اتفاقيات التبادل الحر: الميزان التجاري للمغرب يزداد عجزا وتدهورا

أبرم المغرب سنوات بعد حصوله على الاستقلال مجموعة من اتفاقيات التبادل الحر، من أجل ربط علاقات اقتصادية وفتح أسواق دولية في وجه منتوجاته المحلية، وكان أول اتفاق وقع سنة 1996 مع دول الاتحاد الأوربي والذي تم تنفيذه خلال سنة 2000.
ومباشرة بعد هذا الاتفاق، أبرمت الرباط مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية الأخرى مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية (التوقيع: 2004- التنفيذ: 2006)، وتركيا (التوقيع: 2004- التنفيذ: 2006)، ومجموعة أكادير (التوقيع: 2004- التنفيذ: 2007)، ورابطة التجارة الحرة الأوروبية (التوقيع: 2000- التنفيذ: 2012)..
التوقيع على هذه الاتفاقيات لا يتم بشكل عشوائي بل تحكمه مصالح اقتصادية وسياسية أيضا، فهما وجهان لعملة واحدة، ومن تم فالمغرب يرى في هذه الاتفاقيات سياسة للانفتاح في مجال التجارة الخارجية وتنويع الشراكات بغية فتح الأسواق أمام صادرات المغرب، إلى جانب أنها خطوة لدعم الحوار السياسي في مختلف المواضيع الوطنية والولية.
بيد أنه عقب توقيع المغرب لكل هذه الاتفاقات، تم تسجيل مؤشرات سلبية في ميزانه التجاري الذي لا زال يعرف عجزا مستمرا دون إيجاد حل عملي لاحتواء الاختلال الذي يشهده، ويؤثر سلبا على اقتصاده الوطني.
ومؤخرا قال مولاي حفيظ العلمي وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي، إن الوزارة أنجزت دراسة خاصة، تمكنت من خلالها من التمييز بين اتفاقيات التبادل الحر الصغرى والاتفاقيات الكبرى التي تكتسي أهمية بالنسبة للمغرب، مشيرا إلى أن هناك “عجزا واضحا” على مستوى ثلاث اتفاقيات مع كل من أمريكا وأوروبا وتركيا.
وأوضح مولاي حفيظ العلمي خلال عرض له بالبرلمان، أن العجز مع أوروبا يتراوح ما بين 75 و78 مليار درهم سنويا، عازيا هذا العجز التجاري إلى استيراد المحروقات بأكثر من 20 مليار درهم، والسيارات بأكثر من 18 مليار درهم، فيما يصدر المغرب إلى أوربا 60 مليار درهم من السيارات.
وأضاف أن استثمار الاتحاد الأوروبي يمثل أزيد من 71 في المائة من حجم الاستثمارات الخارجية بالمغرب، كما أن الدعم الذي تقدمه الدول الأوروبية للمغرب بلغ 1.4 مليار يورو ما بين 2014 و2020 واصفا العلاقة التجارية بين المغرب وأوروبا بـ “المربحة”.
وفيما يتعلق باتفاقية التبادل الحر مع أمريكا، كشف الوزير عن أن العجز بلغ 20 مليار درهم، منها 15 مليار درهم مخصصة للمحروقات و3.5 مليار درهم لطائرات بوينغ.
وأضاف العلمي أن الاستثمارات الأمريكية في المغرب بلغت 6 في المائة من مجموع الاستثمارات الخارجية، فيما يصل الدعم الأمريكي الموجه إلى المغرب 1.2 مليار دولار.
والعجز الثالث يسجل مع تركيا والذي وصل إلى 18 مليار درهم على حد قوله، هذا في الوقت الذي لا يتعدى فيه الاستثمار التركي بالمغرب 1 في المائة، كما أن مساعداتها المالية للمغرب منعدمة، وهو ما عجل بمراجعة اتفاقية التبادل الحر معها، غير أن هذا الإجراء قسم الرأي العام المغربي إلى فسطاطين، تيار مدافع وآخر معارض للخطوة.
وتفاعلا مع هذا الموضوع، أعدت بيان اليوم ملفا مفصلا حول اتفاقيات التبادل التجاري للمغرب مع شركائه الاقتصاديين، مقدمة معطيات وأرقاما ومؤشرات رسمية لمكتب الصرف ووزارة الاقتصاد والمالية والحكومة، بالإضافة إلى تقديم تحليلات حول عجز الميزان التجاري للمغرب من قبل متخصصين في المجال، إلى جانب نقل آراء مختلفة للمغاربة في الموضوع.

****

عجز الميزان التجاري يتفاقم إلى 209 مليار درهم خلال 2019

عجز

كشف مكتب الصرف، أن عجز الميزان التجاري للمغرب انتقل من 206 مليار درهم برسم سنة 2018، إلى 208.99 مليار درهم بمتم نهاية 2019، حيث استورد المغرب ما معدله 491.01 مليار درهم، في الوقت الذي لم يصدر فيه إلا 282.02 مليار درهم.
وذكر المكتب الخاص بإحصاء المعاملات التجارية الخارجية للمغرب، أن صادرات هذا الأخير لم تغط وارداته إلا بنسبة 57.4 في المائة، مسجلا ارتفاعا ضعيفا بنسبة 0.2 في المائة، بعدما سجلت نسبة 57.2 في المائة خلال 2018 “حيث استورد المغرب 481.44 مليار درهم، وصدر 275.44 مليار درهم”.
وبحسب تقرير المكتب الصادر حديثا حول “مؤشرات المبادلات الخارجية خلال سنة 2019″، فإن واردات المغرب ارتفعت بـ 9.57 مليار درهم خلال سنة 2019 (بزيادة 2 في مائة)، في مقابل زيادة صادراته بـ 6.57 مليار درهم (نسبة زيادة بـ 2.4 في المائة)، وهو ما يترجم زيادة في عجز الميزان التجاري للمغرب بنسبة 1.5 في المائة، أي 2.99 مليار درهم.
صادرات

ويعزى ارتفاع صادرات المغرب، بحسب المصدر ذاته، إلى التطور الذي شهدته صادرات بعض القطاعات، من قبيل صناعة السيارات، التي انتقلت صادراتها إلى 77.13 مليار درهم خلال 2019، عوض 72.36 مليار درهم برسم 2018، وذلك بزيادة 6.6 في المائة، أي 4.76 مليار درهم.
والارتفاع ذاته، شهدته صادرات المغرب الفلاحية، حيث انتقلت إلى 60.84 مليار درهم خلال 2019، عوض 59.44 مليار درهم برسم 2018، بزيادة 4.1 في المائة، أي 2.40 مليار درهم.
كما انتقلت صادرات المغرب في مجال صناعة الطيران، من 14.74 مليار درهم خلال 2018، إلى 15.82 مليار درهم برسم 2019، بزيادة 7.3 في المائة، أي 1.07 مليار درهم. ومن جهة أخرى، عرفت صادرات المغرب من المواد الصيدلية أيضا، ارتفاعا إلى 1.27 مليار درهم خلال 2019، عوض 1.25 مليار درهم برسم 2018، بزيادة 1.5 في المائة، أي 19 مليون درهم.
بالإضافة إلى ذلك، عرفت باقي المواد التصديرية الأخرى، ارتفاعا من 25.25 مليار درهم برسم سنة 2018، إلى 28.10 مليار درهم خلال 2019، بنسبة زيادة بلغت 11.3 في المائة، أي 2.85 مليار درهم.
ومقابل هذا الارتفاع، شهدت صادرات المغرب في مجال الإلكترونيك تراجعا بقيمة 281 مليون درهم، حيث انتقلت من 8.94 مليار درهم خلال 2018، إلى 8.65 مليار درهم برسم 2019، وذلك بنسبة 3.1 في المائة.
والانخفاض عينه، شهدته صادرات المغرب من المواد المعدنية التي انتقلت من 4.53 مليار درهم خلال
2018، إلى 4.19 مليار درهم برسم 2019، حيث بلغت نسبة هذا الانخفاض 7.3 في المائة، أي 333 مليار درهم.
إلى جانب ذلك، سجل قطاع النسيج والجلد أيضا، تراجعا، حيث انتقل من 37.91 مليار درهم خلال 2018، إلى 37.03 مليار درهم برسم 2019، وذلك بنسبة 2.3 في المائة، أي 879 مليون درهم.
علاوة على ذلك، تراجعت صادرات المغرب من الفوسفاط ومشتقاته من 51.98 مليار درهم خلال 2018، إلى 48.94 مليار درهم برسم 2019، مسجلا بذلك تراجعا بنسبة 5.9 في المائة، أي 3.04 مليار درهم.
واردات

