في ندوة رقمية حول موضوع “الصحراء المغربية .. منعطف الكركرات”

شكلت الندوة الرقمية التي نظمها حزب التقدم والاشتراكية بشراكة مع المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، حول موضوع “الصحراء المغربية .. منعطف الكركرات” فرصة لإماطة اللثام عن مجموعة من المستجدات السياسية والقانونية التي أفرزها الواقع الجديد على الأرض، خاصة بعد أن قامت القوات المسلحة الملكية بتطهير الشريط العازل من مليشيات البوليساريو التي عطلت المعبر الحدودي الكركرات لأزيد من ثلاثة أسابيع، في تحد سافر للنداءات المتكررة للمنتظم الدولي الذي دعا البوليساريو، أكثر من مرة، إلى سحب عناصرها من المعبر، والسماح بعودة حركة النقل التجارية والمدنية إلى وضعها الطبيعي.
في بداية هذه الندوة التي أدارها الإعلامي عبد الصمد بنشريف، وتابعها على الموقع الرسمي لحزب التقدم والاشتراكية قرابة 20 ألف متابع، أكد الأمين العام لحزب الكتاب محمد نبيل بنعبد الله، على أن عملية الكركرات شكلت منعطفا جديدا في مسار ملف الوحدة الترابية، على المستوى الدولي، وشكلت أيضا مناسبة لإعادة الروح لمبادرات الأحزاب الوطنية، وفعاليات المجتمع المدني والمراكز المتخصصة، للاهتمام بقضية الوحدة الترابية وبالتطورات التي تعرفها.
وذكر محمد نبيل بنعبد الله، بأن اهتمام الأحزاب الوطنية، وضمنها حزب التقدم والاشتراكية بالقضية الوطنية، لا يعود فقط، لقضية الكركرات، أو إلى التطورات التي عرفها الملف في كواليس مجلس الأمن، أو حتى إلى سنة 1979 عندما استرجع المغرب واد الذهب، أو قبل ذلك أي إلى سنة 1975 لما استرجع المغرب الساقية الحمراء وقام بمبادرة خلاقة ومقدامة من طرف المرحوم جلالة الملك الحسن الثاني عندما دعا إلى المسيرة الخضراء، عكس ما يعتقده البعض، ويحاول الترويج له، مشيرا إلى أن حزب التقدم والاشتراكية، وقبله حزب التحرر والاشتراكية والحزب الشيوعي المغربي، كان له اهتمام دائم، على غرار حزبين أو ثلاثة أحزاب وطنية، والتي تنمي للحركة الوطنية والديمقراطية والتي سميت فيما بعد بأحزاب الكتلة الديمقراطية، وهي أحزاب، يضيف المتحدث، قدمت الغالي والنفيس لقضية الوحدة الترابية باستمرا ، وليس فقط من خلال مسايرة المبادرات الرسمية في المطالبة بمغربية هذه الأقاليم التي هي جزء من التراب الوطني، بل أيضا إن هذه الأحزاب الوطنية، كانت دائما من خلال ما تقوم به من مبادرات، سواء من خلال زعمائها كعلي يعته، وأيضا زعماء الأحزاب الأخرى، أو من خلال المنابر وصفحات جرائد هذه الأحزاب، التي أثتت المشهد الإعلامي المرتبط بالوحدة الترابية لمدة عقود من الزمن، بالإضافة إلى المبادرات والمذكرات التي كانت تبعث بها، بشكل رسمي، في الموضوع إلى مختلف الجهات في الداخل وفي الخارج.
وأكد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن عملية الكركرات، تشكل مناسبة للعودة بقوة للاهتمام بقضية الوحدة الترابية، مشيرا إلى أن ما وقع في الكركرات، بغض النظر عما تكتسيه زيارة الأحزاب الوطنية، لعين المكان من رمزية ودلالة سياسية، والتي تؤكد على الوحدة الوطنية، وعلى التعبئة الجماعية للدفاع عن الوحدة الترابية، يشكل منعطفا حقيقيا ونقطة تحول جوهرية في مسار هذا الملف وهذا النزاع المفتعل.
