تخفيض عقوبة سجنية من الإعدام إلى 25 سنة سجنا نافذا في ملف إحراق زوجة لزوجها بمدينة الجديدة

قضت غرفة الجنايات الاستئنافية لدى محكمة الاستئناف بمدينة الجديدة، في الأسبوع الماضي، بتخفيض العقوبة السجنية، التي سبق للمحكمة في مرحلتها الابتدائية أن أدانت بها زوجة متهمة بحرق زوجها والمفضي إلى الموت، من عقوبة الإعدام إلى 25 سنة سجنا نافذا، مع إيداعها مستشفى الرازي للأمراض العقلية بمدينة برشيد، وخصم مدة العلاج من العقوبة المحكوم بها على المتهمة.
وقد جاء قرار الغرفة الجنائية استنادا إلى تقرير الخبرة الطبية، التي أشارت إلى أن مسؤولية المتهمة الجنائية أثناء ارتكابها فعل إضرام النار في زوجها متسببة له في وفاته، كانت مسؤولية ناقصة. وكانت محكمة النقض قد أمرت بإعادة محاكمة المتهمة، وإحالتها على خبرة طبية للبث في المنسوب إليها حول التهمة السالفة الذكر.
وبالرجوع إلى تفاصيل هذه القضية، التي كانت قد اهتز لوقعها سكان مدينة سيدي بنور، وتابع أطوار محاكمتها الرأي المحلي باهتمام بالغ، تجد وقائعها تعود إلى سنة 2011، حيث يستفاد من محضر الشرطة القضائية التابعة للمنطقة الأمنية بسيدي بنور، أن المصالح الأمنية كانت قد توصلت بإخبارية موثوقة عاجلة مفادها، وفاة بائع للدجاج حرقا بمنزله الذي يقع بحي الفتح بنفس المدينة.
وعلى إثر ذلك، انتقل رئيس المنطقة الأمنية رفقة مساعده إلى المكان المعني حسب الإخبارية التي توصل بها، ووجد جمعا غفيرا من السكان قد تجمهروا بعين المكان، وصعد إلى الطابق الأول فعثر على بقايا جثة الهالك متفحمة فوق كومة من الرماد. وتقدمت أرملته نحوه، وأدلت بشهادتها، وطلب منها بعض وثائق زوجها، ثم تركها تتلقى التعازي.
وبينما كان المسؤول الأمني يتفحص وثائق الزوج الضحية المحروق، ومن ضمنها وثائق منزله، لاحظ أن زوجة الضحية تبدو عادية ولا تظهر عليها علامة الحزن على فقدان زوجها، فراوده الشك في تصرفات هذه الزوجة التي كانت هادئة متحكمة في نفسها، وظل المسؤول الأمني في حيرة من أمرها يحاول فك شفرات ملامح تلك الزوجة التي كانت تصرفاتها جد عادية، وهي تتلقى العزاء .
وازداد الشك ثم تضاعفت الحيرة لدى المسؤول الأمني، خصوصا عندما لم يصل إلى أي خيط رابط بجريمة إحراق الضحية إلى درجة التفحم، وهو الأمر الذي جعل المسؤول الأمني، يطلب، في اليوم الموالي لوقوع الحادثة، استدعاء الزوجة التي شك في تصرفاتها، للمثول أمامه، وفعلا حضرت، وتم الاستماع إليها في محضر رسمي، فصرحت أن زوجها كان مدمنا على الخمر، وأنها خرجت من المنزل وتركته منهمكا في احتساء الخمر، ولما عادت فوجئت بالنار مشتعلة في المنزل وحاولت الصعود لكن بعض جيرانها منعوها من ذلك.
