معالم وحضارات اندثرت بسبب الحروب

هناك العديد من اثار الأمم الماضية محى معالمها الزمن بفعل العوامل الطبيعية، غير أن هناك العديد من الحضارات التي اندثرت بسبب الحروب، مثال على ذلك حضارة بغداد القديمة التي دمرتها حروب المغول في العهد القديم.
وتعبر الكثير من المعالم الأثرية والتاريخية عن حضارات عديدة محتها الحروب تماما ولا يعرف عنها شيئا سوى من الكتب، مثل مكتبة الاسكندرية القديمة. في الحروب تسعى كل قوة لطمس معالم القوى الأخرى من تاريخ وكتابة ومعالم وثقافة شعب، أما عن طريق الحرق مثل ما حدث بالإسكندرية القديمة أو عن طريق رمي وحرق الكتب مثل ما حدث قديما ببغداد أو عن طريق هدم الأثار وبقايا تلك الشعوب وتراثها المعماري والحضاري أو عن طريق تهجير أهلها منها مثل ما حدث بالأندلس. فالحروب تبقى آثارها بعدما تسكن أصوات المدافع والرصاص. يدفن القتلى ويعالج الجرحى وتبقى المدن المدمرة ركام وبقايا حطام يعاد بناء بعضه ويبقى آخر شاهدا على تلك الصراعات.
بيان اليوم ترصد بعض الأماكن التاريخية التي دمرتها الحروب

“أفاميا” كانت موطنا لملوك الإمبراطورية السلوقية ثم الرومان

“أفاميا”، مدينة الكنز القديمة في سوريا، أقيمت على ضفة نهر العاصي في سوريا. كانت في يوم من الأيام موطناً لملوك الإمبراطورية السلوقية، ثم الرومان في وقت لاحق، ثم كقاعدة أثناء الحروب الصليبية. كانت الفسيفساء الجميلة تزين الأعمدة البيضاء المنحوتة الرائعة، مع تصاميم معقدة لشوارعها المرصوفة، جعلتها واحدة من أهم المواقع الأثرية في الشرق الأوسط، وبسبب الصراع الحالي، تم تدمير “أفاميا” إلى حد أن العديد من المؤرخين يعتقدون أنه لا يمكن استعادتها إلا بعمليات تعمير باهظة.
تدمير “أفاميا” ليس فقط من جراء القصف، لكن أيضاً بسبب الذين استفادوا من الفوضى الحاصلة في نهب المدينة القديمة ونهب كنوزها. الآن، تقبع الأعمدة المكسورة والفسيفساء المحطمة المتناثرة في الموقع الذي كان ذات يوم ذو شأن عظيم.
تعتبر “أفاميا” من أهم المواقع الأثرية والسياحية في سوريا تقع في مفترق الطرق بين حلب واللاذقية ودمشق وهي تتبع قرية قلعة المضيق اليوم. أنشأها سلوقس نيكاتور وأطلق عليها اسم زوجته أباميا، ولكن تاريخها يعود إلى عصور ما قبل التاريخ وهذا ما أكدته حفريات التنقيب في الموقع.
يذكر الجغرافي سترابون أن “فاميا” كانت زمن السلوقيين حصنا منيعاً وكان سلوقس نيكاتور يحتفظ في الحصن بحوالي 500 من الفيلة وبالجزء الأكبر من جيشه، ولمدينة “أفاميا” مخطط يشبه الشطرنج يخترقها شارع رئيسي من الشمال إلى الجنوب بطول 1850 م وعرض 5، 37 م وقد أقيمت على جانبيه الأبنية من حمامات ومعابد وقصور وأسواق تجارية ومسارح.
ويعد مسرح “أفاميا” من أكبر المسارح في العصر الروماني، ومن المعتقد أنه يعود إلى العصر السلوقي، كما نقرأ في كتاب “سوريا التاريخ والحضارة”. كما أعيد بناء العديد من أعمدتها في الشارع الرئيسي وفي أحد البيوت البيزنطية، وكشفت التنقيبات عن أسوار المدينة مع أبراجها المربعة، ويعتقد الخبراء أن القسم السفلي للأسوار يعود للعصر الهلنستي، أما الأقسام العلوية فتعود إلى العصر الروماني.
من المباني المهمة في “أفاميا” خانها الشهير الذي يقع في نهاية السفح الجنوبي الغربي لجبل الزاوية على ارتفاع 226م من سطح البحر وقد كان خانا للحجاج والمسافرين أنشئ في عصر السلطان العثماني سليمان القانوني 926 974ه، مساحة الخان حوالي سبعة آلاف متر مربع ويتكون من بناء ضخم مربع الشكل يبلغ طول ضلعه 83 م، تتوسطه باحة واسعة مرصوفة بالبلاط الحجري وفيها منهل ماء عمقه سبعة أمتار كانت تصله المياه عبر أقنية فخارية من البحيرة الواقعة إلى الغرب من الخان وعلى بعد 100م.
يوجد في الخان قاعات وغرف واسعة وله مدخل واسع كما يوجد فيه جناحان، شرقي وغربي. أما طراز البناء فقد بنيت جميع القاعات والغرف بالحجارة الكبيرة مسقوفة بأقبية برميلية الشكل تحملها عقود حجرية نصف دائرية في كل الغرف والأجنحة يوجد مواقد ومصاطب عريضة يستعملها الحجاج أثناء سفرهم.
وتحول الخان إلى متحف للفسيفساء بعد أن قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بترميمه وإعادة الحياة إليه.
ومن أهم الفسيفساء المعروضة فيه لوحة سقراط والحكماء وهو موضوع وثني عثر عليه في الكاتدرائية في الجناح المتوسط منها. وتعود هذه الفسيفساء إلى عام 362 363م ويبدو سقراط رافعا يده اليمنى بحركة تعليمية وهو محاط بستة من الفلاسفة الآخرين الشيوخ أي أنهم ليسوا تلامذة.
وربما يمثل هذا الموضوع الحكماء السبعة المعروفين في التاريخ الإغريقي وهو يشابه الموضوع الخاص ببعلبك والمحفوظ في متحف بيروت، وهؤلاء الأشخاص هم: كليو بول وبيرماندر، وبياس، وتاليس، وصولون وشيلون. كما اكتشفت العديد من لوحات الفسيفساء وبعضها بقي في مكانه لصعوبة نقله.

