الشاعر المغربي حسن حصاري: حینما أكتب أعیش حیاة ثانیة بعیدة عما أنا علیه في الواقع

صدر للشاعر المغربي حسن حصاري كتابه الأول في مجال الشعر، بعنوان “أضغاث يقظة مفرطة”، بهذه المناسبة كان لبيان اليوم حوار معه، من أجل تقريب القراء من الإرهاصات الأولى وطقوس الكتابة ثم الجنس الأدبي  الأقرب من وجدان الشاعر، حيث اعتبر أن المراحل الأولى في مسيرته الدراسية شكلت انطلاقة له في عالم معانقة الكتابة، غير أن حب الكتابة أخذ في النضج خلال المرحلة الجامعية، ملفتا إلى أن زوجته الشاعرة مليكة فهيم، والباحث الدكتور إبراهيم الحجري هما من أوقدا فيه شرارة الكتابة الشعرية، وإن كان لم يعتبر نفسه كاتبا بل مهووسا بالحرف يتلمس الطريق.

< كیف كانت بدایتك في عالم الكتابة؟
> بتعبیر دقیق بدأت أكتب كأي واحد يهوى الكتابة، ولیس ممارسة فعل الكتابة بالمفيوم الاصطلاحي ليا وذلك في سن مبكرة، كأي شاب حالم مولع بالقراءة، يذه القراءة التي سكنتني بقوة، في وقت لم تكن تشغلني فیه ايتمامات زائدة عن الدراسة، وأوقات ترفیيية بسیطة مع الأصدقاء، كان لي متسع من الوقت لكي أقرأ ابتداء من سنوات التعلیم الابتدائي، 
حيث ساهمت مبادرة إدارة المدرسة، المتمثلة في توفیر مكتبة صغیرة، تضم مجموعة من القصص والكتب؛ في أن أدمن فعل القراءة للعدید منيا، خاصة تلك التي تستجیب آنذاك إلى تطلعاتي كطفل منديش بعالم الكتابة التي مكنتني من خلق فضاء خیال واسع یسافر بي إلى عوالم أكبر مما أعیشه في الواقع. وتعزز بداخلي يذا الفعل أثناء دراستي بالإعدادي، حیث تعددت لدي مصادر القراءة لقصص وروایات كثیرة، وتطورت في مرحلة الثانوي إلى كتب مختلفة الإتجايات: كتب أدبیة وفكریة ونقدیة وحتى كتب الفكر الإسلامي، حیث كانت تلك الفترة الزمنیة من السبعینات والثمانینات، موسومة بنشأة اتجايات فكریة متعددة، تأثر بيا العدید ممن جایلتيم،يذه الفترة لم تكن لتمر دون أن تترك أثرا في علاقتي بالكتابة، فكتبت آنذاك خربشات أو نقش لحروف كتابة أولى، لما أعتقد أنيا محاولات إبداعیة خجولة، أقلد فیيا كتابا وشعراء بعینيم.
  تابعت دراستي الجامعیة بكلیة الآداب، تخصص لغة عربیة وآدابيا، ويو اختیار واعي مني، لتعزیز ثقافتي لإعجابي بكتابة هؤلاء الأدباء، ثم واصلت الكتابة الإبداعیة، خاصة في مجال الشعر، بعد متابعة دراستي الأدبیة، لتحقیق حلم طالما راودني منذ الصغر ويو أن أكون كاتبا. وقد كان لسنوات الدراسة الجامعیة كبیر الأثر في تكویني الأدبي، وتوجيي نحو دراسة الشعر، حیث تمحور بحثي في الإجازة حول قراءة في دیوان: ” أشعار في الحب والموت” لأحمد الجوماري، تحت إشراف أستاذي الفاضل الشاعر محمد الشیخي، أطال الله في عمره، ولا زلت أذكر إلى الیوم، أنه لم یقبل الإشراف على بحثي إلا بعد أن تأكد – من خلال مقابلة أجرايا معي، وجه لي فیيا العدید من الأسئلة المتعلقة بالشعر عامة والشعر المغربي خاصة- من رغبتي الملحة في الايتمام بالدراسات الشعرية.
 
