إنجاح المرحلة الجديدة

الزيارة التي قام بها وفد أمريكي رفيع إلى العيون والداخلة، والشروع في إنشاء قنصلية أمريكية في الداخلة، يمثلان فعلا ديبلوماسيا وسياسيا وقانونيا لا يخلو من أهمية ودلالة. 
الخطوة الأمريكية تعتبر تنفيذا للإعلان غير المسبوق الذي كان صدر عن الرئيس الأمريكي قبل شهر، والذي بموجبه اعترفت واشنطن بالسيادة المغربية على كافة أقاليمه الجنوبية، وهي تجسد الشروع العملي في تطبيق ذلك على أرض الواقع، كما أنها تعتبر التزاما جديدا للولايات المتحدة الأمريكية إزاء الوحدة الترابية للمملكة.
زيارة الوفد الأمريكي إلى الداخلة برئاسة كاتب الدولة المكلف بشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ديفيد شينكر، وحضور سفير واشنطن بالمغرب، وأيضا وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، ومحتوى التصريحات المتبادلة هناك، والخطوات المعلن عنها، خصوصا من طرف الإدارة الأمريكية ومؤسساتها الاقتصادية والتمويلية، كل هذا ليس أمرًا عابرا أو احتفالا ديبلوماسيا استعراضيا، ولكن هو فعل عملي يجسد موقفا سياسيا والتزاما قانونيا.
وعندما نستحضر أيضا التصريحات اللافتة التي أدلى بها ديفيد شينكر من داخل الجزائر، قبل وصوله إلى المغرب، بشأن الوحدة الترابية للمغرب، وأيضا الموقف من مقترح الحكم الذاتي، والذي ما فتئت واشنطن تؤكد على وجاهته وواقعيته، وتعتبره الحل الوحيد للنزاع المفتعل حول مغربية الصحراء، فكل هذا يضع الموقف الأمريكي ضمن تحول حقيقي على المستوى الديبلوماسي والدولي المتصل بملف الوحدة الترابية للمغرب.
القنصلية الأمريكية بالداخلة، والتي ستتولى دعم وتشجيع وتدبير الاستثمارات والمشاريع التنموية بالمنطقة، تضاف إلى قنصليات وتمثيليات ديبلوماسية أخرى بالعيون والداخلة، وهي تندرج ضمن فعل سياسي وقانوني له قوته ومعناه وامتداداته في العلاقات بين الدول، كما أن الإطار العام للتعاون الاقتصادي المغربي الأمريكي يعرف اليوم، بسبب هذه المستجدات، تحولا استراتيجيا كبيرا، ويؤهل الصحراء المغربية لتكون الفضاء المحوري للمبادلات التجارية الإقليمية والدولية، وللملاحة البحرية الإقليمية، وذلك ضمن الأفق العام الذي سيوفره ميناء الداخلة الأطلسي والتأهيل التنموي لجهة الداخلة وادي الذهب وباقي الجهات الصحراوية، وأساسا مخطط تنمية الواجهة الأطلسية، كما سبق أن أعلن ذلك جلالة الملك في خطاب المسيرة الخضراء.
هذه الدينامية العامة، والتي تبرز الرؤية المغربية القائمة على النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، وعلى البعد الإفريقي للبرامج الاستثمارية والتنموية في المنطقة، وعلى الارتقاء بميناء الداخلة ليجسد كامل هذا التأهيل التنموي الإستراتيجي، وعلى تنفيذ الرؤية الملكية التي كان عرضها خطاب المسيرة من قبل، هي تمثل اليوم تحديا حقيقيا يجب كسب رهانه، وذلك لمصلحة المنطقة، وأساسا سكان الأقاليم الجنوبية، وحتى البلدان الإفريقية، وأيضا هو لا يخلو من مصلحة لقوى دولية مختلفة، من أجل تحفيز التنمية وتمتين السلم والأمن والاستقرار.
وبقدر ما تعتبر هذه المستجدات الديبلوماسية غير المسبوقة والآفاق الاقتصادية والتنموية انتصارا للمملكة ولجدية وواقعية مواقفها، ففي نفس الوقت تمثل كذلك فرصة لخصوم الوحدة الترابية للمغرب، وأساسا للنظام الجزائري، لكي يفكر في مستقبل شعبه، ومستقبل المنطقة، وأن يغير عقيدته العدوانية الباتولوجية، ويلتحق بمسيرة البناء، والسعي لرفاهية كامل المنطقة وشعوبها.
وفِي كل الأحوال المغرب يسير إلى الأمام في اتجاه الطي النهائي للنزاع المفتعل حول وحدته الترابية، والنهوض بتنمية المنطقة، وتحقيق الرفاهية والتقدم، ومن أجل إنجاح هذه المرحلة الجديدة في تاريخ المنطقة بشكل عام.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top