شعب الجامعات.. نخب معطلة

تحتضن الجامعات المغربية عصارة الكفاءات والطاقات البشرية الوطنية، الواعدة منها والمحترفة المبدعة. طالبات وطلبة في أوج عطاءهم وقمة تجاوبهم وتفاعلهم. وأساتذة جامعيين وخبراء وباحثين يراكمون خبرات وتجارب وطنية ودولية في عدة مجالات ثقافية وعلمية. لكن مع الأسف فإن مردودها ضعيف، لا يوازي قيمة مواردها البشرية ولا مصاريفها المالية السنوية. شعب الجامعات يمتلك من المؤهلات ما يمكنه من الاجتهاد والإبداع والعطاء. والمفروض من تلك الجامعات أن تنتفع وتنفع من أحدثت بهم ولأجلهم. طلبة وطالبات وأطر يعدون بالآلاف المؤلفة.
فالجامعات هي أوفر حظا من الجماعات والمدن والجهات التي تحتضن بشرا من كل الفئات العمرية والتلوينات العقلية. يمكننا إعطاء النموذج بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء مثلا، التي تحضن أزيد من 140 طالبة وطالب، وأزيد من 30 ألف من الأطر والعمال والمستخدمين. عدد من الكفاءات قد لا نجده حتى داخل بعض الدول.
بإمكان إدارات الجامعات أن تبادر إلى عقد شراكات واتفاقيات مع مجالس الجماعات الترابية والمقاطعات ومجالس العمالات والمجالس الإقليمية والجهوية، ومع باقي القطاعات العمومية والخاصة، من أجل توفير النقل الجامعي والتغذية والإقامة. وتجهيز بنياتها وتوسيع طاقاتها الاستيعابية وإحداث معاهد وكليات جديدة. وبإمكانها أن ترسخ للمفهوم الحقيقي للجهوية، بإجراء دراسات وأبحاث ميدانية لمحيطها، من أجل تشخيص واقع الجهات ومواردها الطبيعية والبشرية. ووضع برامج في التعليم والتكوين والبحث، تراعي موارد تلك الجهات. وتمكن من الاستثمار الإيجابي من أجل تنمية الجهة. بإمكان الجامعات أن تضمن التكوين والتكوين المستمر لكل مهني وموظفي الجهة والمحيط، وتوجيه المستثمرين في كل القطاعات، ومدهم بالكفاءات اللازمة. بل ومصاحبتهم في كل مراحل الإعداد والإنجاز لمشاريعهم، وحتى مراحل الإنتاج والتسويق. بإمكان الجامعات أن تبدع في الرياضة والثقافة والفن والسياسة والاجتماع و.. وأن تحدث أندية ثقافية وفنية ورياضية وعلمية و..، بل أن تؤسس جامعات لكل نوع رياضي، وتنتج النجوم والطاقات والكوادر.
لكن خمول إداراتها وقصور نظر مسؤوليها، حول الطلبة والطالبات إلى مجرد نزلاء مرغمون على قضاء سنوات من العذاب التعليمي، طمعا في الحصول على (شواهد ودبلومات)، لتخصصات لا يفقهونها. ولا يمتلكون أدنى مؤهلات ميدانية لولوج سوق الوظيفة والشغل.
شعب الجامعات مشكل من فئات عمرية ناضجة فكريا، ومهيأة للإنتاج والتكوين المستمر. ليس بها أطفال ولا أميون ولا مرضى نفسانيين ولا مستويات ثقافية ضعيفة أو محدودة. أكثر من هذا فإداراتها تحظى بالاستقلالية التامة في التدبير الإداري والمالي، وتتاح لها فرص عقد الشراكات الوطنية والدولية في مجالات تخصصها (التعليم الجامعي والتكوين والبحث العلمي)، كما تمتلك الحق في الاستثمار في التعليم والتكوين والبحث، وضمان مداخيل مالية إضافية تمكنها من تجويد خدماتها. جامعات جامعة وشاملة بالنظر إلى قوة مواردها البشرية والمالية. وإداراتها التي تمتلك كل مفاتيح التكوين الجامعي، والعالمة بجيوب الإبداع والابتكار بكل أنواعها. والموكول لها رسم المسالك والسكك والفضاءات وتشخيصها على أرض وسماء الواقع، لضمان سير العملية التعليمية وترسيخ ثقافة التكوين والاختراع والتنافس العلمي والتكنولوجي. وإحداث شعب ومسالك جديدة.
