بسبب فيروس كورونا.. احتفال افتراضي بيوم الأرض العالمي

كلما حل الأسبوع الأول من شهر أبريل وطيلة سنوات الدراسة بالعاصمة مونتريال بكندا، كنا نعيش أجواء احتفالية كسائر الآلاف من الطلاب الشباب من جميع أنحاء إقليم كيبيك، تخليدا ليوم الأرض العالمي.. تظاهرات شبابية مليونية تجوب وبطرق احتفالية الشوارع والمنتزهات الطبيعية والحدائق الكبرى بالعاصمة الاقتصادية، وعلى مدار أيام الأسبوع الأخضر كانت تنظم مؤتمرات وندوات طلابية وورشات عمل للأندية البيئية في كل من المدارس العليا والجامعات.
قبل ثمان سنوات من الآن، وبالضبط يوم الأحد 22 أبريل الذي كان يوما تاريخيا بكل المقاييس، واستجابة للدعوة إلى التطوع والمشاركة في يوم الأرض العالمي في نسخته الثانية والأربعين في مونتريال الكندية، لبينا النداء كعشرات المتطوعين رفقة مئات الآلاف من المشاركين. مجموعة من القضايا البيئية الكبرى كبروتوكول كيوتو، غاز الشيست، الرمال النفطية، حماية النظم البيئية كانت كافية خلال تلك اللحظة التاريخية لتشجيع الشباب بصفة عامة والطلاب بصفة خاصة للمشاركة في تشكيل شجرة بشرية كبيرة بالفضاء الأخضر جان مانس جنوب مونتريال.
بعد ثماني سنوات وبشكل استثنائي، عطل انتشار الفيروس التاجي كورونا هذه السنة التخطيط للذكرى السنوية الخمسين في العاصمة مونتريال لإقليم كيبيك بكندا، والتي كان من المقرر إجراؤها في شهر أبريل الحالي، عبر عقد العديد من الأنشطة التوعوية والتحسيسية والمسيرات الطلابية ومسيرة الشباب من أجل المناخ، ولكن على الرغم من كل شيء، سيتعين على يوم الأرض العالمي أيضا استكشاف طرق أخرى للاحتفال، دون تجاهل الدعوة للعمل البيئي، عبر تصور سيناريوهات أخرى.

صيغ احتفالية في ظل الحجر الصحي

“نحن نبحث عن صيغة لن تكون فقط عبر الإنترنت، من ناحية أخرى، من المؤكد أن تغيير العادات من المنزل، في الحجر الصحي، سيكون في قلب تدخلنا”، يوضح مدير عام اليوم العالمي للأرض بيير لوسير لميترو.
ويؤكد لوسير لميترو أن مجموعته ترغب في المشاركة الكاملة في التفكير المحيط بـفيروس كورونا من المنظور البيئي: “نريد الخروج من هذه الأزمة بخلاف الطريقة التي دخلنا بها، ونأمل أن يكون ضوء 22 أبريل قليلا في نهاية النفق، نريد أن نكون هذا الزخم للذهاب نحو النور”.
توجه فريق لوسير إلى عامة الناس يوم الاثنين الماضي على مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة لتجميع “أفكار الاحتفال يوم الأرض العالمي في المنزل”، حيث سيكون الهدف هو “تحويل لحظة التباطؤ هذه” إلى فرصة “للاحتفال بكوكبنا بطريقة مختلفة” و”سيكون حدثا مختلفا عما شهدناه في الماضي، نحن لا ننظر فقط إلى خطة، لدينا عدة سيناريوهات.” يضيف بيير لوسير .
وسيتم عبر هذا الاحتفال الافتراضي تسليط الضوء على سلسلة من الإجراءات الملموسة التي يمكن للمواطنين المشاركة فيها في الجماعات والإدارات العمومية والمكاتب والشركات الخاصة على الانترنيت. ويضيف لوسير الذي يعتبر أحد المناضلين المعروفين من أجل حماية البيئة منذ أكثر من 30 عامًا: “نريد أن نشجع الناس على الالتزام بخطوات يمكنهم تنفيذها في نهاية المطاف، عندما تكون أزمة كورونا قد أصبحت وراءنا”.
