محددات معدلات الفائدة

يمكن تعريف معدل الفائدة بأنه بمثابة تكلفة استعمال الرأسمال. حينما يتم اقتراضه، وهو ما يحدث في غالب الأحيان. معدل الفائدة يساوي ما نؤديه للجهة المقرضة، بينما في حالة العكس هو ما نخسره نتيجة عدم إقراضه: وهو ما يعبر عنه علماء الاقتصاد بتكلفة الإحلال “أو تكلفة الفرصة الضائعة”، والناتجة عن تخلي استعمال الرأسمال لغرض معين.
وهناك متغيران اثنان يحددان معدل الفائدة: مستوى الطلب “استثمار واستهلاك”، ومعدل التضخم.
وعليه، لا يمكن لمعدل الفائدة أن ينخفض عن معدل التضخم، وإلا سيفضي ذلك إلى تثبيط المدخرين وبالتالي عرض النقود، كما أن الاستثمار لا يمكن إنجازه إلا إذا كان معدل المردودية المنتظرة يفوق معدل الفائدة، حتى لا يحد من الطلب وبالتالي من النمو.
ويبدو من الناحية النظرية، ومنها فقط، أن سوق الرساميل لا يختلف كثيرا عن باقي الأسواق، كسوق السلع والخدمات وسوق العمل: فالأول يؤدي إلى تحديد سعر الفائدة “تكلفة الرأسمال”، والثاني إلى السعر “أو الثمن”، بينما يؤدي الأخير إلى الأجرة “كلفة العمل”.
وقد انتعشت هذه المقولات في ظل تطور الرأسمالية والإنتاج السلعي، حيث تطورت بلترة الساكنة، وانتشرت الأبناك، وعممت السلع.
وتجد هذه الظواهر تفسيرها في تطور المجتمعات وتحولها المستمر، وهي ظواهر موضوعية ومحددة تاريخيا وينبغي تحليلها كما هي، فكل مجتمع، حسب مستوى تطوره، يعمل على خلق قواعد سيره وتسييره.
وعلى هذا المستوى، من العبث، العمل على مقاربة الواقع الحالي بمقولات تعود إلى سجلات تاريخية أكل عليها الدهر وشرب، كما يقوم بذلك البعض عند “تحليله” لمسألة معدل الفائدة، دون أن يميزه عن الربا.
فمن المعلوم أن النقود كانت موجودة دائما، واتخذت أشكالا مختلفة؛ نقود سلعة، ثم نقود معدنية “ذهب أو فضة”، ثم النقود الورقية والكتابية المستعملة اليوم، والنقود الإلكترونية التي شرع في استعمالها لتصير مرشحة لأن تكون نقود الغد.
وقبل ظهور الأبناك كوسائل وسائطية تقوم بتعبئة الادخار وتوزيع القروض، كانت العمليات النقدية موجودة ويتعامل بها الأفراد في ما بينهم، حيث يقوم الذين يتوفرون على فائض “ثروة” بتقديم القروض إلى من هم في حاجة إليها، ولكن لم تكن هناك معدلات فائدة مقننة. وفي غالب الأحيان كانت تطبق المعدلات الربوية التي تتجاوز كل التوقعات المنطقية؛ أكثر من 100% في بعض الحالات!
ولهذا السبب، حرمت جميع الأديان معدلات الفائدة، إذ لم يكن هناك حينها فرق ولا تمييز بين معدلات الفائدة المتعارف عليه في وقتنا الراهن، والمبين أعلاه، وبين المعدل الربوي.
وللإشارة فإن الممارسة الربوية لا تزال قائمة حتى يومنا هذا في المغرب، في حالات جد محدودة، إذ أن الأشخاص الذين يجدون أنفسهم في أمس الحاجة إلى المال ولا يتوفرون على الإمكانيات والشروط التي تؤهلهم للحصول على قروض بنكية، يلجؤون إلى الاقتراض عبر القنوات اللاشكلية والتقليدية مقابل أسعار فائدة خيالية في معظم الأحيان.
ومن حسن الحظ أن الأمور تغيرت، وتطورت الأبناك، بما في ذلك بالعالم القروي، بل وتعولمت، وأصبحت الساكنة التي تتوفر على حساب بنكي تقدر بنحو 70%، وذلك بفعل شبكة بنكية مكثفة وقريبة من الزبناء.
واعتبارا لكون النقود مكونا من مكونات ومقومات السيادة الوطنية، فقد سارع المغرب مباشرة بعد حصوله على الاستقلال إلى هيكلة القطاع البنكي، وأحدث “بنك المغرب” الذي صار يلعب دوره كاملا في ضبط القطاع، وكسب استقلاليته في مجالات السياسة النقدية والمراقبة البنكية واستقرار الأسعار، وتم وضع القطاع بصفة مستمرة في مستوى المعايير الدولية من حيث التشريع كما من حيث الممارسة الجاري بها العمل.
ولقد أعطت هذه الجهود ثمارها، حيث تم التحكم نسبيا في معدلات التضخم، ولم تعد معدلات الفائدة تحدد في رقمين، كما كان عليه الأمر في الماضي، فبحسب المعطيات الصادرة عن بنك المغرب، والتي تهم الربع الأخير من سنة 2019؛ بلغ متوسط معدلات الفائدة المدينة 4.91%، وتتوزع كما يلي:
بالنسبة للقروض الموجهة للأشخاص الذاتيين: 4.8% على السكن، و6.6% على الاستهلاك؛ أما بالنسبة للقروض الممنوحة للمقاولات فتبلغ 4.58% على التجهيز، و5.68% للمقاولات الصغيرة جدا أو المتوسطة و4.47% للمقاولات الكبرى؛ أما بخصوص الودائع لأجل سنة فإن سعر الفائدة الدائن يقدر بـ3%.
ورغم هذا الانخفاض في أسعار الفائدة، إلا أنه نعتبر بأن هناك ضرورة مــلحــّة لمواصلة هذا المجهود، بالنظر إلى مستوى التضخم الذي يظل دون 2%، وبالنظر أيضا إلى متطلبات تنمية البلاد.
وعلى سبيل المقارنة: في فرنسا لا يتعدى معدل الفائدة بالنسبة للقروض الممنوحة لقطاع العقار 1.2%، في حين تمنح القروض للطلبة بسعر فائدة منعدم 00%.
هكذا، فالقطاع البنكي المغربي مدعو، أكثر من أي وقت مضى، إلى التحول من وضعية احتكار قلة و”تنسيق” بين المؤسسات البنكية إلى وضعية تسود فيها المنافسة، وذلك من أجل أن يلعب هذا القطاع الحيوي دوره كاملا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا.

> بقلم: د. عبد السلام الصديقي

Related posts

Top