عرفت واردات المغرب من سلع المعدات (الطائرات، السيارات..) ارتفاعا بمعدل 5.5 في المائة، حيث انتقلت من 120.23 مليار درهم (2018)، إلى 126.88 مليار درهم (2019)، بنسبة 6.64 مليار درهم.
كما شهدت المواد النهائية للاستهلاك “قطع السيارات، البلاستيك..”، ارتفاعا من 108.49 مليار درهم “2018”، إلى 113.10 مليار درهم “2019”، بنسبة زيادة بلغت 4.3 في المائة، أي 4.61 مليار درهم.
الارتفاع ذاته، هم المواد نصف المصنعة، الذي ارتفع مؤشرها من 99.85 مليار درهم (2018)، إلى 104.35 مليار درهم (2019)، بنسبة زيادة وصلت 4.5 في المائة، بما يعادل 4.49 مليار درهم.
وفي الصدد ذاته، شهدت الواردات الغذائية للمغرب ارتفاعا بنسبة 4.4 في المائة، حيث انتقلت من 45.77 مليار درهم (2018)، إلى 47.80 مليار درهم (2019)، بزيادة وصلت 2.02 مليار درهم.
والملاحظ أيضا بحسب مؤشرات مكتب الصرف، أن واردات المغرب من ذهب التصنيع تفاقمت بنسبة 79.1 في المائة، حيث انتقلت من 177 مليار درهم (2018)، إلى 317 مليار درهم، بمعدل زيادة ناهز 140 مليار درهم.
ومقابل هذه الارتفاعات، شهدت واردات المغرب من الطاقة تراجعا بمعدل 7.2 في المائة، حيث تقلصت إلى 76.40 مليار درهم خلال سنة 2019، بعدما سجلت وارداته خلال سنة 2018 معدل 82.30 مليار درهم، أي هناك تراجع بحجم 5.89 مليار درهم.
ومن تم تراجعت واردات المغرب الطاقية من 15.6 في المائة إلى 17.1 في المائة، حيث انخفض حجم استيراد الطاقة بنسبة 3.3 في المائة، وبالأرقام تراجعت الواردات من 7.12 مليون طن، إلى 6.89 مليون طن.
كما تقلصت فاتورة المغرب من واردات المواد الخالصة “الكبريت، معدن الكوبالت..” بنسبة 10 في المائة، حيث تراجعت من 24.60 مليار درهم “2018”، إلى 22.14 مليار درهم “2019”، بمعدل 2.45 مليار درهم.
تحويلات واستثمار

وفي سياق متصل، عرفت تحويلات المغاربة المقيمين في الخارج انخفاضا بنسبة 0.1 في المائة، حيث تقلصت إلى 64.86 مليار درهم خلال سنة 2019، عوض 64.92 مليار درهم المسجلة في 2018.
من جهة أخرى، شهدت الاستثمارات الأجنبية الموجهة للمغرب خلال 2019 انخفاضا إلى 18.18 مليار درهم، عوض 34.16 مليار درهم، حيث تراجع حجم الاستثمارات بـ 46.8 في المائة، أي بـ 15.98 مليار درهم.
وفي الصدد ذاته، أفاد مكتب الصرف، أن حجم الاستثمار المغربي بالخارج، ارتفع إلى 10.91 مليار درهم برسم 2019، في الوقت الذي سجلت فيه خلال سنة 2018 معدل 8.05 مليار درهم، وذلك بنسبة زيادة بلغت 35.5 في المائة.

***

المحلل الاقتصادي المهدي الفقير: المغرب لم يطور من بنيته الصناعية 

قال المحلل الاقتصادي المهدي الفقير، إن عجز الميزان التجاري الذي يعرفه المغرب ناتج عن عدم التوازن بين صادراته ووارداته، مؤكدا أنه من المستحيل منع المستهلك من الإقبال على بعض السلع الأجنبية التي لا تصنع محليا، مقدما نموذج؛ التلفزيون الذي لا ينتج على المستوى الوطني.
وفي هذا الإطار، يرى أنه ليس بمقدور المغرب أن يفعل شيئا أمام الكم الكبير من واردات السلع الأجنبية، مرجعا ذلك إلى عدم تطويره لبنيته الصناعية الداخلية، وعلى هذا الأساس أوضح المهدي الفقير في تصريح لجريدة بيان اليوم، أنه من الطبيعي اللجوء إلى الأسواق الخارجية.
هذا فيما يخص الشق المتعلق باستيراد السلع التي لا تصنع محليا، أما عندما يتعلق الأمر بصناعة هذه السلع محليا، غير أنه لا يتم تسويقها بشكل جيد، بالمقارنة مع السلع الأجنبية التي تستورد من الخارج، فهذا معناه وجود خلل في الانفتاح الاقتصادي للمغرب الذي تغيب فيه التنافسية، على حد تعبير الفقير.
وزاد المحلل الاقتصادي موضحا، أن نتيجة غياب المنافسة، تعني إغراق السوق المحلية بسلع أجنبية تصنع مسبقا في الداخل، مقدما نموذج السلع التركية التي غزت المغرب، لاسيما في قطاع النسيج والألبسة، مرجعا ذلك إلى غياب ما أسماه بـ»المنافسة الشريفة»، على اعتبار المغرب لم يدعم المواد التي تصنع محليا في الوقت الذي واكبت فيه تركيا تجارها بالمغرب ودعمتهم بشكل جيد.
واعتبر المتحدث ذاته، أنه في ظل غياب الممارسة الشريفة فطبيعي أن تتأثر الصناعة المحلية، مشددا بأن هذا الأمر غير مقبول، نظرا للأضرار التي يلحقها بالاقتصاد المحلي لمجموعة من الفئات الاجتماعية بالمغرب، وبالتالي ينعكس ذلك على المناخ الاقتصادي الوطني، مشيرا إلى المؤشرات المتدهورة على هذا المستوى.
وبالعودة إلى ميزان الصادرات العاجز عن تحقيق توازن الواردات المغربية، أشار المهدي الفقير، أن المغرب لم يدخل إلى عالم الصناعة إلا مؤخرا بعد افتتاح مجموعة من الشركات المنتجة لقطع السيارات والطائرات، ومن تم الوضع القديم لا زال يرخي بظلاله على الاقتصاد المغربي.
ويرى الفقير أن الاتفاقيات التي سبق وأن وقعها المغرب، كان يتوجب دراستها بشكل جيد، حتى يستفيد منها كما تستفيد بعض الدول، مبرزا بأن المغرب غائب عن التنافسية اليوم ولا يستفيد بشكل جيد منها، لأنه لم يتفاوض بشكل جيد قبل التوقيع على الاتفاقيات منذ البداية، والذي يجب أن يشمل العديد من الجوانب لتجنيب السوق المحلية أضرارا فادحة.
وفي سياق متصل، أفاد المحلل الاقتصادي في حديثه لبيان اليوم، أن بعض الاتفاقيات يجب أن تراجع لأنها وقعت في ظرفية معينة، بمعطيات محددة، بيد أن المؤشرات تغيرت مع مرور الزمن، لأن هذه الدول طورت من صناعتها وأصبحت تنافس المغرب في عقر داره، وهو ما يجب الحد منه على حد قوله.
ويرفض المهدي الفقير تعليل العجز التجاري للمغرب بفعل وارداته من الطاقة والحبوب وبعض التجهيزات التي لا يتم تصنيعها محليا فقط، بل العجز مرتبط أيضا بإغراق السوق المحلية بسلع تصنع محليا بحسبه، داعيا إلى إصلاح هذا الخلل للحد من تدهور الميزان التجاري للمغرب.