وكان التحالف الطلابي من أجل التغيير البيئي والاجتماعي قد أعلن الأسبوع الماضي عن إلغاء مظاهرة من أجل المناخ، كان من المقرر عقدها في 3 أبريل في مونتريال، بعدما كان آلاف الأشخاص ومعظمهم من الطالبات، قد صوتوا بالفعل على أوامر الإضراب للمشاركة في المسيرة، بتنظيم مشترك بين منظمتي “غرينبيس” و”بلانيت”.
وتبقى الصحة العامة على رأس أولويات الاحتفال بيوم الأرض العالمي الافتراضي، لهذا سوف ينقل التحالف أنشطته الاحتفالية عبر الأنترنت، وسيكون الإضراب المناخي عبر الإنترنت متاحا للجميع، وسيكون تعاملنا مع الأزمة الصحية الحالية بنفس درجة خطورة أزمة المناخ، مع التركيز على أن الإنصات إلى العلماء أمر ضروري في كلتا الحالتين.

قصة يوم الأرض

ولد يوم الأرض العالمي، الذي يحتفل به اليوم مئات الملايين من الناس حول العالم، في الولايات المتحدة الأمريكية في وقت كانت فيه الاحتجاجات الاجتماعية تقوم على قدم وساق بتعزيز الوعي البيئي.
وفي أوائل عام 1969، حدث تدفق ما يعادل 100 ألف برميل من النفط المتسخ بالسواحل المقابلة لسانتا باربارا بكاليفورنيا، مما تسبب في أضرار بيئية خطيرة دمرت الحياة البحرية للمنطقة، حيث تمت تغطية هذا الحدث على نطاق واسع من طرف الإعلام العالمي، الشيء الذي خلف صدمة كبيرة لدى الأمريكيين.
في نهاية عام 1969، كان لدى السناتور نيلسون وطالب القانون في جامعة هارفارد، دينيس هايز، فكرة تنظيم يوم للاحتفال بالطبيعة والأرض، وانضم إليهما الممثل الجمهوري التقدمي بيت ماكلوسكي.
وتم الاحتفال في 22 أبريل 1970 بـ”يوم الأرض العالمي” الأول في الولايات المتحدة. ووفقا للمنظمين، شارك حوالي 20 مليون أمريكي في الحدث بطريقة أو بأخرى، سواء من خلال النزول إلى الشوارع أو تنظيم ورشات عمل أو حضور المؤتمرات والملتقيات العلمية.
في نيويورك، على سبيل المثال، تظاهر الآلاف من الطلاب في الشوارع الرئيسية مربكين بذلك حركة السير، حيث تجمع أنصار البيئة، في ساحة الاتحاد مع تصميم نحت ضخم من المتلاشيات، وفي فيلادلفيا وواشنطن وبوسطن، تم تنظيم تجمعات طلابية كبيرة.
هذا الحدث كانت له تداعيات سياسية، حيث أنشأت إدارة نيكسون في نفس العام وكالة حماية البيئة الأمريكية، بعد العديد من الطلبات لتشكيل مثل هذه المنظمة، كما تبنى المسؤولون المنتخبون قوانين في السنوات الموالية لحماية الهواء والماء والأنواع المهددة بالانقراض، وقامت دول مثل كندا بتنفيذ تدابير مماثلة.
بعد خمسين عاما، لا يزال يوم الأرض العالمي ظاهرة أمريكية كندية بشكل أساسي، على الرغم من أن المشكلات البيئية مثل الأمطار الحمضية أو تدمير طبقة الأوزون أو كارثة تشيرنوبيل النووية قد تسببت خلال الثمانينيات في صحوة جديدة للوعي البيئي.
