الأحزاب السياسية … بين الثقة المفتقدة وعزوف الشباب

فاطمة الزهراء برصات:  حزب الكتاب بذل مجهودات كبيرة لكسب ثقة الشباب ولم يعتبره قط شعارا مرحليا

عبد الفتاح بلعمشي: العديد من المشاكل المتراكمة تؤدي إلى عزوف الشباب عن السياسة  وعن المشاركة في التصويت

انطلق العد التنازلي لانتخابات شتنبر  2021. أيام معدودات تفصل المغرب عن وخوض رهان حاسم لا يمكن أن يقدم وزن الأحزاب وقيمة نضالاتها دون مشاركة  الشباب وذهابه طوعا الى صناديق الاقتراع للإدلاء بصوته للأحزاب السياسية الفاعلة التي تعتبر المؤشر الرئيسي على وجود الديموقراطية.

في المغرب مجموعة من الأحزاب التاريخية التي لم تتوقف عن تقديم حلول ومخرجات للأزمات والاختناقات التي تعرفها البلاد. ويتحدد دور هذه الأحزاب التي لا تشتري الذمم ولا تخوض معارك دامية في حملاتها الانتخابية في العمل على تحقيق أهداف تصب في الصالح العام اعتمادا على وسائل و آليات دستورية مقننة و مشروعة، ثم تأطير المواطنين والمواطنات قصد خلق وعي سياسي بضرورة المشاركة في الحياة السياسية بعيدا عن أي تنظيمات مشبوهة وذلك في إطار قانوني مصرح به، بالإضافة حمل لواء الدفاع عن الشغيلة في مختلف القطاعات والمجالات، ثم العمل على تطوير وسائل وآليات لبلورة أنشطة ثقافية ورياضية وفنية مع تقديم خدمات مجتمعية أخرى عديدة.

لقد أصبحت اليوم الأحزاب السياسية تشغل حيزا كبيرا في الحياة العامة داخل المجتمع، إذ تعد العنصر الأساسي في النظام الديموقراطي ومؤسسة من مؤسساته، لما لها من دور مهم في بناء الدولة المغربية الحديثة و إرساء قيم المواطنة والحرية، وقد ارتبط العمل السياسي بالأحزاب السياسية باعتباره حقلا حيويا يأخذ على عاتقه العناية بمسائل تدبير جل الأمور المتعلقة بحياة المواطنين الإجتماعية مع ضمان احترام حقوق المواطنين في شتى مناحي الحياة. لذا كان لزاما على الأحزاب السياسية باعتبارها هيئة بمعية هيئات سياسية أخرى تسهيل و تمكين المواطنين من الاندماج في الحياة السياسية وخاصة الشباب منهم الذين يشكلون السواد الأعظم للأمة.

بيان اليوم قضت أياما طوالا بين هؤلاء الشباب، فلمست أن العديد منهم لازالوا يمرون بحالة من الإحباط يتخللها فقدان للثقة وعدم الاهتمام.

فقد باتت كلمة “حزب” ترتبط عندهم بمفهوم اللاديموقراطية والهوس بالسلطة فقط، ما يجعل جل هؤلاء الشباب يركن إلى التسليم بالأمر الواقع، والاكتفاء على غرار الجميع بالمراقبة عن بعد بتذمر ودون تدخل أو تفاعل ملحوظ.

تقول أميمة”21سنة” لجريدة بيان اليوم “بالنسبة لي فأنا أشجع الشباب على المشاركة في الانتخابات لأن المشاركة الانتخابية للمواطن تجعله يدرك أهمية دوره والتزامه تجاه العملية الانتخابية، وأن يعرف كيف يختار المترشح صاحب البرنامج الانتخابي الأجدى له، ويحدد أولوياته وفقاً لطموحاته ورؤيته الخاصة، خصوصا وأن المشاركة الانتخابية تعني شعور الناخب والمترشح بالمسؤولية تجاه الأفراد وتجاه المجتمع، وتجاه الوطن كله”.

من جهته أكد محمد “23سنة”، طالب بكلية الآداب، أنه لابد من التصويت لاختيار من يمثلنا بدلا من أن نقاطع التصويت وندع لأي كان استغلال المنصب لمصالحه الشخصية.

