التنوع البيولوجي في زمن كورونا 2/2

أكد آخر تقرير نشرته هيئة الخبراء الدولية في مجال التنوع البيولوجي و التي يوجد مقرها بألمانيا أن “الطبيعة تتدهور عالميا بمعدل لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية ومعدل انقراض الأنواع يتسارع” ويضيف التقرير أن “هناك حوالي مليون نوع من الحيوانات والنباتات مهددة بالانقراض خلال العقود القادمة”.
ويذكر خبراء الهيئة الدولية للتنوع البيولوجي في التقرير الأخير أن المعدل الحالي لفقدان الأنواع أصبح أعلى بمائة إلى ألف مرة من المعدل الطبيعي للانقراض “ما لم يحدث من قبل في تاريخ البشرية”، وهكذا فإن أكثر من 40٪ من الأنواع البرمائية وما يقرب من 33٪ من الشعاب المرجانية وأكثر من ثلث الثدييات البحرية مهددة بالانقراض”، بالإضافة الى أن “ما متوسطه 25٪ من أنواع الفقريات الأرضية، وفقريات المياه العذبة والنباتات وما لا يقل عن 10٪ من أنواع الحشرات مهددة أيضا”.
ويؤكد علماء الاتحاد العالمي لحماية الطبيعة، في أحدث قائمة حمراء للأنواع المهددة بالانقراض نشرتها هيئة الاتحاد أن جهود المحافظة على المناطق الطبيعية قد حسنت كثيرا من حالة عشرة أنواع، بعدما كان الاتحاد قد قام على هامش مؤتمر الأمم المتحدة بجمهورية مصر العربية بضم خمسة عشر موقعا طبيعيا جديدا للقائمة الخضراء للمحميات ومناطق الحماية التابعة للاتحاد والتي تعد أول معيار عالمي يعترف بأفضل الممارسات في المناطق المحمية.

المواقع الإيكولوجية و القائمة الخضراء

تعد القائمة الخضراء للمحميات والمناطق المحمية التابعة للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة مبادرة عالمية يقودها برنامج المناطق المحمية العالمية بشراكة مع اللجنة العالمية للمناطق المحمية التابعين للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، ولقد شهد عام 2018 على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي بشرم الشيخ المصرية حصول العديد من المواقع في مصر وفرنسا والأردن وكينيا ولبنان والمكسيك والبيرو والإمارات العربية المتحدة على شهادة القائمة الخضراء، ليصل بذلك إجمالي عدد المواقع المدرجة على القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة إلى خمسة و أربعين موقعا حتى عام 2019.
وتساعد القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة في قياس مدى التقدم في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي من خلال حماية 17% من الأراضي و10% من المناطق البحرية، وحفظها وإدارتها بفعالية وعدالة، وعلى الرغم من ذلك فبينما يمضي العالم قدمًا في طريقه نحو تحقيق جانب التغطية من الهدف الحادي عشر، إلا أن عنصر “الفعالية” لا يزال بعيد المنال.
لقد تمكنت المواقع المدرجة على القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة من إثبات تميزها بعد خضوعها إلى تقييم دقيق يتضمن 17 معيارا للنجاح تدور حول أربعة جوانب: الحكامة، والإدارة، والتصميم والتخطيط، ونتائج جهود الحفاظ على الطبيعة.