ففي عام 1990 أصبح يوم الأرض حدثا عالميا بعد جهود التعبئة التي قام بها دينيس هايز، حيث تمت تعبئة حوالي 200 مليون شخص في 141 دولة بما في ذلك كندا.
في أعقاب هذه الحركة عقدت قمة الأرض في عام 1992 في ريو دي جانيرو بالبرازيل، مع تزايد إدراك فئات هامة من السكان لهشاشة الكوكب ولأهمية إعادة تدوير السلع الاستهلاكية وإعادة استخدامها.
في عام 1995 تم الاحتفال بيوم الأرض العالمي لأول مرة في العاصمة مونتريال كيبيك كندا، بتنظيم مجموعة من الأنشطة لزيادة الوعي بالقضايا البيئية.
سنة 2000 كانت سنة التحديات المرتبطة بالطاقات النظيفة والاحترار العالمي وأسلوب الحياة غير المستدام في المجتمعات الصناعية جذبت الانتباه خلال أيام الأرض، كما يسهل وصول الإنترنت نشر المعلومات والتعبئة.
وفي سنة 2009، اعترفت الأمم المتحدة بيوم 22 أبريل “بيوم الأرض العالمي”، وهكذا أصبح يوم الأرض أهم حدث بيئي تشاركي على وجه الأرض، حيث حشدت هذه السنة إصدارات يوم الأرض حوالي مليار شخص في 192 دولة، وفقا للمنظمين الذين يعملون مع شبكة يوم الأرض، والتي تشرف على الأنشطة في جميع أنحاء العالم، بتعاون مع 50 ألف منظمة ومؤسسة شريكة لهذا الحدث.
في عام 2012، ووفقا للمنظمين دائما، شارك ما يقرب من 250 ألف شخص في المسيرة من أجل البيئة في وسط مدينة مونتريال الكندية، والتي تزامنت مع إضراب الطلاب، ومع ذلك، كما أشارت وسائل الإعلام، يعترض البعض على التداعيات الحقيقية للحدث العالمي.

تعبئة كبيرة وتأجيل محتوم

وكيفما كان الحال يرى البعض أن “يوم الأرض العالمي” يختزل أهمية القضايا البيئية، بينما يحتوي التقويم على “أيام” عديدة مخصصة لموضوع أو لآخر، وبالنسبة للبعض الآخر فإن هذا الحدث العالمي يساعد على زيادة الوعي الكوني بأهمية المحافظة على كوكب الأرض بخطوات صغيرة في المنزل وفي المجتمع.
في الشهر الماضي تظاهر الآلاف من الشباب من جميع أنحاء كيبيك أمام الجمعية الوطنية لدعوة المسؤولين الإقليميين والمنتخبين للاستثمار في البيئة ومكافحة تغير المناخ.
وقالت لورا بيرغامو، المتحدثة باسم المجموعة التي نظمت التجمع “نريد من صناع القرار لدينا اتخاذ إجراءات ملموسة وفوق كل شيء، ليصبحوا على دراية بحالة الطوارئ المناخية”.
ويتكون التحالف من بضع عشرات من المنظمات البيئية في مقدمتها “غرينبيس كيبيك” و”حركة شباب من أجل المناخ” و”شباب البيئة” و”كبييك للطبيعة” والنقابات الوطنية، وتم تأسيس التحالف في مطلع عام 2019، استعدادا ليوم الأرض العالمي.
تحدث خلال المظاهرة حوالي 13 شابا ملتزما “من جميع أنحاء كيبيك” “لتوصيل رسالتهم وصياغة أولوياتهم ومطالبهم”، إلى حكومة الائتلاف التذكاري في كيبيك، وقال المتحدث “الفكرة هي إعطاء كل هؤلاء الشباب من جميع أنحاء المحافظة الفرصة للتعبير عن أنفسهم”.