وأوضح نبيل بنعبد الله، أن الاستفزازات التي تقوم بها البوليساريو كانت تتم عشية كل تقرير أممي، وهو ما يعني أن هذه الحركة الانفصالية أصبحت تعاني من أزمة وجود، خاصة وأن العديد من الأطراف الدولية سحبت اعترافها بالكيان الوهمي، مقابل تنامي مسلسل تأكيد مغربية الصحراء من طرف المنتظم الدولي، بالإضافة إلى أن كل مقررات مجلس الأمن والأمم المتحدة باتت في السنوات الأخيرة تؤكد على الحل السياسي القائم على الحكم الذاتي وعلى جميع الأطراف أن تشارك في هذا الاتجاه.
وأضاف زعيم حزب الكتاب، أن البوليساريو تحاول، كل ما طرح الملف للنقاش على مستوى الأمم المتحدة، أن تبرز وجودها من خلال التحرك خارج الجدار وتحديدا داخل الشريط العازل الموجود بين الكركرات وموريتانيا، مشيرا إلى أن الجديد في الأمر هو حجم التأييد الدولي للخطوة التي أقدم عليها المغرب، بعد أن نبه المنتظم الدولي لخطورة الوضع، بل إنه عكس ما كانت تتوقعه الجزائر والبوليساريو، في أن تكون هناك ردود فعل رافضة للمبادرة المغربية، تنبه المنتظم الدولي إلى أن البوليساريو هي من قامت بخرق اتفاق إطلاق النار، من خلال منعها لحركة تنقل البضائع والأشخاص عبر معبر الكركرات، وأن تدخل المغرب أعاد الأمور إلى نصابها، وعادت الحركة إلى طبيعتها بين المغرب وموريتانيا كجار مباشر للمغرب، كما عادت الحركة إلى طبيعتها بين أوروبا وإفريقيا، خاصة في غرب إفريقيا وفي منطقة الساحل.
واضاف نبيل بنعبد الله، أن دولتين فقط، كما لاحظ الجميع، هما اللتان عبرتا عن رفضهما لما قام به المغرب، فيما عبرت باقي الدول عن دعمها للمبادرة المغربية، وأكدت على أن ما قام به المغرب، هو مسألة قانونية وشرعية.
وبحسب الأمين العام، ليس هناك أي رد فعل معاكس للأحزاب الاشتراكية والشيوعية التي راسلها حزب التقدم والاشتراكية، باستثناء حزبين إلى ثلاثة أحزاب في أوربا وأميريكا اللاتينية.
وفي نظر نبيل بنعبد الله، فإن “هذه المرحلة الجديدة في مسار ملف قضية وحدتنا الترابية، ينبغي أن نرسخ فيها هذا الواقع الجديد الذي يؤكد على أنه ليس هناك أي حل آخر، غير الحل القائم على الحكم الذاتي في إطار السيادة الوطنية”، مشيرا إلى ضرورة ربط هذه المسألة بما يحدث من اضطرابات، وصفها ب “الكبيرة” في منطقة الساحل والصحراء، وأن المنتظم الدولي يرفض أن تصبح هذه المنطقة مصدر تهديد لأمنه الاستراتيجي، سواء من خلال تنامي الحركات الإرهابية أو من خلال الهجرة السرية، والاتجار بالبشر وبالأسلحة.
ولعل ما أكده “بيدرو سانشيز” رئيس الحكومة الاسبانية خلال اجتماع قمة العشرين، حيث قال “إن ما قام به المغرب هو مسألة أساسية وأن المغرب هو الجدار الذي يحمي أوروبا من الهجرة ومن الإرهاب” يشكل، يقول المتحدث، تحولا استراتيجيا حقيقيا يتعين الانطلاق منه، من أجل تأكيد هذا الواقع الجديد، وعلى القوى السياسية أن تكون مساهمة في ذلك.
