2021.. عام التحول والمصالحة مع الطبيعة

”انتهى وقت المحادثات والمفاوضات، وأنطلق سباق التعاون لاستعادة التوازن العالمي” على إيقاع هذا الخطاب القوي الذي وجهه الناشط البيئي الهندي أفروز شاه للمندوبين خلال تكريمه من قبل برنامج الأمم المتحدة للبيئة باعتباره بطلا للأرض، اختتمت جمعية الأمم المتحدة للبيئة أشغالها، بعد يومين من اجتماعات ممثلي 193 دولة، بالحث على المزيد من العمل، والتعاون، والتمويل، والطموح، والتزام أقوى بمكافحة الأزمات البيئية، وإعادة بناء المجتمعات التي دمرها وباء كوفيد19، حيث لم يكن لدى المشاركين أدنى شك في أن عام 2021 سيكون نقطة تحول كبيرة إذا أراد العالم تأمين مستقبل الاجيال القادمة، حيث يمكن للناس والكوكب الازدهار معا: “إذا لم نتحرك فسوف ترث الأجيال القادمة كوكبا من الاحتباس الحراري به المزيد من الكربون في الغلاف الجوي أكثر من 800000 عام من الآن، ما لم نتحرك ستعيش الأجيال القادمة في مدن مدمرة، من البصرة إلى لاغوس، من مومباي إلى هيوستن، ما لم نتخذ إجراء ستكون الأجيال القادمة محظوظة إذا تمكنت من اكتشاف وحيد القرن الأسود، وما لم نتحرك سيتعين على الأجيال القادمة أن تتعايش مع نفاياتنا السامة وهو ما يكفي كل عام لملء 125 ألف حمام سباحة بالحجم الأولمبي” تؤكد إنغر أندرسون المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وأكد وزير البيئة والمناخ النرويجي سفينونغ روتيفتان: “سنواجه مخاطر وبائية متكررة في المستقبل إذا حافظنا على أنماطنا الحالية غير المستدامة في تفاعلاتنا مع الطبيعة” مضيفا: “أعتقد أننا اكتشفنا خلال هذه الفترة من الأزمة مدى اعتماد صحتنا ورفاهيتنا على الطبيعة والحلول التي توفرها الطبيعة”.
وتعتبر هذه الجمعية هيئة عالمية تقريرية تختص بشؤون البيئة، وتقوم بمناقشة السياسات الخاصة بوضع خارطة طريق عالمية في مجال البيئة وباعتماد قرارات استراتيجية واقتراح توجيهات سياسية، فضلا عن دراسة برنامج عمل وميزانية برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وتجتمع هذه الجمعية مرة كل سنتين، حيث أكد الرئيس الكيني أوهورو كينياتا الذي يستضيف مقر برنامج الأمم المتحدة للبيئة في العاصمة نيروبي عن الحاجة إلى العمل بسرعة، “من الواضح بشكل متزايد أن الأزمات البيئية هي جزء من الطريق أمامنا: حرائق الغابات ، والأعاصير ودرجات الحرارة المرتفعة القياسية وقشعريرة الشتاء غير المسبوقة وأوبئة الجراد والفيضانات والجفاف أصبحت كلها أمورًا سائدة لدرجة أنها لا تتصدر العناوين دائما” يؤكد الرئيس الكيني، ويضيف: “تدق هذه الأحداث المناخية غير المواتية على نحو متزايد جرس تحذير يدعونا إلى مواجهة أزمات الكواكب الثلاث التي تهدد مستقبلنا الجماعي: أزمة المناخ وأزمة التنوع البيولوجي والطبيعة وأزمة التلوث والنفايات”.