تم إنشاء نظام مكوكي من مدن ساغوناي ومونتريال وشيربروك وتروا ريفيير وغاتينو للسماح للطلاب والمواطنين الشباب بحضور المظاهرة في العاصمة الوطنية مونتريال، وقالت “سيتم تعويض جميع الانبعاثات الناتجة عن الحافلات عن طريق زراعة الأشجار”.
في وثيقة تم نشرها للترويج لهذا الحدث، أصر أليكس رولمان، أحد المشاركين في المظاهرة، على أنه “إذا لم نعبئ الجميع بسرعة، فإننا سنكون جميعا قد أخطأنا”. ويضيف: “علينا أن نحشد، هنا والآن، وإلا فإننا سنصمت إلى الأبد وأن نقبل بمعرفة كاملة بحقيقة أن الفوضى ستطلق العنان، مما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة مرارًا وتكرارًا”.
بالموازاة مع ذلك كانت قد دعت ما يقرب من 400 منظمة مجتمعية في كيبيك أعضاءها للتعبئة من أجل المناخ خلال المظاهرات التي جرت في مونتريال وشيربروك وفي جميع أنحاء المقاطعة يوم 27 ابريل 2019
في مونتريال، زرعت وزيرة الصحة دانييل ماكان شجرة خارج مستشفى سانت ماري، مؤكدة على أن المساحات الخضراء كان لها أيضًا تأثير على صحة الناس، من خلال الحد من التوتر والقلق، مما شجع المواطنين على اتخاذ إجراءات لمكافحة تغير المناخ بشكل أفضل.
السنة الفارطة كان قد تم التخطيط لحوالي 350 نشاطا متنوعا عبر ربوع اقليم كيبيك، وهذه السنة سيقتصر الاحتفال على المجال الافتراضي بسبب دخول نصف ساكنة كوكب الارض في الحجر الصحي بعد اجتياح فيروس كورونا لأكثر من 180 دولة عبر العالم.
وتوالى تأجيل الأحداث المناخية والبيئية الحاسمة بسبب فيروس كورونا، بعدما كان من المفترض أن يكون عام 2020 عاما محوريا للمناخ والتنوع البيولوجي، فتم تأجيل مؤتمر الأطراف للتنوع البيولوجي في نسخته الخامسة عشرة، والذي كان من المقرر أن يجمع البلدان من جميع أنحاء العالم لتبني إطار عالمي جديد.
تم تأجيل قمة الأطراف للتنوع البيولوجي COP15، الذي كان من المقرر عقده في كونمينغ الصينية من 15 إلى 29 أكتوبر 2020، إلى تاريخ لاحق، لم يتم تحديده بعد، بعدما كانت قد أعلنت اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي في 23 مارس الماضي في بيان صحفي أن التواريخ يجب “تعديلها”، وأن البدائل هي قيد المناقشة حاليًا بين مختلف الحكومات.
فقد تم انتظار قمة التنوع البيولوجي هذه بفارغ الصبر لأنها كانت تهدف إلى إنشاء إطار عالمي جديد لحماية النظم البيئية، لكن جائحة الفيروس التاجي، الذي تصاعد منذ عدة أشهر حتى الآن، أدى إلى تأجيل اجتماعين تحضيريين سيعقدان أخيرًا في غشت وشتنبر المقبلين، مع تغيير الجدول الزمني الأولي.
كما تم تأجيل الاجتماع الثالث لمجموعة العمل لصياغة الإطار العالمي للتنوع البيولوجي لما بعد 2020، بعد أن كان مقررا في الأصل في أواخر يوليوز 2020، حتى الخريف، ومع ذلك، وفقا لبازيل فان هافر، أحد رؤساء مجموعة العمل هذه، “يجب أن يكون هناك تسعة أسابيع على الأقل بين كل مرحلة من مراحل التحضير لمؤتمر الأطراف”، كل هذا يشير إلى أن مؤتمر الأطراف للتنوع البيولوجي في نسخته الخامسة عشرة لن يعقد بالتأكيد حتى عام 2021.