تصنيف 15موقعا فرنسيا ضمن القائمة الخضراء

تمتلك فرنسا نصيب الأسد من حيث عدد المواقع المدرجة على القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، بدءا من المناطق الصغيرة المجاورة للمدن وصولا إلى المحميات البحرية الكبرى، حيث بلغ عدد المواقع الفرنسية المصنفة في القائمة الخضراء 15 موقعا، متبوعة بستة مواقع في الصين و ثلاثة مواقع في كل من كوريا الجنوبية وكولومبيا وموقعين لكل من أستراليا و إيطاليا و المكسيك.
وتتصدر كينيا قائمة الدول الإفريقية بثلاثة مواقع مدرجة على القائمة الخضراء، أما على صعيد الوطن العربي فتتصدر كل من مصر والأردن بموقعين مصنفين ضمن القائمة الخضراء متبوعتين بالإمارات العربية المتحدة و لبنان بموقع واحد لكل منهما.
محمية أماركايري محمية طبيعية في البيرو انضمت حديثا للقائمة الخضراء وقد أدت الحكامة الجيدة والعادلة فيها إلى تطوير الإدارة، حيث تعمل 10 مجموعات من السكان الأصليين الذين يعيشون بالقرب من المحمية بالحفاظ على أنظمتهم البيئية والمساعدة في تقييم الأنواع النادرة، بما فيها ضفدع أماركايري السام المهدد بالانقراض، كما تدعم أنشطة السياحة البيئية والأنشطة المستدامة التي تم تنفيذها من خلال اتفاقيات تشاركية الاقتصاد المحلي حيث يمتاز موقع المحمية بتواجده في واحدة من أكثر المناطق الغنية بالتنوع البيولوجي في منطقة الأمازون في البيرو.
ومنذ إطلاق القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، تضاعف عدد البلدان التي التزمت بمعاييرها أربعة أضعاف، حيث ارتفع العدد من ثماني دول إلى 33 دولة حاليا، فضلًا عن تطوع حوالي 250 موقعا إضافيا للعمل على تحقيق هذه المعايير.
إن عملية الاعتماد هي تطوعية بالكامل، وقد تستغرق مدة زمنية قد تصل إلى خمس سنوات، حيث يعمل خلالها الموقع الطبيعي على تحقيق أهداف واضحة المعالم، فقد انضمت محمية فان لونج الطبيعية في فيتنام إلى قائمة المرشحين في عام 2015، وساعدتها عملية الاعتماد على ضمان الالتزام بتوسيع نطاق المناطق المحمية ليشمل مقاطعتين متجاورتين.
وقد تعهدت بعض البلدان مثل أستراليا وساحل العاج وماليزيا ومدغشقر، بالإضافة إلى ولاية كاليفورنيا الأمريكية، بترشيح المزيد من المواقع الطبيعية لإدراجها ضمن القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة في القريب العاجل، حيث قامت ولاية كاليفورنيا بإعطاء الأولوية لـ124 محمية بحرية، بينما تدرس أوروبا كيفية تنفيذ معايير القائمة الخضراء عبر شبكة المناطق المحمية الخاصة بها، وتعتزم الصين زيادة عدد المناطق المحمية المدرجة على القائمة الخضراء الذي يبلغ ست مناطق محمية من خلال ترشيحها للمزيد من المواقع.

تأجيل المؤتمر العالمي لحفظ الطبيعة

وبسبب الوباء العالمي لـفيروس كورونا ولضمان سلامة المندوبين والزوار، قررت الحكومة الفرنسية والاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة تأجيل المؤتمر العالمي لحفظ الطبيعة الذي كان من المقرر مبدئيا عقده في الفترة من 11 إلى 19 يونيو 2020 وسيقام من 7 إلى 15 يناير 2021 في مرسيليا.
و تلتزم الحكومة الفرنسية والاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية بجعل المؤتمر العالمي للحفظ حدثا كبيرا للحفاظ على الطبيعة وتطوير إطار عالمي جديد للتنوع البيولوجي.
ويؤكد تريفور ساندويدث، المدير العام لبرنامج المناطق المحمية التابعة للاتحاد لدولي لحماية الطبيعة، على أن: “المواقع المرشحة يمكنها الاستفادة من النصائح المهمة التي يقدمها مجموعة واسعة من خبراء الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، مما سيساعدها في بناء مهارات مدراء عمليات الحفاظ على الطبيعة وتوجيه الاستثمارات نحو تحقيق تقدم فعلي،” كما أضاف قائلا : “إننا نتطلع للعمل مع المزيد من المواقع في المزيد من البلدان لتصبح القائمة الخضراء حركة عالمية حقيقية ترسي المعايير لتحقيق كامل إمكانات المحميات والمناطق المحمية في كل بقاع الأرض”.

