أيت الطالب: رهان تطوير المنظومة الصحية الوطنية مرتبط بتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص

أكد خالد آيت الطالب أن وزارة الصحة ستنكب على إعداد خارطة صحية تحرص على استحضار الإمكانيات المتوفرة في القطاعين العام والخاص، حتى يتسنى تحقيق عدالة صحية مجالية فعلية على مستوى الخدمات والعلاجات، تمكن المغاربة قاطبة من هذا الحق الدستوري، دون أن يتجشموا المشاق أو يعانوا الصعاب، وضرورة التنقل لمسافات طويلة طلبا للعلاج.
وأوضح أيت الطالب، في معرض مداخلة تقدم بها خلال ندوة افتراضية نظمتها الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة، مؤخرا، أن هذه الخطوة يتم الإعداد لها بمعية كل الشركاء والمتدخلين، وذلك بهدف تجويد عمل المنظومة الصحية، وتطويرها بصفة تجعلها قادرة على مواكبة مرحلة ما بعد كوفيد 19 مقارنة بما قبلها، لأن الدرس الأساسي الذي يجب على الجميع النجاح في استخلاص عبره، كما يقول الوزير، وأن يساهم كل من موقعه في بلورته، هو ضمان الإقلاع بهذا الورش الأساسي، للاعتناء بصحة كافة المواطنين المغاربة، الذين يحفهم الملك محمد السادس برعايته الخاصة، وهو الذي ما فتئ يدعو إلى تعبئة كل القدرات والإمكانيات لتطوير وتجويد المنظومة الصحية.
ونوه وزير الصحة بالدور الإيجابي الذي لعبه كل مهنيي الصحة بدون استثناء في إعمال استراتيجية بلادنا لمواجهة جائحة كوفيد 19، وأرباب المصحات الخاصة وكافة الأطباء والطبيبات والمرضين والممرضات، في كل القطاعات، حيث أبانوا عن مواطنة خالصة وتعبئة قوية وتجند كبير. وأكد في نفس السياق، أن المصحات الخاصة أبلت بلاء حسنا، وانخرطت إلى جانب باقي القوى الحية في بلادنا من أجل مواجهة الجائحة، حيث وضعت نفسها رهن إشارة وزارة الصحة لخدمة المغاربة في هذه الأزمة الصحية، وساهمت بمجموعة من التجهيزات والمعدات، وتكلفت باحتضان وعلاج العديد من المرضى، وانخرط أطرها إلى جانب زملائهم في القطاع العمومي والعسكري لمتابعة الوضع الصحي للمرضى بمصالح الإنعاش والعناية المركزة.
وأكد آيت الطالب أن هذه التجربة أكدت بأن القطاع الصحي كل لا يتجزأ، مدنيا كان أو عسكريا، عموميا أو خاصا، أساتذة وأطباء وغيرهم من المهنيين، وبان الجميع في خندق واحد، داعيا إلى تعزيز هذا العمل المشترك ورص صفوف هذا البنيان وتقويته لمواجهة كل الإكراهات التي تعترض سبيل تطوير المنظومة الصحية، حتى تلبي كل الاحتياجات الصحية للمواطنين والمواطنات وتضمن لهم ولوجا سلسا إلى العلاج.
وبخصوص الوضعية الوبائية التي تمر منها بلادنا اليوم، أكد وزير الصحة أنها جد مطمئنة، حيث استطاعت المنظومة الصحية تجاوز هذه المحنة بقوة وشجاعة، بفضل تعبئة وتظافر جهود جميع المتدخلين، مقارنة بأنظمة صحية في بلدان متقدمة وقوية اقتصاديا ولها إمكانيات كبرى في هذا الباب، إذ بلغت نسبة التعافي من الإصابة بالفيروس حوالي 90 في المائة، بينما تقدّر نسبة الوفيات بحوالي 2.1 في المائة، معربا عن تعازيه لكافة أسر الضحايا. وأشار آيت الطالب إلى أن وزارة الصحة تواصل عملها على قدم وساق وتشتغل بتنسيق تام مع وزارة الداخلية والاتحاد العام لمقاولات المغرب، من أجل مواصلة إجراء اختبارات الكشف عن فيروس كوفيد 19 في أوساط الأجراء والمهنيين، مبرزا أن المعدل اليومي للاختبارات يقدر بـ20 ألف اختبار، وأن هذه الجهود تصب باتجاه تدارك العجز الاقتصادي الذي تم تسجيله خلال فترة الحجر الصحي، وستسمح بعودة دورة الاقتصاد والإنتاج إلى ديناميتها الطبيعية تدريجيا، مع التشديد بالمقابل على ضرورة الحرص على احترام التدابير الحاجزية الوقائية للحيلولة دون انتشار العدوى، وعلى رأسها التباعد الجسدي ووضع الكمامات والحرص على النظافة والتعقيم، لكي تخرج بلادنا منتصرة صحيا واقتصاديا واجتماعيا.
