الكويت والمغرب

وفاة أمير دولة الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، تمثل رحيلا لشخصية سياسية رئيسية في منطقة الخليج، وعلى الصعيد العربي.
الراحل تسلم الحكم في بلاده سنة 2006، وذلك بعد أن أمضى أربعة عقود كاملة كوزير للخارجية، ثم ترأس الحكومة عام 2003، وبقي يشغل المنصب إلى حين توليه إمارة الدولة، ومن ثم يعتبره المراقبون مهندس السياسة الخارجية الكويتية بامتياز، ولزمن طويل اقترنت صورته وشخصيته بدبلوماسية بلاده، وقد عرف بوساطاته لحل أزمات عربية وإقليمية، بما في ذلك مساعيه بشأن حل الأزمة الخليجية الأخيرة التي برزت في 2017،  وبقي دائما حريصا على امتلاك بلاده لعلاقات متوازنة مع كل جيرانها، وكانت هيئة الأمم المتحدة قد سمته قائدا للعمل الإنساني سنة 2014.
الأمير الراحل كان  آخر المتبقين من  القادة الآباء في الخليج، وبقي ممسكا بأسلوبه الإنساني الأبوي في علاقاته الخارجية بالخصوص، وحريصا على حل الأزمات عبر الوساطة وتقريب الآراء…
قد نشكل رؤى ذاتية متباينة ومقاربات مختلفة لتقييم السيرة والمواقف، خصوصا من زاوية النظر الخارجي، لكن يبقى، في كل الأحوال، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح ركنا أساسيًا من أركان الحكم في بلدان الخليج، وصاحب أسلوب يميزه عن غيره من حكام وقادة المنطقة، ورحيله يعتبر نهاية مرحلة وبداية رسم معالم أخرى جديدة لا زالت لم تتضح  بعد في كامل صورتها المستقبلية.
صحيح، أن علاقات الكويت بالمغرب قديمة جدا، وبقيت على العموم ثابتة ومستقرة، وتتميز بالاحترام المتبادل للثوابت الوطنية لكل منهما، لكن الأمير الراحل حافظ، بدوره، على رسوخ هذه العلاقات الثنائية بين البلدين، وكانت له أدوار مهمة على هذا المستوى.
يذكر المهتمون أن المغفور له جلالة الملك محمد الخامس كان قد زار الكويت سنة 1960، حتى قبل أن تنال استقلالها، والتقى حينها الشيخ عبد الله السالم الصباح، كما يحفظ الكويتيون للمملكة دعمها لبلادهم لولوج جامعة الدول العربية أول مرة، ومساندتها المستمرة في الأمم المتحدة، ثم أيضا الموقف الشجاع للمغرب أثناء احتلال الكويت من طرف صدام حسين سنة 1990، والاصطفاف إلى جانب حرية الكويت واستقلالها، ولاحقا للدفاع عن حقوق الأسرى الكويتيين…
وفِي المقابل، يحفظ المغاربة للكويت كذلك دعمها الدائم للوحدة الترابية للمغرب، وسعيها لتمتين العلاقات والتعاون السياسي مع الرباط، وتنسيق المواقف في القضايا الإقليمية والدولية.
كما يذكر أن أول مجموعة مغربية كويتية للتنمية كانت قد تأسست  عام 1976، وهي تعمل في قطاعات العقار والسياحة والصناعة والمال، وأضيفت إليها فيما بعد مشاريع وبرامج الهيئة الكويتية العامة للاستثمار والصندوق الكويتي للتنمية ، ومبادرات اقتصادية وتنموية واستثمارية مختلفة أخرى، وكل هذا جعل الكويت من ضمن أهم المستثمرين العرب في المملكة، كما أن اللجنة العليا المشتركة بين البلدين سطرت برامج مستقبلية أخرى للمراحل القادمة، تسعى، عبرها، إلى الارتقاء بالتعاون الاقتصادي والاستثماري، ليكون في مستوى رسوخ وثبات التنسيق السياسي بينهما.
وتجدر الإشارة أيضا، في العلاقات بين المغرب والكويت، إلى الأسابيع الثقافية والفنية التي كانت تقام من قبل، وإلى الحضور المغربي البارز في إنتاجات النشر الكويتي، علاوة على عمل عدد من المدرسين المغاربة في المؤسسات التعليمية الكويتية لسنوات، وأيضا عدد من الصحفيين المغاربة، وكل هذا أسس لتقارب مجتمعي وشعبي بين المغاربة والكويتيين، وتقوى التعارف بينهم.
كل هذه الصلات يجب استثمارها اليوم والبناء عليها لتطوير العلاقات المغربية الكويتية مستقبلا، وفِي مختلف المجالات، خاصة في ظل الظرفيات الإقليمية والدولية الصعبة والمعقدة، وأمام تنامي التقدير للمواقف السياسية والعملية والدبلوماسية للمغرب في المنطقة، وعلى الصعيدين العربي والدولي.
العهد الكويتي الجديد، الذي يبدأ الآن بتولي الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح منصب إمارة الدولة، يمكن أن يشكل محور  تكامل وتعاون مع المغرب، يقوم على الاستمرار في تعزيز دبلوماسية الحكمة والعقلانية والتوازن، وحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة وعلى الصعيد العربي ككل، كما أنه من شأن تمتين التعاون الثنائي بين البلدين صياغة نموذج متميز للشراكة تحقق الربح والاستفادة لطرفيها.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top