***

الاقتصاد الوطني يعجز عن المنافسة دوليا

عرفت المبادلات التجارية للمغرب ارتفاعا خلال سنة 2018، سواء على مستوى الواردات “43+ مليار درهم”، أو فيما يخص الصادرات “26.3+ مليار درهم”.
وبحسب مكتب الصرف، شهدت الواردات المغربية تزايدا بنسبة 9.8 في المائة “481 مليار درهم مقابل 438.1 مليار درهم” نهاية 2017″، فيما سجلت الصادرات أيضا ارتفاعا بنسبة 10.6، حيث بلغت 275.2 مليار درهم، مقابل 248.8 مليار درهم متم سنة 2017، و4.3 في المائة كمتوسط خلال الفترة الممتدة ما بين 2008 و2014.
وهكذا فقد بلغ العجز التجاري للمغرب حوالي 206 مليار درهم خلال سنة 2018، مقابل 189.2 مليار درهم خلال سنة 2017، كما بلغت تغطية الصادرات للواردات نسبة 57.2 في المائة مقابل 56.8 في المائة نهاية سنة 2017.
وبفضل هذا الأداء، عرفت حصة الصادرات المغربية في السوق العالمية، بحسب وزارة الاقتصاد والمالية، تحسنا لتصل إلى 0.15 في المائة سنة 2018، مقابل متوسط سنوي قدره 0.12 في المائة خلال الفترة الممتدة ما بين 2008 و2014.
وقد رافق هذا الأداء تنويعا تصديريا على مستوى الأسواق والمنتجات، حيث عرف مؤشر التنويع في الأسواق اتجاها تصاعديا، ليرتفع من 0.66 سنة 2000، إلى 0.71 سنة 2018.
كما عرفت عدد الأسواق التصديرية زيادة تقدر بنسبة 1.4 في المائة في المتوسط خلال الفترة الممتدة ما بين 2000 و2018، حيث انتقل من 149 إلى 185 سوق.
ومن جهة أخرى، بلغ مؤشر تنويع المنتجات 0.86 خلال الفترة الممتدة ما بين 2000 و2018، وبذلك ارتفع عدد المنتجات المصدرة بنسبة 1.6 في المائة، في المتوسط ما بين 2000 و2018، حيث انتقل من 2.58 منتجا إلى 3.40 منتجا سنة 2018.
ويعزى هذا التغير الملحوظ في بنية الصادرات المغربية لتطور القطاعات الصناعية الناشئة ذات القيمة المضافة العالية (السيارات والكهرباء..)، في الوقت الذي تقلصت فيه مساهمة القطاعات التقليدية (الملابس والمنتجات الزراعية).
وبناء على تحليل دقيق ومفصل للتجارة وفقا لتصنيف النظام الموحد الدقيق ما بين سنتي 2010 و2018، هناك ما يقارب 15 ألف و500 معاملة كمتوسط سنوي، و2780 منتجا و165 بلد شريك.
وأضبح يشكل حجم الصادرات المغربية من السيارات رقما مهما، حيث ارتفع منذ انطلاق مشروع مجموعة “رونو” لتجميع السيارات ذات التكلفة المنخفضة تحت علامة داسيا، من 42.7 مليار درهم إلى 72.35 مليار درهم ما بين سنتي 2014 و2018، مسجلا نسبة نمو بلغت 14 في المائة سنويا. وهو ما مكن من الرفع من حصة صادرات قطاع السيارات في الصادرات الوطنية من 21 في المائة إلى 26.3 في المائة.
ومن جهة أخرى، شهد تصدير قطاع أجزاء الطائرات بدوره ارتفاعا في المتوسط السنوي بنسبة 18 في المائة خلال الفترة 2005-2018، نتيجة تواجد 140 شركة.
وبفضل الدينامية التي شهدها قطاعا السيارات وأجزاء الطائرات، عرف قطاع الصناعة الكهربائية والإلكترونية بدوره نموا مهما بحوالي 40 في المائة من صادرات السيارات التي تتكون من منتجات الأسلاك الكهربائية.
وفي سياق متصل، سبق لمديرية الدراسات والتوقعات المالية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، أن أنجزت دراسة لتحليل الميزان التجاري للسلع والخدمات المغربية، والتي وردت نتائجها المفصلة في تقرير بعنوان “رصيد مبادلات التجارة الخارجية: مساهمة العوامل الهيكلية والظرفية”.
ومكنت هذه الدراسة التي اطلعت عليها جريدة بيان اليوم، من تحديد العوامل الكامنة وراء تدهور عجز الميزان التجاري للسلع والخدمات، وكذا التحقق مما إذا كانت هذه العوامل ذات طابع هيكلي أو ظرفي.
وكشفت النتائج الرئيسية لهذا التحليل أن المكون الهيكلي يمثل الجزء الأكبر من عجز الميزان التجاري المغربي الذي وصل إلى 92 في المائة خلال سنة 2017، أي ما يعادل 9 في المائة من الناتج الداخلي الخام الإسمي.
ويرجع تدهور الميزان الاسمي للسلع والخدمات، المسجل منذ سنة 2007، بشكل أساسي إلى الفارق بين إمكانات النمو في المغرب وبين شركائه الرئيسيين. حيث أن النمو الهيكلي للناتج الداخلي الخام يعد أكبر في المغرب، مما يؤدي إلى زيادة أسرع في الطلب المحلي على المنتجات الأجنبية مقارنة بالطلب الأجنبي الموجه نحو المغرب.
إلى جانب ذلك، يجد الاقتصاد الوطني المغربي، صعوبة في القدرة التنافسية، وفي هذا الصدد يدعو التقرير إلى زيادة العرض المغربي القابل للتصدير، بهدف اكتساب حصص إضافية في السوق الدولية.
وللحد من هذا العجز، يجب، وفق وزارة الاقتصاد والمالية، اتخاذ تدابير ذات أولوية كبرى، من قبيل تعزيز سياسة الانفتاح الخارجي للمغرب للاستفادة من الفرص التي تتيحها هذه السياسة، علاوة على تسريع عملية التحول الهيكلي للاقتصاد المغربي لبناء تركيبة قطاعية ذات تنافسية عالية، وكذا تعميق اندماج المغرب في إفريقيا.

***

الفاتورة الغذائية تصعب من مهمة تخفيض العجز في2020

تتوقع المندوبية السامية للتخطيط أن يستقر عجز ميزان المبادلات التجارية للمغرب، في حدود %18.5 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2020، عوض%18.6 خلال السنة الماضية، وذلك نتيجة انخفاض الأسعار العالمية للمواد الأولية، خاصة أسعار المنتجات الطاقية، هذا في الوقت الذي سترتفع واردات المغرب من الحبوب، نتيجة تراجع إنتاجه خلال سنة 2019، وبالتالي تفاقم الفاتورة الغذائية.
وبحسب المندوبية من المنتظر أن تعرف صادرات المغرب من أنشطة صناعة السيارات والصناعات الإليكترونية تراجعا طفيفا، في حين ستسجل فيه صادرات أنشطة صناعة الطائرات وتلك المرتبطة بصناعة أجزاء السيارات نتائج جيدة.
وبالمثل، ستستفيد صادرات زراعة الخضروات والفواكه من التأثير الإيجابي للنتائج الجيدة الذي يعرفها إنتاج أنشطتها. وبالمقابل، ستعرف الصادرات من الفوسفاط ومشتقاته تطورا معتدلا، متأثرا بالأساس بتراجع صادرات الفوسفاط الخام نحو الزبناء الرئيسيين. كما ستتراجع صادرات أنشطة قطاع النسيج والجلد بشكل طفيف لتسجل نتائج غير ملائمة خلال سنة 2019.
وبخصوص الطلب الخارجي، سيسجل حجم الصادرات زيادة بـ 5.4% عوض 4.2% سنة 2019، مستفيدا من التحسن المرتقب للظرفية الاقتصادية العالمية سنة 2020،حيث يتوقع أن تتعزز النتائج الجيدة لأنشطة قطاعات المهن العالمية والقطاعات التصديرية التقليدية.
ومن جهتها، ستسجل الواردات ارتفاعا بوتيرة أعلى ستصل إلى حوالي 6.1% عوض 4.2% سنة 2019. وبالتالي سيواصل الطلب الخارجي تسجيل مساهمات سالبة في النمو للسنة الثالثة على التوالي، لتصل إلى حوالي 0.9- نقطة سنة 2020، عوض 0.4- نقطة سنة 2019.
وعلى عكس المندوبية السامية للتخطيط، تتوقع وزارة الاقتصاد والمالية، أن يشهد الطلب الخارجي الموجه إلى المغرب تطورا إيجابيا خلال سنة 2020، وذلك بنسبة 3.5 في المائة، إلى جانب ذلك، سيصاحب الارتفاع المرتقب لواردات أهم الشركاء التجاريين للمغرب، مثل إسبانيا وفرنسا، تحسنا طفيفا في وتيرة نمو طلب دول الاتحاد الأوروبي (3.3 في المائة سنة 2020).
كما يتوقع أن ترتفع وتيرة الطلب الخارجي الموجه إلى المغرب من طرف الدول خارج الاتحاد الأوروبي (4.8 سنة 2020) ارتباطا بالانتعاش المرتقب لوتيرة نمو الواردات عند الشركاء التجاريين للمغرب خارج الاتحاد الأوروبي، خصوصا البرازيل.
ومن شأن الانتعاش المرتقب للطلب الخارجي الموجه إلى المغرب بحسب وزارة الاقتصاد والمالية، أن يؤدي إلى انتعاش صادرات السلع والخدمات، التي ستسجل نمو بنسبة 6.4 في المائة سنة 2020، وسيتم دعم هذه الدينامية موفقها، من طرف قطاعات ذات قيمة مضافة عالية مثل صناعة السيارات والطيران والإلكترونيك.
إلى جانب ذلك، من المتوقع أن يرتفع حجم مبيعات الفوسفاط ومشتقاته، بنفس نسبة تزايد مجموع الصادرات، وخصوصا مبيعات الأسمدة. إلى جانب ذلك، ستسجل صادرات الخدمات، خاصة المتعلقة بالسفر، زيادة بنسبة 2.7 في المائة سنة 2020.
وموازاة مع ذلك، يرتقب أن تؤدي الدينامية المتزايدة للطلب النهائي إلى نمو مضطرد لواردات السلع والخدمات بنسبة 5.2 في المائة سنة 2020. وسيشهد حجم الواردات الطاقية تزايدا بنسبة 3.6 في المائة، حسب فرضية استقرار سعر النفط في الأسواق العالمية عند 67 دولار للبرميل.
ومن المتوقع أن تسجل مشتريات السلع التجهيزية ونصف المنتجات تزايدا مهما (7.1 في المائة و6.2 في المائة على التوالي)، تماشيا مع الدينامية التي تشهدها الاستثمارات العامة والخاصة.