وكان الدكتور مولاي سعيد عفيف قد افتتح هذه الندوة الافتراضية بالتأكيد على أن الجائحة الوبائية لفيروس كورونا المستجد قد أبانت عن وجود نظام صحي استطاع مواجهتها بكل قوة وجدية والتزام، مما مكن من تحقيق النتائج التي وصل إليها المغرب بفضل التدابير الاستباقية التي سطرتها المملكة تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، مشيرا إلى أن العودة إلى الحياة الطبيعية تتم بشكل تدريجي معقلن، مستدلا على ذلك بالاختبارات التي يتم القيام بها على مستوى الوحدات المهنية المختلفة والتي استفاد منها أجراء القطاع الخاص وبلغت 54 ألف اختبار، حيث تم اكتشاف 6 حالات إصابة بالفيروس من بينها، وهي العملية التي تتواصل بتنسيق بين وزارة الداخلية ووزارة الصحة والاتحاد العام لمقاولات المغرب.
وأوضح رئيس الفدرالية الوطنية للصحة أن هدف الندوة المنظمة يتمثل في تسليط الضوء على حجم المساهمة المادية والمعنوية التي قدمتها المصحات الخاصة في مواجهة الجائحة، وكذا تدارس سبل تطوير الشراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث أكدت الجائحة الحاجة إلى منظومة صحية موحدة قوية قادرة على مواجهة كل الأزمات. وذكر بأن هذه الأزمة عرفت مفارقة أطباء وصيادلة الحياة وهم يقومون بواجبهم المهني، داعيا إلى تمكين مهنيي الصحة بالقطاع الخاص من الحق في التغطية الصحية من باب العدالة والإنصاف.
واستعرض البروفسور رضوان السملالي، رئيس الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة، تفاصيل مساهمة القطاع الخاص في مكافحة الجائحة، سواء بتوفير الموارد لبشرية أو المعدات الطبية والبيوطبية، أو بتجهيز مصالح للإنعاش أو التكفل بمرضى مصابين بكوفيد 19 أو المرضى الآخرين، في إطار التخفيف عن المستشفيات العمومية. وذكر في نفس الوقت بالصعوبات التي أرخت بظلالها على المصحات الخاصة حيث انخفض رقم معاملاتها ما بين 60 و85 في المائة، وفقدت في ظرف شهرين مليار درهم بحسب أرقام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و(كنوبس) و(كميم)، مشيدا بالتقنيات الحديثة التي يتم تسخيرها ووضعها رهن إشارة المواطنين، حيث يتم التكفل بنسبة 50 في المائة من المواطنات والمواطنين وبنسبة 90 في المائة من المؤمنين.
ونبه السملالي إلى بعض الإشكالات التي طفت على السطح خلال فترة الجائحة والمتعلقة بالخصاص في التجهيزات والمواد الطبية وشبه الطبية وتوقف قطاعات اقتصادية منتجة وتبعات ذلك كالسياحة، والهشاشة والضعف في التنظيم والرؤية الاستشرافية للمستقبل، وفي عملية الحجر، وصعوبات التنقل بسبب حالة الطوارئ الصحية وغيرها من الأعطاب الأخرى.
ودعا للمتدخل إلى اعتماد آليات متطورة للعمل قادرة على مواجهة التحديات وتبني خيار الرقمنة، وإلى إعمال حكامة جديدة في قطاع الصحة، وتمويل متطور، ومراجعة القانون 131.13، وتقوية الشراكة بين القطاعين العام والخاص بناء على الخصوصيات الجهوية، مشددا على أن ورش الجهوية يعتبر خيارا أساسيا لتطوير المنظومة الصحية.
