الدين.. بين النصيحة و”السنطيحة”

يبدو أن هناك من ساسة الدين والدنيا، من حرفوا الحديث النبوي الكريم (الدين النصيحة). ورفعوا مكانه شعار (الدين.. السنطيحة). ليضمنوا مقاعد حكومية وبرلمانية. ويرتقوا بأوضاعهم المالية والاجتماعية والسلطوية، على حساب الدين الإسلامي وجموع المؤمنين الجاهلين لنواياهم السيئة. هناك من مزجوا بين النصح الديني والإغواء السياسي. وتمكنوا من إيجاد آليات الركوب على معاناة ومطالب الفئات الهشة. بدأوا يظهرون لهم بمظاهر الزاهدين عن الدنيا والناسكين السياسيين، الذين مهما فسقوا وفسدوا، يبقون في عيونهم معصومين من الأخطاء.
هؤلاء الذين برز بينهم اللص والنصاب والزاني والفاسق والكذاب.. ولم تعد لهم مقالب ومكائد جديدة، يغوون بها المتدينين البسطاء. وغيرهم ممن وثقوا فيما رسموا على وجوههم من أغطية مزيفة. وأطلقوه من وعود تبخرت مع مرور الشهور والسنوات.
باعتماد السلوكات الدينية. وبفضل ما انتحلوه من صفات لشخصيات تؤمن بالإنصاف والعمل الخيري والأخلاق الحميدة.. نالوا ثقة الناخبين، وتمكنوا من تسلق الدرجات وانتزاع مواقع القيادة. لكن أطماعهم المادية ونزواتهم الشخصية جعلتهم يجهضون حلم شعب متعطش للتغيير والنماء. وعطلوا مسار بلد يمتلك كل مقاومات التنمية والرقي.
 جميل أن يبادر الإنسان إلى القيام بأعمال الخير والإحسان، لدعم الأسر المعوزة بالبلاد وذوي الاحتياجات الخاصة. وتمكينهم من مساهمات مالية أو عينية تسد حاجياتهم اليومية، في التغذية والملبس والتدفئة والصحة والتعليم والولوج إلى الحياة العادية.. وجميل أن تصل المبادرات إلى مستوى التنافس، وتتوسع دائرتها لتشمل مختلف المناطق النائية وكافة الشرائح البشرية.. لكن الأجمل والأطيب أن نسعى إلى ترسيخ تلك المبادرات الموسمية والمناسباتية. وجعلها ثقافة دائمة في سلوك المغاربة اليومي، تساهم في إنعاش الحياة والأخلاق والقيم.. لتزيد من تلاحمهم وقوتهم. لا أن يستغلها البعض من أجل التموقع السياسي والقبائلي، وتتحول تلك المساعدات إلى (رشاوى) يتلقاها المستضعفون الأبرياء، مقابل نيل رضاهم وأصواتهم الانتخابية، ليظفر المحسنون (المزيفون) بصفات منتخبين بالبرلمان أو بمجالس الجماعات أو الغرف المهنية. حيث المجال واسع لرواد الفساد من أجل التفنن في امتصاص أموال الشعب.. عجيب أمر بعض من يعتبرون أنفسهم محسنين. هؤلاء الذين لا يحلو لهم الإحسان والتصدق على الفقراء والمحتاجين إلا بحضور الفضوليين من عامة الناس وممثلي وسائل الإعلام.. يؤرخون لمبادراتهم، بالتقاط الصور والفيديوهات وإنجاز التقارير وتسويقها إعلاميا، دون أدنى اعتبار لهؤلاء المرغمين على تجرع المهانة والإذلال طوال أعمارهم، مقابل فتات مساعدات قد لا يسد حتى حاجة قوتهم اليومي. إن كان هؤلاء يبتغون بإحسانهم رضا الله عز وجل فقط، ما كانوا يعمدون إلى التشهير والتطبيل والتهليل.. وما كانوا ينتظرون المناسبات الوطنية والدينية والأيام الوطنية والعالمية من أجل فتح خزائنهم قصد التهوية، وإعادة ترتيب ما بها من أموال. لأنهم يعلمون أن الله وضع مراسلين دائمين ملازمين لكل إنسان. يسجلان كل ما يقوم به. لكنهم يسعون بإحسانهم، إلى اصطياد عصفورين بحجر واحد. صدقة جارية تمكنهم