وبخصوص دور الجزائر، ودعمها المباشر لجبهة البوليساريو، أكد نبيل بنعبد الله أن الجارة الشرقية لن تغير من موقفها، بين عشية وضحاها، إلا بتغير الواقع، وبالتالي، فإن التطورات التي يعرفها ملف الصحراء المغربية، ستجعل النظام الجزائري والأحزاب الداعمة له، ملزمة بأخذ تلك التطورات بعين الاعتبار.
وحول ما إذا كانت الأوضاع بالداخل الجزائري في صالح القضية الوطنية، قال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية ” نحن نريد جزائر قوية ديمقراطية، وجارة شقيقة نبني معا المصير والمستقبل المشترك، بما يخدم نماء وتقدم، وازدهار، شعوبنا، لأنه لا مصلحة للجزائر ولا للمغرب ولا لباقي الدول المغاربية في أن يكون هناك اضطراب مستمر في المنطقة، وأن تظل الحدود مغلقة بين المغرب والجزائر، وهي ظاهرة غير موجودة في العالم سوى بين المغرب والجزائر وبين الكوريتين الشمالية والجنوبية، وهي وضعية شاذة وبالية لا يمكن أن تستمر”، مؤكدا على أن تطور ملف الوحدة الترابية مرتبط بمدى متانة وقوة جبهتنا الداخلية، ليس فقط على مستوى الإجماع حول القضية الوطنية، وإنما أيضا على مستوى متانة البناء الديمقراطي ببلادنا، وأيضا متانة المشروع الاقتصادي الذي سيجعلنا بلدا متقدما على هذا المستوى، ومتانة الجبهة الداخلية على المستوى الاجتماعي، وأن تستفيد الأقاليم الجنوبية من هذه الطفرة التنموية.
من جانبه، وقف عبد الفتاح البلعمشي رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، عند الأبعاد القانونية لتطور ملف الصحراء المغربية، مؤكدا على أن عملية الكركرات تشكل منعطفا حقيقيا، أماط اللثام عن مجموعة من الأحداث التي سبقته، وأفرز نتائج مباشرة جناها المغرب من خلال الجهد الدبلوماسي الذي انطلق منذ سنة 2016، وهو التاريخ الذي يمكن أن تفسر به العديد من الأمور من الناحية القانونية ومن الناحية السياسية.
ويرى الأستاذ الجامعي والباحث الأكاديمي، أن الخطاب الملكي الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس في القمة المغربية الخليجية شهر أبريل 2016 شكل تحولا نوعيا في السياسية الخارجية المغربية، حيث جدد من خلاله جلالة الملك التأكيد على أن المغرب ليس محمية لأي أحد، كما تحدث عن تنويع شراكاته الاستراتيجية نحو الصين ونحو روسيا، وتحدث عن التهديدات التي تتعرض لها بلادنا من أطراف معينة، كل ذلك لم يأت، يضيف رئيس مركز الدبلوماسية الموازية، من فراغ، بل جاء نتيجة عمل دبلوماسي قوي ومؤسس له، وبالتالي فإن ذلك تعبير عن توازنات جديدة.
