هل أخطأت الإدارات الأميركية في الحرب ضد الإرهاب

يصنف المؤرخون السياسيون أحداث صباح 11 شتنبر2001، التي تبناها تنظيم القاعدة آنذاك، على أنها العمل الإرهابي الأكثر فتكا يرتكب على الأراضي الأميركية، ولكن المحللين لمسار ما حصل يرون أن العقد الأخير شاهد على أحد أسوأ ما سجل من ردود الفعل المفرطة من قبل الولايات المتحدة في التاريخ.
ويقول الباحثون إن رد الفعل المفرط هو طبعا ما كان الإرهابيون أو الجماعات المتطرفة يأملون في إثارته، وإذا تم إصدار أحكام بالاستناد إلى هذا المعيار، فإن تلك الأحداث كانت أيضا أحد أنجح الأعمال الإرهابية حتى اليوم، حيث جرّت إحدى أكبر قوة عسكرية على سطح الكوكب إلى حربين لم تحسمهما بعد، كانت مسرحهما كل من أفغانستان والعراق.
ومن الطبيعي أن يقف المتابع على تداعيات ذلك، فقد أفرغت الحربان خزينة الولايات المتحدة من تريليونات من الدولارات ولا تزال المعارك والملاحقات في الكثير من الدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحتى الشرق الأدنى تستنزفها إلى غاية الآن كما أضر بقوة وهيبة وسمعة الأميركيين، لأن هاتين الحربين مكنتا “أعداء” الولايات المتحدة من القيام بأعمال أخرى، كما ألحقت الضرر بحلفاء الإدارة الأميركية المتعاقبة.
ومن المؤكد تقريبا أنهما أوجدتا إرهابيين أكثر مما قتلت منهم، فبالنظر إلى سياق الغزو الأميركي على العراق في 2003 تحت قيادة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، وما خلفه من ولادة جماعات متطرفة، أبرزها تنظيم داعش، كان الكل يجمع أن الفشل سيلاحق واشنطن حتى مع إدارة الرئيس دونالد ترامب الذي يحمل شعار “أميركا أولا”.

تكتيكات منقوصة

من غير المقبول أو المنطقي الادعاء بأنه تمت هزيمة تنظيم داعش تماما، حيث أنه ما زال متواجدا في عدد من الدول العربية وغيرها من دول العالم، ومن حين لآخر تتردد أنباء هجماته التي ينشرها موقع أعماق الإخباري التابع له.
ويبدو أن النجاحات التكتيكية ضد الحركات الإرهابية لم تهزم الإرهاب، ما يعني أن هناك ثغرات في نجاعتها، وداعش ليس استثناء، فهو ما زال نشطا في سوريا، وإيران، وغيرهما من الدول وبالإضافة إلى ذلك، فإن التقارير الرسمية لأجهزة المخابرات ووزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) توضح ذلك تماما، بغض النظر عن المزاعم السياسية التي تنطوي على عكس ذلك.
ويرى الخبير الاستراتيجي أنتوني كوردسمان في تقرير حديث نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي أن السياسة هي السياسة، ولكن هناك مخاطر جادة في الزعم بالنسبة للقدرة على هزيمة الإرهاب بوجه عام وداعش بوجه خاص.
واعتبر أن من أهم عيوب الطريقة التي خاضت بها الإدارتان الديمقراطية والجمهورية الحرب ضد الإرهاب هي أنهما عاملاها إلى حد كبير كنضال عسكري ضد حركات إرهابية ومتطرفة منفردة، بدلا من أن تكون حملة على نطاق أوسع للتعامل مع مجموعة من التهديدات التي لا يمكن هزيمتها دون نجاحات مهمة ضد مجموعة كبيرة من الحركات التي تتغير باستمرار، وكذلك دون بذل جهود كبيرة للحد من أسباب الإرهاب.
ونتيجة ذلك الآن هي أن الولايات المتحدة حققت أحيانا انتصارات على مستوى عسكري، إلا أن كل الحركات الإرهابية الأجنبية التي استهدفتها الولايات المتحدة ظلت باقية أو تمحورت إلى تنظيمات مختلفة بأسماء مختلفة.
والأمر الأكثر سوءا هو أنه إذا رجع المرء إلى ما حدث في 11 سبتمبر عام 2001، سيجد أنه لم يتم تقليص أي من الأسباب الرئيسية التي كانت سببا في استمرار بقاء الحركات المتطرفة والإرهابية، والتي تؤدي إلى ظهور تهديدات جديدة.
والسجل الحقيقي للحرب ضد الإرهاب واضح تماما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأفريقيا جنوبي الصحراء، وأفغانستان، وأميركا اللاتينية، وآسيا، وحتى عندما تحقق الولايات المتحدة تقدما عسكريا كبيرا ضد حركة معينة، فإن الحركة إما تتعافى وإما يظهر مكانها شكل جديد من أشكال الإرهاب.
ومن الممكن أن تتعاون الولايات المتحدة في بعض الأحيان مع حلفائها وشركائها الاستراتيجيين للحدّ من الإمكانيات العسكرية لحركة إرهابية معينة ولتقليص واحتواء قدرتها على الانتشار، ولكن هذا لا يعتبر هزيمة دائمة للإرهاب، والأمر الأسوأ هو أنه إذا ما ضعف الجهد الأميركي لاحتواء حركة معينة، من المرجح تماما أن يعود الإرهاب.
احتواء وهمي