من المسؤول عن جائحة كورونا؟

و في ارتباط وثيق بالجائحة و تداعياتها على الأوساط الطبيعية، كانت الهيئة الدولية لخبراء التنوع البيولوجي قد دعت لإعادة توجيه مخططات التعافي في مواجهة الدمار الذي تمثله الأوبئة المستقبلية، يقول الخبراء الأربعة من الهيئة: جوزيف سيتيلي، وساندرا دياز، وإدواردو برونديزيو، وبيتر دازاك إن: “نوعا واحدا فقط هو المسؤول عن جائحة كورونا: نحن”، فقد “خلقت إزالة الغابات غير المقيدة، والتوسع غير المنضبط للزراعة، والزراعة المكثفة، والتعدين وتطوير البنيات التحتية، فضلاً عن استغلال الحياة البرية، الظروف المثالية لانتشار الأمراض من الحياة البرية إلى البشر” كما يشرح خبراء التنوع البيولوجي هؤلاء.
ويمكن للأزمة الصحية العالمية الحالية التي خلقها فيروس كورونا المستجد و التي تسببت في معاناة إنسانية لا حصر لها والتي واكبها أيضا توقف للاقتصاد في جميع أنحاء العالم، أن تكون مجرد البداية، كما تؤكد هيئة الخبراء: “تشير التقديرات إلى وجود 1.7 مليون فيروس غير مصنف ومن النوع المعروف متواجدة لدى الثدييات والطيور المائية و يمكن لها أن تنتقل إلى الإنسان في أية لحظة”. ويضيف العلماء أن أي واحد منها يمكن أن يكون مصدر “الجائحة المقبلة ” والتي ربما ستكون أكثر فتكا من فيروس كورونا.
و تطالب هيئة الخبراء بإعادة توجيه خطط التحفيز الاقتصادي إلى ثلاثة محاور أولها: “ضمان تطبيق القوانين والاتفاقيات الدولية البيئية وإطلاق مخططات الإنعاش الاقتصادي الأكثر احتراما للطبيعة فقط، وخلافا لذلك سوف ندعم الأوبئة في المستقبل”. وثانيا: “اعتماد مقاربة الصحة الواحدة، مقاربة معقدة تربط بين صحة الإنسان وصحة الحيوانات وصحة النباتات والبيئة، وتأخذ بعين الاعتبار العواقب طويلة الأجل للأنشطة التنموية، وأخيراً يطالب خبراء العالم الأربعة “بالتمويل الكافي للأنظمة الصحية وتشجيع تغيير السلوك بالقرب من المناطق المهددة بخطر الوباء”.
ويبرز التقرير الصادر في شهر ماي 2019 للهيئة الدولية لخبراء التنوع البيولوجي أن حوالي مليون نوع من النباتات والحيوانات مهددة، وستعلن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنوع البيولوجي في تقريرها المقبل عن التوجهات الجديدة المتعلقة بتدبير مرحلة ما بعد الأزمة الحالية، والتي غالبا ما ستركز على الاستخدام المستدام للأنواع البرية.

مؤشرات تنزيل أهداف التنمية المستدامة

وفي ارتباط التنوع البيولوجي بتنزيل أهداف التنمية المستدامة، يرمي الهدف الخامس عشر من أهداف التنمية المستدامة إلى الحفاظ على النظم الإيكولوجية الأرضية واستعادتها، وإذا كان نجاح أهداف التنمية المستدامة يرتكز إلى حد كبير على عمليات الرصد والاستعراض والمتابعة الفعالة، فإن مؤشرات أهداف التنمية المستدامة تعتبر هي الأساس لهذا الإطار العالمي الجديد للمساءلة المتبادلة، و لتتبع تنزيل الهدف الخامس عشر في افق عام 2030 تم تخصيص مجموعة من المؤشرات من بينها:

1 – ضمان الحفاظ على النظم الإيكولوجية الأرضية والمياه العذبة والخدمات ذات الصلة، واستعادتها واستخدامها المستدام، ولاسيما الغابات والأراضي الرطبة والجبال والأراضي الجافة، وفقا للالتزامات بموجب الاتفاقيات الدولية.
2 – بحلول عام 2020، تعزيز الإدارة المستدامة لجميع أنواع الغابات، ووقف إزالة الغابات، واستعادة الغابات المتدهورة، وزيادة التحريج وإعادة التحريج بشكل كبير على الصعيد العالمي.
3- بحلول عام 2030، مكافحة التصحر، واستعادة الأراضي والتربة المتدهورة، بما في ذلك الأراضي المتأثرة بالتصحر والجفاف والفيضانات، والسعي لتحقيق عالم محايد بشأن تدهور الأراضي.
4 – بحلول عام 2030، ضمان الحفاظ على النظم الإيكولوجية الجبلية، لا سيما تنوعها البيولوجي، من أجل الاستفادة بشكل أفضل من فوائدها الأساسية للتنمية المستدامة.
5 – اتخاذ تدابير عاجلة للحد من تدهور البيئة الطبيعية، ووضع حد لفقدان التنوع البيولوجي، وبحلول عام 2020، حماية الأنواع المهددة بالانقراض ومنع انقراضها.
6 – تعزيز التقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدام الموارد الجينية وتعزيز الحصول المناسب عليها، كما تقرر على المستوى الدولي.
7 – اتخاذ تدابير عاجلة لوضع حد للصيد غير المشروع والاتجار بالأنواع النباتية والحيوانية المحمية ومعالجة المشكلة من منظور العرض والطلب.
8 – بحلول عام 2020، اتخاذ خطوات لمنع إدخال الأنواع الغريبة الغازية، والتخفيف بشكل كبير من آثار هذه الأنواع على النظم البيئية الأرضية والمائية، والسيطرة على الأنواع ذات الأولوية أو القضاء عليها.
9 – بحلول عام 2020، دمج حماية النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي في التخطيط الوطني، وفي آليات التنمية، وفي استراتيجيات الحد من الفقر
10 – حشد الموارد المالية من جميع المصادر وزيادتها بشكل كبير للحفاظ على التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية واستغلالها على نحو مستدام.
11- حشد موارد كبيرة من جميع المصادر وعلى جميع المستويات لتمويل الإدارة المستدامة للغابات وتشجيع البلدان النامية على تفضيل هذا النوع من الإدارة، لا سيما لأغراض الحفاظ على الغابات.
12 – تقديم دعم عالمي متزايد للعمل على مكافحة الصيد غير المشروع والاتجار بالأنواع المحمية، بما في ذلك من خلال تزويد السكان المحليين بوسائل أخرى للحفاظ على سبل عيشهم.
وفي كل عام تفقد 13 مليون هكتار من الغابات بينما أدى استمرار تدهور الأراضي الجافة إلى تصحر 3.6 مليار هكتار، على الرغم من أن ما يقرب من 15٪ من الأرض محمية حاليا، إلا أن التنوع البيولوجي لا يزال مهددا.
وتطرح إزالة الغابات والتصحر الناجمة عن الأنشطة البشرية وتغير المناخ تحديات كبيرة للتنمية المستدامة ولها انعكاسات سلبية على حياة وسبل عيش الملايين من الناس الذين يعانون من الفقر.
وتبذل مجموعة من الدول جهودا كبيرة لإدارة الغابات ومكافحة التصحر، ويجري حاليا تنفيذ اتفاقيتين دوليتين لتعزيز الاستخدام العادل للموارد، كما يتم توفير الاستثمارات المالية لصالح التنوع البيولوجي، حيث يعتمد مليار و ستة ملايين شخص بما في ذلك 70 مليون ثقافة أصلية على الغابات في معيشتهم، وتعتبر الغابات موطنا لأكثر من 80٪ من أنواع الحيوانات والنباتات والحشرات على كوكب الأرض، وبسبب الجفاف والتصحر يتم فقدان 12 مليون هكتار سنويا بمعدل 23 هكتار في الدقيقة.
و يستمر الصيد والاتجار غير المشروعين في الحياة البرية في إحباط جهود الحفظ، حيث يتم الاتجار بما يقرب من 7000 نوع من الحيوانات والنباتات في 120 دولة، ومن بين 3800 سلالة حيوانية معروفة عالميا اختفت 8٪ في حين أن 22٪ منها هي مهددة بالانقراض.
و تعتمد حياة الإنسان على الأرض بقدر ما تعتمد على المحيطات، حيث توفر النباتات 80٪من غذائنا، ونحن نعتمد على الزراعة كمورد اقتصادي ووسيلة للتنمية، وتوفر الغابة، التي تغطي 30٪ من سطح الأرض، موئلا حيويا لملايين الأنواع، ومصدرا صحيا وهاما للهواء والماء، كما أنها تلعب دورا حاسما في مكافحة تغير المناخ.
ويشهد كوكب الأرض اليوم تدهورا غير مسبوق للأراضي، حيث يزيد معدل اختفاء الأراضي الصالحة للزراعة من 30 إلى 35 مرة عما كان عليه في الماضي، ويتزايد الجفاف والتصحر كل عام، مما يساهم في اختفاء 12 مليون هكتار ويؤثر على المجتمعات الفقيرة حول العالم.
وتهدف أهداف التنمية المستدامة إلى حماية واستعادة استخدام النظم البيئية الأرضية مثل الغابات والأراضي الرطبة والأراضي الجافة والجبال، كما أنها حيوية لتعزيز الإدارة المستدامة للغابات ووقف إزالة الغابات للتخفيف من أثر تغير المناخ، لذلك يجب اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من تدهور الموائل الطبيعية والتنوع التي هي جزء من تراثنا المشترك.

الاستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي بالمغرب

المغرب و منذ توقيعه على اتفاقية التنوع البيولوجي والمصادقة عليها في سنة 1995، خلال قمة الأرض بريو، أصبح ملزما بوضع المحافظة على البيئة ضمن الأولويات الاستراتيجية الوطنية المصاحبة للتنمية، و التي أفرزت خلال مؤتمر ريو اتفاقية دولية خاصة بالتنوع البيولوجي. هذا الالتزام الدولي دفع بالمغرب إلى إعداد استراتيجية وطنية للتنوع البيولوجي والتي تمتد إلى عام 2030، مع وضع آلية لتبادل المعلومات حول التنوع البيولوجي وتعزيز الترسانة القانونية لحماية الموارد الجينية بالمغرب، مرفوقة بحماية البيئة الهشة.

دراسة وطنية حول التنوع البيولوجي بالمغرب

وحتى يتسنى للمغرب، معرفة حالة التنوع البيولوجي، ومن تم وضع استراتيجية وطنية تتماشى مع المنظومة الدولية لحمايته والمحافظة عليه، قامت وزارة الطاقة والمعادن والبيئة بإعداد دراسة وطنية للتنوع البيولوجي تهدف إلى جمع وتحليل البيانات المتاحة عن التنوع البيولوجي مع إنشاء قوائم جرد لفئات مختلفة من عناصر التنوع البيولوجي الوطني؛ وتحديد الأنواع المعرضة للانقراض بالإضافة إلى درجات التهديدات؛ وتقييم المنافع الاجتماعية والاقتصادية للتنوع البيولوجي وتحليل التشريعات والمؤسسات.
إن المغرب يزخر بتشكيلة غنية من عناصر التنوع البيولوجي سواء على مستوى النبات والوحيش أو على مستوى النظم الايكولوجية، هذا ما أفرزته نتائج الدراسة التي أكدت تحديد أكثر من 24000 نوع من الحيوانات وأكثر من 7000 نوع من النباتات؛ ومعدل التوطن العام هو 11 في المائة بالنسبة للحيوانات وأكثر من 20 في المائة بالنسبة للنباتات؛ و600 نوع من الحيوانات مهددة بالانقراض؛ و1700 نوع من النباتات مهدد بالانقراض.
ومن أجل تنزيل بنود الاتفاقية الدولية للتنوع البيولوجي، عمدت المملكة سنة 2004 إلى وضع استراتيجية وبرنامج عمل وطني حول التنوع البيولوجي، تهدف إلى الحماية والمحافظة والاستعمال المستديم للتنوع البيولوجي، والذي يترجم السياسة المغربية في مجال البيئة والتنمية المستدامة بصفة عامة وفي مجال التنوع البيولوجي بصفة خاصة.
و كان المغرب قد قام سنة 2015 بتحيين الاستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي وبرنامج العمل الوطني للتنوع البيولوجي، مباشرة بعد اعتماد المؤتمر العاشر للأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي الذي انعقد في أكتوبر 2010 في ناغويا باليابان للخطة الاستراتيجية المنقحة ولأهداف آيشي لحماية التنوع البيولوجي للفترة من 2011 إلى 2020، من أجل اتخاذ الإجراءات الفعالة والعاجلة لوقف فقدان التنوع البيولوجي على المستوى العالمي، وضمانا لبقاء نظم إيكولوجية قادرة على التحمل وتواصل تقديم الخدمات الضرورية وتساهم في رفاه البشر والقضاء على الفقر.
