للإنصاف جسور يؤثثها الدستور

ونحن نحارب الفساد والاستبداد ببلادنا، ونرفع شعارات مطالبة بالحريات العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان.. ونحن نطلق النار على كل المسؤولين المتجاوزين وناهبي المال العام، وكل محترفي الشطط في السلطة… لا ننسى أن المطالبة بالحقوق، يلزمها نضال مواز، يخص احترام دستور المملكة.. احترام الواجبات المفروض الالتزام بأدائها. ويلزمها احترام تام لمؤسسات الدولة، وفرض الاحترام الواجب لمسؤوليها بداية من الغفير وحتى الوزير. فرض الالتزام بالواجبات هو السبيل إلى مأسسة الدولة، وفرض النظام داخلها. وهو المفتاح الذي يفتح أبواب المساواة والعدالة والإنصاف. إذ لا يمكن السماح لمظلوم بسلك نفس أسلوب من ظلموه. والتسبب في ظلم أبرياء لا دخل لهم بما تعرض إليه من ظلم ومهانة. ولا يمكن لمظلوم أن يقتص من ظالمه بأسلوب (الغاب)، عوض اللجوء إلى المساطر القانونية. وعوض البحث عن الإنصاف بطرق لا تزرع الفتن ولا تربك السير العام للنظام. قد يتعرض المواطن لظلم موظف أو رجل سلطة أو عنصر أمني أو مسؤول قضائي. لكن الحل لا يمكن أن يكون في الاعتداء على من ظلمه، لفظيا أو جسديا. لأنه قد يشفي بذلك غليله للحظات وقد يهدئ من روعه لثوان. لكن وبعيدا عما سيلحقه من مساءلة قضائية ستغطي على الظلم الذي لحقه. سيكون قد شارك في الحط من قيمة مسؤول داخل جهاز الدولة، وسيكون قد ساهم في تبخيس تلك المسؤولية وإذلالها وإفراغها من دورها ومهامها. وسيكون قد أعطى (عرفا) و(مشروع قانون الغاب)، لمواطنين آخرين في التعامل مع هذا المسؤول أو ذاك، بعيدا عن بنود وفصول دستور البلاد وإجراءاته القانونية.
ما نعيشه اليوم في المغرب من إذلال للمسؤولين والمسؤوليات، لا يبشر بالخير للبلاد والعباد. إذلال إلى درجة أن معظم من يتحمل تلك المسؤوليات باتوا يرفضون الاستمرار في مناصبهم. ويفضلون العمل في الظل داخل الإدارات، بعيدا عن مواجهة المواطنات والمواطنين. عبث كهذا يدخل في إطار الإرهاب الإداري والمهني والنفسي. ويجعل شرفاء البلاد يتراجعون إلى الخلف، ويتركون تلك المسؤوليات في أياد خبيثة. لا يفرق أصحابها بين الصالح والطالح.
عندما يفرض (العرف) والعبث أمنهما الخاص، وتجد السلطات صعوبة في استثبات الأمن وفرض احترام قوانين البلاد، وضمان حقوق المواطنين في التجوال والسير والتجارة والعمل والسكن والصحة والتعليم و.. وهي حقوق يكفلها الفصل 31 من دستور 2011 لكل المواطنات والمواطنين، فلابد أن تعي تلك السلطات على أنها تساهم في زعزعة احترام وتقدير مسؤوليها وتضعف من قيمة ومكانة تلك المسؤوليات التي على عاتقها. وأن تعي أن لها ضلعا في كل رد فعل جرمي صادر عن بعض المواطنين. لأنه لا يمكن أن تشهر القانون في وجه مواطن ارتكب مخالفة، وتسارع إلى معاقبته. وتشهر الابتسامة والرضا في وجه مواطن له نفس المخالفة أو تدير ظهرها عنه. كما أنه لا يمكن أن تشهر القانون في وجه مخالف بهدف الابتزاز. لأن مثل هاته السلوكات، هي التي تغذي الحقد والكره في نفوس المواطنين المعنيين. وهي التي تجعل بعضهم يسارعون إلى ارتكاب حماقات مختلفة (عنف ضد المسؤول أو ضد نفسه). وعلى المسؤول أن يعرف أن ما يحفظه من قوانين عن ظهر قلب، يمكن ألا يفقه فيها المواطن شيئا. بالنظر إلى ما ترسخ لديه من الواقع المعاش المليء بالمتناقضات.. وأنه لا يمكن العمل بمقولة (القانون لا يحمي المغفلين). لأن الواجب أن نبدأ بمقولة (القانون فوق كل مواطن). كيف يعقل إذن أن تطلب من عجوز تفرش في الشارع العام لتبيع سلعتها أن تخلي الشارع، وهي ترى أن العشرات بل المئات يتاجرون يوميا بالشارع العام ولا أحد يطاردهم، بل إن بعض المسؤولين يتبضعون من عندهم؟؟. وكيف يعقل أن تطلب من رب أسرة ألا يبني غرفة في سطح منزله لإيواء ابنه المتزوج حديثا. وهو يعلم ويرى كيف أن عمليات البناء العشوائية لا تنتهي داخل عدة منازل بالجوار. بل إن منهم من شيد طوابق وليس غرفة فقط.؟؟. من أجل مغرب قادر على السير بخطى ثابتة وتصاعدية في اتجاه تنمية صحيحة ومستدامة. لابد من وقف الشطط والابتزاز في استعمال السلط. كما أنه لابد من احترام السلط، باحترام وتقدير المسؤولين والمسؤوليات. فهل نحن واعون بخطورة هذا الوباء الملعون.. أم أننا سنستمر في نشره وتوسيع دائرته ؟؟

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top