من عصفور في الآخرة. و”رشوة جارية” تمكنهم من عصفور في الحياة الدنيا. بل إن من بين هؤلاء من يستغل حتى الأموال الخاصة بالزكاة من أجل الاستفادة منها سياسيا عند عمليات توزيعها. هم يعلمون أن تلك الأموال ليست صدقة. وأنها مفروضة عليهم دينيا من أجل تطهير أموالهم. لكن لهؤلاء رؤى مغايرة، ومساحيق جديدة تمكنهم من غسل أموالهم وتضخيمها. شخصيا أتساءل لماذا ينكب كل المحسنين في البلاد على نفس المبادرات التي ترسخ ثقافات التسول والانحطاط والتبعية والتذلل في نفوس المنتفعين منها؟. لماذا يصر هؤلاء على جعل فصل الشتاء مناسبة لتسول الألبسة والأغطية والفرشة والمواد الغذائية. ونجعل من عيد الأضحى مناسبة لتسول الخروف، وعيد الفطر مناسبة لتسول الزكاة (الفطرة) وألبسة الأطفال، والدخول المدرسي مناسبة لتسول اللوازم المدرسية، والعطلة الصيفية مناسبة لتسول فترات (التخييم) للأطفال. والقوافل الطبية مناسبة لتسول التطبيب والأدوية ؟؟.. لماذا لا تأخذ كل مبادرة بعين الاعتبار سمعة وشرف المستفيد منها؟ . لماذا التسابق والتنافس المفرط في بناء المساجد إلى درجة أن هناك مناطق بها فائض من المساجد؟. وكان بالأحرى أن ترقى المبادرات إلى مستوى توفير الشغل وتكوين الشباب وإنعاش وتنمية بعض المناطق بالمغرب، بتوفير البنية التحتية وفك العزلة وإحداث المرافق اللازمة. ودعم الاستثمار بها، لوقف مسلسل الهجرة الذي حد من تنمية القرى، وزاد من أعباء المدن.. بل لماذا يصر البعض من هؤلاء على الاعتمار والحج كل سنة. وكان بإمكانهم صرف أموال (العمرة) و(الحج) في مبادرات خيرية إحسانية تعود بالنفع والبركة على أشقائهم المغاربة المحتاجين؟. مشكلتنا نحن المغاربة في ما ترسخ لدينا من سلوكيات سلبية، تسببت في تفكك الأسر، وتدهور القيم، وانهيار سقف الثقة والتلاحم.. مشكلتنا في الحقد الدفين والكره اللعين، اللذين باتا يؤثثان كل مجالاتنا، ويتحكمان في كل مساراتنا التنموية. عجيب أمرنا .. نحارب ذواتنا ونزج بها في القذارة. ونؤمن بقدرة الغريب على انتشالها..
استووا واعتدلوا.. يرحمكم الله .. كلمات ارتبطت أساسا بالعبادات، تم إلصاقها بالشأن الديني وحرمات المساجد، إلى درجة أنها فقدت معانيها الكبرى. حيث كان من المفروض والواجب أن تكون شعارا يحمله المغاربة والمسلمون، في كل حركاتهم وسكناتهم. وأن تتجسد مفاهيمها في كل تصرفاتهم. لا أحد يدعو إلى الاستقامة والاعتدال عند توظيف أموال الشعب، وبرمجتها في مشاريع واهية أو تافهة.. ولا أحد يدعو إلى الاستقامة والاعتدال عند فرض منطق الولاءات واعتماد أساليب الزبونية والمحسوبية في توزيع ثروات البلاد، وانتقاء الرجل أو المرأة المناسب(ة) للمكان المناسب. لا أحد يفكر في ترسيخ معاني الاستقامة والاعتدال ورص الصفوف، وتفادي التزاحم عند ركوب الحافلات والقطارات وسيارات الأجرة وولوج المستشفيات.. ولا عند الرغبة في استخراج وثائق إدارية أو الاستفادة من خدمات إدارة عمومية أو خاصة. استووا واستقيموا وتراصوا واعتدلوا .. رحمكم الله.. سواء كنتم داخل أو خارج المساجد.. فإن تسوية الصفوف من تمام الفوز برخاء الدنيا ونعيم الآخرة.. أفلا تتعظون ؟؟..

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top