***

حوار إكسبريس

الكتاني * : يجب وقف التدخل الأجنبي في سيادة اقتصادنا

< ما هي ملاحظاتك على عجز الميزان التجاري للمغرب؟
> عجز الميزان التجاري للمغرب متعلق بشكل مباشر بمردودية الإنسان العامل، وهو ما ينعكس أيضا على مردودية الصادرات المغربية، ولهذين العاملين علاقة مترابطة، إذ لا يمكن أن نحسن من جودة الصادرات بدون تطوير أداء الإنسان، بالإضافة إلى إدخال المزيد من التكنولوجيا في المجالات التي تهم التصدير.
من هنا، يجب أن يكون التكوين في مستوى أعلى بالنسبة للعاملين في قطاع التصدير، لاسيما وأننا نفقد العديد من الأسواق في قطاع النسيج والألبسة أمام تركيا، لأن جودة الألبسة التركية ليست هي جودة الألبسة المغربية، لهذا يجب أن نحسن من أدائنا وجودتنا، حتى تكون تنافسيتنا أحسن.
وأتساءل اليوم لماذا المغرب لا يبادر إلى اقتحام الصناعة التكنولوجية المتوسطة؟، كصناعة الثلاجات والغسالات، والتي لا تتطلب إمكانيات كبيرة، لأنه بإمكاننا أن ننافس عن طريقها تركيا التي تنافس بدورها الأسواق الأوروبية.
وقطاع النسيج والألبسة المغربي، تأثر بشكل كبير من اتفاقية التبادل الحر مع تركيا، لأن المنتوج المغربي يفتقد للتنافسية، وذلك نتيجة الجهود الضعيفة المبذولة، بحيث لا يمكن أن نحقق نتائج جيدة دون أن تستثمر في الإنسان، مع الإشارة إلى أنه من بين خصائص الإنسان المغربي هو توفقه في التعلم بسرعة.
وكمثال على ما أقول، أقدم لك نموذج التعلم السريع للمغاربة في قطاع صناعة السيارات التي أصبحت تصنع بالمغرب، بعدما أتيحت لهم فرصة التعلم من عن طريق الشركات الأجنبية التي تفوقوا فيها، وهو ما يجب أن يشمل جميع القطاعات الأخرى.
وصادراتنا لا زالت تعاني من مشكل الابتكار والتجديد بالأساس، وهو ما يجعلها ضعيفة في الأسواق الدولية، فعلى سبيل المثال صناعتنا التقليدية، تعاني اليوم من مشكل الابتكار على مستوى التصميم البصري (désigne)، ومن تم يغيب تنويع الإنتاج في هذا المجال.
ونفس الأمر، يهم المواد الفلاحية، وكذا الفوسفاط الذي يجب أن نستخرج منه العديد من المشتقات لصناعة مواد عديدة منه، من قبيل مواد التنظيف والتطهير التي نستوردها من أسواق أخرى.

< وماذا عن الواردات المغربية؟
> من بين المشاكل التي تعترض الاقتصاد المغربي، هو مشكل الاستيراد الضخم للطاقة، بحيث يزيد ذلك من ثقل ميزانه التجاري، وفي هذا الإطار تم إطلاق مجموعة من الاستثمارات في الطاقات المتجددة، التي يجب مواكبتها بالقانون حتى تفرض أيضا على المستثمرين في العقار، من أجل أخذ ذلك بعين الاعتبار، والعمل على وضع لوحات للطاقة الشمسية (تسخين المياه) في العمارات السكنية الجديدة، وهو النموذج الحاضر في مجموعة من دول العالم.
والوداديات والتعاونيات السكنية مدعوة للانخراط في هذا الورش كذلك، بحيث لا يجب أن يقتصر الأمر على الدولة والقطاع الخاص فقط، نظرا لأهمية مثل هذه المشاريع في الحد من فاتورة الطاقة، ومن تم تخفيض عجز الميزان التجاري للمغرب.
وما قلناه عن الطاقة، ينطبق على الحبوب الذي يستورده المغرب أيضا، إذ زراعة الحبوب في المغرب لازالت مرتبطة بالأمطار، لهذا مرة أخرى أعود لأقول إن التعليم أمرا ضروريا لتطوير أي قطاع، وفي هذا الصدد أحيلك على بحث علمي أنجز صاحبه تجربة في أحد المناطق الفلاحية بالمغرب، خلص في الأخير إلى أن الفلاح المتعلم ينتج في الهكتار الواحدة 40 قنطارا، في حين الفلاح غير المتعلم لا يتعدى إنتاجه 20 قنطارا، والخلاصة هي أنه في حالة تكويننا للفلاح وتعليمه فطبيعي أن يتضاعف الإنتاج ليتعدى مئة في المائة.
واليوم لا زلنا مستمرين في هذا الخطأ حيث نؤدي الثمن بفعل عدم تعليم نصف ساكنة المغرب والتي يعتبر إنتاجها شبه منعدم، بحيث بدون مطر لا يمكن أن ننتج، بمعنى أن الفكر المغربي متوقف ولا ينتج، وهذا يؤثر بشكل طبيعي على الميزان التجاري المغربي.
والاقتصاد المغربي يواجه إشكالا آخر اليوم، وهو أن البعض يدفع باتجاه تعويم الدرهم، من أجل الإطاحة بقيمته، وهو الذي يعد أحد أعمدة الاقتصاد المغربي، وهذه مؤامرة أجنبية هي نتيجة حنقهم من الاستثمار المغربي ببعض دول القارة الإفريقية، ومن تم يرغبون في تكسير هذا المسار الاقتصادي الذي ينهجه المغرب.
لهذا فالإطاحة من قيمة الدرهم، معناه الرفع من عجز الميزان التجاري، والاستمرار في الخضوع إلى الأجانب، لهذا نجد البعض يشجع الحكومات المتعاقبة على المغرب للزيادة من حجم مديونيتها، بهدف مزيد من الضغط لتعويم الدرهم، وهذا الأسلوب نعرف مآله وهو إفلاس الاقتصاد المغربي للأسف.

< مؤخرا توجه المغرب للاستثمار في القارة الإفريقية هل من شأن ذلك الحد من عجز ميزانه التجاري؟
> حقيقة، سجل المغرب نجاحات قوية في القارة الإفريقية التي اكتسحها ماليا، على اعتباره دخل للاستثمار في أسواقها بأبناكه مستهدفا بذلك 30 سوقا إفريقيا، وهو ما جعله يلعب دورا كبيرا في السوق المالية الإفريقية، وذلك إلى جانب استثماره في قطاع الفلاحة والبناء.. لهذا كما قلت تعويم الدرهم معناه التخفيض من القوة الاستثمارية للاقتصاد المغربي بشكل مباشر.
وفي هذا الإطار، نلاحظ بأن صندوق النقد الدولي يضغط على المغرب، بيد أن الذي يقف أمامه هو عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب، في الوقت الذي لا نجد فيه بعض أصوات الوزراء أمام هذه المؤسسة التي تريد تمزيق اقتصادات الدول الصاعدة والتي من بينها المغرب.
فصندوق النقد الدولي يخدم مصالح أوروبا وأمريكا بشكل كبير جدا، وهو ما يظهر من خلال ما يقدمه من تسهيلات في القروض لفائدة الدول، حيث مباشرة بعد لجوئها للقروض تتقلص قوتها التفاوضية وتضعف، ليصبح بذلك الأجانب مسيطرين على الاقتصاد المغربي ويتدخلون في الشؤون الاقتصادية الداخلية وفي السيادة المغربية على اقتصاده.