وتعتمد الاستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي المنقحة على ستة محاور استراتيجية:
1 – تعزيز الحفاظ على التنوع البيولوجي والنظم الايكولوجية والخدمات التي تقدمها.
2 – ضمان الاستخدام المستدام للتنوع البيولوجي والموارد البيولوجية.
3- المساهمة في تحسين ظروف عيش الناس من خلال التنفيذ الفعال للاستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي.
4 – توحيد تدبير التنوع البيولوجي.
5 – تحسين وتثمين وتقاسم المعرفة العلمية حول التنوع البيولوجي.
6 – تشجيع المواطنين على تغيير السلوكيات فيما يتعلق بالتراث الوطني للتنوع البيولوجي.
وقد تم وضع برنامج العمل الوطني حول التنوع البيولوجي بالمغرب بانخراط جميع الإدارات المركزية المعنية والمعاهد العلمية والمجتمع المدني لتفعيل هذه الاستراتيجية، بحيث أمام المغرب في هذا المجال 7 تحديات يجب بلوغ الأهداف المسطرة لها بحلول عام 2030، وهي:
* إعطاء أولوية خاصة للأنظمة الإيكولوجية الغنية بالأنواع المتوطنة والنادرة والمهددة والمتميزة وذات القيمة التراثية والاقتصادية والسوسيو اقتصادية خاصة بالمناطق الرطبة؛
* تعميم عمليات التتبع والتقييم للتنوع البيولوجي عن طريق الاختيار الملائم للمؤشرات البيولوجية؛
* الرفع من الموارد المالية المخصصة للمحافظة وحماية التنوع البيولوجي خاصة الوسط البري والمناطق الرطبة والوسط البحري؛
* تدعيم برنامج محاربة زحف الرمال وتحسين الغطاء النباتي في المناطق الهشة والمناطق الرطبة،
*الانتهاء من الجرد الوطني للمناطق الرطبة وتحديد المواقع ذات الأولوية لتصنيفها كمناطق محمية وتزويدها بمخطط التهيئة والتدبير المستدام؛
* توفير الحماية للمناطق المحمية والمواقع ذات الأهمية البيولوجية والإيكولوجية ومواقع رامسار من أي مشروع له آثار سلبية قوية بما في ذلك المشاريع الحضارية والصناعية والسياحية؛
*تفعيل القوانين ونشر النصوص التطبيقية الخاصة بالقانون المتعلق بالمناطق المحمية وبالقانون المتعلق بالأنواع المهددة بالانقراض.
ومن أجل تسهيل التنسيق والاتصال والتعاون بين المجتمع العلمي والقطاعات الحكومية والإدارات والمنظمات غير الحكومية والجماعات المهنية على المستويات الوطنية والدولية، قام المغرب بإنشاء آلية تبادل المعلومات حول التنوع البيولوجي عبر شبكة الانترنت منذ سنة 2004.
بالإضافة إلى معرفة ونشر التقدم المحرز في تنفيذ اتفاقية التنوع البيولوجي، فإن الهدف من هذه الآلية هو جعلها واجهة وطنية تعرف بغنى التنوع البيولوجي بالمغرب وكذلك بالمجهودات المبذولة في هذا الميدان ونشر الدراسات والأبحاث التي قامت بها المؤسسات العلمية وغيرها على المستوى الوطني والتي يتعذر غالبا الوصول إليها والتي ينبغي الاستفادة منها وتيسير اقتنائها عن طريق آلية تبادل المعلومات.

