اللجوء المناخي وتأثير البيئة على الهجرة

بمناسبة انعقاد قمة المناخ COP25-بمدريد، خبراء المناخ يتدارسون تقييم الهجرة الناتجة عن تغير المناخ، متسائلين عما إذا كان الاحتباس الحراري يسرع حقا من حدة هذه الهجرة.
تغير المناخ يخلق عددا كبيرا من اللاجئين أكثر مما تخلفه الحروب حيث سنصل قريبا الى 250 مليون لاجئ مناخي في العالم وسنصبح جميعا لاجئي مناخ … سنصبح أمواجا من البشر تجتاح أوروبا وأمريكا الشمالية لطلب اللجوء المناخي من البلدان الصناعية الكبرى، هذه المسألة، التي كانت موضوع العديد من الالتزامات والمعاهدات الدولية، تتطلب منا أقصى درجات الجدية.
أكثر من 250 مليون شخص سيصبحون لاجئين بحلول سنة 2050 نتيجة تداعيات تغير المناخ، وفق تقديرات الأمم المتحدة التي تقدر عددهم الحالي بنحو 16.1 مليون لاجئ. فمعدل الحرارة على الأرض يرتفع، وقد سجل في الأعوام الاثني عشر الماضية أعلى مستوياته منذ 1850، ترافق ذلك مع انخفاض التساقطات في بلدان كثيرة وتراجع مخزون المياه وجفاف وتصحر وازدياد واشتداد في العواصف والأعاصير.
ويحاول المجتمع الدولي الحد من تداعيات الاحتباس الحراري، عبر إجراءات لمنع ارتفاع معدل الحرارة على الأرض أكثر من درجتين مئويتين بخفض انبعاثات غازات الدفيئة. لكن الأثر الحاد لتغير المناخ بدأ يتجلى في مناطق مختلفة حول العالم، حيث تهدد حركة نزوح سكاني تدريجية بتبدد دول ومساحات واسعة وبخسارة التنوع الطبيعي، كما ترسي معالم جغرافية واجتماعية وثقافية بديلة في القارات الخمس. ولن يجد المتضررون مفرا من استبدال أوطانهم، سواء كانوا موضع ترحيب كلاجئين جدد في البلدان المضيفة أم لا.
إن مصطلح “النازحين بيئيا”، الذي يحفز النزوح الداخلي والدولي، القسري والطوعي، هو الأنسب، إنه ليس الوحيد الذي يفضل الصفة “البيئية” على صفة “المناخ”. هذا هو الحال أيضا بالنسبة إلى المجلس النرويجي للاجئين (NRC) ، الذي أصدر منذ عام 1998 تقريرا دوليا سنويا عن النزوح الداخلي: “الاحتباس الحراري ليس مسؤولا مسؤولية مباشرة عن عمليات النزوح هذه”. لكن أكثر من 90 ٪ من الكوارث الطبيعية التي تجرها ترتبط بالطقس، وهو نفسه مرتبط بالاحتباس الحراري”.
في عام 2018، وفقا لما ذكره مجلس اللاجئين النرويجي، دفعت هذه الكوارث 16.1 مليون شخص إلى المنفى: بشكل رئيسي في الفلبين والصين والهند (الأعاصير والفيضانات والأعاصير)، ولكن أيضا في القرن الإفريقي (الجفاف والفيضانات) وفي الولايات المتحدة (الحرائق).
ويعلن المجلس المذكور أن النصف الأول من عام 2019 سجل أعلى رقم للنزوح البيئي على الإطلاق: “حيث يعد هذا الرقم أعلى من معدل النزوح المرتبط بالعنف والصراع: إذ سجل 10.8 مليون في عام 2018 “منذ وجود هذا التقرير.
وإذا توفرت البيانات الدقيقة عن هذه الكوارث التي تحدث مرة واحدة، فسيكون من الصعب تحديد العواقب لما يسمى بالظواهر “البطيئة”، كارتفاع منسوب البحر أو تدهور التربة، مما يؤثر اليوم على أكثر من النصف من ساكنة كوكب الأرض.
وبالرجوع الى مخرجات مؤتمرات قمة الأطراف المتعلقة باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر نجد أن “هناك علاقة وطيدة بين مستوى التصحر وعدد المهاجرين، خاصة في حزام الساحل”. حيث يمكن الأخذ بعين الاعتبار في هذه الهجرات الأسباب التالية: عدم الاستقرار السياسي، التهديد الأمني، نمو السكان … وأي هجرة مرتبطة بالجفاف هي أيضا هجرة اقتصادية بالتأكيد، فنزوح السكان الريفيين إلى المدن، خلال مواسم الجفاف هي ظاهرة قديمة، واليوم هم يستقرون في المدينة، لأن الإنتاج الزراعي لم يعد يسمح لهم بالعيش. هذا ليس فقط بسبب التصحر، بل أن الكثير من الأفارقة يرفضون العودة إلى الزراعة لأسباب تتعلق بالمشقة. وتحت الضغط الديموغرافي المتزايد، توفر المدن الأفريقية ظروف استقبال صعبة. “بعد ذلك يهاجر الناس إلى المدن الكبرى مثل أبيدجان أو جوهانسبرج أو نيروبي، 20٪ فقط من المهاجرين يتجاوزون مناطقهم الأصلية ويرفض العديد من الخبراء ربط ظاهرة الاحتباس الحراري بموجة هجرة واسعة النطاق، من الجنوب إلى الشمال.