فمع اقتراب كل استحقاق انتخابي يعود إلى الواجهة موضوع عزوف الشباب عن المشاركة السياسية الذي بات الحديث عنه روتينيا بسبب تدني نسبة الإقبال إما على مستوى التصويت أو على مستوى الترشح للحملات الانتخابية جراء فقدان الثقة في العديد من الأحزاب لعدم تجديدها لخطاباتها الشعبوية.

لا يمكن طبعا أن نغمط البلد حقه. فقد لجأ  المغرب منذ سنة 2011، إلى تخصيص 30 مقعداً للشباب الذين تقلّ أعمارهم عن 40 سنة بمجلس النواب البالغة 395، بهدف تحميل هذه الفئة المسؤولية. وحسب التعديل الجديد في مارس الماضي، تم إلغاء لائحة الشباب الانتخابية وإضافتها إلى حصة النساء بهدف دعم تمثيلهن داخل مجلس النواب، إذ تقدر الحصة المخصصة لهن الآن 90 مقعدا عوض 60 مقعدا في السابق. لكن رغم ذلك نلمس تواصل العزوف السياسي. فحسب إحصائيات وزارة الداخلية، لم تتجاوز نسبة الشباب المسجلين لهذه السنة في اللوائح الانتخابية المتراوحة أعمارهم بين 18 و24 سنة نسبة 3 بالمائة، مقابل 19 بالمائة لدى الشباب ما بين 25 و35 سنة.

وخلال الانتخابات التشريعية لعام 2016 لم تتجاوز نسبة تصويت 43 في المائة وفي سنة 2011 بلغت 45 في المئة، في وقت لم تتجاوز نسبة المشاركة في انتخابات عام 2007، 34 في المئة، وهي أدنى نسبة تصويت في تاريخ المغرب.

في دردشة مع كلثوم (19 سنة)، صرحت لبيان اليوم بأنها لا تثق في أغلب السياسيين، خاصة البرلمانيين الذين، مع اسثتناءات على رؤوس الأصابع، لا يحسنون تمثيل المواطنين، ولا يدافعون عن قضاياهم ومصالحهم، داعية الشباب إلى التصويت من أجل إعطاء الفرصة للأحزاب المعقولة  التي تزخر بالأطر والكفاءات.

وفي نفس السياق يرى يونس (24سنة) أن الانتخابات لا تغير أي شيء في المجتمع، خاصة وأن الساحة السياسية عجت بدخلاء وأحزاب الكوكوت مينوت التي توزع خطابات المرشحين شعبوية تبقى مجرد حبر على ورق، لا تلبي متطلباتنا اليومية، مما يدفعني إلى عدم الانخراط والتسجيل في اللوائح الانتخابية.

كما قال سعد (18سنة) ” السياسة عندها ماليها “مضيفا أن أصواتنا لا تأخذ بعين الاعتبار، كما أن كل المرشحين من أصحاب الشكارة الذين فازوا في السنوات الماضية لم يفوا بوعودهم التي قدموها قبل يوم الانتخابات. وهذا أيضا عاشه آبائنا فكيف لي أن أضع الثقة في هؤلاء. من الأفضل قضاء وقتي في الاستعداد للسنة الدراسية القادمة وبناء مستقبلي على أن ادخل نفسي فيما لا شان لي به”.

بين هذا وذاك، لم تقف الأحزاب السياسية في موقع المتفرج، فهناك من عمل على تحفيز الشباب من أجل إقناعهم بالتراجع عن قرار العزوف الانتخابي، وذلك  عبر نشر حملات انتخابية على نطاق واسع من المملكة.

ونستحضر كنموذج حزب التقدم والاشتراكية الذي التقينا بنائبته البرلمانية وعضوة مكتبه السياسي السيدة فاطمة الزهراء برصات.

برصات تفضل عدم استعمال كلمة “غياب” لأنه برأيها،  الشباب حاضر في المظاهرات، والاحتجاجات ، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي و هذا بحد ذاته تعبير و “مشاركة”. و لكن السؤال المطروح اليوم، في نظرها، هو ضعف مشاركة الشباب في الأحزاب السياسية و النقابات و ضعف مشاركتهم على مستوى الانتخابات حيث تشهد هذه المستويات التي لها ارتباط بالمؤسسات عزوفا الشباب سياسيا يعود لمجموعة من الأسباب منها ما هو موضوعي و منها ما هو ذاتي و ربما ما هو مرتبط أيضا بالأحزاب السياسية.

