في الذاكرة.. وجوه بصمت خشبات المسرح المغربي

قد يمر بنا قطار العمر بمحطات وأماكن لا نشعر بجمالها إلا عندما نبتعد عنها.. وقد يؤثث مشهد حياتنا فنانون فرضوا علينا الاحترام بأدائهم و مشاعره الإنسانية الجميلة. وفي أكثر الأحيان لا نشعر بقيمتهم ومدى تأثيرهم في حياتنا إلا بعد أن يغادروننا ويصبحون مجرد ذكرى فيتركون ذكريات قد تثير فينا الشجن والحزن والفرح والابتسامة أو الألم والحسرة.. ولكن تبقى ذكرياتهم محفورة داخلنا، تذهب بنا إلى العالم جميل نستنشق من خلاله عبق المحبة والحنين إلى الماضي حيث نتذكر فيهم وبهم أجمل اللحظات برونق خاص وغصة بالقلب …
رحلوا عنا الغوالي وتركوا لنا ذكريات نتعايش معها وتنبض الحياة في أعضائنا، وصورهم مازالت ماثلة أمام أعينينا ..
هكذا هي الحياة، كما هي الممات، لقاء وفراق، دمعة وابتسامة.. فبالأمس رحل عنا العظماء ممن كنا نحبهم لأنهم تركوا بصمات على دركنا وفهمنا للحياة من علماء وشعراء وأدباء وفنانون فهم شخصيات عامة إلا أنهم أناس عاشوا وتعايشوا معنا ليرحلوا بهدوء دون أن ترحل آثارهم وتأثيراتهم ..

الحلقة الرابعة

الكاتب المسرحي الراحل عبد الله شقرون

فقد المشهد المسرحي والثقافي والإعلامي في المغرب، يوم الخميس 16 نونبر 2017 أحد أبرز أعلامه، الأستاذ عبد الله شقرون رحمه الله، الذي وافته المنية بمدينة الدار البيضاء عن عمر يناهز 91 سنة.
وولد الأستاذ عبد الله شقرون بتاريخ 14 مارس 1926 بمدينة سلا التي تلقى فيها تعليمه الأولي وهو يتيم الأبوين، في الكتاب (المسيد) حيث تعلم مبادئ اللغة العربية والفقه وحفظ القرآن.
بعد ذلك تدرج في المدرسة النظامية، انطلاقا من التعليم الابتدائي إلى الثانوي، ثم التعليم العالي لاحقا في معهد الدراسات العليا (مقر كلية الآداب بالرباط حاليا)، وحصل على الإجازة في الأدب العربي من كلية الآداب للجامعة الفرنسية بالجزائر، ثم دبلوم الإخراج الإذاعي والتلفزيوني من مدرسة هيئة الإذاعة والتلفزة الفرنسية بباريس.
وله رصيد هام في التسيير الإداري والتأطير داخل الإذاعة والتلفزة المغربية، منذ انطلاقها في بداية الستينيات، حيث جمع بنجاح بين الحس الإبداعي الفني المرهف وبين الكفاءة في التسيير الإداري الكفء، مما أكسبه صفة خبير دولي في الصوتيات والمرئيات، وفي مجال الملكية الفكرية وحقوق التأليف، ومستشار في التعاون الدولي متعدد الجوانب لدى منظمات إقليمية للإذاعة والتلفزة بإفريقيا والعالم العربي.
وقد تولى عدة مهام إعلامية ومناصب إدارية سامية: منتج ومحرر ومخرج وصحفي في “راديو المغرب” بالرباط، ثم رئيس قسم التمثيل العربي للإذاعة المغربية من سنة 1952 إلى سنة 1962، وعضو اتحاد كتاب المغرب سنة 1961، ومدير عام بالإذاعة والتلفزة (من فبراير سنة 1963 إلى نهاية 1965 وكذا من سنة 1971 إلى سنة 1973)، ورئيس العلاقات الخارجية بالإذاعة والتلفزة، ومستشار بوزارة الشؤون الثقافية، ثم أمين عام لاتحاد إذاعات الدول العربية بتونس.
وبدأ نشاطه المسرحي تأليفا واقتباسا وإخراجا ابتداء من سنة 1949، حيث أسس عدة فرق مسرحية، وبذل جهدا متميزا في مغربة الخطاب المسرحي لغة ومضمونا، علاوة على تميزه بتجربة “المسرح الإذاعي” و”المسرح التلفزيوني”، وأنتج العديد من المقالات والدراسات والأبحاث الأدبية حول الأدب الشعبي وفن المسرح والممارسة الإذاعية، تشكل رصيدا يضم أزيد من 500 مسرحية وتمثيلية إذاعية وتلفزيونية باللغة العربية والدارجة المغربية.
ومن الشهادات في حق فقيد المسرح المغربي عبد الله شقرون، إثر وفاته، شهادة محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، وقال فيها: “تلقيت بأسى كبير وحزن عميق، نبأ وفاة المشمول بعفو الله، الأستاذ عبد الله شقرون رحمه الله، الذي وافته المنية بمدينة الدار البيضاء عن عمر يناهز 91 سنة.
وفي هذه اللحظة المؤثرة، لا يسعني إلا أن أستذكر المحطات المنيرة في حياة الأستاذ الراحل السي عبد الله، والمنجزات التاريخية التي حققها في مختلف مجالات الحياة الثقافية والإعلامية، كمثقف متنور وحداثي، وفاعل مسرحي أصيل متألق تأليفا واقتباسا وإخراجا منذ سنة 1949، ومؤسس ومؤطر لعدة فرق مسرحية، ومسؤول إداري مقتدر كفء، وعضو نشيط في اتحاد كتاب المغرب، علاوة على إسهاماته الغنية كخبير ومستشار في التعاون الدولي متعدد الجوانب لدى منظمات وهيئات إذاعية وتلفزيونية في العالم العربي وإفريقيا.
كما أستحضر بنفس المناسبة، مسيرة حياته الحافلة بالنضال الفكري الخلاق والمستميت، وبالجدية والاستقامة في العمل، وبرصيده الضخم من الدراسات والمصنفات والمؤلفات باللغتين العربية والفرنسية حول الأدب الشعبي وفن المسرح والممارسة الإذاعية..
وأستذكر، على وجه الخصوص، خصاله الإنسانية وأخلاقه العالية، المتسمة بالحس الإبداعي المرهف، وبالحرص الصارم على رعاية أسرته الصغيرة، والعشق الصادق لرفيقة دربه، والطيبوبة والسخاء والتواضع.
وأمام هذا المصاب الجلل، أتقدم باسمي الشخصي، ونيابة عن قيادة ومناضلي حزب التقدم والاشتراكية، بأحر عبارات التعازي وصادق مشاعر المواساة، إلى السيدة الفاضلة زوجته جميلة بنعمر وأبنائه البررة، ولكافة الأصهار والأقارب والمعارف والأصدقاء، سائلا الله عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع الرحمة والرضوان، ويلهمكم جميل الصبر والسلوان وحسن العزاء.
لقد ترك، رحمه الله، فراغا كبيرا لا يعوض.. وعطاء قيما لن يفنى.. فشكرا له على كل شيء.. وجازاه الله عنكم وعنا خير جزاء، لما أسداه من خدمات جليلة لوطنه وشعبه.

Related posts

Top