واعترافا بتأثير البيئة والمناخ على الهجرة قادت المنظمة الدولية للهجرة الجهود لدراسة الروابط بين تلك القضايا، مؤكدة أننا نعيش الآن في عصر ترتبط فيه الأحداث الكارثية المتعلقة بالمناخ بالنشاط البشري مباشرة، ومن المحتمل أن يكون لذلك تأثير كبير على الطريقة التي نقرر بها الهجرة إلى مكان ما والاستقرار.
ويقدم أطلس الهجرة البيئية، أدلة على كون التغيرات البيئية والكوارث الطبيعية لعبت دورا رئيسيا في كيفية توزيع السكان على كوكب الأرض على مدار التاريخ”، ولكن مع ذلك، من المرجح جدا أن تتغير أنماط الاستيطان البشري بشكل كبير بسبب التغييرات البيئية غير المرغوب فيها، والتي تنشأ مباشرة عن تغير المناخ أو زيادته.
وخلال العقد الماضي، تزايد الوعي السياسي بالمسائل المتعلقة بالهجرة البيئية، وبالتالي صاحب ذلك زيادة في الإدراك بأن هذا يمثل تحديا عالميا. ونتيجة لهذا، وقعت العديد من الدول على اتفاقيات تاريخية، مثل اتـفاق باريس لتغير المناخ والاتفاق العالمي للهجرة، حيث ترسم هذه الاتفاقات الدولية طريقا واضحا للحكومات للمضي قدما في معالجة قضية المناخ والهجرة.
ويحتوي الميثاق العالمي للهجرة على العديد من الإشارات إلى الهجرة البيئية، بما في ذلك قسم كامل حول تدابير مواجهة التحديات البيئية والمناخية. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها وضع رؤية شاملة توضح كيف يمكن للدول التعامل – الآن وفي المستقبل – مع آثار تغير المناخ والكوارث والتدهور البيئي على الهجرة الدولية هذا الاتفاق الذي يسلط الضوء على أولويات الدول كلما تعلق الأمر بمعالجة الهجرة البيئية، حيث أن الشاغل الرئيسي للدول هو “التقليل إلى أدنى حد من العوامل الضارة والعوامل الهيكلية التي تجبر الناس على مغادرة بلدهم الأصلي”، لا سيما “الكوارث الطبيعية والآثار الضارة لتغير المناخ والتدهور البيئي”.
وتعد عملية مواجهة تحديات الهجرة البيئية بطريقة تعود بالنفع على البلدان والمجتمعات، بما في ذلك المهاجرين واللاجئين، عملية معقدة تضم العديد من الجهات الفاعلة المختلفة، حيث يمكن أن تتراوح حلول هذه العملية بين التغيير في ممارسات الهجرة، مثل أنظمة التأشيرات ووضع تدابير حماية تقوم على حقوق الإنسان. والأهم من ذلك، تفعيل نهج منسق بين الحكومات الوطنية يجمع خبراء من مختلف مناحي الحياة.
ويمكن القول إنه لا يوجد حل واحد للاستجابة لتحدي الهجرة البيئية، ولكن هناك العديد من الحلول التي تعالج جوانب مختلفة من هذه المعادلة المعقدة، بالإضافة إلى أنه لا يمكن تحقيق أي شيء ذي مغزى دون مشاركة قوية من جانب الجهات الفاعلة في المجتمع المدني والمجتمعات، التي تعرف في كثير من الأحيان ما هو الأفضل لها.
إننا بحاجة إلى وقف الخطابات التي تركز فقط على اعتبار المهاجرين ضحايا المأساة، لكن علينا أن نتذكر أن المهاجرين يبرهنون كل يوم على قدرتهم على البقاء والازدهار في المواقف الصعبة.

بقلم : محمد بنعبو
رئيس جمعية “مغرب أصدقاء البيئة”

Related posts

Top