لكن تصرفات الزوجة المتهمة يوم وقوع الحادثة، ظلت راسخة بمخيلة الضابط الأمني، الشيء الذي جعله غير مقتنع بتاتا بتصريحاتها، وخصص فرقتين أمنيتين للاستماع إليها من جديد، وفي ظروف مغايرة، على أساس أن لا يترك لها وقت للراحة. وفي اليوم الثاني شرع عناصر الفرقة الأولى في استنطاقها بالاستماع تفصيليا إليها لعدة ساعات، وفي مساء نفس اليوم، انسحبت الفرقة الأولى وحلت مكانها الفرقة الثانية التي أعادت الاستماع إليها من جديد بدون استراحة. فأحست المتهمة بعياء كبير وإرهاق شديد، غير أن المحققين لم يمهلوها وقتا للاستراحة، ولم يتركوها تسترجع أنفاسها، فلم تعد قادرة على مسايرتهم، وعبرت عن رغبتها في النوم، لكنهم منعوها من ذلك، إلى أن انهارت كليا، وتأكدت أن جميع السبل قد أغلقت في وجهها، وأن المحققين عازمون على الوصول إلى الحقيقة، حينها عبرت عن استعدادها لقول الحقيقة المرة والاعتراف بما حدث. لحظتها تنفس المحققون الصعداء، لكونهم قد وصلوا إلى النهاية التي هي في حد ذاتها بداية لتصريحات جديدة، واستمعوا لها من جديد. فتراجعت الزوجة المتهمة عن أقوالها الأولى، وأكدت أن زوجها كان مدمنا على الخمر وكان يسيء معاملتها وكان يضربها بشكل مستمر، وأنها سبق لها أن تقدمت بشكاية ضده، ولما لم تنصفها المحكمة، قررت التخلص منه بيدها وتنتقم لنفسها أشد الانتقام.
وأضافت، في نفس تصريحاتها الثانية، أنها قررت تصفيته ففكرت في عدة خطط، واستقر تفكيرها على خطة حرقه، وظلت فكرة الانتقام والتخلص من زوجها، تراودها عدة شهور، وهي تنتظر الوقت المناسب لتنفيذ جريمتها الشنعاء. ويوم الحادث، طلبت من ابنها شراء كمية من البنزين ووضعتها جانبا. وظلت تنتظر شروع زوجها في شرب الخمر. وقد هيأت جميع ظروف جريمتها النكراء، حيث بقيت لأكثر من ثلاث ساعات، تراقب اللحظة التي تضعف فيها قوى زوجها ، بسبب احتسائه قنينة من الخمر، إلى أن رأته وقد بدأ يتمايل، ذات اليمين واليسار، حتى رمى بجسده المخمور فوق سريره المبلل ببعض قطرات الخمر، حينها وضعت فوقه لحافا ثقيلا وصبت البنزين عليه، وأشعلت النار فيه، وأخدت قنينة الغاز من الحجم الصغير، وأمسكت بيد ابنها ونزلت الأدراج وابتعدت عن المنزل في اتجاه أحد الدكاكين، وكأنها كانت تريد ملأ قنينة الغاز الصغيرة. وظلت تراقب الوضع من بعيد، ولما تصاعد الدخان من نوافذ الطابق الأول، تجمهر سكان الحي حوله . وانتظرت قليلا قبل أن تلتحق بهم وشرعت في الصراخ والعويل، بل وحاولت الصعود، لكن بعض السكان منعوها من ذلك.
وكانت آخر تصريحاتها أنها تأخرت بل ترددت كثيرا في تنفيذ هذه الجريمة، ولكن صبرها قد نفذ ولم تعد قادرة على التحمل أكثر مما مضى.
وقد كانت هذه الاعترافات والتصريحات كافية لتقتنع هيئة المحكمة بالمنسوب إليها من التهم ثقيلة، كونها أضرمت النار في زوجها ، مع سبق الترصد، وتسببت في وفاته. وبعد عدة جلسات للمحاكمة، التي تخللتها مرافعات الدفاع في إطار المساعدة القضائية، أدانت المحكمة في المرحلة الابتدائية بعقوبة الإعدام، وبعد استئناف هذا الحكم، تم تخفيضه إلى الحكم السالف الذكر.

> محمد الغوات

Related posts

Top