المبادرة المدنية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ترصد واقع الحال

مرور عشر سنوات على الإقرار الدستوري والاعتراف باللغة الأمازيغية لغة وطنية رسمية إلى جانب اللغة العربية، مسافة زمنية كافية لرصد الواقع اللغوي لبلادنا، وتقييم مدى استجابة الدولة والمجتمع لشعار إدماج اللغة والثقافة الأمازيغيتين في الحياة العامة للأمة.
ذلك ما قام به تحالف “المبادرة المدنية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية” الذي عمم بلاغا، أول أمس، يرصد فيه الوضع العام للثقافة واللغة الأمازيغيتين، بلهجة تمزج بين الانتقاد والملاحظة من جهة والاستشراف والانتظارات من جهة أخرى.
ولم يتردد هذا التحالف، الذي تأسس قبل خمس سنوات، في توجيه نقده للتعاطي السياسوي مع القوانين المؤطرة للأمازيغية عوض التفاعل الإيجابي من أجل نصرة الحقوق وتنزيلها وترجمتها في الواقع الملموس انطلاقا من “مبدإ المساواة بين جميع المغاربة في الحقوق والواجبات واستفادة الجميع من المكتسبات المعرفية بفرص متساوية”، يقول بلاغ تحالف المبادرة.. الذي أبرز في ذات السياق أن واقع النسيج اللغوي والثقافي في المغرب يتسم بـ “تواتر تدهور الأمازيغية في السياسات العمومية للدولة المغربية”.
وشمل هذا التقييم الرصدي مختلف مناحي الحياة العامة في قطاعات التعليم، والإعلام، والإدارة، والقضاء، ومختلف المجالات الحيوية في المجتمع والدولة..
فعلى مستوى التربية والتكوين يسجل تحالف “المبادرة المدنية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية” مواصلة تلكؤ الحكومة في اعتماد مرجعيات قانونية وإدارية واضحة، وتنامي التعسفات التي تطال وضعية مدرس اللغة الأمازيغية، وتراجع الوزارة الوصية على اعتبار اللغة الأمازيغية لغة حية تستلزم مقاربة علمية بيداغوجية وديداكتيكية.
وبخصوص الاتصال والإعلام فيرى التحالف أن الإذاعة الأمازيغية ما زالت تتحرك بمنطق إذاعة اللهجات، حيث تتجنب الانخراط في سيرورة التقعيد والتحاق اللغة الأمازيغية بالمعرفة العلمية والتحسيس بقضايا الوطن. ووجه التحالف في بيانه نقدا لاذعا للقناة الثامنة التي لاحظ أنها “لم تنخرط إلا في المقاربة التلهيجية والفلكلورية”، والبحث عما يشبه المجانية في الإنتاجات الدرامية، بواسطة الإكثار من الأفلام والمسلسلات المدبلجة والمترجمة حيث لا يتمتع الإنتاج التلفزي الأمازيغي إلا بإمكانيات بشرية ومادية ضئيلة” مما يؤثر سلبا على عنصري الجودة والجاذبية.
الإدارة بدورها لم تسلم من اللهجة النقدية لبلاغ التحالف، حيث ما زالت لم تستثمر بعد الطاقات الخلاقة لأطرها الناطقة بالأمازيغية، قصد تسهيل قضاء حاجيات المرتفقين الناطقين بدورهم بالأمازيغية والذين يشعرون بغرابة الإدارة عن لسانهم وخزانهم الثقافي… أضف إلى ذلك فوضى التشوير في الطرقات وبوابات وواجهات المؤسسات التي تكتفي بالنقل الحرفي للغة الفرنسية بحروف تيفيناغ، في تحايل سافر على القانون، ناهيك على عودة التمييز والإقصاء الكلي للكتابة بالأمازيغية على الواجهات العمومية والاكتفاء بالتشوير باللغتين العربية والفرنسية فقط..
أما بالنسبة للسلطة الحكومية في الثقافة والفنون فما زال التخطيط الممنهج بعيدا كل البعد عن مبتغى النهوض بالأمازيغية لغة وثقافة من حيث بناء الاستراتيجيات اللازمة لحمايتهما والنهوض بهما، مما يكرس التمييز بين اللغتين الرسميتين للبلاد.
على مستوى منظومة العدالة، يقول بلاغ التحالف إن الوضع القائم لا زال يكرس لاستمرار ممانعة الحكومة في الإدماج الشامل للغة والموروث القانوني الأمازيغي بمجمل هيئات منظومة العدالة التي تشرف عليها، ومنها مرفق كتابة الظبط، وما تستدعيه إجراءات الإدماج من أدوات لوجستيكية، علاوة على كل ما يهم جوانب الهوية البصرية بالمرافق الإدارية للمحاكم بمختلف أقسامها.
وإذا كان من الملح اليوم تجديد وتطوير السياسات العمومية المتوجهة للنهوض بالأمازيغية وإدماجها بالفعل في مختلف القطاعات والمجالات الحيوية وفي كل مناحي الحياة العامة ببلادنا، فإن ذلك لن يتأتى ما لم يستند على طبيعة العلاقة الجدلية بين المسألة الأمازيغية والمسألة الديمقراطية، باعتبار أن الأمازيغية في عمقها الحضاري والتاريخي لا تنفصل عن منظومتها القيمية والثقافية المنتصرة للحرية والعدل والكرامة الإنسانية، ما يشكل بالفعل إحدى أهم رافعات المشروع المجتمعي الديمقراطي والحداثي الذي تنشده بلادنا.. والذي يشكل الدستور وعاءه الخصب والغني.

< الحسين الشعبي

Related posts

Top