إضاءة: جائحة كورونا بين الخطورة واستخلاص الدروس

لقد وثق التاريخ القديم كثيرا من الأوبئة التي عانت منها البشرية على مر العصور. وكانت هذه  الأوبئة تجتاح مناطق وأقاليم واسعة وعابرة للقارات. وحصدت هذه الأوبئة عشرات الملايين من الأرواح في ظل بدايات نشوء العلوم الطبية وتطور المختبرات والتي لم تكن قادرة وقتئذ على صد هذه الأوبئة الفتاكة وإيجاد اللقاحات الفعالة. 
ولعل أشد وأخطر هذه الأوبئة هو مرض الجدري الذي ظهر عام 1780 وحصد ما يزيد عن 500 مليون ضحية إلى أن اكتشف العالم إدوارد جينز لقاحا جربه وأثبت مفعوله ونجاحه  ليعلن العالم نهاية القاتل الأعظم (الجدري).
وكانت قبله وبعده بعدة قرون تتوالى موجات الطاعون الأسود  أو الموت العظيم  كما أطلق عليه البعض. كانت أولها في القرن السادس الذي سمي بطاعون جستنيان، وثانيها في القرن الرابع عشر من 1347 إلى 1352 والذي خلف خسائر فادحة في أوربا.. ثم كانت بعد ذلك أخطر أنواع الأوبئة الحديثة التي سميت  بالحمى الإسبانية  والتي حصدت بدورها ما يزيد عن 75 مليون شخص من 1918 إلى 1923.. وحديثا، انتشرت العديد من الأوبئة مثل نقص المناعة الإيدز وانفلونزا الخنازير والأيبولا.. واللافت للنظر، أن هذه الأوبئة الفتاكة تستمر لسنوات طويلة قبل أن تتدخل العلوم الطبية وتجد لها العلاج المناسب. 
ولعل التاريخ أكد أن أخطر الأوبئة انتهت اجتماعيا قبل أن تنتهي طبيا، حيث تعايش الناس مع المرض وبدؤوا في مزاولة حياتهم الطبيعية اليومية بحذر.. فالمجتمع لم يعد قادرا على العزل والحجر الصحي الذي يؤدي إلى الموت البطيء ويتعايش مع هذه الأوبئة إلى أن يتمكن الطب من إيجاد اللقاح المناسب والفعال. وهذا ما يتوقع حدوثه مع فيروس كوفيد 19 الذي اجتاح العالم وخلف خسائر فادحة في الأرواح وفي الاقتصاد، حيث ستزول جائحة كورونا اجتماعيا وتبدأ الدورة الاقتصادية من جديد مع الوقاية والحذر إلى أن يصلنا الخبر اليقين من المختبرات الطبية التي مازالت مستمرة في تجاربها على فيروس كوفيد 19 والذي يبدو أنه في الطريق إلى توديعنا قريبا.
في الواقع، علمنا فيروس كورونا الشيء الكثير. علمنا التعليم عن بعد، والعمل من المنزل، كما عزز علاقاتنا لبعضنا البعض، وزاد من حرصنا على بعضنا البعض، وأجبرنا على التضامن الإنساني والمسؤولية الجماعية.. 
إن جائحة كورونا تضاربت الأنباء عنها. هناك من اعتبرها قاتلا مميتا، وهناك من رجح نظرية المؤامرة والحرب البيولوجية  والاقتصادية. 
إن الإجابة عن مختلف التساؤلات حول جائحة كورونا ستظل رهينة  بانتهاء الوباء ومرور الوقت. وحتى ذلك الحين نتمنى للجميع السلامة والخروج من الوباء أقوى وأفضل وأكثر طمأنينة. 
إن البشرية اليوم لديها فرصة ثمينة. فرصة بناء مستقبلها ليس على وهم أيديولوجيا أحادية الجانب ولكن على مجموعة من القيم العالمية التي نتشاركها جميعا. إنها فرصة لإعادة تقييم حياتنا لنصبح أكثر إدراكا لأهمية التضامن الاجتماعي والترابط الأخوي. علينا أن نتضامن لا لنكون معا فقط، ولكن لنفعل شيئا ما.

بقلم: خليل البخاري

أستاذ مادة التاريخ 

Related posts

Top