المغرب الفاسي.. بين حقبة الهزاز والأشهبي وجيل عبد اللطيف جريندو

اكتسى الصعود إلى القسم الأول من الدوري الاحترافي مذاقا خاصا بالنسبة لعشاق نادي المغرب الفاسي الذين اعتبروه عربون مصالحة مع المكان الطبيعي للفريق العريق الذي ظل لعقود رقما ثابتا في صفوة الكرة المغربية قبل أن تعصف به اختلالات متراكمة.
وبقدر ما كانت مشاعر الابتهاج بالإنجاز طافحة في مختلف أوصال الحاضرة الادريسية، فقد حملت اللحظة كثيرا من المحبين، خصوصا ممن عايشوا الفترات المجيدة للفريق، على الغوص في نوستالجيا مشوبة بالحزن على السنوات الضائعة في مسار الماص، الكتيبة التي كانت تشكل لزمن طويل العمود الفقري للمنتخب الوطني.
وعلى هذا الأساس، فإن أنصار الماص ضبطوا فرحتهم بالصعود على رهانات المستقبل، واستقر هاجسهم على مطلب جامع بإغلاق قوس النزول نهائيا ووضع الفريق على سكة تتجه رأسا نحو تكوين مجموعة قادرة على المنافسة عالية المستوى في موسم يتوقع الجميع أن يكون محتدم الصراع من أجل البقاء، ومن أجل الصدارة.
في الماص، يحضر التاريخ بقوة كعنصر ضغط من جهة وعامل تحفيز في نفس الآن، كانت أسماء الراحلين حديثا تخيم على الأجواء، في استحضار للرئيس المرجعي محمد بنزاكور وعضو المكتب محمد بناني، وقبلهما الحارس الدولي التاريخي والمسير الذي رحل بغصة الأيام الصعبة، حميد الهزاز.
ولمعت صور النجوم الذين صنعوا من النادي الشبح المرعب لأعتى الأندية في قلب أحلام المحبين الذين يتطلعون ألى عصر يستعيد انجازات جيل التازي والزهراوي والكزار وليمان، مرورا بجيل الثمانينات مع فتاح والسليماني وبونو والأشهبي والتكناوتي.
فمنذ ذلك الزمن، خيمت على الماص سنوات عجاف، قبل أن ينفتح قوس مشرق بثلاثية خالدة في 2011-2012 بحصد كأس العرش وكأس الكاف ولقب السوبر الإفريقي، ليتبدد الضوء سريعا ويدخل الفريق نفقا مظلما لم تسعفه في الخلاص منه حروب الزعامات والاصطفافات وأجنحة المصالح في تدبير النادي.
لم يفقد الماص مكانه بين الكبار فقط، بل أضاع هوية فريق صاغها مدربون من طينة جون بيار كنايير وبوشعيب الغالمي، حيث امتياز القوة البدنية والصرامة التنظيمية والكرة الجماعية، مما جعل مباريات ملعب الحسن الثاني عبارة عن ديربيات ساخنة مع الأندية الكبرى من قبيل الجار النادي المكناسي، وكبيري البيضاء الرجاء والوداد، والجيش الملكي، والنادي القنيطري وشباب المحمدية.
بهذه المرجعية، لن يقنع عشاق الماص بإقامة قصيرة الأمد في القسم الأول، ولا حتى بموسم معاناة من أجل البقاء. ويبدو أن تحركات النادي في سوق الانتقالات وعلى المستوى التنظيمي تعكس روح تعبئة من أجل إعطاء إشارات الجاهزية والطموح.
هكذا استقر خيار مواصلة الطريق مع الربان الذي قاد النادي في مبارياته الأخيرة الحاسمة خلال الموسم الماضي، عبد اللطيف جريندو، في رهان على مسار وشخصية مدرب بتجربة لاعب غزير العطاء في صفوف الرجاء والمنتخب، قادر على نقل شعلة الأداء والتنافسية إلى لاعبين يكتشفون أجواء مختلفة في مختلف مكونات اللعبة.
مقابل استقرار الإدارة التقنية، اقتحم المغرب الفاسي بحماس سوق الانتقالات معلنا عن سلسلة من الأسماء التي يراهن عليها لتشريف القميص الأصفر. لاعبون يحملون خبرة المنافسة في القسم الأول ومحترفون أفارقة ينضافون إلى الركائز التي صنعت الصعود بحثا عن مفاتيح معادلة الانجاز.
عقلانية تسييرية تشتغل على مخطط طويل الأمد واكتفاء مادي يقطع مع الأزمات الموسمية التي عطلت القطار في محطات عديدة، وعمل قاعدي تكويني يبعث خصوبة مدرسة راكمت تقاليد وبروفايلات خاصة للمواهب الناشئة، تلك محاور الوصفة الضامنة لمستقبل تنافسي يضع الماص في دائرة الضوء.
في هذا الأفق، يبدو الجميع مقتنعا بأن رفع الرهان يتوقف على تملك الفريق كمشروع مدينة والتفاف جميع الفعاليات المحلية من أجل الدفع بالنادي على طريق المصالحة مع العصر الذهبي.

Related posts

Top