«هذا الجسد، هذا الضوء»

صدر عن منشورات المتوسط -إيطاليا، أول كتب سلسلة الشعر الإيطالي، وأتى بعنوان «هذا الجسد، هذا الضوء» للشاعرة الإيطالية المعاصرة، ماريا غراتسيا كالاندْرُونِهْ. يقدم الكتاب مختاراتٍ شعريةٍ لأهم ما كتبت هذه الشاعرة، والكاتبة المسرحية، والناقدة، والصحفية.
أعد الكتاب وترجمه الشاعر والمترجم السوري أمارجي، والذي سيشرِف على هذه السلسلة ويحررها.
  تأتي سلسلة الشعر الإيطالي تكملة لمشروع المتوسط كدار نشر اهتمت، منذ تأسيسِها، بنقلِ الأدب والفكر الإيطاليين إلى اللغة العربية، بحكمِ وجودها في إيطاليا، وقدمت الدار أعمالا كثيرة تترجَم لأول مرةٍ إلى العربية. فالمتوسط تسعى إلى تشكيل صورةٍ بانوراميةٍ عما يكتب باللغة الإيطالية، صورة لا تغفل الأنواعَ الأدبية على اختلافها وتكاملها في آنٍ واحدٍ، مانحة بذلك القارئ العربي فرصة اكتشافِ نصوصٍ سرديةٍ وشعريةٍ لأسماء هامة عديدة ومتنوعة يصعب أن تترجم ضمن الاتجاه العام في ترجمة المشهور فقط. فإذا كان الشعر هو الأقل قراءة فسيكون الأقل ترجمةً بطبيعةِ الحال. من هنا تُطلِق منشورات المتوسط هذه السلسلة التي تركز على النص أولا والتنوع الجغرافي والجيلي والمناطقي في إيطاليا سليلة الشعر نفسه.
 عن هذه السلسة، يصرح النَّاقد والمترجم المعروف صبحي حديدي، قائلا: «لعل القارئ العربيَّ أكثر اطِّلاعاً، حتى في مستوى المختارات الانتقائيَّة أو المحدودة، على شعراء إيطاليِّين كبار من أمثال أوجِنيو مونتالِه، سالفاتورِه كوازيمودو، جوزبِّه أونغاريتي، غابرييل دانُّونتسو، تشيزرِه باڤيزِه، وحتى بيير باولو بازوليني. غير أنَّ مشهد الشِّعر الإيطاليِّ المعاصر أكثر خصوبةً وتنوُّعاً وتعقيداً»، والأهمُّ من ذلك، أنَّه أكثر انطواءً على دروس الحداثة العميقة في المضامين والأشكال، بما يجعل تقديم سلسلةٍ شعريَّةٍ إيطاليَّةٍ إلى قرَّاء العربيَّة قيمةً جماليَّةً ثمينةً وضرورةً فنِّيَّةً حاسمة».
 أما الأكاديمي والنَّاقد وائل فاروق، وفي كلمته حول أهمية إطلاق سلسلة للشعر الإيطالي، آثر طرح السؤال التالي: «لماذا نترجم الشعر؟ سؤال ينطوي على كثيرٍ من القسوة. قسوة تجاه المعرفة، تجاه الجمال، الشِّعر هو التجسيد الأوَّل لوعي الإنسان بالعالم؛ الشِّعر هو أبجدية الروح والجمال والمعرفة، فكأنَّك تسأل لماذا نتعلم القراءة والكتابة؟ وهذا السؤال يغدو أكثر قسوة إذا ربطناه بالشعر الإيطالي، لماذا نترجم الشِّعر الإيطالي؟ ماذا نُترجم إذن؟ لن أعيد الكلام المكرور عن الدَّور المركزيِّ لإيطاليا وثقافاتها في الحضارة الإنسانية بشكلٍ عام، حتى اليوم ما تزال الحضارة الغربية كلها تمتح من مَعين الثقافة الإيطالية. لآلاف السنين كانت إيطاليا هي مركز الشعر، هي مركز القول، مركز العمارة، مركز الجمال؛ مركزا لكل شيء».
ويؤكِّد فاروق أنَّه و»في اللَّحظة الرَّاهنة لا يقلُّ الدَّور المركزيُّ لإيطاليا في صناعة الحضارة الإنسانيَّة عن الماضي، في القرن العشرين حصل ستَّةُ إيطاليِّين على جوائز نوبل في الأدب، وما تزال إيطاليا تلعب الدَّور الرَّائد في مجال الابتكار، فيما يتعلَّق بالجمال والصُّورة. نُترجم الشِّعر الإيطاليَّ ليس لكلِّ هذه الأسباب، وإنَّما لسببٍ آخر، هو أنَّ هذه الثَّقافة انعجنت مع الثَّقافة العربيَّة لآلاف السِّنين، تلاقت معها في حواراتٍ وصداماتٍ مُستمرَّةٍ منذ العصور القديمة، لذلك نجد آثار المدن والكلمات والصُّور والنِّكات العربيَّة، حتى الآن، في الثَّقافة الإيطاليَّة.
ويختم النَّاقد فاروق بقوله: «في إيطاليا تطالعُ الذَّاتُ العربيَّة نصفَها الآخر، وجهها الآخر، زمنها الآخر، كيف إذن لا نُترجم شعرها!؟».
عن الكتاب:
 
يقول النَّاقد الإيطالي أندريا كورتِلِّسَّا، في توطئة الكتاب: أعرف القليل من الأمثلة الحداثية على تطوُّرٍ يماثل ذلك الذي أحرزَتْه في السَّنوات الثلاث الأخيرة ماريا غراتسيا كالاندرونِهْ. إنه تطور مؤازر بطاقةٍ أشبه بطاقةِ المستعِر الأعظم، فما يبدو لنا أنَّه انفجارٌ ليس إلَّا الحصيلةَ الوهَّاجةَ لعمليَّةٍ بطيئةٍ للغاية، مغطوطةٍ في ليل الأصولِ كلِّها. إن في هذا الشعر، ولنقلها هنا بكلماتِ بيانكا ماريَّا فرابوتا (التي يمكن القولُ إنَّها مكتشفتُها)، «سيل صاخب، جارف»، سيل يحمل معه «حدساً غنائيا استثنائيا، وقواعد أخلاقية مبهرة»، و»تمجيدا أسطوريا عميق الإدراك» لـِ»إعادة ابتكارِ الكون».
  ومما كتبَ كورتِلسا أيضا في كلمته: لقد كانت قصائد تسيلان وماندلشتام أعظم قصائد القرن المنصرم التي أظهرت كيف أن «شيطان المماثلة» لا يزدري على الإطلاق العناصر المادِّيَّة الأكثر كثافةً، ولا التَّردِّيات الأكثر عمقاً. هذا درس فهمه ميلو دي آنجليس، وأنتونيلا أنِدا، اللذان نظرت ماريا غراتسيا كالاندرونِهْ مليا في شِعرهما. وإذا كانت هناك، في هذا الجيل الذي تنتمي ماريا غراتسيا إليه، قصيدة لا تظهر أي خوفٍ من ذلك الشيطان – الفاقدِ التقديرِ في يومنا، بقدرِ ما هو محتم ولا غنى عنه – فإنها ستكون، بالتحديد، قصيدتها.

الوسوم , ,

Related posts

Top