بعد ذلك، يضيف عبد الفتاح البلعمشي، جاء حدث عودة المغرب لحضنه المؤسسي والانضمام إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017، والملاحظ، بحسب المتحدث، أن الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك في القمة 28 لم يتحدث إطلاقا عن قضية الصحراء المغربية، وحتى الرسائل التي وجهها رئيس الحكومة في مناسبات متعددة لمنظمة الاتحاد الإفريقي، لم يتحدث فيها بشكل مباشر عن قضية الصحراء بمعنى أن انضمام المغرب للاتحاد الإفريقي، كانت له أهداف مرتبطة بمصير القارة، وليست أهداف خاصة بالمغرب، وبالتالي فتدبير الملف مؤسساتيا داخل الاتحاد الإفريقي، بحسب البلعمشي، لم يكن هو نفس التدبير الذي يتم بشكل ثنائي بين المغرب وأشقائه من الدول الإفريقية وغيرها، وهو الأمر الذي أوصل الملف إلى ما هو عليه اليوم، والذي من نتائجه المباشرة افتتاح أكثر من 15 قنصلية إفريقية في منطقتي العيون والداخلة، وأصبح وزراء خارجية تلك الدول تزور المنطقة، وفي ذلك، بحسبه، قرار لحكومات من أجل توسيع عملها القنصلي بهذه المنطقة، أي أن التعامل كان قانونيا، وفق الاتفاقية الدولية لسنة 1963 بخصوص العلاقات القنصلية، مشيرا إلى أنه لا يمكن فتح أي قنصلية إلا بقرار حكومات هذه الدول، وهو من الناحية السياسية إقرار بمغربية الصحراء، وبصواب الطرح المغربي في حل هذا النزاع المفتعل.
ونبه رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، إلى مسألة اعتبرها أساسية، وهي ما يعرف في القانون الدولي، بضرورة تأمين سلامة ومرور الأشخاص والبضائع فيما يتعلق بهذا النوع من المعابر، وبالتالي، فإن ما قام به المغرب، عندما حرر الشريط العازل من مليشيات البوليساريو يتقاطع مع قرار مجلس الأمن الأخير الذي طالب البوليساريو بسحب عناصرها من تلك المنطقة، لكنها لم تفعل، مما اضطر المغرب الذي كان في تواصل مستمر مع الأمم المتحدة، للتدخل وإعادة الأمور إلى طبيعتها.
وبحسب عبد الفتاح البلعلمشي، فإن المغرب بانضمامه للاتحاد الإفريقي، حقق الهدف الأول، والأساسي، وهو تحييد هذه المنظمة القارية ، في التعامل مع هذا النزاع، وحصر تدبيره داخل مجلس الأمن، حيث خلق نوعا من التوازن داخل أروقة الاتحاد الإفريقي، وبات هناك أيضا، داخل القارة السمراء، تنامي الدول التي تسعى إلى الديمقراطية، وحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لشعوبها، ووجد المغرب نفسه يصطف إلى جانب هذه الدول، حيث جرت بها انتخابات ديمقراطية، وأصبحت فيها حكومات منتخبة كرواندا وموريتانيا وغيرهما وهي حكومات تسعى إلى بناء علاقات دولية متوازنة مبنية على القانون الدولي، وعلى الندية، وليس علاقات مبنية على شراء الذمم كما كان يحدث في السابق، لأنه قبل ذلك كانت أجهزة الاتحاد الإفريقي والمؤسسات الموجودة في هيكلته، تهيمن عليها مجموعة من الدول التي كانت تحمل منطق الهيمنة على هذه المؤسسة.
وأضاف المحاضر أن المغرب بات ينهج سياسة دقيقة داخل أجهزة الاتحاد الإفريقي، حيث يعمل على تقوية موقع القارة التفاوضي وعلى تقوية العمل التشاركي والعمل المؤسساتي، وليس فقط من أجل مصالحه الخاصة والمحدودة والتي لها سياقات أخرى لتدبيرها، مشيرا إلى أن ما حدث في الكركرات يفرض على المغرب إعادة التفكير في تطوير العلاقات الموريتانية المغربية، لأن المغرب وموريتانيا، يقول البلعمشي “هما الدولتان اللتان يضمنان بالفعل الأمن والاستقرار بهذه المنطقة، وأنه يتعين التخلص من المنطق السياسي المهيمن، لفائدة المنطق التنموي الذي يعود بالخير على الشعبين الشقيقين”.
وذكر عبد الفتاح البلعمشي أنه باستثناء الاتحاد الإفريقي، لا توجد البوليساريو في أي مؤسسة قارية أو دولية مماثلة، مؤكدا على ضرورة حل مؤسسات اتحاد المغرب العربي، والتفكير في بناء صرح جديد يتماشى مع تطلعات الشعوب ورغبتها في التقدم والازدهار والعيش الكريم.