< في تجربة الكتابة، أین یجد الكاتب حسن حصاري نفسه في الشعر أم في جنس آخر؟
> صراحة، لا أعتبر نفسي كاتبا بالمعنى المتعارف علیه في أبجدیات المينة، ولا أسمح لنفسي أن أتقمص بغیر وعي، ولو القلیل، من دور الكاتب الحقیقي، فلا یمكن أبدا أن أعتبر نفسي كاتبا لمجرد أنني أكتب وبغیر انتظام، فلیس كل من یكتب یعتبر كاتبا، فالكتابة تتطلب بالإضافة إلى تحصیل الخبرة الإبداعیة، عبر تقییم نقدي لتراكمات النصوص السابقة، المويبة، الإلمام بتقنیات الكتابة واكتساب المي الجد متواضعة في الكتابة، فقد كان متوقعا منذ زمن طویل، أن أشق طریقي فیيا بحماس بتشجیع من أساتذتي، خصوصا أساتذة اللغة العربیة، وزملائي في مختلف الأسلاك الدراسیة، ولكن للأسف الشدید، وأتحمل مسؤولیة اختيارات أخذتيا في فترة من حیاتي، بدون تقدیر عواقبيا وتأثیريا على مسار طالما حلمت أن أحقق من خلالها ذاتي، ومنيا أن أكون كاتبا، فتوقفت لسنوات طویلة جدا عن متابعة تحقیق يذا الحلم، لتبریرات أرايا الیوم جد وايیة كبدتني خسارة إنجاز كان قاب قوسین أو أدنى من التحقق، بحیث توقفت لسنوات طویلة
جدا عن متابعة الكتابة الإبداعیة، وعوضتيا بالاشتغال في مجال التدبیر والتنشیط الثقافي، وقد كانت عودتي أو مصالحتي مع الكتابة الشعریة، ابتداء من سنة 2017 ، ویرجع فضليا إلى شخصین: أوليما زوجتي الشاعرة والباحثة ملیكة فيیم، التي طالما حثتني على تجدید مواصلة الكتابة، والناقد والروائي الدكتور إبرايیم الحجري، حیث شجعني ومن خلال نظرته كناقد وأدیب، على العودة الى الكتابة، ومن خلال يذا المنبر أتوجه لكلیيما بعمیق الشكر والتقدیر.
  أما فیما یتعلق باختیار الجنس الأدبي الذي أجد فیه نفسي، فالإجابة بتحدید الاختيار وتفضیله، لیست بتلك السيولة، لأنني حین أكتب ويذا فقط رأیي الشخصي، وخاصة في مجال الكتابة الإبداعیة، أكتب مستشعرا بإحساسي، بحیث یتجاوز لدي أحیانا النظرة التفضیلیة للكتابة في إطار جنس أدبي معین على آخر، وحديا القدرة على التمكن من التعبیر بقوة وبعمق عن الأفكار والمشاعر ووضوح الرؤیا، تقودك إلى اختيار الجنس الأدبي، الذي تراه مناسبا لنَفس الكتابة، لاستیعاب كل الفیض الجارف من الأحاسیس .. فالأجناس الأدبیة، وبحكم تطوريا وانفتاحيا على مختلف المواضیع، تمددت فیما بینيا الصلة الإبداعیة وتداخلت، ومن ينا أصبح بارزا حضور مكون الحس الشعري داخل بنیة السرد، روایة كان أو قصة .. وحتى الممارسة الشعریة أصبحت بدوريا منفتحة على آفاق رحبة من الرؤى الجدیدة في الكون والحیاة.
لقد اخترت بوعي، أن أسلك مسلك الكتابة الشعریة، حیث أحس بيا القریبة جدا من وجداني، ومن خلالي أستطیع أن أعرب عن كل مشاعري وأحاسیسي، تجاه القضایا التي تستأثر بايتمامي وليا ارتباط بالذات، فالكتابة الشعریة فن یتطلب حسا جارفا، وإصغاء عمیقا لداخل الذات وخارجيا، وامتلاك رؤیا شعریة خاصة، مدعمة بتكوین لغوي متمكن من أدواته البلاغیة، للتمكن من القدرة على التعبیر، وترجمة
من نقل الأحاسیس إلى صور من خلال الكلمات التي ليا وظیفة نقل المعلومة والبعد الجمالي. كما أنني لا أرغم نفسي على الكتابة في مواضیع لا أحس بيا، مع أني أرغب بالإضافة إلى ذلك، مستقبلا بعد صقل التجربة، اقتحام السرد من باب القصة وغیريا.