من جهته، أكد البروفسور مولاي احمد بودرقة، الكاتب الجهوي للجمعية الوطنية للمصحات الخاصة بجهة الدارالبيضاء سطات، أن عدد سكان الجهة يبلغ أكثر من 7 ملايين مواطن ومواطنة، بنسبة تقدر بـ21.4 من مجموع السكان وطنيا، فيما يصل عدد المصحات الخاصة بها إلى 111 بنسبة 31 في المائة من مجموع المؤسسات الاستشفائية، ويصل عدد أسرة الإنعاش إلى 154 سريرا. وأبرز أن من بين مجموع المرضى المصابين بفيروس كورونا المستجد على مستوى الجهة والذين بلغ عددهم 3029 مريضا ومريضة، تطلبت الوضعية الصحية لـ156منهم، أي بنسبة 5.2 في المائة، الاستشفاء بمصالح الإنعاش والعناية المركزة، و102 منهم بمصالح المستشفى الجامعي ابن رشد، وقد كان 35.2 في المائة من بينهم في حاجة إلى دعم تنفسي اصطناعي.
ونوه بودرقة بالدور الذي قام به أطباء التخدير والإنعاش في القطاع الحر للمساهمة إلى جانب زملائهم في مصالح الإنعاش للتكفل بالمرضى، إلى جانب تكفل مصحات خاصة بحالات مختلفة للإنعاش بالنسبة لغير المصابين بفيروس كوفيد 19، وكذا إجراء عمليات جراحية لفائدة عدد منهم.
وبخصوص المساهمات المتعددة التي قدمتها المصحات الخاصة، أبرز الدكتور الحسن التازي أن مصحة “أنوال” قد استقبلت منذ بداية الجائحة بعد وضعها رهن إشارة وزارة الصحة 90 مريضا ومريضة من مختلف الأعمار، تلقوا العلاج جميعهم وغادروها وكلهم بصحة جيدة دون تسجيل أية حالة وفاة أو مضاعفات، مبرزا أن أعمار المرضى الذين استقبلتهم المصحة تراوحت ما بين 6 أشهر و74 سنة، 27 في المائة منهم من الذكور و73 في المائة من الإناث، ينتمون إلى مختلف مقاطعات مدينة الدار البيضاء.
وفي نفس السياق، أوضحت البروفسور ماجدة الزهراوي، التي قدمت عرضا عن مساهمة مصحة “دافنسي”، أن الأخيرة تكفلت بعلاج ومتابعة الوضع الصحي لـ125 مريضا، تراوحت أعمارهم ما بين 30 و70 سنة، ولوحظ معناة عدد منهم من مضاعفات أمراض الربو والالتهابات تنفسية والضغط والسكري، إلى جانب الإفراط في شرب الكحول والتدخين، موضحة أن 8 في المائة من الحالات كانت صعبة وحادة، في حين سجلت 3 وفيات في صفوف الحالات الأولى التي تم استقبالها في بداية الجائحة.
بدوره أكد الدكتور عمر المنزهي، المسؤول السابق والخبير في مجال الصحة والوبائيات، أن مصحة “الياسمين” ومصحة “غاندي” ساهمتا في تخفيف العبء عن مستشفى الحسني الذي تكفل بمتابعة مرضى كوفيد، وتمت إحالة الحوامل على المصحتين من أجل متابعة حالتهن وتمكينهن من الوضع في ظروف صحية جيدة، حيث تم على مستوى مصحة “الياسمين” إجراء 362 ولادة، 315 عادية و47 قيصرية، في حين أنه في مصحة غاندي تم إجراء 131 عملية ولادة، 65 قيصرية و66 عادية، إلى جانب التكفل بـ13 مولودا من المواليد الخدج. ونوه الدكتور المنزهي بهذه التجربة النموذجية التي يمكن لها أن تشكل مقدمة لما بعدها، مبرزا المدخلات التشريعية والقانونية والإطار القانوني الممهد لذلك، كما هو الحال بالنسبة للقانون 34.09 المتعلق بالمنظومة الصحية وبعرض العلاجات، مشيدا في نفس الوقت بالمجهودات التي بذلتها بعض المختبرات في القطاع الخاص، لتحقيق تلك الحصيلة الإيجابية، والتي مكنت من تقديم خدمة بجودة واعتماد القرب وتعتبر مثالا نموذجيا لما يجب أن يسري على اختصاصات طبية أخرى، لخدمة المغاربة في الشق الصحي.