بدوره، انطلق محمد الغيث ماء العينين رئيس لجنة الوحدة الترابية بالمركز المغربي للدبلوماسية وحوار الحضارات، في مداخلته، من راهنية ملف القضية الوطنية ومن منعطف 13 نونبر 2020 وما ينطوي عليه هذا المنعطف من أبعاد سياسية واقتصادية وإستراتيجية، وعرج قبل ذلك على حدثين بارزين في تاريخ ملف الوحدة الترابية شكلا في نظره، قطائع جذرية مع ما كان عليه الملف في المراحل السابقة، مشيرا إلى أن القطيعة الأولى شكلها حدث المسيرة الخضراء يوم 6 نوبر 1975، لأنه قبل هذا الحدث، كان هناك تهييء لاتفاق مدريد وكان هناك صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، والواضح أن الرأي الاستشاري رغم عمقه الذي هو في صالح المغرب، لأنه تحدث عن روابط البيعة بين قبائل الصحراء والملوك العلويين، لكنه أيضا خلق نوعا من الإبهام الذي استندت عليه الجزائر والبوليساريو، ليأتي حدث المسيرة الخضراء وحسم النقاش، وفرض الأمر الواقع، بالنسبة للفهم المغربي الخاص بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، وهو الفهم الصحيح، وهو ما جعل السلطات الاسبانية توقع اتفاقية مدريد وأصبح هناك واقع جديد.
واعتبر محمد الغيث ماء العينين، أن القطيعة الثانية كانت يوم 14 غشت 1979 الذي كان مفصليا، خاصة بعد الانقلاب الذي وقع في موريتانيا، وكان هناك انسحاب ولد هيدالة من واد الذهب، وكانت هناك زيارة المرحوم الحسن الثاني، واستعاد المغرب سيادته على الساقية الحمراء وواد الذهب ولم يعد أي أحد بعدها يتحدث عن تقسيم الصحراء، فيما تمثلت القطيعة الثالثة، وفق المتحدث فيما حدث يوم 13 نونبر 2020 لأن ما وقع هو أنه قبل هذا اليوم كانت هناك مسلمة كادت تترسخ بالنسبة للجدار الأمني كحدود لا يمكن تجاوزها، وكادت البوليساريو حينها أن ترسخ أمرا واقعا بالتراكم، في بير لحلو وفي امهريز وفي تفاريتي وكانت تتحدث عن الأراضي المحررة.
وتحدث ماء العينين عن عملية الكركرات الأولى سنة 2017 بعد تولي إبراهيم غالي رئاسة الجبهة خلفا للراحل ولد عبد العزيز، وحاول خلالها، أن يرسخ حضوره، وقال إنه سوف يعمر الأراضي المحررة وسينقل إليها السلاح والإدارات، وحاول أن يضع شرطة حربية بين المغرب وموريتانيا، وبفعل حنكة سياسة المغرب، الذي أعلن حينها الانسحاب من طرف واحد، يضيف المتحدث، تم حشر البوليساريو وأصبحت في مواجهة المنتظم الدولي ومجلس الأمن ثم اضطرت للتراجع.
وأضاف ماء العينين، أن التحول وقع أيضا في خطابات إبراهيم غالي الموجهة للأمين العام للأمم المتحدة، حيث أصبح يتحدث عن المناطق العازلة، وليس المناطق المحررة، بل حتى الاتفاق العسكري رقم 1 الذي وقعه المغرب مع الأمم المتحدة نهاية دجنبر 1997 ووقعته البوليساريو مع الأمم المتحدة بداية يناير 1998، حيث كانت البوليساريو تطالب بإلغاء هذا الاتفاق وتعتبر أنه ليس جزء من الاتفاق الإطار لسنة 1990 الذي جاء من أجل تهييئ عملية الاستفتاء، لكنها الآن بدأت تطالب باحترام هذا الاتفاق أي الاتفاق العسكري رقم 1 وهذا يعتبر تنازلا بالمقارنة مع ما كانت تطالب به، في السابق.