وتم تأجيل المؤتمر العالمي لحفظ الطبيعة، الذي كان من المقرر عقده في شهر يونيو المقبل في مرسيليا الفرنسية لإطلاق التعبئة قبل الدورة الخامسة عشرة لمؤتمر الأطراف للتنوع البيولوجي، كما ألغي عقد الجلسة الختامية لاتفاقية المناخ للمواطنين، والتي كان من المقرر عقدها الأسبوع الماضي بسبب إجراءات الاحتواء لفيروس كورونا.
وأخيرا، تم تأجيل مؤتمر الأمم المتحدة (COP 26) لتغير المناخ الذي كان من المنتظر أن يعقد في غلاسكو في نونبر المقبل، بسبب كورونا أيضا. وقد اتخذ هذا القرار مكتب مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ مع المملكة المتحدة وشركائها الإيطاليين، حيث سيتم تحديد مواعيد المؤتمر الذي تمت إعادة جدولته لعام 2021، والذي التزمت باستضافته المملكة المتحدة في غلاسكو بالشراكة مع إيطاليا. وبعد إجراء مزيد من المناقشات مع الأطراف ونظرا للتأثيرات الحالية لـفيروس كورونا في جميع أنحاء العالم، لم يعد من الممكن عقد (COP 26) طموح وشامل في نونبر 2020.
إن إعادة برمجة الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف ستسمح لجميع الأطراف بأن تكون مكرسة بالكامل للقضايا التي ستتم مناقشتها في هذا المؤتمر الحيوي ولديها المزيد من الوقت للتحضير اللازم، كما قال ألوك شارما، الرئيس المنتخب لـقمة المناخ ووزير الدولة للمشروعات والطاقة والاستراتيجية الصناعية: “يواجه العالم حاليا تحديا عالميا غير مسبوق، وتركز الدول حقا في جهودها لإنقاذ الأرواح ومكافحة الفيروس، لهذا السبب قررنا إعادة جدولة قمة المناخ”.
“سنواصل العمل بلا كلل مع شركائنا لتحقيق الطموح الضروري لمحاربة أزمة المناخ وأتطلع إلى الموافقة على موعد جديد للمؤتمر”، قالت باتريشيا إسبينوزا، الأمينة التنفيذية للأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ: “إن فيروس كورونا هو التهديد الأكثر إلحاحا الذي يواجه البشرية اليوم، ولكن لا يمكننا أن ننسى أن تغير المناخ هو أكبر تهديد يواجه البشرية على المدى الطويل”، و”ستبدأ الاقتصادات في التعافي قريبا، وستكون فرصة للدول للتعافي بشكل أفضل، وإدراج الأكثر ضعفا في هذه الخطط وتشكيل اقتصاد القرن الحادي والعشرين بطريقة نظيفة وخضراء وصحية وعادلة وآمنة وأكثر مرونة”. وأضافت “في غضون ذلك، سنواصل دعم البلدان وحثها على تعزيز طموحاتها المناخية بشكل كبير، وفقا لاتفاقية باريس”.
وزير البيئة وحماية الأراضي والبحر الإيطالي، سيرجيو كوستا، يضيف أنه “على الرغم من أننا قررنا تأجيل الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف، بما في ذلك ما قبل مؤتمر الأطراف ومؤتمر المناخ للشباب، فإننا لا نزال ملتزمين تماما بمواجهة تحدي تغير المناخ”.
وقالت رئيسة وزراء الشيلي كارولين شميت رئيسة قمة المناخ في نسختها الخامسة والعشرين: “إن قرار المكتب بتأجيل الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف هو للأسف إجراء ضروري لحماية جميع المندوبين والمراقبين، نحن مصممون على ضمان استمرار ديناميكيات الطموح المناخي، وخاصة لإعداد وتقديم المساهمات الجديدة المحددة وطنيا هذا العام”.