< هلا قدمت لنا نموذجا لهذا التدخل الأجنبي في الاقتصاد المغربي؟
> نموذج هذا التدخل حضر مؤخرا في أيام مناقشة قانون المالية، حيث تدخل الاتحاد الأوروبي من أجل رفع الضريبة على الصادرات المغربية، من 19 في المائة إلى 20 في المائة، هذا في الوقت الذي يوجد فيه عجز تجاري للمغرب مع أوروبا، واليوم نتساءل لماذا هذا العجز !، فتدخل الاتحاد الأوروبي في نظامنا الضريبي، هو تدخل في سيادة الاقتصاد المغربي، وهذا التدخل هو محصلة للمديونية المغربية.
فبعد التداين مع طرف ما، تصبح خاضعا لشروطه، والمشكل بالنسبة للمغرب مرتبط بالإشكال النفسي، بحيث يلجئ المسؤولون الاقتصاديون للمغرب بسهولة إلى القروض، مع العلم أن ذلك هو نفث لسم قاتل في الاقتصاد المغربي، ولا زلنا نرتكب نفس الأخطاء اليوم، حتى دفع ذلك والي بنك المغرب إلى التهديد بالرجوع إلى سياسة التقويم الهيكلي التي خضعنا لها خلال الثمانينات.
وتوقعات المهدي المنجرة تقول بأن المغرب في حالة استمراره في سياسة اللجوء إلى القروض، سيصبح سنة 2030 دولة فقيرة، يعني سيصبح دولة خاضعة للنفوذ الأوروبي، وذلك ما تبحث عنه أوروبا وهو إخضاع جميع الدول لها بمنطق الاستعمار الاقتصادي، وإفقاد دول الجوار سيادتها.
ومنذ سنوات، نلاحظ بأن كل حكومة صعدت يبقى همها الوحيد هو تحقيق التوازنات المالية، إذ لم تستطع أي حكومة أن تتبنى سياسة التقشف، أو أن تعمل على مراجعة جميع مصاريف الاستثمارات العمومية، لاسيما وأنها مكلفة أكثر من كلفة السوق، ولهذا فالدولة تستثمر بشكل كبير ولكن المردودية ضعيفة، لأن استثماراتنا أغلى من سعر السوق.

< أخيرا، ما هو تعليقك على مراجعة اتفاق التبادل الحر مع تركيا؟ وهل للقرار خلفية سياسية؟
> لا أعتقد أن مراجعة اتفاق التبادل الحر مع تركيا سياسي، بل هو اقتصادي صرف، غير أنه لماذا لا نراجع جميع اتفاقيات التبادل الحر مع الجميع؟، هل لأن تركيا اقتصادها متفوق؟، ووجدناها الحائط القصير للقفز عليها، أم أن الأمر له علاقة بالترضيات الخارجية التي نخضع لها؟.
فأكيد أن الدول الأجنبية تضغط على بعض الدول من أجل مراجعة مؤشراتها مع الاقتصاد التركي، والهدف في الأخير هو تكسير إيقاع اقتصادها، خصوصا فيما يتعلق بقطاع النسيج والألبسة الذي تفوقت فيه بالأسعار والجودة بالمقارنة مع بعض العلامات الدولية الأخرى التي تتوسع عن طريق مركبات تجارية كبرة (مولMall).

* أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة محمد الخامس بالرباط

***

الحكومة تحمل فاتورتي الطاقة والحبوب أزمة الميزان التجاري

ترى الحكومة أن الميزان التجاري للمغرب يعاني من عجز هيكلي، مرتبط بالحجم الكبير لوارداته وبنيته التي تتكون أساسا من مواد التجهيز والمواد نصف المصنعة، وكذا الطاقة والحبوب التي لا يمكن الاستغناء عنهما، لاسيما وأنهما معرضان لتقلبات الأسعار في السوق الدولية بشكل مستمر، إلى جانب، مشاكل اتفاقيات التبادل الحر التي تربط المغرب ببعض الدول.
وللحد من هذا العجز المستمر للميزان التجاري المغربي، تعمل الحكومة المغربية بحسب برنامجها الاقتصادي على مواكبة المقاولات المغربية التي تنشط في مجال التصدير، وذلك من أجل تعزيز حضورها على مستوى الأسواق الخارجية.
وفي هذا الإطار سبق وأن أطلقت “برنامج دعم المصدرين المبتدئين” الذي يهدف إلى توسيع قاعدة المقاولات المصدرة، وكذا تعزيز تواجدها في السوق الدولية.
هذا البرنامج الذي تم إطلاقه سنة 2017 بشراكة بين كتابة الدولة المكلفة بالتجارة الخارجية ووزارة الاقتصاد والمالية والاتحاد العام لمقاولات المغرب ومغرب تصدير والجمعية المغربية للمصدرين، يستهدف المقاولات الصغرى والمتوسطة حديثة العهد بعملية التصدير من أجل مواكبتها وتشجيعها على الاستمرار في التصدير، أو ممارسة نشاط في هذا المجال.
ويرتكز هذا البرنامج وفق الحكومة على توفير الدعم المادي والتقني للمقاولات المبتدئة في مجال التصدير على مدى ثلاث سنوات لتمكينها من إعداد استراتيجيات ملائمة في مجال التصدير والاستفادة من التأطير والتكوين في مجال التصدير، والتسويق، وجميع المعاملات المرتبطة بالتجارة الدولية، مع إمكانية تمويلها لبعض التدابير المتعلقة بالترويج بالأسواق الخارجية.
إلى جانب ذلك، تشدد الحكومة بأنها حريصة على مواصلة تطوير وتحسين نظام المعايرة، بما يمكن من إسهامه الفعال في الرفع من جودة المنتوج الوطني وزيادة تنافسيته على الصعيد الدولي، وبالتالي الرفع من مستوى الصادرات المغربية.
وفي سياق متصل، تقول الحكومة إنها تحرص على تنفيذ تدابير الحماية التجارية في حالة استيراد منتجات موضوع إغراق والتدابير التعويضية في حالة استيراد منتجات مدعمة، وكذا التدابير الوقائية في حالة الاستيراد المكثف للمنتجات.
وفي هذا الصدد، قامت الحكومة منذ سنة 2012 باتخاذ مجموعة من الإجراءات، والتي همت قطاعات الخشب والورق والصلب والأدوية والصناعات الكيماوية وغيرها التي يتم استيرادها من دول مختلفة من أوروبا وأمريكا وآسيا وشمال إفريقيا.
وتؤكد أيضا على أنها تشتغل بشكل جدي على الحد من تنامي الواردات من خلال مواصلة تفعيل إجراءات الحماية التجارية (Défense commerciale)، وتعزيز مراقبة السلع المستوردة بما في ذلك الحرص على احترام المواصفات التقنية وقواعد المنشأ.
ومن جهة أخرى ترى على أن المغرب يجب أن يسرع من ديناميته فيما يخص تطبيق برنامج النجاعة الطاقية، علاوة على تطوير تجربته في مجال الطاقات البديلة للحد من الواردات الطاقية الضخمة.
وفي الشأن ذاته، تقول الحكومة إنها تشتغل حاليا على مواصلة تحسين مناخ الأعمال من أجل الرفع من القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني وتعزيز إشعاع المغرب لجذب الاستثمارات الخارجية.
وترى أنه يتعين على الفاعلين الاقتصاديين المغاربة تقديم عروض تصديرية ذات قيمة مضافة والعمل على تنويعها. كما تشدد على أن المغرب مطالب بتحسين هياكل اقتصاده الوطني من أجل ضمان تنافسية أكبر، وتطوير رؤية مستقبلية واضحة تتماشى مع أولوياته بخصوص هذه الاتفاقيات.
وتسجل الحكومة أنه بالرغم من الحصيلة السلبية المسجلة للمبادلات التجارية الخارجية للمغرب، فقد حقق هذا الأخير في إطار اتفاقيات التبادل الحر، مجموعة من الإصلاحات من قبيل، تحديث الإطار التشريعي والتنظيمي للتجارة الخارجية، وتبسيط المساطر المرتبطة بها، ثم الإسهام في تحسين مناخ الأعمال وتعزيز القدرة التنافسية للشركات الوطنية.
علاوة على ذلك، تشير الحكومة إلى أن اتفاقيات التبادل الحر أعطت دينامية جديدة للاستثمارات الخارجية، التي عرفت قفزة نوعية خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يؤكد بحسبها أهمية هذا الإطار الجديد في استقطاب الاستثمارات من مختلف دول العالم، ثم دعم الحوار السياسي، خاصة مع الاتحاد الأوروبي في عدد من القضايا ذات البعد الاستراتيجي بالنسبة للمغرب، كالأمن الإقليمي، والهجرة، وقضايا البيئة.. الخ.
وفي سياق متصل، توضح الحكومة بأن المقاولات المغربية استفادت من انخفاض تكاليف المواد الأولية المستعملة في مسلسل الإنتاج نتيجة انخفاض الرسوم الجمركية على مجموعة من المدخلات بفضل هذه الاتفاقيات، بالإضافة إلى ذلك أسهمت هذه الأخيرة في تطوير القطاعات الإنتاجية للمغرب الموجهة للتصدير والرفع من مستواها التكنولوجي، وبالتالي تنويع صادرات المغرب لتشمل منتوجات جديدة ذات قيمة مضافة عالية (صناعة السيارات والطائرات، والإلكترونيك، والصناعات الكيميائية..).