وأشارت فاطمة الزهراء برصات إلى أن المناخ السياسي أصبحت تشوبه مجموعة من الشوائب جعلت المواطنين وخاصة الشباب ينفرون من السياسة وأصبحوا يرون أن كل الأحزاب سواء، وأنها وجه للفساد والزبونية والمحسوبية والانتهازية وقضاء المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة.

وهذا الواقع للأسف، تقول المتحدثة، مرتبط بالأحزاب السياسية المفروض عليها في أدائها لأدورها الدستوريه تأطير المواطنات والمواطنين وتمثيلهم داخل المؤسسات المنتخبة، مضيفة أن هذا الدور التأطير يشهد نوعا من التراجع لدى الأحزاب السياسية التي تركز أغلبها على المحطة الانتخابية بذل  تأطير هذه الفئة الشابة  وجعلها  متمكنة من مجموعة من الأمور السياسية، وأغلبها لا يجدد الآليات التقليدية التي يشتغل بها لجذب الشباب والتأقلم مع متطلباته المتغيرة مع تغير الأزمان. فبات في ظل هذا الفراغ يرتمي في العالم الافتراضي الرقمي بشكل أكبر.

وشددت النائبة البرلمانية باسم حزب الكتاب على  مسألة مهمة جدا يطرحها الشباب اليوم وهي ضرورة تجديد النخب وإعطاءها الفرصة للقيادة، بدل الاقتصار على جعلها وسيلة لبلوغ مآرب الانتخابية.

وبخصوص حزب التقدم والاشتراكية، قالت فاطمة الزهراء برصات إن حزب الكتاب يبذل مجهودات كبيرة لكسب ثقة الشباب الذي لا يعتبره شعارا مرحليا،  بدليل أنه رشح في هذه المحطة الانتخابية لائحة تضم مجموعة من النخب الشابة على مستوى الوطني و الجماعات الترابية و أيضا على مستوى الدوائر التشريعية، مضيفة بالقول إنه” يفترض ربما أن نكون نحن في حزب التقدم والاشتراكية من نملك أصغر مرشحة لحد الآن. فهي  تبلغ من العمر 21سنة من مدينة شفشاون اقترحها سكان المنطقة، ومنحها الحزب فرصة لتخوض هذه التجربة البرلمانية باعتبارها فاعلة جمعوية نشيطة. ولا أعتقد أن للأحزاب الأخرى الجرأة  على منح شابة في بداية مسارها الشبابي فرصة خوض هذه التجربة. لكن حزب التقدم والاشتراكية فعل ذلك.ونحن كحزب سنتحمل المسؤولية ونقدم لائحة تضمن الفئة الشابة لكن يبقى الأمر على مسؤولية الناخب الشاب والمواطن بصفة عامة من أجل المساهمة في” قوة التغيير” لان بلادنا تملك رأس مال غير مادي مهم جدا هو الشباب ويجب أن نستثمره بالشكل الأمثل على جميع المستويات، آخذين بالاعتبار مؤهلاته بذل محافظ البعض وما تتضمنه من أوراق مادية لشراء الذمم”.

وبالفعل، وكما أكدت عليه فاطمة برصات، هناك من يعتمد أسلوبا غير مشروع كتقديم رشوة للناخبين بمنحهم ورقة نقدية من فئة 200 درهم من أجل كسب أصواتهم.

لهذا الواقع واجهنا به الشباب الذي أكد بعضهم أنه لا يتوانى عن أخذ الورقة النقدية لكنه لا يلتزم بما وعد به منعدمي الضمير الذي يجد أن ماله الحرام ذهب سدى.

فقد صرح علي(25سنة) أنه يتم استغلال عميلة شراء أصوات الشباب في الحملات الانتخابية مقابل مبلغ مالي يقدرب 200 درهم لليوم، لمدة 7 أيام تقريبا، حيث تتم العملية عبر وسيط يعينه الشخص المنتخب لكل منطقة والذي يقوم باستلام نسخة من بطاقة التعريف الوطنية دليلا على انخراطه في الحملة، لكن عند الدخول إلى المعزل لا أحد يمنع الشاب من إبداء رأيه، بل لا أحد يمنعه من التوجه أصلا إلى مركز التصويت.