< ماهي أسرار الكتابة وطقوسيا عند الشاعر حصاري؟
> كثیرا ما یثیرني استحضار كلمة الطقوس، يذا المفيوم في فعل الكتابة لدى البعض، قبل توقیع أول حرف لكلمات نصوصيم الإبداعیة. بحیث تختلف أشكال ممارسة ياته الطقوس، حسب قوة اعتقاد الكاتب بجدوايا، تتوزع إجراءاتيا ما بین البساطة والتشدد، وما بین التقلید والتبايي بالكتابة كفعل إبداعي، قد یدايمك بإحساس قوي كل وقت وحین، دون الحاجة إلى تأثیث دیكور سریع التركیب، فالكتابة فعل یتحرر منك متى شاء وأنى شاء دون إشعار.
ومع ذلك، ما زالت طقوس الكتابة لدى البعض قائمة بغرائبیتيا الأكثر إثارة من فعل الكتابة نفسيا، أكتب فحسب بذاتي، كلما أحسست بالرغبة في ذلك، كلما تفاعلت بقوة مع أحاسیس قد تكون أحیانا عابرة، دون طقوس محددة أو مرتبة. لذلك، حینما أكتب أعیش حیاة ثانیة بعیدة عما أنا علیه في الواقع، أسافر بأحاسیسي أنى شئت، أخترق 
الأزمنة، أعید تركیب تجربتي في الحیاة بكثیر من تقدیر وتقییم، لكل ما أحمله من قیم، فالكتابة بالنسبة إلى رسالة نبیلة.

 < لا شك أن الشاعر حصاري له في حیاته الشعریة قدوة أو تیار شعري تأثر به؟ 
> لابد من الإشارة في البدایة إلى أن أي كاتب إلا وله مرجعیة یستند علیيا في بناء ذاته، فبعد المرجعیة المعرفیة والفكریة، یأتي أثر حضور التجارب الإبداعیة، سواء لتیارات أو لأعلام ثقافیة من شعراء وكتاب .. وفي مجال الشعر، وجدتني مقبلا في البدایة على الشعر الحدیث من خلال مدرسته الواقعیة، التي رأیت أن مرتكزاتي عموما تقوم على تقدیر قیمة الإنسان وبكل ما یختلج نفسیته من طموح وتطلعات لتحقیق غد أفضل، أما على مستوى التأثر بالتجارب الشعریة لشعراء بعینيم، أسجل بأني تأثرت بكثیر منيم تأثیرا، یتفاوت حسب تجاوبي مع تجربة كل واحد منيم، فبعض شعراء الحداثة تركوا بصماتيم في نصوصي، خاصة تلك التي ارتبطت بمفيوم الشعر الملتزم.

< رسالة أخیرة؟ *
< ینبغي علینا عموما التشجیع على القراءة، وخاصة بین فئة الصغار والشباب، وعلى ممارسة الإبداع بمختلف فنونه، لأن يذه الايتمامات المعرفیة، يي الكفیلة بخلق مواطن یقدر معاني الجمال في مختلف مظاير الحیاة، ویسايم في الارتقاء وتطور المجتمع بشكل إیجابي ومسؤول.
  وأغتنم المناسبة يذه، للإعراب عن خالص شكري وامتناني، لجریدة بیان الیوم على مبادرتيا القیمة، بتمكیني من إجراء يا الحوار الصحافي، لكي أقرب للقارئ، حقیقة بعض من خلفیة صورتي، التي لا تظير بجلاء في كتاباتي الإبداعیة، وأشكريا أیضا على احتضان نصوصي في صفحات ملحقيا الثقافي، كما أوجه  شكري لك الأستاذ عبد الله مرجان، على يذه الاستضافة الكریمة، ولأسئلتك الواعیة العمیقة والتي حركت بداخلي العدید من الإشارات، التي جعلتني الیوم على ما أنا علیه، أبدأ من جدید أبحث عن نفسي.

> حاوره: عبد الله مرجان 

Related posts

Top