ووافقت الجمعية على إعلان نهائي يحذر من أن “صحة الإنسان ورفاهيته تعتمد أكثر من أي وقت مضى على الطبيعة والحلول التي توفرها، ونحن ندرك أننا سنواجه مخاطر متكررة من الأوبئة المستقبلية، إذا حافظنا على أنماطنا الحالية غير المستدامة في تفاعلاتنا مع الطبيعة”.
قالت أندرسن من برنامج الأمم المتحدة للبيئة: “تتمثل الإستراتيجية في تغيير الطريقة التي يعمل بها برنامج الأمم المتحدة للبيئة ويشارك فيه الدول الأعضاء ووكالات الأمم المتحدة والقطاع الخاص والمجتمع المدني ومجموعات الشباب حتى نتمكن من أن نصبح أقوى وأسرع وأقوى”، تهدف هذه الاستراتيجية إلى توفير البيانات العلمية والمعرفة للحكومات، وتتعلق الاستراتيجية أيضا بالعمل الجماعي مما يخرجنا من وزارات البيئة لقيادة العمل”، حيث من المقرر أن يعقد الجزء الثاني من برنامج الجلسة الخامسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة العام المقبل على أمل أن يجتمع المندوبون حضوريا بعيدا عن الإجراءات الوقائية التي فرضتها جائحة كورونا، بعدما تدارست الجمعية استراتيجية برنامج الأمم المتحدة المتوسطة المدى 2022 -2025.
وبعد الإعلان عن عقد فعلي لعلوم المحيطات من أجل التنمية المستدامة، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة الفترة 2021-2030 “عقد استعادة النظم البيئية” معربة عن قلقها إزاء فقدان التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية بسبب تدهور الأراضي، ويهدف إعلان “عقد استعادة النظام الإيكولوجي” إلى دعم وتكثيف الجهود المبذولة لمنع ووقف وعكس اتجاه تدهور النظم الإيكولوجية في جميع أنحاء العالم، وهذا ما يتطلب زيادة الوعي العام بأهمية الاستعادة الناجحة لهذه النظم البيئية، ويمثل هذا التدهور حاليا، وفقا للأمم المتحدة أكثر من 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وقدمت لينا دولوريس بول ألفارو وزيرة البيئة في السلفادور العقد باعتباره: “إطار عمل لتنشيط الاتفاقات المتعددة الأطراف القائمة وتعزيز أوجه التآزر التي ستيسر تنفيذ برنامج التنمية المستدامة في أفق 2030”.
ويؤثر تدهور النظم البيئية سلبا على ما يقرب من 3.2 مليار شخص في جميع أنحاء العالم ويزيد من التعرض لتغير المناخ، وتعتقد الأمم المتحدة أن تغيير هذا الواقع لا يزال ممكنا خاصة وأن استعادة النظم البيئية يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على الأمن الغذائي والإجهاد المائي والتكيف مع تغير المناخ وتدابير التخفيف.

