الجزائر ترد سلبا على اليد الممدودة للمغرب

المغرب يأسف لقرار الجزائر غير المبرر والمتوقع القاضي بقطع العلاقات الدبلوماسية

ستظل المملكة المغربية شريكا موثوقا ومخلصا للشعب الجزائري وستواصل العمل، بكل حكمة ومسؤولية، من أجل تطوير علاقات مغاربية سليمة وبناءة

نبيل بنعبد الله يعتبر قرار قطع العلاقات عودة  بالمنطقة بأكملها إلى مرحلة الحرب الباردة  

نظام العسكر الجزائري يفر من أزمته إلى المكان الخطأ ويواصل ممارسة لعبته الوحيدة اسمها تصدير الأزمة الداخلية

أعلنت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، مساء أول أمس الثلاثاء، أن المملكة المغربية أخذت علما بالقرار الأحادي الجانب للسلطات الجزائرية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب ابتداء من هذا اليوم.

وأوضحت الوزارة، في بلاغ، أن المغرب إذ يعرب عن أسفه لهذا القرار غير المبرر تماما ولكنه متوقع، بالنظر إلى منطق التصعيد الذي تم رصده خلال الأسابيع الأخيرة، وكذا تأثيره على الشعب الجزائري، فإنه يرفض بشكل قاطع المبررات الزائفة بل العبثية التي انبنى عليها.

من جانبها، يضيف البلاغ، ستظل المملكة المغربية شريكا موثوقا ومخلصا للشعب الجزائري وستواصل العمل، بكل حكمة ومسؤولية، من أجل تطوير علاقات مغاربية سليمة وبناءة .

وكان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة قد تلا، أول أمس الثلاثاء، خلال مؤتمر صحافي، بيانا رسميا أعلن فيه قرار قطع العلاقات.

وأطلق وزير الخارجية الجزائري اتهامات طائشة وعبثية من دون أدلة، يدعي فيها تورط المغرب في زعزعة استقرار الجزائر وحتى إشعال الحرائق ومزاعم شن “حرب إعلامية” مغربية على الجارة الشرقية.

وجاء قرار الجزائر بعد أقل من أسبوع من إعلان الجزائر إعادة النظر في العلاقات التي أمعنت هي نفسها في تسميمها مند أكثر من أربعة عقود، باحتضان النواة الأولى للبوليساريو المشكلة من شباب صحراوي مغربي لم يكن يرغب سوى في طرد الاستعمار الإسباني وتحرير الصحراء المغربية. فقامت بقمع هذه النواة، وزرع عناصر موالية للجزائر بين أحشائها، واستيراد مواطنين من بلدان مجاورة لتضخيم عدد المحتجزين ومنحهم مدينة تندوف من أجل وضع “المسمار في الحذاء المغربي” كما اعترف بذلك بعض القادة الجزائريين الذين رحلوا عن دنيانا، بل وضحت برفاه الشعب الجزائري المغلوب على أمره من خلال تخصيص عائدات المحروقات لإطعام المحتجزين في مخيمات الذل العار، وانتزاع أطفالهم وشبابهم من أجل تسليحهم بأفكار مسمومة وبالدخيرة الحية، وفرض زعماء على المقاس، والقيام بـ “السخرة” لهم في المحافل الدولية.

ويمكن القول إن إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، لم يكن مفاجئا للأوساط السياسية المغربية التي عبرت مع ذلك عن الأسف، خصوصا وأن الإعلان أتى بعد خطوات ومبادرات عدة عبر من خلالها المغرب عن رغبته في تجاوز الأزمة بين البلدين.

في هذا السياق عبر نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية عن “أسفه وامتعاضه من هذه الخطوة الجزائرية”، مشيرا إلى أن الجارة الشرقية تواصل ومنذ أربعة عقود اختراع عدد من الأساطير لمعاكسة المغرب.
وأضاف بنعبد الله، أن الجزائر تواصل إعطاء توجه سلبي للعلاقات مع المغرب، رغم كل ما قدمته المملكة من إشارات إيجابية، ورغم اليد الممدودة التي أعرب عنها ملك البلاد عدة مرات، وآخرها في خطاب العرش الأخير”.

