الإصلاحية والمستعجلة على التوالي في 1934 و1936، ووثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944، وهي مراحل ناضل بطل التحريـر والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس بتلاحم وثيق مع الحركة الوطنية لبلورة توجهاتها وأهدافها، ورسم معالمها، وأذكى إشعاعها منذ توليه عرش أسلافه المنعمين في 18 نونبر 1927، حيث جسد الملك المجاهد قناعة شعبه في التحرير وإرادته في الاستقلال، وانتصب بنضاله المستميت وتضحياته الجسام رمزا للمقاومة والفداء، ووقف جاهرا بمطالب المغرب في الحرية والاستقلال، ومؤكدا انتماءه العربي والإسلامي في خطاب طنجة التاريخي في 9 ابريل 1947، عاقدا العزم على إنهاء الوجود الاستعماري، وتمسك المغرب بمقوماته الأصيلة وثوابته الراسخة.
وستتواصل وستتعزز هذه المواقف الرائدة والوازنة بمبادرات وتوجهات جلالته رضوان الله عليه في التصدي لكل أشكال الهيمنة الاستعمارية، ومحاولات طمس الهوية الوطنية وكذا محاولة إدماج المغرب فيما سمي بـ “الاتحاد الفرنسي”، وبلغ تحدي سلطات الإقامة العامة للحماية الفرنسية حد القيام بمؤامرتها الشنيعة وفعلتها النكراء بنفي بطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، ورفيقه في الكفاح والمنفى، موحد البلاد ومبدع المسيرة الخضراء جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني رضوان الله عليهما، والأسرة الملكية الشريفة في 20 غشت 1953، ظنا منها بأنها بهذا الاعتداء الجائر، ستفك أواصر الميثاق التاريخي بين الملك المجاهد وقادة الحركة الوطنية، وستفصم العرى الوطيدة بين العرش والشعب، وستخمد جذوة الكفاح المتقد والمتوهج. إلا أن تداعيات هذه المؤامــرة لم تزد السلطان الشرعي إلا صمودا وتمسكـا بالدفاع عن مقدسات وثوابت وطنه، ولم تزد المغاربة إلا قوة وصمودا في النضال وتفجير طاقاتهم الثورية من أجل عودة الشرعية والمشروعية التاريخية بعودة الملك المجاهد وأسرته الكريمة من المنفى إلى أرض الوطن وإعلان الاستقلال. وهو ما تحقق في 16 نونبر 1955 بعودة بطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له الملك محمد الخامس والأسرة الملكية الشريفة، مظفرا منصورا، حاملا رحمه الله لواء الحرية والاستقلال، وهي المحطة التاريخية التي يخلد الشعب المغربي من أقصاه إلى أدناه في هذه الأيام المجيدة ذكراها السادسة والستين في أجواء غامرة بالاعتزاز والإكبار، ومفعمة بقيم البرور والوفاء وثقافة الاعتراف لأرواح شهدائنا الأبرار.
لم يكن انتهاء عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الحرية والاستقلال إلا بداية لملحمة الجهاد الأكبر لبناء صروح المغرب الجديد الذي كان من أولى قضاياه ومهامه الأساسية تحرير ما تبقى من التراب الوطني من نير الاحتلال والنفوذ الأجنبي. وفي هذا المضمار، تواصلت مسيرة الكفاح الوطني، وكان انطلاق طلائع وقوات جيش التحرير بالجنوب المغربي سنة 1956، تعبيرا واضحا وقويا يجسد إرادة العرش والشعب في استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية.