أهداف عقد استعادة النظم الإيكولوجية

شدد الإعلان النهائي للجلسة الخامسة لجمعية الامم المتحدة للبيئة على أن العديد من الأهداف 17 للتنمية المستدامة لعام 2030 والمتعلقة باستعادة النظام البيئي يجب الوفاء بها، ومن ثم الحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وفقا لما ينص عليه العقد: “الغابات والأراضي الرطبة والمناطق القاحلة والنظم البيئية الطبيعية الأخرى ضرورية للتنمية المستدامة ولتخفيف حدة الفقر ولتحسين رفاهية الإنسان”، كما شدد الإعلان على: “أهمية اعتماد نهج النظام الإيكولوجي الذي يهدف إلى الاستخدام المتكامل للأراضي والمياه والأنواع الحية، وعلى ضرورة مضاعفة الجهود لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والتعرية والجفاف وفقدان التنوع البيولوجي وندرة المياه والتي تعتبر من العقبات الرئيسية أمام التنمية المستدامة للكوكب بأبعادها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية”.

عقد لتعبئة الموارد والبحث العلمي

بمجرد إطلاق “عقد استعادة النظام الإيكولوجي” أصبحت الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة مطالبة بتعبئة الموارد المالية واللوجستيكية ودعم البحث العلمي والتعاون المؤدي إلى استعادة النظام الإيكولوجي على جميع المستويات، حيث أصبح من المستعجل وضع سياسات وخطط لمنع تدهور النظام البيئي، كما يجب على الدول الاعضاء تعزيز المبادرات الموجودة في هذا الاتجاه، وفي نفس السياق يدعو الإعلان “برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة لقيادة تنفيذ العقد عبر تحديد وتطوير الأنشطة والبرامج الممكنة”، عقد علمي سيكلف هيئة الأمم المتحدة ما لا يقل عن 27200 دولار ، وتعد حيوية وتنوع النظم الإيكولوجية للأرض أساسية لازدهار الإنسان ورفاهيته، ومع ذلك فإننا نحط من قدر هذه الموارد الثمينة بطرق تنذر بالخطر، لهذا يمثل عقد الأمم المتحدة لاستعادة النظام الإيكولوجي فرصة للمساعدة في عكس الاتجاه ومنح الناس والطبيعة مستقبلا مستداما.

الأنظمة البيئية المائية للمياه العذبة

توفر النظم الإيكولوجية ذات المياه العذبة الغذاء والماء والطاقة لملايير البشر وتحمينا من الجفاف والفيضانات، وتوفر موطنا فريدا للعديد من النباتات والحيوانات، بما في ذلك ثلث جميع أنواع الفقاريات، وتتراوح هذه النظم البيئية من غابات المانغروف التي تحمي سواحلنا من موجات المد والتعرية إلى البحيرات والأنهار الداخلية التي تعج بالأسماك والأراضي الرطبة التي ترشح وتدفق المياه بشكل معتدل مع تخزين كميات كبيرة من الكربون.
تدهورت النظم الإيكولوجية للمياه العذبة بشكل خاص فهي تواجه التلوث الناجم عن المواد الكيميائية والبلاستيكية والصرف الصحي، فضلا عن الصيد الجائر والاستغلال المفرط للمياه لري المحاصيل وتوليد الطاقة وتزويد الصناعة وجلب المياه للمنازل، حيث تواجه الأنهار تأثيرات إضافية من السدود والأنابيب واستخراج الرمال والحصى، ويتم استنزاف الأراضي الرطبة لتتزويد المجالات الزراعية، مع خسارة حوالي 87٪ على مستوى العالم على مدى 300 عام الماضية، وأكثر من 50٪ منذ عام 1900، فواحدة من كل ثلاثة أنواع من النظم البيئية المائية للمياه العذبة مهددة بالانقراض.
وقد تتضمن حماية واستعادة النظم البيئية المائية للمياه العذبة تحسين جودة المياه، على سبيل المثال عن طريق معالجة جميع مياه الصرف الصحي قبل تصريفها وطرحها في الوسط الطبيعي مباشرة، حيث يجب مراقبة قطاعات الصيد والتعدين، بينما يمكن إزالة السدود أو تصميمها بشكل أفضل لاستعادة اتصال النهر، بينما يمكن إدارة استخراج المياه للحفاظ على الحد الأدنى من التدفق، إن إعادة تدفق المياه في أراضي الخث والأراضي الرطبة الأخرى إلى المستويات الطبيعية يعيد قدرتها على منع وصول الكربون المخزن إلى الغلاف الجوي.