وأضاف بنعبد الله، في تصريح صحفي، أن الجزائر لم تكتف ببلاغها السابق “الأحمق والأرعن” الذي تتهم فيه المغرب بالضلوع في قضايا داخلية، على علاقة بالحرائق التي شهدتها عدة مناطق في البلاد، لتتخذ قرار قطع العلاقات “الذي يعيد المنطقة بأكملها إلى مرحلة الحرب الباردة، بل إنه يكاد يشكل حالة متفردة على الصعيد العالمي من خلال قطع العلاقات الدبلوماسية، ولكن أيضا من خلال الاستمرار في إغلاق الحدود بين بلدينا “.

وعبر بنعبد الله عن متمنياته “أن تشهد الجزائر التغييرات الداخلية الضرورية للعدول عن هذه المواقف العدائية إزاء المغرب، وأضاف “نتمنى أيضا أن نتمكن في القريب من بناء فضاء مشترك تتقوى فيه التطلعات إلى الديمقراطية والتقدم والازدهار بالنسبة لشعبينا”.

وتجمع أولى ردود الفعل سواء المغربية أو العربية على اعتبار  قرار الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب “هروبا إلى أمام”، وقفزا على الإحراج الذي سببته مبادرة المغرب إنهاء التوتر وبدء صفحة جديدة، رافضة بذلك استيعاب المتغيرات الإقليمية، ومصرة على التعامل مع ملف الصحراء المغربية كما كانت تتعامل معه قبل عقود.

والواقع أن سياسة الهروب إلى الأمام التي يفضلها جنرالات الجزائر – وليس تبون الذي لا يفعل شيئا سوى تنفيذ أوامرهم –  بدأت خلال السنوات القليلة الماضية مع بروز المتغيرات الإقليمية والنجاحات الدبلوماسية والسياسية  المغربية، والتي  كان آخرها اعتراف الولايات المتحدة وعدد من الدول الخليجية بمغربية الصحراء، ومع النهضة الاقتصادية التي قطع المغرب على دربها مشوارا مهما، والتي عرت الواقع البئيس في الجزائر التي لم يجد ساستها من أصحاب البزة العسكرية من مبرر يقدمونه لإخفاقهم وللحراك المطالب برحيلهم، سوى نظرية المؤامرة. وقد كشفت الحرائق التي اشتعلت في تركيا واليونان ولبنان وتونس والمغرب أيضا، والتي ارتبطت بتغير المناخ، بعضا من سيل زيف ادعاءاتهم.

وبالتالي، يمكن القول إن الخطوة الجزائرية  بقطع العلاقات مع المغرب تندرج في سياق طبيعي اعتمده النظام العسكري الذي يعتقد أن التصعيد مع المغرب يمكن أن يساعده في تجاوز أزمته الداخلية العميقة. بل هي خطوة لن تزيد الأمور إلا سوء، خاصة في ظل ارتفاع أصوات جزائرية عاقلة، تحاول إذكاء الوعي الداخلي بعدم استناد الادعاءات إلى سند قوي، وبأن مشاكل الجزائر تجد جذورها في مواطن أخرى، وأن المصادر التي تزعج قصر المرادية توجد خارج الحدود المغربية، كما هو الحال بالنسبة لحركيتي “ماك” و”رشاد” التي يعرف الجنرالات، منذ زمن بعيد، أن مقرهما بباريس، ونشاطهما يمتد على مجمل التراب الفرنسي، ولم يجرؤوا يوما على البوح بكلمة  تجاه  فرنسا.

إننا اليوم أمام نظام جزائري يمكن أن نصفه بـ “الرجل المريض” الذي عاش على أوهام الثورات والشعارات، وطال به العمر ولم يحقق شيئا سوى تبديد الثروات. نظام مفلس سياسيا واقتصاديا وفكريا، أسسه هواري بومدين، وتحول فيه مجموعة من الضباط إلى حكام فعليين لبلد غني، بددت ثرواته على كل شيء باستثناء التنمية. نظام يفر اليوم من أزمته إلى المكان الخطأ أو لنقل إلى ممارسة لعبة وحيدة اسمها تصدير الأزمة الداخلية الجزائرية إلى أقرب الحدود.

مصطفى السالكي

Related posts

Top