معارك بطولية

وهكذا، خاض أبناء القبائل الصحراوية وإخوانهم المجاهدون الوافدون من كافة الجهات والمناطق المحررة غمار عدة معارك بطولية على امتداد ربوع الساقية الحمراء ووادي الذهب، واتخذ أبطال جيش التحرير مواقعهم في الأجزاء المحتلة من التراب الوطني بالأقاليم الصحراوية ليحققوا ملاحم بطولية وانتصارات باهرة لم تجد القوات العسكرية الاسبانية أمامها إلا أن تتحالف مع القوات الفرنسية فيما سمي بعملية “ايكوفيون” أو المكنسة. ومن المعارك البطولية التي شهدتها الأقاليم الجنوبية، نذكر معارك الدشيرة والبلايا والمسيد وأم العشار والرغيوة واشت والسويحات ومركالة وغيرها من الملاحم الخالدة التي ما من شبر بربوع الصحراء إلا ويذكرها ويشهد على روائعها.
وضمن معـارك التحريـر أيضا، كان يوم 23 نونبر 1957 يومـا خالدا في تاريـخ المغرب، حينما انتفضت قبائل آيت باعمران ضد الوجود الاستعماري وخاضت نضالاتها الوطنية في معارك طاحنة لقنت خلالها المحتل الأجنبي دروسا في الشجاعة والشهامة والصمود حيث شهد هذا اليوم هجومات مركزة على ستة عشر مركزا اسبانيا في آن واحد، تراجع على إثرها الجنود الإسبان الى الوراء ليتحصنوا بمدينة سيدي ايفني. وقد دامت هذه المعارك البطولية حتى الثاني عشر من شهر دجنبر من نفس السنة، تكبدت خلالها القوات الاستعمارية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد بالرغم من قلة عدد المجاهدين الباعمرانيين ومحدودية عتادهم الحربي. ومن هذه البطولات الخالدة لقبائل آيت باعمران، نذكر معارك تبلكوكت وبيزري وبورصاص وتيغزة وامللو وبيجارفن وسيدي محمد بن داوود والالن تموشـا ومعركة سيدي ايفني، وتمكن مجاهدو قبائل آيت باعمران من اجبار القوات الاسبانية على التمركز بسيدي ايفني، كما أقاموا عدة مواقع أمامية بجوار المواقع الاسبانية كي لا يتركوا لقوات الاحتلال الأجنبي مجالا للتحرك أو الانسحاب والنجاة.
وتواصلـت مسيرة التحريـر المباركـة على كافـة الواجهـات الوطنيـة وفي المحافـل الدبلوماسيـة الدولية، وظل الملك المجاهد جلالة المغفور له محمد الخامس رضوان الله عليه يجهر بحق المغرب في تحرير صحرائه، ومن ذلك خطابه التاريخي بمحاميد الغزلان في 25 فبراير 1958 حيث استقبل جلالته وفود وممثلي واعيان قبائل الصحراء الذين هبوا رغم الحصار المضروب على مناطقهم للقاء الملك المجاهد وتجديد البيعة له وتأكيد تجندهم دفاعا عن مقوماتهم وهويتهم الوطنية. وقد شهدت سنة 1958 كسب رهان من رهانات مسيرة استكمال الوحدة الترابية تمثل في استرجاع مدينة طرفاية يوم 15 أبريل 1958.
وواصل المغرب بقيادة جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني مسيرة التحرير، بكل عزم وإيمان، وتمكنت بلادنا بفضل الالتحام الوثيق بين العرش والشعب من استعادة مدينة سيدي إفني في 30 يونيو 1969، وتكللت المبادرات والمواقف النضالية بالمسيرة التاريخية الكبرى، المسيرة الخضراء المظفرة في 6 نونبر 1975 التي جسدت عظمة التعبئة الوطنية، وعمق الإيمان دفاعا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية، وعبقرية ملك استطاع بحكمته وحنكته وبعد نظره، أن ينتصر لتحرير ما تبقى من الأجزاء المغتصبة من الوطن. وهكذا، سارت مواكب المتطوعات والمتطوعين من سائر ربوع الوطن لتحطيم الحدود الوهمية وصلة الرحم بأبناء الجنوب المغربي. وكان النصر حليف الإرادة الوطنية للمغاربة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، لترتفع راية الوطن خفاقة في سماء العيون في 28 فبراير 1976 إيذانا بجلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية. وكذلك كان يوم 14 غشت 1979 الذي تحقق فيه استرجاع إقليم وادي الذهب، كمحطة بارزة وحاسمة في مسار الوحدة الوطنية وإنهاء فترة من التقسيم والتجزئة التي عانى منها طويلا أبناء الوطن الواحد.
لقد تواصلت ملحمة صيانة الوحدة الترابية بكل عزم وإصرار لإحباط مناورات خصوم وحدتنا الترابية، وزادتها رسوخا ووثوقا التعبئة المستمرة للمغاربة في مواجهة كل التحديات الخارجية والتصدي لكل المؤامرات العدوانية. وها هو الشعب المغربي اليوم بقيادة عاهله الشهم، باعث النهضة المغربية جلالة الملك محمد السادس، يقف صامدا في الدفاع عن حقوقه المشروعة وتثبيت مكاسبه الوطنية، مبرهنا بإجماعه الوطني عن تشبثه بصيانة وحدته الترابية ومباركته لمبادرة الحكم الذاتي الموسع للأقاليم الصحراوية المسترجعة في ظل السيادة الوطنية، ومؤكدا للعالم أجمع من خلال مواقفه الحكيمة والمتبصرة إرادته الثابتة وتجنده التام دفاعا عن مغربية الصحراء وعمله الجاد والهادف لإنهاء النزاع المفتعل وحرصه الصادق على تقوية أواصر الإخاء والتعاون وحسن الجوار بالمنطقة المغاربية.
وإن استحضار قضيتنا الوطنية الأولى، قضية الوحدة الترابية المقدسة في هاتين المناسبتين العظيمتين، يدعونا ويستحث القوى الحية وسائر الأطياف السياسية والنقابية والحقوقية والشبابية والنسائية على تقوية الجبهة الداخلية الوطنية في ظل الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء والافتتاح المتزايد للقنصليات العامة الإفريقية والعربية والأمريكية اللاتينية في الأقاليم الجنوبية وكذا صدور قرار مجلس الأمن رقم 2602 الداعم لأسس الموقف المغربي من أجل التسوية النهائية للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

