فاتح ماي

يحل العيد الأممي للطبقة العاملة «فاتح ماي» هذه السنة، وعلى غرار العام الماضي، في ظرفية استثنائية ناتجة عن استمرار تفشي وباء كورونا وتواصل تداعياته الصحية والاجتماعية، وهو ما فرض أن تقرر السلطات منع كل الإستعراضات والمسيرات والاحتفالات الميدانية ذات الصِّلة بتخليد المناسبة.
لقد زادت تداعيات الجائحة في تعميق المعاناة الاجتماعية للطبقات الشغيلة، وذلك على إثر  ما شهده القطاع الاقتصادي من صعوبات وتراجعات، وشهدت هذه الأوضاع إغلاق مصانع ومقاولات، وتسريح عدد من الأجراء، وتوقف قطاعات بأكملها، وكل هذا نجم عنه أيضا تنامي مهول للعطالة، وتفاقمت مؤشرات هشاشة الشغل، وزادت حدة الفقر وسط عديد فئات من شعبنا، وذلك بسبب فقدان الوظائف، وبسبب تدهور الأوضاع المهنية والمادية والاجتماعية…
وبالرغم من كامل الجهد التمويلي والاجتماعي الذي بذلته الدولة لمواجهة كل هذه التداعيات والحفاظ على الحد الأدنى من شروط العيش، فإن مفارقات عديدة فرضت، مع ذلك، ضغطها على الواقع، وبقيت مظاهر الخصاص بدون استجابة، ولم يصل الدعم التضامني لكل الفئات المستحقة، ووجدت البلاد نفسها أمام غياب الولوج للخدمات الاجتماعية الأساسية بالنسبة لأوساط عديدة من المواطنات والمواطنين.
الطبقة العاملة المغربية تخلد إذن عيدها النضالي الكوني هذه السنة ضمن هذه الانشغالات والمطالب كلها، وخاصة المتعلقة بأوضاعها الاجتماعية والمهنية جراء ما نتج عن زمن الجائحة، وأيضا ما كانت تجره من سنوات سابقة عن ذلك.
ولكن فاتح ماي يحل كذلك مباشرة  بعد إعلان جلالة الملك عن الشروع في تنزيل منظومة الحماية الاجتماعية، والتطلع العام ليكون ذلك بمثابة ثورة اجتماعية وإصلاح استراتيجي حقيقي لتحسين أوضاع شعبنا وظروف عيش فئات اجتماعية عديدة، ضمنها العمال والعاطلون والفلاحون والنساء وممارسو المهن الحرة والحرفيون والتجار وغيرهم…
المطلوب اليوم هو استحضار عامل الوقت وتسريع إيقاع الإنجاز ليستطيع شعبنا الإحساس بالأثر الملموس لهذا الورش الملكي الهام على حياتهم اليومية ومستويات عيشهم وولوجهم لخدمات التغطية الصحية والحماية الاجتماعية…
وفِي الإطار نفسه، يجب الحرص على حضور الفرقاء الاجتماعيين وممثلي العمال والمأجورين ضمن كامل ميكانيزمات التنفيذ الفعلي لمنظومة الحماية الاجتماعية، وأيضا إعادة تفعيل الحوار الاجتماعي وترسيخ المقاربة  التشاركية لتأمين السلم والاستقرار الاجتماعيين.
يطرح فاتح ماي كذلك مطالب الحريات، وأهمية المنظومة التشريعية والقانونية والتنظيمية المتصلة بحقوق العمال، وضرورة استكمالها، علاوة على أوضاع السلامة المهنية والشروط الصحية داخل مقرات العمل، خصوصا في معامل النسيج غير القانونية، وفِي الضيعات الفلاحية، وأيضا على مستوى القطاع غير المهيكل، وهو وحده يقتضي اليوم إصلاحا استراتيجيا كبيرا…
إن العيد الأممي للعمال يفرض أيضا مساءلة الذات واستحضار أهمية عمل ونضال النقابات العمالية، وضرورة تثمين ذلك وإسناده، وأهمية تطوير وتأهيل ممارستنا النقابية بشكل عام، وذلك ضمن الوحدة والاستقلالية، وأن تستعيد الحركة النقابية المغربية قوتها التأطيرية والنضالية والإشعاعية، وجاذبيتها التنظيمية.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

الوسوم ,

Related posts

Top