الأنظمة البيئية البحرية

يطلق على كوكب الأرض لقب الكوكب الأزرق لكون المحيطات والبحار تغطي أكثر من 70٪ من الأرض، فالمحيطات تغذينا وتنظم مناخنا، وتولد معظم الأكسجين الذي نتنفسه، إنها تدعم القطاعات الرئيسية للاقتصاد مثل السياحة وصيد الأسماك وهي موطن للتنوع البيولوجي للحيتان القائم على العوالق في موائل تتراوح من الشعاب المرجانية المضاءة بنور الشمس إلى المحيطات القطبية.
وتواجه المحيطات والسواحل على الرغم من أهميتها تهديدات غير مسبوقة، تدخل ملايين الأطنان من النفايات البلاستيكية محيطات العالم وتضر بالكائنات مثل الطيور البحرية والسلاحف وسرطان البحر، يؤدي تغير المناخ إلى الإضرار بالشعاب المرجانية والنظم الإيكولوجية الرئيسية الأخرى، يقوم الناس بقطع الكثير من الأخشاب من غابات المانغروف وتنظيفها من مزارع الأسماك والأنشطة الأخرى، يهدد الصيد الجائر استقرار الأرصدة السمكية، كما يساهم تلوث المغذيات في إنشاء مناطق ميتة في المحيطات بينما يتم تصريف ما يقرب من 80٪ من مياه الصرف الصحي مباشرة في الأوساط البيئية المائية دون معالجة. وينتهي كل عام المطاف بحوالي 8 ملايين طن من النفايات البلاستيكية في محيطات العالم. وفي الوقت نفسه يؤدي تغير المناخ إلى الإضرار بالشعاب المرجانية والنظم الإيكولوجية الرئيسية الأخرى،
وترمي استعادة المنظومات البيئية البحرية سواء كانت محيطات أو سواحل إلى تقليل الضغط على هذه النظم البيئية البحرية حتى تتمكن من التعافي، سواء بشكل طبيعي أو عن طريق إعادة زرع الأنواع البيولوجية الرئيسية، كما يعني فهم كيفية جعل النظم البيئية البحرية والمجتمعات أكثر مرونة في مواجهة تغير المناخ، على سبيل المثال تحتاج الحكومات والمجتمعات إلى جعل صيد الأسماك مستداما، كما يجب التعامل مع الملوثات قبل وصولها إلى المحيط، كما يجب استبعاد النفايات الصلبة مثل البلاستيك تماما، ويجب أن تحمي المدن الساحلية المتنامية النظم البيئية الساحلية، لا أن تحل محلها، ويجب إدارة الشعاب المرجانية وأشجار المانغروف وأحواض الأعشاب البحرية بعناية واستعادتها بشكل فعال حتى تستمر المحيطات في دعم مليارات من سبل العيش حول العالم.

مبادرة الاقتصاد الأزرق المستدام

يعد المحيط الصحي أمرا ضروريا لمستقبل مستدام لكل من الإنسان والكوكب، ويمكن لتسخير موارد محيطاتنا وسواحلنا أن يقطع شوطا طويلا في تلبية هذا الطلب، حيث من الضروري القيام بذلك بطريقة مستدامة، فعلى مدار ثلاثين سنة مضت تسبب الصيد الجائر والتلوث والتنمية الساحلية وتغير المناخ في انخفاض يقدر بنحو 50٪ في الشعاب المرجانية، مما يعرض سبل العيش والقدرة على الحد من مخاطر الكوارث ويعرض التنوع البيولوجي البحري للخطر.
وتهدف “مبادرة الاقتصاد الأزرق المستدام” التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى تيسير الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المستدامة القائمة على المحيطات داخل حدود الكوكب للمحيطات والسواحل، من خلال المشاركة مع البلدان والبحار الإقليمية والعديد من الشركاء، فإنها تسعى إلى تحسين عملية صنع القرار والظروف والقدرات التي تفضي إلى تطوير وتنفيذ سياسات واستراتيجيات وحلول مستدامة ومرنة، المناخ والاقتصاد الأزرق الشامل الذي يقلل من الآثار البشرية ويدعم العقلانية استخدام النظم البيئية البحرية والساحلية وخدماتها العديدة، ويتم تطوير دعم قرار الاقتصاد الأزرق المستدام وإطار تمكين ومنصة تعليمية للمساعدة في توجيه رسم الخرائط وتقييم وتقييم النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية وخدماتها، ووضع مسارات السياسة الاقتصادية الدائرية والموفرة للموارد واستراتيجيات الحد من التلوث، وسن مبادئ الحكامة والإدارة من أجل الاستخدام الأمثل لمساحة المحيطات ومواردها، ووضع مبادئ تمويل الاقتصاد الأزرق المستدام مع التركيز على بناء القدرات وترجمة المعرفة إلى أفعال، ويشمل عمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة بشأن الاقتصاد الأزرق الأفراد والمبادرات عبر المنظمة، بما في ذلك مبادرة تمويل برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