تنزيل بروتوكول ناغويا

وفي إطار تنفيذ بروتوكول ناغويا حول الحصول على الموارد الجينية والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدامها، ومن أجل تثمينها، قامت وزارة الطاقة و المعادن والبيئة بإنجاز مجموعة من الدراسات و الدلائل من بينها:
* دراسة التقييم الاقتصادي للموارد الجينية بالمغرب من أجل تثمينها.
* دليل الممارسات الجيدة للتقاسم العادل في إطار بروتوكول ناغويا.
* دراسة تدابير حماية وتعزيز المعارف التقليدية المرتبطة باستعمال الموارد الجينية ووضع إجراءات لجرد المعارف التقليدية في المغرب.
* دراسة جرد المعارف التقليدية المرتبطة بالموارد الجينية.
وللمساهمة في الحد من الإفراط في استغلال الواحات، قامت الوزارة بتنفيذ مشروع إعادة إحياء النظم الايكولوجية الواحية بمنطقة تافيلالت، بالتعاون مع المنظمة العالمية للتغذية والزراعة وبتمويل من صندوق البيئة العالمي وأطراف أخرى.

تغير المناخ والتنوع البيولوجي

ولقد تم الأخذ بعين الاعتبار “تغير المناخ” في عدة برامج وطنية وقرارات ومقررات وتوصيات مختلف الاتفاقيات الدولية، فعلى سبيل المثال فقد أبرز مؤتمر الأطراف لاتفاقية التنوع البيولوجي في اجتماعه الثامن، أهمية دمج اعتبارات التنوع البيولوجي في جميع السياسات الوطنية والبرامج والمخططات ذات الصلة، وذلك من أجل التصدي لظاهرة تغير المناخ، وضرورة الإسراع في إعداد الأدوات لتنفيذ أنشطة حفظ التنوع البيولوجي التي تساهم في التكيف مع تغير المناخ.
حدد مؤتمر الأطراف للتنوع البيولوجي الأنشطة المساندة المتبادلة التي تقوم بها أمانة اتفاقيات ريو، والأطراف والمنظمات المعنية باتفاقية الأمم المتحدة الإطار بشأن تغير المناخ التي صادق عليها 191 طرفا بما فيه الاتحاد الأوروبي، والتي تعترف بالحاجة إلى التصدي لظاهرة تغير المناخ، ويتمثل هدف الاتفاقية في تثبيت تركيز الغازات الدفيئة عند مستوى يمنع التدخل الخطير للأنشطة البشرية، وتناشد الاتفاقية الأطراف بلوغ ذلك المستوى في إطار زمني يسمح للنظم الإيكولوجية بالتكيف مع تغير المناخ.
أما اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر فهي تركز هي الأخرى على الحاجة الملحة إلى تنسيق الأنشطة المتعلقة بمكافحة التصحر مع جهود الأبحاث في مجال تغير المناخ من أجل إيجاد حلول للمشكلتين، حيث سبق للجنة التراث العالمي أن نظمت في شهر مارس 2006 اجتماعا للخبراء في مقر “اليونسكو” في باريس وكان من نتائج هذا الاجتماع إعداد استراتيجية لمساعدة الدول الأطراف في تنفيذ الاستجابات الملائمة لإدارة تغير المناخ.