نعمة في نقمة؟

تفشي فيروس كورونا أربك جميع المواعيد الكونية التي تهم حماية الطبيعة، التنوع البيولوجي، اتفاقية “رامسار” وتغير المناخ، وفي مقابل ذلك ساهم هذا الفيروس التاجي بشكل كبير في الحد من تلوث كوكب الارض بصفة عامة وفي إيطاليا بصفة خاصة.
فرغم التطبيق الصارم لتدابير إدارة أزمات الوباء العالمي فإن تفشي “فيروس كورونا المستجد” يزداد يوما بعد يوم، ليتجاوز عدد الوفيات 12 ألف شخص في إيطاليا لوحدها وأكثر 40 ألف شخص عبر العالم.
وفي مقابل ذلك تحمل هذه الضربة الاقتصادية في طياتها طابعا إيجابيا لأنها تسببت في تناقص النشاط الصناعي عبر العالم مما أسفر عن الحد من تلوث الغلاف الجوي وإنقاذ المزيد من الأرواح التي تموت بسبب غازات ثاني أوكسيد الكربون وغاز ثنائي النتروجين.
خبير الموارد البيئية بجامعة ستانفورد “مارشال بورك” نشر تقريرا على المدونة العالمية للأغذية والبيئة وديناميكيات الاقتصاد كان قد أجرى فيه بعض الحسابات حول معدل الانخفاض الأخير في تلوث الهواء على أجزاء من الصين، مقدرا عدد الأرواح التي نجت في الصين نتيجة لانخفاض تلوث الغلاف الجوي في أربعة آلاف طفل دون سن الخامسة وثلاثة وسبعين ألف شخص بالغ فوق سن الـسبعين.
يتجاوز هذا العدد أكبر بكثير من عدد الوفيات العالمي الحالي من الفيروس التاجي بالصين التي تعدت 3300 حالة وفاة، وبهذا خلص بورك إلى أن هذا الانخفاض في معدل تلوث الهواء سينقذ حياة أشخاص بمقدار يعادل 20 ضعفا من عدد الوفيات نتيجة فيروس كورونا بالصين.
تقرير بورك أحال العلماء الى إشكالية مهمة جدا تتعلق بعدد الأرواح التي نجت من هذا الانخفاض في التلوث الناجم عن الاضطراب الاقتصادي من فيروس كورونا، وهل هو يتجاوز عدد الوفيات من الفيروس نفسه، وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار الكم الهائل من الأدلة على أن تنفس الهواء الملوث يسهم بشكل كبير في الوفيات المبكرة.
ويقدر بعض الباحثين أن كلا من عدد الوفيات والخسارة المتوقعة في العمر نتيجة تلوث الهواء تنافس تأثير تدخين التبغ، كما أنها أعلى بكثير من أسباب الوفاة الأخرى، حيث يتجاوز تلوث الهواء الملاريا كسبب عالمي للوفاة المبكرة بـ19 ضعفا، والعنف بـ16 ضعفا، وفيروس نقص المناعة المكتسبة “السيدا” بـ9 أضعاف، والكحول بــ45 ضعفا، وتعاطي المخدرات بـ60 ضعفا.
مع بلوغ ثاني أكبر عدد من الإصابات بفيروس كورونا في إيطاليا، حيث فاقت111ألف حالة إصابة بالفيروس التاجي الى حدود كتابة هذا المقال، وهو البلد الذي يضع تدابير الحجر الصحي الصارمة، أظهرت بيانات الأقمار الصناعية في شمال إيطاليا الآن انخفاضا كبيرا في تلوث الهواء، على وجه التحديد ثاني أكسيد النتروجين، وهو غاز ينبعث بشكل رئيسي من السيارات والشاحنات ومحطات الطاقة وبعض المنشآت الصناعية. حيث أظهرت الصور التي التقطها القمر الصناعي انخفاضا كبيرا في ثاني أكسيد النتروجين.