لكن مع الأسف، فمعظم شعب هذه الدويلات (الجامعات)، المثابر والمجد، يعيش أزمات مستمرة مع ثلاثي (الغش، التلاعب في النقط والشواهد، التحرش الجنسي، غيابات المدرسين). تفريخ الإجازات والماسترات بطرق عشوائية. تتسبب في هدر مستقبل طلبتها.
شعب الطلبة يأمل أن تبادر الإدارات إلى إنصافه. بوقف مهازل ما يجري ويدور من فساد تربوي وأخلاقي. حيث المطبوعات المفروضة على الطلبة، وحيث الأبحاث والأطروحات المقرصنة والمنسوخة، وحيث عمليات التفريخ العشوائية للماسترات والإجازات المهنية و.. وحيث استعمالات الزمن التي ينسجها بعض الأساتذة على هواهم. لتلاءم ما يبرمجونه في حيواتهم الخاصة، ومع المعاهد والمؤسسات الخصوصية التي يعملون بها. معظم شعبها المثابر والمجد، يعيش أزمات مستمرة مع ثلاثي (النقل والسكن والتغذية)، في ظل ضعف وعشوائية النقل الحضري، وغياب نقل جامعي. وفي ظل تدهور الحياة الطلابية داخل مجموعة من الأحياء الجامعية، بسبب ضعف التغذية ورداءة وتقادم الأسرة وتعفن الغرف. وحاجة الطلبة والطلبات بعدة مناطق بالمغرب إلى أحياء جامعية، أو دور للطلبة والطالبات. وهي أمور بإمكان إدارات الجامعات أن تبادر إلى تحقيقها، إما باعتماد ما لديها من تمويل وزاري سنوي أو مداخيل، أو في إطار شراكات مع عدة قطاعات عمومية وجماعات محلية وإقليمية وجهوية.
لماذا لا يتم تسيير الجامعة كمجلس مدينة أو جهة.. بالنظر إلى عدد الطلبة والأطر، والمساحة الترابية لنفوذ الجامعة التربوي، واستقلالية الجامعة المالية والإدارية، وإمكانية خلق الشراكات الوطنية والدولية. لما لا يتم التعاقد المباشر بين رئاسة الجامعة وشركة للنقل الحضري، بدعم من المجلس الجهوي والمجالس المنتخبة الإقليمية والمحلية واللجان الإقليمية للمبادرة الوطنية، ووزارة الداخلية التي تصرف 80 درهما شهريا لدعم بطاقة النقل الشهرية لكل طالب أو طالبة، على أساس أن يتم توفير أسطول للنقل الجامعي كاف، وتخفيض أثمنة التذاكر وبطائق النقل الشهرية.
تحقيق نموذج تنموي جديد للتكوين الجامعي. يستلزم برامج ومناهج تعليمية وتكوينات توازي سوق الشغل، ومشاريع ملموسة ومنعشة على أرض الواقع. ويفرض أن تصب إدارات الجامعات بوصلتها نحو أولويات وحاجيات الطلبة والطالبات. حتى نوفر لهم الأجواء السانحة للحصول على حسن انتباههم، وضمان متابعتهم لكل الدروس والتكوينات. وتحفيزهم على الاجتهاد والعطاء. وطبعا نستطيع أن نستفيد من طاقاتهم واجتهاداتهم.
ننتظر برنامجا ومخططا لإنقاذ التعليم العالي والتكوين والتأطير والبحث العلمي. بانتعاش أدوار الجامعات يمكن إنصاف الطلبة وأسرهم المعذبة من خلفهم. وإعطاء انطلاقة جديدة لمغرب عالم، يمكنه تحقيق التنمية المنشودة. فمن العيب والعار أن تبقى الجامعات المغربية التي تحتضن الكفاءات، مجرد بوابة مصدرة للتفاهات. ويبقى شعبها (نخب البلاد) يعيش العطالة.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top