وسبق للجنة التراث العالمي في دورتها الثلاثين المنعقدة في فيلينس بليتوانيا أن طلبت “من الدول الأطراف وجميع الشركاء المعنيين، تنفيذ هذه الاستراتيجية لحماية القيمة العالمية الفائقة لمواقع التراث العالمي، وسلامة وصحة هذه المواقع من التأثيرات الضارة الناتجة عن تغير المناخ، وذلك إلى أقصى حد ممكن وفي حدود الموارد المتاحة”.
و خلال الاجتماع الثامن لاتفاقية التنوع البيولوجي طلب مؤتمر الأطراف في اتفاقية حفظ الأنواع المهاجرة من مجلسها العلمي أن يعطي تغير المناخ أولوية عالية في برنامج الأنشطة المستقبلية وناشد الأطراف تنفيذ تدابير التكيف، حسبما هو ملائم.
اتفاقية رامسار للأراضي الرطبة هي الأخرى و خلال الاجتماع الثامن، ناشد مؤتمر الأطراف المتعاقدة على إدارة الأراضي الرطبة بحيث تزيد قدرتها على مقاومة تغير المناخ وذلك بالتشجيع على حماية الأراضي الرطبة ومستجمعات المياه والعمل على استعادتها.

الفيروس التاجي و التنوع البيولوجي

نشأ فيروس كورونا التاجي في سوق للحياة البرية في مدينة ووهان الصينية مركز الوباء، مما أجبر بكين على إغلاق حوالي 20 ألف مزرعة وحظر تجارة واستهلاك الحيوانات البرية مؤقتا، ووفقا لأحدث الأبحاث، يمكن أن يكون لدى فيروس كورونا المستجد وسيط بين الحيوانات والإنسان، مثلما كان الحال بالفعل بالنسبة لفيروس السارس عام 2003.
فيروس نقص المناعة البشرية، متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، السارس، زيكا، الإيبولا، الشيكونغونيا، إنفلونزا الطيور .. كل هذه الأمراض هي منقولة من الحيوانات إلى البشر ويرجع ذلك إلى حقيقة أن الإنسانية على اتصال الآن بأنواع لم تكن لتواجهها من قبل، من خلال الاستثمار في المزيد والمزيد من الأماكن النائية وتدمير الموائل الطبيعية، وتحدث هذه الاضطرابات في سياق الحركة المستمرة والواسعة للناس والبضائع والحيوانات، مما يعزز انتشار الفيروسات ويمكن أن يؤدي إلى أوبئة مثل تلك التي عرفنا.
وفي الأخير فقد كان من الممكن التنبؤ بظهور جائحة مثل فيروس كورونا، حيث خلصت دراسة أجريت عام 2007 عن تفشي السارس إلى أن “وجود خزان كبير من هذا النوع من الفيروسات في الخفافيش، وكذلك ثقافة التغذية على الثدييات الغريبة في جنوب الصين، تمثل قنبلة موقوتة”. وقال البروفيسور أندرو كانينجهام من جمعية علم الحيوان في لندن إن “السلوك البشري هو السبب دائما تقريبا، وسيكون هناك المزيد في المستقبل إذا لم نتغير”.

بقلم: محمد بنعبو

ناشط وخبير بيئي، رئيس المكتب الوطني لجمعية “مغرب أصدقاء البيئة”.

Related posts

Top