في إيطاليا كان للإجراءات الاحترازية المتخذة ضد فيروس كورونا تأثير إيجابي على مياه البندقية وعلى قنواتها الشهيرة، فقد استعادت هذه المياه بالفعل وضوحها السابق، وعادت الأسماك لمكانها الأصلي كما شوهدت في بعض المناطق من هذه المدينة التاريخية.
أكيد أن مناخ العالم سيتغير بعد مرور جائحة كورونا، ولا أحد يمكن له أم يجزم كيف ستكون طبيعة وهواء ومياه كوكب الأرض مستقبلا، خصوصا مع الاحتفال افتراضيا هذه السنة وبصفة استثنائية بيوم الارض العالمي ومباشرة من منازلنا، عبر التعبئة الوطنية والدولية بالجلوس في المنازل لحماية الوطن والمواطنين، وعبر احترام السياسة الاحترازية لاحتواء فيروس كورونا، ولن ننسى أن التنين الصين قد استرجعت صناعته عافيتها وربما سيعوض ما فاته من انبعاثات الغازات الدفيئة عبر التسريع في عملية التصنيع.
وفي الأخير فمن المرجح أن القرارات التي سيتخذها الناس والحكومات في الأسابيع المقبلة ستشكل عالمنا للسنوات القادمة، بحيث لن تؤثر فقط على أنظمتنا الصحية، ولكن أيضا على اقتصادنا وسياستنا وثقافتنا. يجب أن نتصرف بسرعة وحزم. ولكن يجب علينا أيضًا أن نأخذ بعين الاعتبار العواقب طويلة المدى لأفعالنا في مواجهة الحاجة إلى اختيار الحلول، يجب أن نسأل أنفسنا ليس فقط كيفية التغلب على التهديد المباشر، ولكن أيضًا كيف سيكون العالم الذي سنعيش فيه بعد مرور هذه العاصفة، لأنه ستبقى البشرية على قيد الحياة، وسيظل معظمنا على قيد الحياة ولكننا سنجد أنفسنا في عالم مختلف.
ماذا سيحدث عندما سيعمل الجميع من المنزل وسيتواصلون عن بُعد فقط؟ ماذا سيحدث عندما ستنتقل المدارس والجامعات بالكامل عبر الإنترنت؟ ماذا سيحدث لو أصبحت مؤتمرات قمة الأطراف للمناخ تعقد عن بعد كمثيلتها قمة مجموعة العشرين التي عقدت عبر الفيديو الخميس الماضي، وأقرت بضخ خمسة تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي لمواجهة آثار تفشي جائحة كورونا “كوفيد-19″، وبتقديم الدعم للدول النامية لمحاربة الوباء، حيث أكد زعماء أكبر اقتصادات العالم أنهم سيشكلون جبهة موحدة لمحاربة تداعيات هذه الجائحة العالمية.
ماذا لو تم تشكيل جبهة موحدة لمحاربة تداعيات تلوث الغلاف الجوي تم اتخاذ قرارات حقيقية وملموسة وعن بعد لتفعيل بروتوكول باريس للمناخ، خصوصا وأن معظم تنقلات المندوبين المشاركين في قمة المناخ تكلف كوكب الأرض الملايين من الأطنان من غاز ثاني أوكسيد الكربون. هذا بالإضافة إلى أن ظروف الحجر الصحي التي فرضها فيروس كورونا قد أعادت لكوكب الأرض زرقته وصفاءه ونقاءه الأصلي.
الاحتفال الافتراضي بالذكرى الذهبية ليوم الأرض العالمي عبر الأنترنيت قد يحيل النضال البيئي الفعلي إلى نضال بيئي افتراضي وقد يغرق العالم بحشود من أشباه الخبراء وأنصاف العلماء، وهذه التجربة الأولى من نوعها والتي سنخوضها كخبراء في المجال وفي زمن كورونا لن نقر بنجاعتها إلا بعد هدوء العاصفة.

محمد بن عبو

Related posts

Top