مرة أخرى بودريقة

يكفي لأي مستعمل لمحرك البحث الشهير “غوغل”، أن يكتب اسم محمد بودريقة وبجانبه فعل “هاجم”، لتنزل عليك شلالات الأخبار وعشرات القصاصات، والعديد من الفيديوهات التي توثق قيام الرئيس السابق لفريق الرجاء البيضاوي، بهجومات متعددة ومختلفة، وفي كل مناسبة، تمس أشخاص ومؤسسات رياضية، وامتدت الأمور إلى هيئات سياسية.

بودريقة الشاب الذي فاجأ الوسط الرياضي سنة 2011 بإعلانه الرغبة في تحمل مسؤولية الرجاء، تطور كثيرا عما كان عليه،  ففي أول لقاء له مع الصحافة بإحدى فنادق الدار البيضاء، ظهر مرتبكا غير قادر على الشرح والإقناع.

فبنصيحة من محيطه، عقد لقاء إعلاميا حاملا معه مشروع لتطوير الرجاء، دونه بكتاب اختار له اسم “الكتاب الأخضر”، على هدي معمر القذافي “الزعيم” الذي قاد دولة غنية كليبيا إلى الهاوية والإفلاس.

تحول هذا اللقاء الإعلامي الذي رتب له بعض الصحفيين المعروفين، إلى حملة انتخابية، لكن “عريس الليلة” لم يقو على الكلام، وأغلب أسئلة واستفسارات الصحافة، كان يجيب عنها بجملة واحدة: “من فضلكم طالعوا الكتاب الأخضر”.

  ورغم الهالة التي أحيطت  بالشاب بودريقة، إلا أنه خسر سباق الرئاسة أمام عبد السلام حنات، وكل متتبع لمجريات الأحداث كان على يقين، بأنها مسألة وقت فقط، فالخسارة منحته المزيد من الوقت لتهيئة الأسباب التي ستقوده سنة بعد ذلك لمنصب المسؤولية.

فقبل نهاية الموسم، أعد العدة ورتب كل التفاصيل استعدادا  للموسم الموالي، رغم أنه كان بعيدا بشهور عن منصب المسؤولية، اتفق مع المدرب امحمد فاخر بالبقاء على رأس الطاقم التقني،  أعد تشكيلة من اللاعبين الجاهزين، من المغرب وخارجه، هيأ حملات دعائية مدفوعة الأجر ومقالات إشهارية، ببعض وسائل الإعلام الموالية تبشر بالقادم الجديد.

بعد فشل حنات في الفوز بلقب البطولة، لأسباب خفية، حكى عنها بعض ممن عاشوا مرارة التجربة، تهيأت كل الظروف لينجح هذه المرة بودريقة في تحمل المسؤولية، ورافقه في ذلك الراحل رشيد البوصيري الذي تحول إلى عراب وصاحب المهمات الصعبة، والمنتج لأفكار لا تخطر على بال الأغلبية الساحقة ممن ارتبطوا بالتسيير في السنوات الأخيرة.

  بسرعة تحول بودريقة إلى ظاهرة صوتية بامتياز، ولم يعد ذاك الشاب الخجول، بل امتلك نوعا من الجرأة والجسارة، غير مسبوقة في تاريخ الرجاء بكل مرجعياته، نجح في جلب عينة خاصة من الجمهور والمناصرين، وأساسا من فئة سنية معينة، حولهم إلى جيش وذباب إلكتروني، يصفي بهم حساباته ويهاجم بهم خصومه، ويروح عن طريقهم أفكاره، ويصرف بهم تصوراته.

    قاد الرجاء إلى الفوز بالدوري، ومن تم المشاركة الإيجابية بمونديال الأندية، لكن قاد أيضا النادي الأخضر إلى إفلاس واضح وانهيار حقيقي، لازال يعاني من تبعاته المدمرة إلى يومنا هذا.

عقد صفقات، جلب لاعبين، تعاقد مع مدربين، أبرم اتفاقات دون أن يقدر عواقب أعماله وتهوره، وبعد أن أوصل إلى الباب المسدود استقال، متنصلا  من كل المسؤوليات، تاركا النادي يتخبط في مشاكل، وديون لها حصر لها، كما استقال من منصب نائب الرئيس داخل المكتب الجامعي لكرة القدم، ليتفرغ كليا إلى ممارسة هوايته المفضلة في إثارة الزوابع والنعرات والصراعات الشخصية.

وعوض أن يطلب الاعتذار عن كل الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها في حق الرجاء، طبق خطة أحسن وسيلة للدفاع هي الهجوم، فهو لا يتردد لحظة واحدة في شن هجومات في كل الجبهات، والانتقام والتجييش، مارس الشعبوية بكل تجلياتها، ولازال مستمرا في أساليبه، ولعل آخرها التسريب الصوتي الذي هاجم فيه المسيرين الحاليين للرجاء، وشتم الرئيس الحالي للوداد، وحاول توريط رئيس الجامعة.

  إنه سلوك غير سوي وغير متزن تماما، يصدر عن شخص يطمح يا حسرة لتسيير الشأن العام، كغيره من الكائنات الانتخابية التي لا ترى في مواسمها إلا وسيلة للوصول إلى تحقيق أهداف خاصة، والوسيلة الوحيدة للوصول إلى الأهداف وإقناع الناخبين، وكسب الأصوات، هي “الشكارة” ولا شيء غيرها.

إنه محمد بودريقة، نموذج للمسيرين والسياسيين الذي أنتجهم مجتمع يصدم في كل يوم بمظاهر غارقة في التخلف، على غرار الشبان الذين تعمدوا، عنوة، وفي عز الحجر الصحي الاستحمام بالشارع العام، دون استحضار الخطر الذي يترتب عنه سلوكهم  المرفوض أخلاقيا وقانونيا، وحتى سياسيا.

محمد الروحلي

الوسوم , ,

Related posts

Top