الأنظمة الإيكولوجية الساحلية

يعمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة على حماية واستعادة النظم البيئية الساحلية “للكربون الأزرق” من أجل توفير خدمات النظام البيئي بشكل مستدام للإنسان والبيئة، وتغطي المانغروف والأعشاب البحرية للأنظمة الإيكولوجية الساحلية جزءا صغيرا من إجمالي مساحة المحيط، ولكنها مجتمعة موزعة على نطاق واسع عبر جميع القارات باستثناء القارة القطبية الجنوبية، وتوجد أشجار المانغروف في 123 دولة حول العالم بمساحة تقدر بـ 15.2 مليون هكتار بينما توجد الأعشاب البحرية في 159 دولة تغطي أكثر من 30 مليون هكتار. هذه النظم الإيكولوجية عالية الإنتاجية وتشكل موائل غنية بيولوجيا وتلعب دورا رئيسيا في توفير سلع وخدمات النظام البيئي ذات القيمة الكبيرة لرفاهية الإنسان.

خلق المناطق البحرية المحمية

يعتبر خلق المناطق المحمية البحرية من بين أفضل الحلول للحفاظ على الموارد البحرية وإدارتها وحمايتها، حيث لا يمكننا البقاء بدون محيطات صحية، ومع ذلك فهي تتعرض للكثير من الضغط وللكثير من النشاط البشري ولسنوات عديدة عبر أنشطة الصيد الجائر واستخراج الموارد والسياحة والترفيه والتنمية الساحلية والتلوث وتدمير الموائل والتقليل من أعداد الأنواع البحرية بمعدل مخيف، إنه وضع سيئ يتفاقم بشكل واضح وسريع بسبب تغير المناخ، لقد فقدنا بالفعل نصف الشعاب المرجانية في العالم ففي عام 2016 وحده شهدنا موت امتداد 400 ميل من الحاجز المرجاني العظيم، بالإضافة الى أنه نستهلك 31 في المائة من مخزون الأسماك بمستويات غير مستدامة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عدم قانونية الصيد البحري أو عدم الإبلاغ عن التجاوزات، باختصار نحن نستخدم موارد المحيط بشكل أسرع مما يمكن أن تتجدد بشكل طبيعي.
وتوفر المناطق البحرية المحمية أحد أفضل الخيارات للحفاظ على صحة محيطاتنا ومنع المزيد من التدهور، ويمكن أن تكون فعالة بشكل خاص عند تطويرها كجزء من حل إدارة أكبر، وهذا يمكن أن يوفر العديد من الفوائد، حيث تنشأ الفوائد البيئية من حماية الأنواع والموائل ووظائف النظام الإيكولوجي؛ بينما تنشأ المنافع الاجتماعية من مشاركة أصحاب المصلحة في التخطيط والتقاسم العادل للمنافع؛ وتنشأ الفوائد الاقتصادية من الاستخدام المستدام طويل الأجل للموارد الطبيعية ودخل السياحة، ويمكن أن تساعد هذه الفوائد مجتمعة في تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة بما في ذلك الحد من الفقر وتحسين الأمن الغذائي والتصدي لتغير المناخ.

المناطق المحمية البحرية بين الحكامة والفعالية

وتعتمد حياة الإنسان على فوائد المحيط للصحة والرفاهية والنمو الاقتصادي، لكننا نستخدم موارد المحيط بشكل أسرع مما يمكنها أن تتجدد بشكل طبيعي، هناك فجوة متزايدة بين تدهور صحة المحيط والطلب المتزايد على فوائده، يتطلب ضمان صحة المحيطات والسواحل للمساهمة في التنمية المستدامة تغييرات كبيرة في الطريقة التي ندير بها أنشطتنا في المناطق الساحلية والبحرية وحولها، إن الحاجة إلى التغيير واضحة لأن آثار الاستغلال المفرط والتلوث والتنمية الساحلية وتغير المناخ على المحيطات والسواحل أصبحت واضحة بشكل متزايد.
يبقى السؤال المطروح هو كيف يمكن للحكامة الجيدة والمتكاملة أن تجمع بين أدوار الحكومات الوطنية والمجتمعات المحلية وأنظمة السوق لتحسين فعالية المناطق البحرية المحمية؟ حيث لا يوجد حل واحد يناسب الجميع، لكن هناك عددا من المبادئ التوجيهية التي نوفر نهجا مرنا للإدارة قد يكون ذا صلة بأي منطقة محمية بحرية.