الحقيقة الثابتة

والمناسبة سانحة، لنستحضر مضامين خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة تخليد الذكرى 46 لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة، حيث يقول جلالته: “نحتفل اليوم، بكامل الاعتزاز، بالذكرى السادسة والأربعين للمسيرة الخضراء. ويأتي تخليد هذه المناسبة المجيدة، في سياق مطبوع بالعديد من المكاسب والتحديات. فالدينامية الإيجابية، التي تعرفها قضيتنا الوطنية، لا يمكن توقيفها.
إن مغربية الصحراء حقيقة ثابتة، لا نقاش فيها، بحكم التاريخ والشرعية، وبإرادة قوية لأبنائها، واعتراف دولي واسع …”.
وبنفس الروح الإيجابية، نعبر عن تقديرنا، لتزايد الدعم الملموس لعدالة قضيتنا. وإننا نعتز بالقرار السيادي، للولايات المتحدة الأمريكية، التي اعترفت بالسيادة الكاملة للمغرب على صحرائه…
فهذا التوجه يعزز بشكل لا رجعة فيه، العملية السياسية، نحو حل نهائي، مبني على مبادرة الحكم الذاتي، في إطار السيادة المغربية.
كما أن افتتاح أكثر من 24 دولة، قنصليات في مدينتي العيون والداخلة، يؤكد الدعم الواسع، الذي يحظى به الموقف المغربي، لا سيما في محيطنا العربي والإفريقي.
وهو أحسن جواب، قانوني ودبلوماسي، على الذين يدعون بأن الاعتراف بمغربية الصحراء، ليس صريحا أو ملموسا …
ويضيف جلالته: “إن المغرب لا يتفاوض على صحرائه. ومغربية الصحراء لم تكن يوما، ولن تكون أبدا مطروحة فوق طاولة المفاوضات. وإنما نتفاوض من أجل إيجاد حل سلمي، لهذا النزاع الإقليمي المفتعل…
إن التطورات الإيجابية، التي تعرفها قضية الصحراء، تعزز أيضا مسار التنمية المتواصلة، التي تشهدها أقاليمنا الجنوبية. فهي تعرف نهضة تنموية شاملة، من بنيات تحتية، ومشاريع اقتصادية واجتماعية. وبفضل هذه المشاريع، أصبحت جهات الصحراء، فضاءً مفتوحا للتنمية والاستثمار، الوطني والأجنبي…”.
واحتفاء بهاتين المناسبتين الخالدتين بما يليق بهما من مظاهر الاعتزاز والإجلال والإكبار، وإبرازا لدلالاتهما الوطنية وأبعادهما الرمزية وإشاعة قيمهما النبيلة في أوساط الناشئة والأجيال الجديدة والمتعاقبة، سطرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير برنامجا للأنشطة والفعاليات المخلدة لهذين الحدثين المجيدين في الفترة الممتدة من الأحد 21 نونبر إلى الأربعاء 24 نونبر 2021 بكل من أقاليم طاطا واسا-الزاك وكلميم وطانطان وسيدي ايفني وتيزنيت واكادير يشتمل على مهرجانات خطابية ولقاءات تواصلية بحضور السلطات الإقليمية والمحلية والمنتخبين ونشطاء المجتمع المدني والعمل الجمعوي والمنتمين لأسرة المقاومة وجيش التحرير، تلقى خلالها كلمات وشهادات للإشادة بفصول هذه الملحمة البطولية وإبراز مكانتها المتميزة في تاريخنا الوطني الطافح بروائع النضالات من أجل الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية واستكمال الوحدة الترابية، وتكريم صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وتوزيع إعانات مالية على عدد من أفراد هذه الأسرة الجديرة بموصول الرعاية والعناية.

وسيكون برنامج تخليد هاتين المناسبتين المجيدتين في الأقاليم الجنوبية المعنية كما يلي:

< الأحد 21 نونبر 2021:

– مهرجان خطابي بإقليم طاطا على الساعة الحادية عشرة صباحا؛
– مهرجان خطابي بإقليم اسا – الزاك على الساعة السابعة مساء.

< الاثنين 22 نونبر 2021:

– مهرجان خطابي بإقليم كلميم على الساعة الحادية عشرة صباحا؛
– مراسيم تدشين توسعة فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بكلميم؛
– مهرجان خطابي بإقليم طانطان على الساعة الخامسة عصرا.

< الثلاثاء 23 نونبر 2021:

– مهرجان خطابي بسيدي افني تخليدا للذكرى 65 لانتفاضة قبائل آيت باعمران على الساعة العاشرة صباحا؛
– لقاء تواصلي بفضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بتيزنيت على الساعة الخامسة عصرا.

< الأربعاء 24 نونبر 2021:

– لقاء تواصلي بأكادير على الساعة العاشرة والنصف صباحاً.
ومعلوم أن هذه المهرجانات الخطابية واللقاءات التواصلية ستلتئم في تقيد بالتدابير الاحترازية والوقائية التي توصي بها التوجيهات الحكومية، في مواجهة جائحة كورونا كوفيد 19.

Related posts

Top