إن تغيير اسم مصدر التهديد في العراق من القاعدة إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا أو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام لم يكن انتصارا يذكر. وينطبق نفس الشيء على الجهود الأميركية لهزيمة الإرهاب والتطرف في الفترة من 2002 إلى 2001.
وحتى الاحتواء كان غير مؤكد تماما في دولة مثل أفغانستان، حيث اضطرت الولايات المتحدة إلى السعي لتحقيق السلام، إذ كان يجب عليها محاولة استغلال حركة إرهابية مثل طالبان لمساعدتها في التصدي لانتشار حركة إرهابية أخرى هي تنظيم داعش في نفس الدولة.
وربما تكون الولايات المتحدة قد ساعدت في القضاء على حلم داعش في إقامة “خلافة” في العراق وسوريا، لكنها لم تهزم داعش تماما. وعلاوة على ذلك، فإنه حتى لو كانت الولايات المتحدة قد نجحت في طرد داعش من هذين البلدين، لم يكن سيعتبر هذا هزيمة تامة للإرهاب لو أدت نفس الأسباب حينئذ إلى ظهور حركات جديدة.
وبتسليط الضوء أكثر على السنوات التي تم فيها شن حروب على الجماعات المتطرفة وخاصة داعش، فقد أدى ذلك إلى نتائج سلبية أحيانا، حيث أدى القتال إلى القضاء على “خلافة” داعش إلى فتح الدولتين لأشكال جديدة من إرهاب الدولة من نظام الأسد في سوريا والنظام الديني السلطوي في إيران.
ويقول كوردسمان إنه من الخطر بالمثل إخفاء الفشل في هزيمة داعش بصورة حقيقية عبر الحديث عن هزيمة خلافتها “المادية” وليس من المنطقي الحكم على قدرات أي حركة ببساطة على أساس الأراضي التي يمكنها السيطرة عليها بصورة مباشرة.
ومع أن استعادة المدن والبلدات العراقية والسورية من عناصر تنظيم داعش المتطرف كان إنجازا كبيرا لواشنطن، لكن التدمير”المادي” الذي تحقق لم يصب التنظيم بالشلل، إنما أدى إلى تدمير منازل ومحال لأشخاص عاديين. وعلى أي حال، أسفر الأداء السيء للحكومة العراقية في إعادة تلك المنازل والمحال إلى ما كانت عليه عن سبب خطير جديد لعدم الاستقرار الذي يساعد التعافي المحتمل لداعش، كما تسبب ذلك أيضا في ظهور لاجئين ونازحين جدد في سوريا.
وفي المحصلة تبدو هناك حاجة لأن يلتزم المسؤولون والمراقبون بالصراحة والأمانة بالنسبة للحديث عن تنظيم داعش وكل ما يتعلق بالحرب ضد الإرهاب. فالدفع بطالبان إلى المناطق الريفية في أفغانستان لا يعتبر هزيمة لطالبان والانتصارات التكتيكية ضد الإرهاب في بقية العالم لم تسفر عن نهاية الإرهاب في أي دولة.
وبالإضافة إلى كل ذلك، تظل قدرة المتطرفين على استغلال شبكة الإنترنت ووسائل الإعلام العالمية أداة خطيرة للإرهاب والتشدد تتجاوز حدود الدول، ما يجعل الجميع يقف على استنتاج وحيد وهو أن الحرب على الإرهاب لم تنته بعد وأن ما حصل مجرد جولة في معركة طويلة قد لا تنتهي في المدى القريب.

Related posts

Top