 

المنظومة البيئية الغابوية

تجعل الغابات والأشجار الأرض صالحة للعيش، فهي توفر لنا الهواء النظيف والمياه من خلال تخزين كميات كبيرة من الكربون وتهدئة حدة تغير المناخ، بالاضافة الى أنها تشكل دفاعا أساسيا ضد الاحتباس الحراري فهي موطن لمعظم التنوع البيولوجي المذهل على هذا الكوكب، وهي توفر الظل والترفيه والشعور بالرفاهية، وتدعم سبل عيش مليارات الأشخاص حول العالم، ورغم كل هذه الخدمات التي تقدمها تتعرض النظم الإيكولوجية للغابات لضغوط شديدة من جراء تزايد عدد السكان وتعطشهم لمزيد من الأراضي والموارد.، حيث على الصعيد العالمي نفقد سنويا حوالي 4.7 مليون هكتار من الغابات المطيرة وهي مساحة بحجم جمهورية الدومينيكان أو سلوفاكيا، لإفساح المجال للمنتجات الزراعية مثل زيت النخيل ولحم البقر، فاليوم العديد من الغابات المتبقية تدهورت جراء قطع الأشجار وقطع الحطب والتلوث والآفات الغازية، حتى الأشجار خارج الغابات تختفي لإفساح المجال للمنازل والطرق والسدود والزراعة المكثفة كما يمكن أن تؤدي حرائق الغابات التي تفاقمت بسبب تغير المناخ إلى تدمير النظم الإيكولوجية للغابات.
وتتضمن استعادة النظم الإيكولوجية للغابات عودة الأشجار إلى أراضي الغابات السابقة وتحسين حالة الغابات المتدهورة، بالإضافة إلى زراعة أنواع الأشجار المحلية، يمكن أن يشمل ذلك الحفاظ على النباتات والحيوانات البرية، وحماية التربة ومصادر المياه التي تشكل جزءا من النظام البيئي للغابات، وتعتبر الأرض التي تم تطهيرها للزراعة والتي أصبحت غير صالحة مثالية لاستعادة الغابات، في الغابات الحالية يمكن زراعة الأنواع المحلية لتجديد الغطاء الشجري، في بعض الحالات تنمو أشجار الغابات بشكل طبيعي، حيث يمكن أن تعني استعادة الغابات أيضا الحفاظ على بقع من الغابات والأخشاب في المناظر الطبيعية التي تشمل أيضًا المزارع والقرى المزدحمة.