وبخصوص التدابير الصحية من أجل إنجاح المرحلة المقبلة، أكد البروفسور جعفر هيكل، الخبير في الأمراض التعفنية والأوبئة، أن كل الأرقام والمؤشرات الوبائية تؤكد على ضرورة تخفيف وضعية الطوارئ نتيجة لنجاح التدابير التي اعتمدتها بلادنا في مواجهة الجائحة، ومن بينها نسبة الإيجابية في الاختبارات التي تقدر بـ 1.10 في المائة، ونسبة التعافي التي تصل إلى حوالي 83 في المئة ونسبة الإماتة التي لا تتجاوز 2.1 في المائة، إذ أن الوفيات تقدر بنسبة 0.6 لكل ألف شخص. وأضاف أن 95 في المائة من المرضى تم التكفل بهم علاجيا بالبروتكول المعتمد مقارنة بدول أخرى، وأن حجم إجراء الاختبارات ارتفع من 0.09 إلى 15.5 لكل 100 ألف نسمة، مؤكدا على أن حضور الفيروس في بلادنا يعتبر جد ضعيف، رغم بعض البؤر التي تظهر بين الفينة والأخرى.
وأشار البروفسور هيكل إلى أنه قبل 40 يوما كانت نسبة الوفيات تصل إلى 3 في المئة، ثم انخفضت خلال 15 يوما الأخيرة إلى ما دون 2.5 في المئة، مبرزا أن نسبة الإماتة تراجعت إلى 2.1 بمجموع 214 وفاة، مقابل ارتفاع حالات التعافي بمعدل 35 مرة أكثر مقارنة بالوفيات، مما يؤكد عدم خطورة المرض، وهو ما أمكن تحقيقه بفضل التعبئة الجماعية والمجهود الكبير الذي تم بذله. وأشار أن هذه الأرقام جاءت مخالفة لكل التوقعات والتقديرات الرقمية التي كانت موضوعة، موضحا أن معامل انتشار الفيروس (R0) تراجع هو الآخر من 2.75 إلى 0.76، وبأن الحالات الحرجة تمثل أقل من 1 في المائة، إلى جانب وجود أقل من 0.6 في المائة في مصالح الإنعاش والعناية المركزة، مما جعل المغرب ينجح في مواجهة الجائحة بفضل تجند كامل لكل المتدخلين والفاعلين والمواطنين، حيث نتوفر على قدرة للعلاج نسبتها 95 في المائة، في متوسط عمري للمصابين يقدر بـ 45 سنة.
واختتم هيكل مداخلته بالتأكيد على 4 تحديات رئيسية تتمثل في إدماج القطاع الخاص في المراقبة الوبائية سواء تعلق الأمر بكوفيد أو باقي الأمراض الأخرى، وعدم التركيز فقط على ما يقع داخل المؤسسات الصحية العمومية، وبلورة استراتيجية للاختبارات المرتبطة بالتشخيص الموسع وكيفية ومسارات التكفل بالمرضى الحاملين للفيروس، والمصابين بدون أعراض، إلى جانب تدارك التأخر في التكفل بصحة الام والطفل والمصابين بأمراض مزمنة والشيخوخة، بسبب الانشغال بمواجهة الجائحة، والتفكير في المنظومة الصحية برؤية مختلفة تسمح بالولوج للعلاج بشكل سلس وتمكين المغاربة من التغطية الصحية الشاملة، والعمل على تطوير المنظومة من خلال شراكة قوية بين القطاعين العام والخاص.
يذكر أن الندوة الرقمية عرفت العديد من المداخلات الأخرى التي تطرقت إلى مساهمة القطاع الخاص في مواجهة الجائحة على مستوى باقي جهات المملكة (فاس -مكناس، طنجة- تطوان-الحسيمة..)، وكذا إلى بعض المواضيع الأخرى ذات الصلة وعلى رأسها الجانب الاقتصادي وتكاليف العلاج سواء على مستوى الإمكانات المادية والتغطية الصحية للمواطنين أو على مستوى إمكانيات التكفل لدى المنظومة الصحية الوطنية، وكذا التكفل بالمضاعفات النفسية للمرض ولتدابير الحجر الصحي على المواطنين عموما وعلى فئة الأطفال والمراهقين خصوصا.

Related posts

Top