وبخصوص ما وقع يوم 13 نوبر 2020، أوضح ماء العينين أنه قبل هذا التاريخ كان هناك قرار مهم لمجلس الأمن، وهو القرار رقم 25/48 والذي جاء في توصيته الثانية، بعد التذكير بالتوصيات السابقة التي تؤكد على الحل السياسي العملي والواقعي والمتوافق بشأنه، أوصى أيضا، بالتفكير في “ملاءمة مهمة بعثة المينورسو وموارد الأمم المتحدة من أجل بلوغ هذا الحل السياسي العملي والواقعي والمتوافق بشأنه” وهذا شيء جديد ومنعطف كبير يجب الارتكاز عليه، يضيف المتحدث ، وأن هناك قطيعة كبيرة مع ما كان يحدث في السابق، حيث تم تجاوز كل الطروحات القائمة على الاستفتاء منذ سنة 2007.
وشدد ماء العينين، على أن الوضع الجديد يفرض على الدبلوماسية المغربية مطالبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وبعثة المينورسو بترتيب الآثار على هذه التوصية الأممية، والمتمثلة في ملاءمة التفكير الاستراتيجي للبعثة الأممية في الصحراء من أجل بلوغ الحل السياسي العملي والواقعي والتوافق بشأنه، مشيرا إلى أن هذه التوصية نقلت مهمة بعثة المينورسو والتي كانت هي الإشراف على الاستفتاء في الصحراء، إلى البحث عن الحل السياسي العملي والواقعي المتوافق بشأنه.
وتطرق الباحث الأكاديمي، إلى الفترة التي سبقت العملية الانتحارية التي قامت بها البوليساريو في الكركرات، وهي أنه لما انسحبت سنة 2017 ولم تعد تتحدث عن المناطق المحررة، وبدأت تتحدث عن المناطق العازلة فقط، لأنها استشعرت أين تتجه موازن القوى، ورأت أن المغرب رسخ وجوده في الصحراء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وأطلق كوكبة من المشاريع الاقتصادية والتنموية منذ سنة 2013 في إطار النموذج التنموي، وأصبح بالنسبة للجزائر، كل يوم يتأخر فيه الحل، لأن هي التي ضيعت 350 مليار دولار في دعم البوليساريو، ولا يمكن أن تخرج هكذا دون مقابل، بالإضافة إلى ما يقع في الداخل الجزائري وما يقع داخل المخيمات دفع البوليساريو، بإيعاز من الجزائر إلى قطع الطريق في معبر الكركرات، لأن كل الرهانات التي راهنوا عليها من قبل فشلت أمام المقاربة المغربية المتعددة الأبعاد الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والحقوقية والثقافية، وأيضا العسكرية والديبلوماسية.
وفي نظر ماء العينين فإن جبهة البوليساريو لما أعلنت انسحابها من اتفاق وقف إطلاق النار، بعد عملية الكركرات، راهنت على أن المدن الجنوبية ستشتعل، وستكون هناك انتفاضة، لكن هذا الرهان فشل ولم تخرج حتى الأعداد التي كانت تخرج سنة 2007 و 2008، في بعض المناطق في العيون والداخلة، وكانت هناك فقط بعض الحركات المعزولة والمحدودة، وأن ذلك كله هو نتاج للربح الكبير الذي تحقق في السنوات الأخيرة على مستوى الوحدة الوطنية التي هي أساس ترسيخ الوحدة الترابية وليس العكس، وأن اشتغال المغرب على هذا المستوى خلال العشر سنوات الأخيرة هو الذي أدى إلى تحقيق النجاحات التي تعرفها قضية الوحدة الترابية.