المنظومات البيئية الجبلية

تحتل الجبال حوالي ربع مساحة الأرض، وهي موطن لمعظم النقاط الساخنة للتنوع البيولوجي حيث توفر المياه العذبة لنحو نصف البشرية، بينما توجد الجبال في جميع القارات وتضم العديد من النظم البيئية التي تضم العديد من الأنواع الفريدة مثل النمور الثلجية والغوريلا الجبلية، كما أنها موطن لتنوع ثقافي كبير بين الناس المتكيفين مع تحديات الحياة الجبلية حيث تجذب تقاليدهم الخاصة ومناظرهم الطبيعية الخلابة عددا متزايدا من السياح، وتبقى المناطق الجبلية حساسة بشكل خاص للتدهور بسبب الضغوط البشرية وتغير المناخ كما من الممكن أن تتسبب الزراعة أو المستوطنات أو البنية التحتية في تآكل شديد للتربة وكذلك فقدان الموائل، حيث يؤثر التآكل والتلوث على جودة المياه المتدفقة في اتجاه مجرى النهر، ويهدد تغير المناخ كمية وتوقيت إمدادات المياه للمزارع والمدن والصناعة ومحطات الطاقة، ويؤدي الارتفاع السريع في درجات الحرارة إلى إجبار الأنواع الجبلية والنظم الإيكولوجية والأشخاص الذين يعتمدون عليها على التكيف أو الهجرة.
إن استعادة النظم الإيكولوجية الجبلية تعني النظر في المناظر الطبيعية بأكملها، حيث يمكن للحلول القائمة على الطبيعة بما في ذلك زيادة الغطاء الحرجي والحفاظ على التربة وحماية تدفقات المياه والحماية من الكوارث الطبيعية مثل الانهيارات الجليدية والانهيارات الأرضية والفيضانات، كما يمكن تخطيط البنية التحتية مثل السدود والطرق لتجنب تجزئة الأنهار والموائل الأخرى، ويمكن أن تكون التقنيات الزراعية مثل الحراجة الزراعية أكثر مرونة في مواجهة الظروف الجوية المتغيرة ويمكن أن تكون معرفة السكان الأصليين موردا حيويا للحفاظ على الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية.

المنظومات البيئية للمراعي والشجيرات والسافانا

من أوراسيا وباتاغونيا إلى إفريقيا وأستراليا، تعد الشجيرات والأراضي العشبية والسافانا من أكثر النظم البيئية تنوعا على هذا الكوكب، هذه النظم البيئية هي عناصر رئيسية للمراعي التي يستخدمها الرعاة للإنتاج الحيواني على نطاق واسع، كما أنها موطن للحياة البرية الشهيرة من الأسود ووحيد القرن إلى آكلات النمل العملاقة واللولب، فضلا عن الأنواع الرئيسية من الطيور والحشرات، مما يجعلها أولوية الحفاظ عليها وجذب السياح، فهذا هو المكان الذي تطور فيه البشر منذ ملايين السنين.
من خلال الاستغلال المفرط لشجيراتنا ومروجنا وسافانا وسوء الإدارة يتم تحويل النقاط الساخنة الإنتاجية مثل المناطق الواقعة على طول الأنهار حيث تكون المغذيات والوصول إلى المياه عالية إلى أراض زراعية، تاركة وراءها المناطق الأقل إنتاجية والجافة والفقيرة بالمغذيات. يمكن أن يؤدي الإفراط في الرعي والإدارة السيئة إلى تعريض التربة للتعرية والسماح للشجيرات والأنواع الغريبة بالغزو بسرعة عالية، مما يؤدي إلى إزاحة الغطاء النباتي المحلي، وتزداد النزاعات بين الحياة البرية والبشر حيث يتم التعدي على هذه المناطق.
ولاستعادة هذه المناطق هناك العديد من الممارسات الجيدة التي يجب تعلمها، حيث تشمل التدابير التي تساعد على انتعاش الشجيرات المتدهورة والأراضي العشبية والسافانا إزالة الغطاء النباتي الخشبي وإعادة بذر الأعشاب المحلية، ويمكن إعادة تقديم النباتات والحيوانات المستأصلة وحمايتها من الافتراس والصيد حتى يتم ترسيخها، يجب أن يتم غرس الأشجار بعناية مع مراعاة التركيب الطبيعي لهذه النظم البيئية والحفاظ على الموائل الطبيعية للأنواع مثل الطيور المحبة للأراضي العشبية.