***

التجار والحرفيون يشكون إغراق السوق المحلية بالسلع الأجنبية: يشكون ل ” بيان اليوم” عن رفضهم لمحلات ” بيم” وملابس ونسيج واحذية تركيا والصين

 

الصناعة المحلية

تعتبر اتفاقيات التبادل الحر، من بين المشاكل التي تواجه العجز التجاري للمغرب بنسبة تتجاوز 30 في المائة، لاسيما تلك التي تنافس المنتوجات التي تصنع محليا، من قبيل النسيج والملابس والأحذية والمواد الغذائية.. ذلك أنه تم تسجيل إفلاس 7 آلاف و941 مقاولة خلال سنة 2018، والتي من بين أسبابها عدم القدرة على المنافسة.
وفي هذا الإطار، توجه أصابع الاتهام بالدرجة الأولى إلى كل من تركيا والصين، حيث اشتكى العديد من الصناع والحرفيين والتجار من المنافسة الشديدة التي تواجه منتجاتهم، حيث يتم إغراق السوق المحلية بسلع هاتين الدولتين، وهو ما اعتبره صانع الأحذية عبد المغيث اليمني استهدافا للمنتوج المحلي.
وقال عبد المغيث اليمني في حديثه مع الجريدة، إن صناع الأحذية “للنساء والرجال” بمدينتي فاس والدار البيضاء على الخصوص، أصبحوا يعيشون في ظروف صعبة جراء الأزمة التي تعصف بهم، بعد هجر منتجاتهم، وإقبال المستهلك المغربي على السلع الصينية والتركية.
وأكد عبد المغيث اليمني صانع الأحذية ببوشنتوف “درب السلطان” بالدار البيضاء، بأنه في السابق كانت حرفة صناعة الأحذية مغرية بالنسبة للعديد من الشباب العاطل عن العمل أو من الذين اختاروا تعلم “الصنعة” بذل الدراسة، بيد “أنه اليوم أصبحت هذه الحرفة تتلقى ضربات قوية من قبل السلع الصينية والتركية التي تنافس ما ننتج”.
وذكر عبد المغيث اليمني أن الصناع المغاربة فقدوا مجموعة من المستهلكين، الذين يبحثون عن علامات الأحذية الصينية التي تتميز بحسبه بالثمن المنخفض جدا، بالمقارنة مع ما يتم إنتاجه محليا، مرجعا ذلك إلى غلاء المواد التي تصنع بها، والتي بالمناسبة تستورد جميعها من الصين، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، أشار إلى أن ما يتم إنتاجه محليا من “موديلات” بهذه المحلات يتم نقله أو بالأحرى “سرقته” من الصناعة الصينية أو باقي المعامل المتخصصة في إنتاج الأحذية بالمغرب التي تتوفر على مصممين يبتكرون “موديلات” جديدة بين الفينة والأخرى.
من جانبه، أوضح علال الخمام أن صناع الأحذية التقليديين بالمغرب يواجهون اليوم امتحان البقاء أمام المنافسة الشرسة للسلع الصينية المعروفة بثمنها الزهيد، على عكس باقي السلع الأوروبية ذات علامات الأحذية المرتفعة الثمن والتي لا تقبل عليها إلا فئة معينة من المجتمع المغربي.
وأشار علال الخمام، صاحب محل صناعة الأحذية بدرب بوشنتوف، إلى أن بعض الصناع راكموا في السابق أمولا كثيرة بفعل هذه الحرفة التي تقاوم ما أطلق عليه بـ”الاحتلال الصيني للأسواق المغربية”، وهو ما دفع ببعض الصناع والحرفيين إلى ولوج أسواق إفريقية كموريتانيا والسنغال والكاميرون..
وبعد سؤال بيان اليوم عن كيفية ولوج هؤلاء الحرفيين إلى السوق الإفريقية، أفاد الخمام أن ذلك تم بشكل عشوائي وبدون تنسيق مع الوزارة أو غيره، على اعتبار أن جميع هذه المحلات الموجودة بالبيضاء أو فاس لا تشتغل بشكل قانوني ولا يعترف بها من قبل الغرف الصناعية، مبرزا أن العديد من أصحاب المحلات ربطوا علاقات مع تجار أفارقة أصبحوا زبناء أوفياء لأحذية درب بوشنتوف.
وقال الصانع الذي انتقل من مدينة فاس للاشتغال بالدار البيضاء، إنه لا يمكن الاستمرار في ظل هذا الوضع الذي يشهد منافسة حادة من قبل صينيي درب عمر بالبيضاء الذين أغرقوا السوق المغربية بالأحذية المصنعة بالصين، مطالبا بحماية السوق المحلية من المنتجات الأجنبية.
وجوابا عن سؤال بيان اليوم، حول ما تقدمه هذه المحلات من سلع ذات جودة يمكن للمستهلك المغربي أن يقتنيها، أفاد أن هذه المحلات تنتج ما أسماه بالسلع “الرخصية” والأخرى “الغالية” (مرتفعة الثمن)، بحيث من حق المستهلك أن يختار بين هذه السعة أو تلك، والتي تختلف جودتها كلما ارتفع الثمن.

بين “بيم” و”مول الحانوت”

أصحبت تعاني السوق المحلية المغربية أيضا من المنافسة الحادة من قبل متاجر “بيم” التركية، وهو ما ظهرت سلبياته بحسب مجموعة من البقالة المغاربة، الذين لاحظوا إقبال المستهلك المغربي على منتجات هذه المحلات التي يتم استيرادها من تركيا، مستغنين عن الخدمات التقليدية لـ”مول الحانوت”.
وتشير العديد من المعطيات بأن مجموعة من المغاربة تغير سلوكهم في طريقة التبضع، حيث أصبحوا ميالون إلى المحلات التجارية الكبرى أو شبه الصغيرة، حيث يجد معظمهم راحته في الاقتناء منها، عوض المحلات الكلاسيكية التي لم تطور نفسها على مستوى الخدمات المقدمة، وكذا فضاء عرض منتجاتها، وهو ما ينطبق على “مول الحانوت”.
وفي هذا الصدد، عبرت فاطمة الزهراء النجاري، مستهلكة بالبيضاء، لبيان اليوم عن راحتها في الاقتناء من محلات “بيم” نظرا لما تقدمه من سلع مختلفة سواء كانت تركية أو مغربية، إلى جانب خدمات ما بعد البيع حيث بإمكان الزبون إرجاع المواد الفاسدة أو التي أصبح في غنى عنها.
ولم تقف فاطمة الزهراء النجاري عند هذا الحد، بل أسهبت في ذكر إيجابيات هذه المحلات القريبة من محل سكنى العديد من المواطنين على عكس بعض المحلات التجارية الأخرى، إلى جانب تقديم بعض السلع التركية المغرية خصوصا الأواني المنزلية، وكذا بعض الديكورات والملابس والأحذية التي تتميز بجودتها وسعرها المنخفض على حد تعبيرها.
وأبرزت النجاري، أن الزبون في حاجة إلى مثل هذه التنافسية التي تخدم مصلحته بالدرجة الأولى، حيث يبقى من حقه أن يختار المحل الذي يقتني منه حاجياته، بأسعار منخفضة وسلع ذات جودة عالية.
وهذا لا يعني بحسبها إلحاق خسائر بالبقالين، بل يجب أن يطوروا مشاريعهم لتصير مثل متاجر “بيم”، موضحة بأن طرق التبضع قد تغيرت، حيث أحالت على تجارب بعض المحلات التجارية المغربية التي أصبحت تشتغل بهذه الطريقة، وغيرت من أسلوب خدماتها التقليدية للبقالة.
وإذا كانت فاطمة الزهراء ترى في محلات “بيم” فضاءها التجاري الجديد، فإن بعض المستهلكين المغاربة لم يتخلوا كليا عن البقال المغربي الذي تربطهم به حميمية خاصة، تتوج بعلاقات اقتصادية تشاركية يستفيد منها البقال والزبون الذي يبقى وفيا لبقاله من خلال “كناش الكريدي”، والذي يضمن به البقال أيضا، زبونا وفيا على محله التجاري.
وفي هذا السياق، صرح الزبون عز الدين الهاشمي لبيان اليوم، أن جل مقتنياته من المواد الغذائية يشتريها من عند بقال الحي المجاور لسكنه والذي تربطه به “كناش الكريدي” حيث يؤدي فاتورة مقتنياته نهاية كل أسبوع بعد استخلاص أجرته من صاحب ورشة النجارة التي يشتغل بها.
وقال عز الدين الهاشمي، إن دور “مول الحانوت” يبقى رئيسيا في الأحياء الشعبية بغض النظر عن الافتتاحات المتتالية لمحلات “بيم” التركية، خصوصا إذا كان للبقال قاعدة من الزبناء الأوفياء على خدماته المقدمة، وكذا أرباحه التي يجب أن تكون مقبولة وفقه.
وأشار عز الدين إلى أنه ناذرا ما يتبضع من أسواق “بيم” أو باقي علامات المحلات التجارية الكبيرة، إلا إذا تعلق الأمر ببعض الإغراءات في الأثمنة بالنسبة لبعض حاجياته الضرورية بالأساس، وليس الاستهلاك من أجل الاستهلاك.
وفي هذا الإطار، قدم نموذج عروض يوم الجمعة بالنسبة لـ”بيم” والتي أصبح ينتظرها بعض المغاربة خلال يوم الجمعة من كل أسبوع، “بهدف الظفر ببعض التجهيزات أو المواد بأثمنة رخيصة حتى ولو لم يكونوا بحاجة إليها”، على حد قوله.

