النادي السينمائي “نور الدين الصايل”

“آفة حارتنا النسيان”

نجيب محفوظ

هل فعلا مات؟ هل حقا مات نور الدين الصايل؟ كم تمنينا لو كان ذلك خبرا زائفا، “فيك نيوز”، كما هو سائد في هذا الزمن البئيس. ولكن هيهات. ها هي ذي ذكرى أربعينية رحيله تحل ونحن لازلنا لم نعد من هول الصدمة. عزاؤنا إيماننا بالقضاء والقدر…وتشبثنا بذكراه وقناعتنا بحضوره الدائم وإشعاعه في أفقنا المتعطش لعطائه.
إحياء هذه الذكرى واجب إنساني والتزام خلقي. وهي إلى جانب هذا وذاك مسؤولية. مسؤولية على عاتقنا جميعا. على اثر رحيله المفاجئ، الذي حل ويا له من قدر عجيب على بعد يومين من ذكرى ميلاده، انتشرت مرثيات قادمة من عدة جهات وهيئات وأفراد… بمن فيهم الذين كانوا قيد حياته يتحاملون عليه وينشرون حوله الإشاعات والمقولات المغرضة. ساد نوع من التهافت انسجاما مع منطق “البوز” الذي ينتعش فيه الغث والسمين… وعلى كل “اذكروا موتاكم بالخير”. وهذه الأربعينية مناسبة للتفكير الرصين فيما يمكن القيام به. وأكيد أن الأيام القادمة ومع تطور الأوضاع العامة بالبلاد والعالم ستشهد مبادرات من هنا وهناك استحضارا وتكريما لعطائه المتنوع والمتعدد…
بدءا بمدينته، طنجة، بهيئاتها المختلفة، المدنية والتمثيلية، التي ستقوم بتخليد اسمه. وأتخيل بأن مجلس المدينة لن يتردد في اقتراح مبادرة في هذا الاتجاه بإطلاق اسمه على شارع من شوارع المدينة التي ولد فيه وتشبع فيها بثقافة وبتكوين متجذرين في الأصول ومنفتحين على التعدد… أو على مؤسسة ثقافية أو قاعة سينمائية من القاعات السينمائية التاريخية التي مافتئ يدافع على إحيائها وصيانتها. كما أن دار السينما بالمدينة (سينماتك الريف) ولاشك ستجد الاختيار المناسب لتكريمه رغم أن الصايل قيد حياته كان يرفض التكريم بل كان متحفظا من المصطلح حتى. ولم يحضره إلا نادرا. وكان له رأي خاص فيما يتعلق بتدبير “التكريمات” التي تناسلت بكثرة في السنين الأخيرة. وأتذكر بأنه على مستوى مهرجان مراكش وعلى اثر وفاة أحد المساهمين في انطلاقته، الراحل طوسكان دي بلانتيي، كان هناك نقاش حول أسلوب تكريمه وتم التداول في اقتراح ندوة دولية مع تدخلات لمعارفه تستحضر “مناقب الرجل”. وكان للأستاذ الصايل رأي مخالف ودافع ببلاغته المعهودة على فكرة أن دي بلانتي كان سينمائيا بامتياز كسينيفيلي وكمهني. وأن أحسن طريقة لاستحضار ذكراه هي تنظيم عرض لأفلام أحبها أو ساهم في انجازها. عين الصواب ارتأت حكمة المسئولين على المهرجان تبنيه. وتم فعلا عرض مجموعة من الأفلام البارزة في تاريخ السينما والتي ارتبط اسم “دي بلانتي” بها. فكان ذلك مهرجان داخل المهرجان…
وأكيد أيضا أن مؤسسات سينمائية وطنية وقارية ستجد الوقت المناسب لاقتراح التكريم المناسب لنورالدين الصايل. وقد بادر مهرجان قرطاج الذي رافقه الصايل منذ البدايات إلى تخصيص وقفة تحية لروحه في أمسية افتتاح دورته الاستثنائية في دجنبر الماضي. ومن المنتظر أن يخصص مهرجان واكادوكو (الفسباكو) تحية خاصة للصايل وهو الذي جمعته مع السينمائيين الأفارقة أكثر من علاقة مهنية بل أخوية مؤسسة على الاحترام التام والتضامن الشامل.
وعلى المستوى الوطني سيكون مهرجان مراكش والمركز السينمائي المغربي ومهرجان خريبكة في الموعد عندما تسمح الظروف بذلك. غير أن المبادرة الفصل تبقى في ملعب عشاق السينما والسينيفيليين المغاربة بأفعال ملموسة تربط الماضي بالحاضر على قاعدة الوعي الثقافي السينمائي الذي ناضل الصايل من أجله طوال حياته. وفي المقدمة تبقى الجامعة الوطنية للأندية السينمائية المعنية الأولى بصيانة هذه الذاكرة وحماية هذا الإرث. معنية رغم التحولات التي عاشتها والتي انتقلت بها من نشر المعرفة السينمائية إلى ترويج المهن السينمائية. العودة إلى تراث الصايل سيجعلها تستعيد مبادئها المؤسسة وترد الاعتبار لمفاهيمها الأصلية والتي تسند مشروعية حضورها في الحقل الثقافي العام…وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
ومن الأفكار الجميلة المتداولة حاليا بمدينة أكادير فكرة إنشاء نادي سينمائي يحمل اسمه. وهي مبادرة إن تم لها النجاح محمودة وذكية. أولا للتقدير الكبير الذي كانت تحظى به أكادير لدى الراحل. ويمكن أن أسرد هنا أنه كان من المتحمسين لفكرة أن يستقر المهرجان الوطني للفيلم في أكادير ولم يتم ذلك لأسباب خارجة عن إرادة المركز السينمائي… وتلك قصة أخرى يمكن أن أعود إليها لاحقا. ثم كان رحمه الله لا يتردد بالسفر للجهة (أكادير، أيت ملول…) لتنشيط فيلم أو تقديم ماستر كلاس.
وثانيا أن يحمل نادي سينمائي اسم نور الدين الصايل يعني إعادة تأسيس المفهوم الذي أصبح مع الأسف مبتذلا وهو أيضا نوع من رد الاعتبار لقواعده الرئيسية: الفيلم السينمائي +القاعة السينمائية+ النقاش… وللحديث بقية.

بقلم: محمد بكريم

Related posts

Top