عبد العظيم الشناوي..الفنان الشامل المتعدد

الأستاذ عبد العظيم الشناوي فنان متعدد المواهب والاهتمامات، انطلقت تجربته في التشخيص منذ أربعينيات القرن الماضي، عندما طلب منه وهو طفل صغير آنذاك (حوالي ثمان سنوات) المشاركة في مسرحية قدمتها إحدى الفرق المحلية بمناسبة عرس أقيم في الحي الذي ترعرع فيه بدرب السلطان. بعد هذه التجربة الأولى في التشخيص أقنعت هذه الفرقة المسرحية أسرته بالانضمام إليها، وهكذا توالت مشاركاته في مجموعة من المسرحيات كانت تقدم في رمضان بساحة قريبة من قيسارية الحفارين، ضمن سهرات فنية، وكانت تستغل من طرف الوطنيين المناهضين للمستعمر الفرنسي لتمرير رسائل مشفرة إلى الشعب المغربي وإلى المقاومين بشكل خاص.
وبعد انطلاق الشركة الفرنسية “تيلما” بالدار البيضاء في مطلع الخمسينيات، وهي أول قناة تلفزيونية تجارية خاصة شهدها المغرب، اشتغل بها الشناوي، كما اشتغل بها فنانون آخرون كالرائدين الراحلين إبراهيم السايح (1925 – 2011) في الترجمة والتحرير، والبشير لعلج (1921 – 1962) في تنشيط بعض السهرات الفنية التي كان يحييها جوق الكواكب البيضاوية… وكانت تقدم فيها سكيتشات وأغان بمشاركة الماريشال قيبو، صحبة الأختين ميرة وميلودة، والشيخة تشيكيطو والحاجة الحمداوية.

وفي منتصف الخمسينيات، اشتغل مع فرق مسرحية هاوية إلى أن اكتشفه وأعجب به الرائد البشير العلج بعد مشاهدة هذا الأخير لمسرحية من تشخيص وتأليف الشناوي تحت عنوان “الصيدلي” وطلب منه الانضمام إلى فرقته.
تعلم الشناوي أساسيات المسرح كتابة وتشخيصا وإخراجا وغير ذلك، من خلال الاحتكاك بأعضاء فرقة البشير لعلج (بوشعيب البيضاوي وأحمد المكناسي وأحمد الجمالي وأحمد القدميري وعبد الرحمان الصويري وعبد القادر المسعودي وأحمد بريك وبوجمعة أوجود وعمر عزيز وعمر الحضري…) وتعلم أيضا من خلال المسرحيات التي شارك فيها، أسس تنظيم وتدبير الفرقة المسرحية، الشيء الذي سيؤهله في مطلع الستينيات لتأسيس فرقته الخاصة “الأخوة العربية” مباشرة بعد عودته من القاهرة حيث تلقى تكوينا في الإخراج السينمائي سنتي 1959 و1960.
قدمت فرقة “الأخوة العربية” على امتداد عقد الستينيات وما بعده، مجموعة من المسرحيات الناجحة، جلها من تأليف وإخراج عبد العظيم الشناوي، وانضم إليها العديد من الممثلين المغاربة، الذين أصبحوا فيما بعد نجوما معروفين، أمثال محمد مجد، وعائد موهوب، وعبد القادر لطفي، ومحمد بنبراهيم (رحمهم الله) وعبد اللطيف هلال، والبشير سكيرج، وصلاح الدين بنموسى، وسعاد صابر، ومصطفى الزعري، ومصطفى داسوكين، ونور الدين بكر، وزهور السليماني، وصلاح ديزان، وخديجة مجاهد، ونعيمة بوحمالة، وأحمد السنوسي (بزيز)، وفاطمة الناجي، وثريا جبران وغيرهم.
انفتح الشناوي على التلفزيون المغربي، بعد انطلاقته في مطلع الستينيات، حيث أنتج لفائدته مجموعة من السهرات الفنية وغيرها، وفي النصف الثاني من عقد السبعينيات، وبالضبط من 1977 إلى 1980، انتقل إلى إنتاج وإعداد وتقديم مجموعة من البرامج الفنية والثقافية والترفيهية من قبيل “فواكه للإهداء” و”مع النجوم” و”نادي المنوعات” و”قناديل في شرفات الليل” مع الإشراف على إخراجها.
التحق عبد العظيم الشناوي بإذاعة “ميدي 1” (إذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية) كمنشط منذ إنشائها سنة 1980 وقضى بها عقدين من الزمان أعد وقدم خلالهما ما يفوق 50 برنامجا أولها “الفن في العالم” وآخرها “الحرب العالمية الثانية” (160 حلقة) وهو برنامج وثائقي أعد مادته الروائي الطنجاوي المعروف الراحل محمد شكري. وقد استضاف من خلال هذه البرامج العديد من المشاهير. 
بعد هذه التجربة الإذاعية، التي كرسته كصوت قوي وجميل وكإعلامي متمكن، عاد إلى التلفزيون حيث أعد ونشط لفائدة القناة الثانية (دوزيم) سنتي 1998 و1999 برنامجا للمسابقات بعنوان “حظك هذا المساء”. كما عاد لأب الفنون، عشقه الأول، من خلال مسرحية غنائية استعراضية من تأليف عبد العزيز الطاهري بعنوان “بين البارح واليوم”.
وبما أن الساحة السينمائية الوطنية قد شهدت حركية ملحوظة على مستوى إنتاج الأفلام المدعومة من طرف الدولة، عكس ما كان عليه الأمر في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عاد الحنين بعبد العظيم الشناوي إلى حلم راوده منذ مرحلة الشباب، متمثلا في رغبته الدفينة في اقتحام المجال السينمائي تشخيصا وإخراجا، الشيء الذي دفعه رفقة بعض أصدقائه إلى تأسيس شركة للإنتاج مكنته لحد الآن من إخراج باكورة أعماله السينمائية وهو فيلم قصير بعنوان “المصعد الشرعي” والبقية في الطريق.
وهذا لا يعني أن الشناوي كان غائبا عن الساحة السينمائية بإطلاق، بل كانت له مشاركات في بعض الأفلام السينمائية والتلفزيونية الوطنية والأجنبية، نذكر منها على سبيل المثال دوره البطولي في فيلم “مأساة الأربعين ألف” (1982) للمخرج الطنجاوي الراحل أحمد قاسم أكدي (1942 – 2018)، ومشاركته كممثل في فيلم “ألف شهر” (2003) لفوزي بن السعيدي، وفيلم “سميرة في الضيعة” (2008) للطيف لحلو.. هذا بالإضافة إلى حضوره في مجموعة من الأفلام التلفزيونية من قبيل “على ضفة القلب” (2001) لمحمد منخار، و”الحب القاتل” (2004) لحميد الزوغي، و”رشوة” (2012) لحكيم بيضاوي، و”خيوط العنكبوت” (2014) لشكيب بنعمر، و”12 ساعة” (2017) لمراد الخودي وغيرها…
رحم الله الأستاذ عبد العظيم الشناوي، الفنان الشامل والإنسان المحبوب، الذي اجتمع فيه ما تفرق في غيره، فهو الممثل والمؤلف والمخرج والمنتج والمنشط الإذاعي والتلفزيوني والمؤطر للممثلين والصحافيين الشباب والصوت الإشهاري المعروف… إنا لله وإنا إليه راجعون.

 بقلم: أحمد سيجلماسي
*ناقد سينمائي

Related posts

Top