الألبسة..

والمستهلك المغربي لم يعد يقبل على متاجر “بيم” فقط، بل يتوجه أيضا إلى النسيج التركي سواء من خلال محلات LC WAIKIKI أو De Facto، اللتين تستوردان الملابس التي تصنع بتركيا مائة في المائة، على عكس محلات “بيم” التي تبيع بعض المواد الغذائية المصنعة بالمغرب.
وفي الوقت الذي كان فيه التجار بالجملة والتقسيط، يبيعون الملابس التي تصنع في معامل النسيج المغربية، أصبح العديد منهم يتوجه نحو أسواق الملابس التركية، وللوقوف على هذا المعطى يكفي زيارة أسواق الجملة بالدار البيضاء (“كراج علال”-“درب عمر”-“القريعة”..).
وبعد سؤال بيان اليوم لأحد التجار “بكراج علال” الذي فضل عدم ذكره اسمه لبيان اليوم، عن سبب تغيير الملابس المغربية بالتركية، أوضح أن بوصلة الاستهلاك متجهة نحو الأسواق التركية، وذلك بعد تأثر المستهلك المغربي بالملابس والتجهيزات التي يتم الترويج لها عبر أفلام ومسلسلات تبث في القنوات المغربية، أو الأجنبية.
ونبه التاجر إلى أن ما تتميز به الملابس التركية اليوم، هو التجديد والابتكار واكتشاف “موديلات” جديدة، على عكس معامل النسيج بالمغرب التي تشتغل بـ”موديلات” لا تجد مكانها في السوق، بالمقارنة مع السلع التركية.
وقال المتحدث إن المستهلك المغربي أصبح ذكيا في اختياراته في الجودة والأسعار والجديد في “الموديلات”، وهو ما لم تستوعبه الصناعة المحلية المغربية بعد، مشيرا إلى أن معمل قليلة من تنافس في السوق اليوم.
وأفاد بأن السلع التركية تتميز بالأسعار المنخفضة، خصوصا فيما يتعلق بالألبسة الخاصة بمرتادي “الحجاب” (الفولارfoulard )، وهو ما يستورده كثيرا التجار المغاربة، على عكس ما يتم عرضه بالمحلين سالفي الذكر.

50/50

ووسط هذا الانقسام بين مؤيد ومعارض للمنتوجات التركية بالمغرب، يجري هذا الأخير حاليا مفاوضات جديدة في اتفاقية التبادل الحر التي تجمعه بتركيا، وذلك بعد “نقاش حاد بين الجانبين” على حد تعبير مولاي حفيظ العلمي وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي.
وقال مولاي حفيظ العلمي، مؤخرا بمجلس النواب، إن العلاقات التجارية سجلت عجزا في الميزان التجاري يقدر بـ 18 مليار درهم، فيما لا يتعدى حجم الاستثمار التركي بالمغرب 1 في المائة.
وحول خلفية مراجعة هذه الاتفاقية مع تركيا فقط، وليس مع جميع الدول التي تربطها بالمغرب اتفاقيات تجارية، نفى العلمي أن يكون محرك الخطوة سياسيا، بل للأمر علاقة اقتصادية محضة على حد عرضه الذي قدمة قبل أيام قليلة بمجلس النواب حول اتفاقيات التبادل الحر للمغرب.
وأشار حفيظ العلمي إلى أن المغرب فقد نتيجة هذه الاتفاقية في قطاع النسيج، 19 ألف منصب شغل في 2014، و24 ألف في 2015، و35 ألف في 2016، و44 ألف في 2017.
وأكد وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي، أن المغرب أبلغ الجانب التركي بهذه الخسائر، مطالبا بالتوصل إلى حل لا يضر بمصالحه، ومهددا بـ”توقيف الاتفاقية من جانب واحد”.
ولم يقف عرض المسؤول المغربي عند هذا الحد، بل استرسل في ذكر الخسائر التي لحقت السوق المغربية بسبب هذه الاتفاقية، وهذه المرة من قبل شركة “بيم” التجارية، التي لا تبيع المنتوجات المغربية بحسبه، و”تتسبب في إغلاق 60 محلا تجاريا في كل حي مغربي”.
وبخصوص هذه النقطة، أفاد المتحدث بأن الوزارة أبلغت رئيس شركة “بيم” باستحالة استمرار العلاقات التجارية الحالية، حيث اقترح عليها أن تبيع هاته الأسواق 50 في المائة من المنتوجات المغربية أو أن يعلن عن إغلاقها بصفة نهائية.
مباشرة بعد هذا التصريح الذي قسم الرأي العام إلى فسطاطين، بين مدافع عن أطروحة العلمي، ورافض لخطوته التي تهم تركيا دون غيرها، خرج هالوك دورتل أوغلو المدير المالي لشركة “بيم” التركية، بتصريح صحافي، أوضح فيه أن تركيا لا تصدر إلى المغرب إلا 15 في المائة من منتجاتها لتباع بالمغرب.
وأكد هالوك دورتل أوغلو، لوكالة الأنباء “رويترز” أن النسبة المتبقية وهي 85 في المائة من السلع يتم اقتناءها من منتجين محليين، حيث وعد بالرفع من مشتريات الشركة من المنتجين المحليين في المغرب.
وأوضح دورتل أوغلو أن “بيم” توظف نحو 3 آلاف شخص في المغرب، والذين يشتغلون في 500 متجر تابع للشركة، مشيرا إلى أن إيراداتها لا تتعدى خمسة في المائة بالنسبة للشركة.

***

حوار اكسبريس

3 أسئلة لـ علي الشعباني* : المستهلك تهمه الجودة وما يتماشى مع ذوقه وجيبه لا يهمه مصدر المنتوج هل هو تركي أو صيني أو فرنسي

> يتم حاليا مراجعة اتفاقية التبادل الحر مع تركيا، نتيجة عجز الميزان التجاري للمغرب، في نظرك الإقبال على السلع التركية هل هو نتيجة التأثير الثقافي الذي أحدثته مسلسلاتها وأفلامها في المغاربة؟
< المتتبع لهذا الموضوع، سيلاحظ بأن قرار مراجعة اتفاقية التبادل الحر مع تركيا، هو سياسي أكثر منه اقتصادي أو غيره، لأن هذه الحملة التي نلاحظها اليوم على المستوى الإعلامي، لم يتحرك فيها هذا الأخير إلا بعد تصريحات مولاي حفيظ العلمي وزير الصناعة والتجارة والخدمات بالبرلمان، حول قرار المغرب مراجعة الاتفاق التجاري مع تركيا.
وقال حفيظ العلمي وقتها، إن الاتفاقية مجحفة وأن السلع التركية بدأت تغزو الأسواق وتهدد بعض التجار الصغار، وهذه مسألة لا يجب أن ننظر إليها من الزاوية التي تحدث عنها وبالطريقة التي ناقش بها، بل يجب أن ننظر إليها من زاوية أخرى، أي يجب البحث في الخلفية السياسية للموضوع.