وكحل للمعضلة، سبق لزعيم حزب سياسي عريق أن اقترح فرض عقوبات مالية تقدر ب 500 درهم ضد كل “متهرب ” عن التصويت، فيما عرض آخر إجبار الناخبين على التصويت في الانتخابات، كحل للعزوف لان المغرب ليس دولة دكتاتورية، مرجعا العزوف عن المشاركة السياسية إلى استعمال المال في العملية الانتخابية.

وخلال استفسار جريدة بيان اليوم لعبد الفتاح البلعمشي أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش ورئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات بالرباط عن ظاهرة العزوف قال إن هناك “العديد من المشاكل المتراكمة في العمل السياسي والعمل الحزبي على وجه التحديد تؤدي إلى عزوف الشباب المغربي عن السياسة وعن المشاركة السياسية بشكل فعال..مثلا هناك نقص في منهجية تجديد النخب داخل الأحزاب السياسية وعدم الثقة في ترشيح الكفاءات الشبابية في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة، مما يؤدي إلى نوع من الإحباط في صفوف الشباب وعدم الأخذ بالاعتبار لطموحاتهم.

وبالنسبة للشباب، يقول عبد الفتاح بلعمشي، حتى عند تبني لائحة خاصة بهم في الانتخابات البرلمانية في الولايات السابقة نلاحظ أن حضورهم انطلاقا من “كوطا” معينة لم تكن عاملا إيجابيا لتوحيد الرؤى فيما بين الفرق المختلفة حول قضايا الشباب والعمل بشكل مشترك ومنسق للتركيز على تأهيل السياسات العمومية المستهدفة لهذه الفئة من خلال التشريع والعمل البرلماني عموما.أضف إلى ذلك صعوبة تغيير القيادات الحزبية وهيمنتها على المشهد لعدة ولايات متتالية يؤدي بالضرورة إلى نوع من الاحتكار وانحباس الأفق لدى كفاءات وشخصيات جديدة لاستكمال المسار خصوصا الفعاليات الشابة منها..

إن إلزامية المشاركة في الانتخابات عن طريق التصويت ليست حلا لمعضلة توسيع المشاركة السياسية كون هذا الإجراء هو مسألة تدخل ضمن الحقوق الشخصية فمن شاء أن يصوت هذا حق ومن أبى لايمكن إلزامه بحيث أن المشكلة تكمن في مكان ٱخر

وشدد بلعمشي على أن الحديث عن المشاركة السياسية للشباب يستلزم الديمقراطية الداخلية وتطوير منهجية المشاركة والعمل على توفير ٱليات لتجديد النخب وكذلك تحفيز العمل على المساهمة في تأطير المواطنات والمواطنين وتكوين النخب الحزبية وتوضيح التصورات الحزبية والبرامج والالتزام بتنفيذها فلا يمكن التغاضي عن كل الأمور التي تؤدي إلى العزوف على المشاركة السياسية في الانتخابات والاقتراع ونتحدث عن النتيجة كأنها المشكل الأساسي وتترك الأسباب والمسببات التي تفرز هذه النتيجة التي هي ضعف المشاركة في التصويت إذن نحن أمام مشكلة مركبة تحتاج حلا بنيويا لكل فصولها وليس اختيار السبيل السهل لشرعنة تمثيلية غير حقيقية من الناحية الواقعية.

واستنادا إلى التصريحات التي استقتها جريدة بيان اليوم من حزب التقدم والاشتراكية ومن الأستاذ عبد الفتاح البلعمشي ومن زعماء سياسيين  آخرين، ومن الفئات الشابة، يتضح أن الشباب وبعض الأحزاب السياسية تتحمل مسؤولية تراجع نسبة التصويت لأنها لا تواكب متطلبات العصر ولا تجتهد في تأطير الشباب الذي، رغم بعض الممارسات السياسية التقليدية، لم ينفتح ا على المجال السياسي من أجل اختيار الأحزاب الجادة والمعقولة.