المنظومات البيئية للمناطق الحضرية

تحتل المناطق الحضرية أقل من 1٪ من سطح الأرض، لكنها موطن لأكثر من نصف سكانها وعلى الرغم من فولاذهم وخرسانتهم إلا أن حشودهم وحركة المرور والبلدات والقرى لا تزال أنظمة بيئية تؤشر حالتها بعمق على جودة حياتنا، حيث تساعد النظم البيئية الحضرية العاملة على تنقية الهواء والماء وتبريد جزر الحرارة الحضرية، ودعم رفاهيتنا من خلال حمايتنا من المخاطر وتوفير فرص للراحة واللعب، كما يمكنها استيعاب قدر مذهل من التنوع البيولوجي.
وتمثل النظم البيئية الحضرية تحولا جذريا في المساحات الطبيعية التي حلت محلها وغالبا ما تتدهور بشدة نظرا لسوء التخطيط الذي يغلق الأرضيات ويترك مساحة صغيرة للنباتات في وسط المنازل والطرق والمصانع، وللتلوث بالنفايات وبالانبعاثات الناتجة عن الصناعة وبحركة المرور والمنازل الممرات المائية والتربة والهواء كما يؤدي الزحف العمراني غير المنضبط إلى ابتلاع المزيد والمزيد من الموائل الطبيعية والأراضي الزراعية الخصبة.
وتتطلب استعادة النظم البيئية الحضرية الوعي والالتزام من جانب المواطنين وصناع القرار، كما يجب وضع المساحات الخضراء في قلب تخطيط المدن حيث يمكن لجمعيات المجتمع المدني ومسؤولي المدينة تنظيف الساحات، توفير المياه وزراعة الأشجار وإنشاء الغابات الحضرية وغيرها من موائل الحياة البرية في الحدائق والمدارس والأماكن العامة الأخرى، كما يمكن للأرصفة القابلة للنفاذ والأراضي الرطبة الحضرية أن تحمي المدن والمراكز الحضرية من الفيضانات والتلوث، كما يمكن إعادة تأهيل المناطق الصناعية الملوثة وتحويلها إلى محميات طبيعية حضرية وأماكن للترفيه والاسترخاء.

المنظومات البيئية لأراضي الخث

توجد أراضي الخث في أكثر من 180 دولة، وهي أنظمة بيئية حيوية وقوية، على الرغم من أنها تغطي 3٪ فقط من أراضي العالم إلا أنها تخزن ما يقرب من 30٪ من كربون التربة، إنها تقدم خدمات حيوية مثل التحكم في إمدادات المياه ومنع الفيضانات والجفاف، وتزويد الكثير من الناس بالطعام والوقود، كما أنها موطن للنباتات والحيوانات النادرة التي لا يمكنها البقاء إلا في هذه البيئات المائية الفريدة.
على الرغم من أهميتها فإن أراضي الخث تتعرض للتجفيف في جميع أنحاء العالم وتحويلها إلى الزراعة وتطوير البنية التحتية والتعدين واستكشاف النفط والغاز، كما تتدهور أراضي الخث بسبب الحرائق والرعي الجائر والتلوث بالنيتروجين واستخراج الخث كوقود وكوسيط متنامي، هذا على الرغم من أنها لا تغطي سوى 0.4٪ من سطح الأرض في العالم، إلا أن أراضي الخث المستنزفة مسؤولة عن أكثر من 5٪ من انبعاثات الكربون وأكثر من ذلك بكثير عندما تحترق.
ولتحقيق الهدف المتمثل في الحفاظ على متوسط زيادة درجة الحرارة العالمية أقل من 2 درجة مئوية هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للاحتفاظ بكربون الخث – أينما كان – رطبا وفي التربة. في الوقت نفسه، نحتاج إلى إعادة ترطيب واستعادة العديد من أراضي الخث المستنزفة والمتدهورة بالفعل لوقف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وحماية الفوائد الأخرى التي توفرها.

انتظارات مؤجلة ومشروطة

في انتظار الجلسة المقبلة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة المنتظرة في شهر فبراير 2022 والتي من المفروض أن تكون حضورية، يجب أن يرى العالم طموحات متزايدة للحد من غازات الاحتباس الحراري، وإطار عمل قوي لما بعد عام 2020 لحماية تنوعنا البيولوجي الثمين، والتزاما بإدارة المواد الكيميائية ومكافحة تغير المناخ والتلوث البلاستيكي.

< بقلم: محمد بنعبو

Related posts

Top