> لماذا يقبل في نظرك المغاربة على السلع التركية والأجنبية عموما عوض المحلية؟
< ما يحكم على المستهلك لكي يقتني سلعة معينة، هو الجودة والثمن، وبالفعل ذلك يحدث بالموازاة مع دور الإعلام والإعلان والتسويق لمنتجات وبضائع معينة كما أشرت في سؤالك الأول، والإنسان لا يقبل على هذه السلع إلا إذا كان الثمن منخفضا وينافس البضاعة الأخرى في السوق.
والمستهلك لا يهمه مصدر البضاعة من أين، هل هي من الصين أو تركيا أو فرنسا أو أي دولة أخرى، بل همه الأول هو الثمن والجودة، لهذا يجب أن نبتعد بالمستهلك عن كل ما يتم ترويجه بخلفيات سياسية أو أيديولوجية.
وعلى هذا الأساس، فالمسألة لا تتعلق بسلعة تركية، بل لكونها تستجيب لتطلعات المستهلك، وهذا الأخير هدفه هو ما يتماشى مع ذوقه وجيبه إلى جانب الجودة.
وفي هذا الإطار، أقدم لك مثال بعض المتاجر التي تلجأ نهاية كل سنة إلى التخفيض من ثمن سلعها، من أجل جلب المستهلك، وهو ما يحدث بالفعل، حيث يتم الإقبال عليها، نظرا لثمنها الذي انخفض بعدما كان غير مرغوب في هذا المنتوج بسبب ثمنه المرتفع، أو جودته أو طرازه، ومن تم فالمستهلك هو الآخر يتنازل عن بعض شروطه مقابل الثمن المنخفض.

> إذن فالمستهلك المغربي هاجسه الوحيد هو الثمن والجودة؟
< أكيد، فنتيجة الظروف الاقتصادية التي يعيش فيها المستهلك المغربي، وارتفاع المعيشة، فهو يبحث نوعا ما عن السلع والبضائع التي تتجاوب مع مداخيله، ولا يهمه من أين مصدرها بل لأنها تستجيب لحاجياته، وقرار مراجعة اتفاقية التبادل الحر مع تركيا له علاقة سياسة ليس إلا، ومن تم لا يجب أن نكذب على المستهلك.
والناس أذكياء في اختياراتهم، فعندما كانوا يقتنون السلع الصينية فهم على بينة ووعي من أنها مقلدة وغير أصلية، ومع ذلك يقدمون عليها، لماذا ؟، لأنها تستجيب لقدرتهم الشرائية، فما يهم المستهلك هو راحته الاقتصادية، خصوصا إذا كانت قدرته الشرائية لا تستجيب للأثمنة المرتفعة ولو كانت هذه السلع جيدة.

*علي الشعباني: أستاذ باحث في علم الاجتماع.

***

الطيب آيت أباه لـ : تغول BIM قضى على رمزية صاحب “كناش الكريدي”

“مول الحانوت” ينهار أمام BIM التركية

قال الطيب آيت أباه، رئيس لجنة الإعلام والتواصل لغرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة الرباط-سلا-القنيطرة وعضو المكتب التنفيذي للمنظمة الوطنية للتجار الأحرار، إن ما أقدم عليه مولاي حفيظ العلمي وزير التجارة في ما يخص مراجعة اتفاقية التبادل الحر مع تركيا، يعد سابقة في هذا النوع من المواقف.
وأكد الطيب آيت أباه في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن خطوة مراجعة الاتفاقية مع تركيا، تستحق التنويه، بصرف النظر عن القراءات السياسية التي يمكن أن تحيط بهذا القرار، مشيرا إلى أن الفاعل السياسي يتحمل جزءا كبيرا فيما حصل من كارثة التوقيع على الاتفاقية بين الرباط وأنقرة.
وتساءل آيت أباه، عن سبب تغييب المصلحة العامة الوطنية طيلة هذه المدة التي دخلت فيها الاتفاقية حيز التنفيذ (منذ 2006)، محجتا عن عدم الرجوع إلى المهنيين في الصناعة التقليدية وكذا التجار لمناقشة أهداف مثل هذه الاتفاقيات، للوقوف على مزاياها وأضرارها قبل قرار التوقيع الذي سيحدد بشكل مباشر أو غير مباشر مصير العديد من الأسر المغربية في القادم من السنوات، وهو ما حصل مع اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وتركيا.
واعتبر رئيس لجنة الإعلام والتواصل لغرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة الرباط سلا القنيطرة، أن إجراء المراجعة، هو اعتراف شجاع بالخطأ الذي وقع فيه المغرب أثناء التوقيع، بدون توسيع المشاورات مع المهنيين، أو ما أسماه بتغييب “الديمقراطية التشاركية في أخذ قرار التوقيع”.
وفي هذا السياق، دعا عضو المكتب التنفيذي للمنظمة الوطنية للتجار الأحرار، إلى بذل المجهود لمعالجة الخلل الذي يعرفه الاتفاق الثنائي مع تركيا، أو اتخاذ قرار وقف الاتفاقية معها أو مع دول أخرى تضر سلعها بالاقتصاد الوطني المحلي.
وأوضح المتحدث ذاته، أن التنظيمات المهنية والغرف المهنية سعيا منذ بداية سريان مفعول اتفاقية التبادل الحر لا سيما مع تركيا، إلى تنبيه المسؤولين المغاربة لهول المخاطر الاقتصادية التي ستنجم عن هذه الاتفاقية، خصوصا بعد قرار تركيا فتح سلسة من متجار “بيم BIM” بالمغرب، والتي نافست بها بشراسة محلات البقالين أو بالأحرى “مول الحانوت”.
وأبرز الطيب آيت أباه، أن هذه المتاجر “اعتمدت طرقا ملتوية في توسعها وفي أشكال عروضها، وإشهاراتها، وحتى على مستوى التقشف في إتاحة فرص العمل للشباب العاطل”، مشددا بأن “التجار بذلك كانوا عرضة لهيمنتها، ويتمثل ذلك في قوتها المالية التي اكتسبتها بفضل الشراء المشترك الذي تعتمد عليه لنيل أرخص الأسعار”، بحسب تعبيره.
وأفاد آيت أباه، أنه في الوقت الذي تتلقى فيه سلسة “بيم BIM” دعما من قبل تركيا، لا يحظى “مول الحانوت” بالدعم المغربي، “وهو ما جعله منكمشا في دكانه، ولا تسعفه قدراته المحدودة في مواجهة هذا الغول القادم من الأناضول”، على حد وصفه.
ونتيجة هذه الهيمنة التي حققتها سلسلة “بيم BIM” التركية، أصبح “مول الحانوت” تابعا لها أيضا، لا فاعلا منافسا لها في السوق المحلية، مرجعا ذلك آيت أباه إلى ضعفه تنظيميا وتوعويا، لا سيما وأنه أصبح زبونا كذلك للسلسلة، من خلال تزاحمه مع المستهلكين للاستفادة من عروضها.
وبفعل هذا الواقع الجديد، يرى رئيس لجنة الإعلام والتواصل لغرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة الرباط-سلا-القنيطرة في حديث مع بيان اليوم أن “مول الحانوت” فقد كرامته وبخست رمزيته في السوق، حيث وجد العديد من البقالين أنفسهم مفلسين، وهم الذين كانوا إلى عهد قريب عماد الاقتصاد الاجتماعي وملجأ غالبية الأسر المغربية، لا من حيث توفير فرص الشغل، ولا من حيث ضمان التموين استنادا إلى خاصية “كناش الكريدي”.
وبعد هذا التشخيص الذي قدمه عضو المكتب التنفيذي للمنظمة الوطنية للتجار الأحرار، للجريدة، أكد بأن مراجعة اتفاقية التبادل الحر مع تركيا لا يمكن اعتبارها إلا مؤشرا عن بدء مسلسل معالجة الاختلالات التي تشهدها هذه الاتفاقية وآثاراها على الاقتصاد الوطني المغربي.
ويأمل المتحدث بإعادة الأمور إلى نصابها، مشيرا إلى أنه لا يمكن الاستمرار في تكبيل اليد العاملة المغربية، “في مقابل فسح المجال للقوى المالية الخارجية حتى تصير مهيمنة إلى أبعد الحدود، إذن النتيجة الحاسمة في هذا الموضوع، لن تكون سوى أن وقف مثل هاته الاتفاقيات المضرة باقتصادنا، والذي يعد قبل كل شيء حصانة لصورتنا كدولة ذات سيادة ومستقلة القرار”.

> إنجاز: يوسف الخيدر

Related posts

Top