في الصيرورة الواقعية بتونس؟؟

1/ معطى أول:

سنلاحظ أن الصيرورة في الماضي القريب، على الأقل منذ الثورة في العام 2011، كانت تتعثر (وغير منسقة)، لكنها كانت في جوهر التطور، ورغم ذلك فالتراكم الذي عرفته الثورة التونسية، كان بطيئا بِفِعْل فاعل مستثمر لها (النهضة وحلفائها)، حيث يُدمّر ليعود إلى نقطة البدء، وفعل المستويات محدود (أي نعم)، بالأساس لغياب فعل أو حتى للفعل السلبي للدولة والوعي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نتيجة التطور غير المتساوي بين الطبقات والشرائح المجتمعية التونسية بفعل تداعيات المنظومة السياسية المُعتمدة من لدن حكومات ذات خلفية إسلاموية متخلفة (=ذوبان فعل الطبقة المتوسطة).
الآن ينحدر أو يزيد التطور (وهو المرغوب) لمجموعة أخرى (على رأسها قيس سعيد) لتعيد بدورها التراكمات من جديد، كانعكاس ضروري ومقدّر، لمرحلة طويلة من التطور البطيء والمتعرج.. الأهم والمراد الآن، يكمن في اتساع أعلى للصيرورة بتونس، يُصبح معها التراكم أكثر اتساقا من جهة (=أكثر ثباتا)، ومن جهة أخرى، يصبح للذات (الوعي/السياسة) دور أوضح، وهنا الوعي المنعكس بالتحديد في الممارسة طيّا لمرحلة سياسية هلامية عافَها الزمن.

2/ معطى ثان:

يفترض وعي صيرورة التاريخ بتونس إعمال الجدل، لكونه لا يهدف ارتقاء المجتمع فقط، فهذه مسألة تتعلق بـ “التاريخ”. وبالتالي يمكن عَبْره وعي الخبرات والتجارب. لكن ماذا يفيد الجدل في الاستشراف وفي الحالة التونسية بالضبط؟ في وعي الصيرورة كما ستكون (وهذا اعتقادي) بعد قرارات قيس سعيد؟ اللحظة الراهنة، الواقع الراهن، أساس هنا حيث لا يمكن الاستشراف دون “المعطيات الراهنة” الواقعية (وهي شحيحة). لا يمكن تحديد إمكانات مستويات الواقع إلا عبر وعي الواقع، لكن هنا (وهذا اعتقادي دائما) يجب أن نميز بين الصيرورة الواقعية (الموضوع/الإصلاح) والوعي الإرادوي (=الذات القيسية؟)، ورغم أن الذات جزء من الواقع (على اعتبار قيس سعيد رئيس منتخب)، فإن الإرادوية المُفرطة هي التي تعطيها الأولوية، لأن الذات لا تفعل إلا في حدود ممكنات الواقع، وهو متختّر، منهوك ومُنهلك في الحالة التونسية. لهذا بالتحديد، ستكشف بعض القصورات (لعد ذلك وهذا غير مرغوب فيه) أنها أوهام وبالتالي فإن الصيرورة هي التي تفرز الفكر الواقعي عن الأوهام، التي تنتج بالأساس عن عدم دقة رؤية “اللحظة الراهنة” وعدم وعي كل مكونات الواقع (المتهالكة عدا الاتحاد التونسي للشغل بصيغة ما).
الجدل هنا كآلية ذهنية هو هنا أيضا جزء من الذات، لكنه بالأساس آلية الصيرورة الواقعية، وتتحقق المطابقة بين الآليتين حين توافر عاملين هما:
– دقة الآلية الذهنية (المتعطلة الآن بفعل قرارات صادمة لكن مُفترضة)، أي الوعي العميق بالجدل و”امتلاك الجدل” بين كل مكونات الصف الوطني الديمقراطي، وصياغة نظرية وطنية عالية لتصحيح مسار الثورة التونسية نحو أفق ديمقراطي غير مُمِلّ بالنظر إلى التجارب السابقة التي أتت بعد 2011. وهذا من جهة.
– ومن جهة أخرى، الوعي الحقيقي التفصيلي العميق بالمعطيات الواقعية، وهذان العاملان بالصعوبة بمكان، يجعلنا نقول باستحالة تحقيقها راهنيا وإلى حدود صياغة خارطة طريق وطنية مستشرفة للمستقبل، لكن رغم ذلك يبقى هناك إمكانية لوعي نسبي لكل من الدولة (قيس سعيد) والمجتمع المدني التونسي، وهذا إن تحقق، سيعني أن فاعلية أعلى للذات يمكن أن تتحقق، دون أن تكون الفاعلية الكاملة.
وعلى أي وبموضوعية، فإن سيطرة قيس سعيد وجماعته على مصير المجتمع التونسي (رغم جديتها وضرورتها المؤقتة بالنظر إلى ما اعترى المجتمع التونسي بحكم سياسات النهضة الفاشلة)، ليست مكتملة بعد، بل تعتورها بعض النواقص نرجو تجاوزها مستقبلا، على سبيل تصحيح المشوار السياسي التونسي.

3/معطى ثالث وأخير:

وأخيرا فحين نتحدث عن الجدل (في الحالة التونسية)، فليس ذلك بمنطق وعي الماضي فقط (حقبة بورقيبة الممجدة من لدن الحزب الدستوري الحر أو حقبة الشرطي زين العابدين؟؟)، لا، إنها رؤية للمستقبل أيضا، في هذا يتركز الفعل الإنساني الواعي، حيث إن الوعي هو الذي يحدد الفعل الحقيقي للبشر، بل يحدد دور الذات في الصيرورة. ولهذا ولكي يتحقق التطور، يجب أن يتبلور الوعي بالواقع، وبآليات تطوره، وبالأخص منها دور البشر/النخبة في تحقيق هذا التطور، وبالتالي بالتصور الإيديولوجي الضروري لتحقيق ذلك؟.
وإذن، فأين قيس سعيد من هذا إذا ما تجاوزنا شعبويته واستقلاليته الغامضة اتجاه مكونات المجتمع التونسي المتعدد؟؟. سوف يتحدد الآن ومستقبلا، وضع “الخطأ” بمعنى أن “العجز” عن التطور الممكن، لا ينبع فقط من ممكنات الواقع، بل أيضا من “العجز” عن التطور الممكن، أي أن ممكنات الواقع تسمح بهذا التطور، في حال تحديد دور الذات تحديدا حقيقيا (في هذه الحالة تحديد الذات القيسية الإرادوية؟؟).
وأخيرا وليس آخرا، فإن التطور يرتبط بدور الوعي، إنه مستوى ضروري في الصيرورة حين “يُفقد” لا يتحقق التطور.
التطور ليس عفويا، والوعي مستوى من مستويات الصيرورة. لننتظر إذن العلامات المستقبلية لتونس، في ظل قرارات اتخذت على حين غرة، منتشية برصيد هلامي شعبوي؟؟. لكن السؤال وهذا هو المرغوب فيه، هل يذهب قيس سعيد في اتجاه تحقيق دعاويه ومتمنياته الديمقراطية أم سيؤسس لانتكاسة ديمقراطية جديدة بتونس على المنوال المصري.؟؟
هذا ما لا تمناه لتونس الثورة المستقبل الجميل..

< بقلم: عبد الله راكز

Related posts

Top