في المقابل، يقول المحاضر فقد “تعاملت البوليساريو والجزائر وفق المنطق القديم القائم على مقولة “دعه يثور دعه يجوع ” وحاولت من خلال بعض المنظمات الداعمة لها أن تخلق نوعا من الحصار الاقتصادي على الأقاليم الجنوبية المغربية، من خلال محاربة المكتب الشريف للفوسفاط ومصادرة الباخرة في جنوب إفريقية سنة 2017 ومحاولة التصدي لأخرى في مضيق باناما” مشيرا إلى أن محاولة الضغط والدعاوى التي فشلت كلها، مع الاتحاد الأوروبي، شكلت ضربة موجعة للبوليساريو والجزائر، بالاضافة الى توقيع اتفاقية الصيد البحري لسنة 2019 رغم أنه كان هناك قرار للمحكمة الأوروبية الذي أوقف الاتفاق السابق، وطالب بإعادة التفاوض، وهو ما جسده البرلمان الأوروبي الذي صوت بأغلبية الثلثين لصالح الاتفاق مع المغرب، وجاء بعده الاتفاق الفلاحي الذي يضم المناطق الجنوبية للمملكة. كل هذه التراكمات، دفعت البوليساريو إلى البحث عن وجودها، بالإضافة ما وقع في المخيمات من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وما وقع من مآسي داخل سجن الرشيد وانهيار ما يسمى بالشرعية الثورية.
وذكر ما العينين أن الموقف الجزائري بعد عملية الكركرات، لم يكن واضحا، لأن هناك تناقض ظاهري في البلاغ الصادر عن وزارة الخارجية الذي تبنى تقريبا ما جاء في القرار الأممي، حيث تحدث عن المغرب والبوليساريو عوض الحديث عن المغرب والجهورية الصحراوية، وطالب باحترام وقف إطلاق النار، هذا هو كلام وزارة الخارجية التي تتكلم مع المنتظم الدولي، عكس كلام شنقريحة الذي تم اختياره بعناية من مقطع قديم، تحدث فيه على أن الحدود الجزائرية هي خط أحمر، علما أن المغرب لم يسبق أن هدد حدود الجزائر.
يشار إلى أن هذه الندوة قدمت لها الأستاذ الباحثة في القانون الدولي لحقوق الإنسان فاطمة الزهراء ماء العينين، والتي أكدت على أن ما يميز المغرب عن غيره من البلدان العربية، هو أن له حضارة ممتدة من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه بالإضافة إلى التحولات الديمقراطية والسياسية والاقتصادية التي تعرفها البلاد منذ عقود من الزمن، وما يتوفر عليه من ثروات طبيعية تميزه عن باقي دول الجوار ، مشيرة إلى أن كل ذلك يجعله يقف سدا منيعا برجاله ونسائه، أمام مناوشات الأعداء، وهو ما يعيشه المغربة اليوم، أمام الأحداث التي أعقبت تطهير الكركرات من أذناب الجزائر.
وأفردت الأستاذة فاطمة الزهراء ماء العينين، الحديث عن مواقف حزب التقدم والاشتراكية المنبثق من رحم الحركة التحررية المغربية ومدرسة الكفاح الوطني، من قضية الوحدة التربية، انطلاقا من مرجعيته الفكرية، ورصيده النضالي واستقلالية قراره السياسية، مما جعله، تضيف ماء العينين، في مقدمة الصفوف للدفاع عن حوزة الوطن وعن وحدته الترابية. وطبيعي أن يكون هذا الحزب في هذا الموقع بالذات نظرا لرصيده الوطني والنضالي مذكرة في هذا الصدد بالزعيم المؤسس الرفيق علي يعته وقوته في الدفاع عن قيم البلاد وقضاياه العادلة، وعلى رأسها القضية الوطنية فله يرجع الفضل، بحسب المتحدثة، في الدفاع عنها داخل المنظومة الاشتراكية آنذاك وغيرها من المحافل الوطنية والدولية.

< محمد حجيوي

Related posts

Top