قلعة المضيق

تقع قلعة المضيق غرب مدينة “أفاميا” وتتربع في منظر مهيب مطل على المنطقة، وهي إحدى القلاع الكثيرة المنتشرة على امتداد جبال الساحل السوري. ويعتقد أن القلعة كانت أكروبولا لها ثم أصبحت في العهد الروماني موقعاً حربياً، وهي قلعة جميلة تتربع بالقرب من “أفاميا”.
أما حالياً فيعتبر بناء الحصن عربياً وكذلك طراز هندسته، والبناء العربي للقلعة هو من آثار نور الدين زنكي والقرية التي داخل الحصن كبيرة حافلة بالدور المبنية من أنقاض السور والأبراج ومباني “أفاميا” القديمة. للقلعة سور عظيم مرتفع على هيئة مضلع غير منتظم، ركبت عليه أبراج كثيرة مربعة الشكل، وللقلعة باب كبير تعلوه قنطرة وحوله برجان مربعان للحراسة.
أصل التسمية
أعيد تأسيس المدينة زمن سلوقس الأول نيكاتور (300 ق.م) تحت اسم “أفاميا” نسبة إلى زوجته (أباما) حيث أصبحت العاصمة العسكرية للمملكة السلوقية وذات شأن كبير. خضعت “أفاميا” للرومان بعد فتح سوريا (64 ق.م) ثم خضعت للبيزنطيين ثم إلى العرب المسلمين الذين دخلوها عام 638م. استولى عليها الصليبيون وضمت إلى إمارة أنطاكية ثم استرجعها نور الدين زنكي بعد أن دمرت المدينة تدميراً كاملاً بالزلازل التي أصابت المنطقة 1157م ـ 1170م.

> إعداد: سعيد أيت اومزيد

Related posts

Top