نخلص إذن إلى أن العديد من الأحزاب السياسية، وليس كلها، لم تهيئ البيئة السياسية المشجعة على العمل الحزبي، وأن هذا الإهمال لدى الشباب ثقافة  العزوف الذي تفاقم نحو منحى يهدد البناء الديموقراطي في المغرب عموما ومصداقية وجدوى وجود الأحزاب السياسية خصوصا، وتكريس المشيخة الحزبية في الوقت الذي يوجد شباب مثقف و واع و أطر أكفاء قادرين على حمل مشعل التنمية في هذا الوطن، ما يستدعي من الأحزاب السياسية هيكلة نظامها و رص صفوفها وزرع نوع من الثقة والديموقراطية داخل أجهزتها وبين أعضائها ومنتسبيها، وتفعيلا لمبدأ التنمية السياسية والتأطير الاجتماعي للأفراد بعيدا عن كل انغلاق واحتدام سياسي وفكري أيديولوجي.

إن تدني مستوى الوعي بأهمية المشاركة السياسية في المجتمع المغربي وانتشار “الأمية السياسية”، من شأنه أن يوسع الهوة التي لازالت تتسع إلى الآن بين السياسة والفرد المواطن أكثر فأكثر، بغض النظر عن الترسبات التاريخية السلبية للأحزاب السياسية التي ترسخت في أذهان الشباب المغربي ومختلف شرائح مجتمعه.

وإن تراجع دور الأحزاب في تحفيز الشباب ودعوتهم إلى المشاركة في العمل السياسي، وعدم بناء وخلق جسور التواصل بين الجميع، بالإضافة إلى ضعف البرامج الحالية وعدم مسايرتها للواقع الحالي، والتي يمكن وصفها بغير المقنعة ولا المجدية، لن يجيد فتيلا في ملامسة احتياجات فئة واسعة من الشباب ولا ملاءمة تصوراتهم ومواقفهم، وبالتالي لن يسهم في جلبهم للمعترك السياسي.

وإن هذا من شأنه أن يزيد من نفور الشباب وإعراضهم عن عضوية الأحزاب، لاسيما وأن الحزب لديهم مرتبط بمصالح خاصة لا عامة، ما سمح لقناعة ” لا جدوى من الأحزاب السياسية ” أن تتولد في ظل ثبوت ضعفها في إدارة ومواجهة الأزمات – و خاصة الأزمات الفجائية منها كوباء كورونا الذي أسقط العديد من الأقنعة وأزاح النقاب عن مجموعة من التناقضات الصارخة في الخطاب السياسي والاجتماعي، لتنعدم الثقة ويقل الإقبال. الأمر الذي يجعلنا نتساءل عما أعدت الأحزاب السياسية لما بعد كورونا.

كما أن إعراض الأحزاب عن منح الشباب مراكز قيادية يجعل الكثيرين منهم يشعرون بأن دعوتهم لا تعدو أن تكون سوى استغلالا سياسيا، ليقتصر دور الشباب على ملء كراسي الحافلات والمؤتمرات واللقاءات الحزبية والمساعدة على تنظيم حملات انتخابية وولائم لمرشحين لا تربطهم أية علاقة بالحقل السياسي المغربي، والذين لا يبحثون سوى عن النفوذ السياسي لتوسيع نشاطهم الاقتصادي والذين لا يبتغون سوى ترقيتهم في سلم أو في مركز مهني ما.

إن الحزب السياسي يظل منصة واقعية لا افتراضية وقناة مفتوحة من خلالها يمكننا أن نوصل مطالبنا ونعبر عن مواقفنا وتصوراتنا وأفكارنا وآرائنا حتى لو كانت تتعارض وسياسة الحكومة وبرامجها بكل مصداقية وأمانة ودون قيود.

ومن الأكيد أن تمكين الشباب من الخوض في غمار هذا العمل المنظم من شأنه تقوية شعورهم بالمواطنة والانتماء، وتنمية روح المبادرة والعمل لديهم، وإعادة فتح جسور الثقة وقوفا على تطلعاتهم المستقبلية، وأي تهميش أو تغاض عن هذه الفئة الحيوية من المجتمع في الممارسات السياسية الفاعلة هو طمس لمستقبلها ولمستقبل الإصلاح السياسي بالمغرب الحديث على السواء.

إيناس الدوا : صحافية متدربة

Related posts

Top