7 أبريل اليوم العالمي للصحة.. بين الحق في التغطية وتحديات الإنفاق

تؤثر التغطية الصحية الشاملة مباشرة في صحة الفرد، إذ تمكنه الخدمات الصحية من زيادة إنتاجيته وإسهامه بنشاط في تحقيق رفاه أسرته ومجتمعه. كما تكفل تلك الخدمات تمكين الأطفال من الذهاب إلى المدرسة والتعلم. ويحول في الوقت نفسه توفير الحماية للفرد من الأخطار المالية دون وقوعه في براثن الفقر جراء اضطراره إلى دفع ما في جيبه من مال لقاء الحصول على الخدمات الصحية. لذا فإن التغطية الصحية الشاملة عنصر حاسم من عناصر تحقيق التنمية المستدامة والحد من الفقر ومكون أساسي من مكونات الجهود الرامية إلى تقليل أوجه الإجحاف في المجتمع. والتغطية الشاملة من السمات المميزة لالتزام الحكومة بتحسين رفاه مواطنيها كافة.
وتستند التغطية الشاملة بقوة إلى دستور منظمة الصحة العالمية لعام 1948 الذي يعلن بأن الصحة حق أساسي من حقوق الإنسان، وإلى برنامج عمل الصحة للجميع الذي حدده إعلان ألما-آتا في عام 1978. لذا تكتسي المساواة أهمية حاسمة، ما يعني أن على البلدان أن تتبع التقدم المحرز لا عبر فئات السكان المحلية فحسب، وإنما ضمن مختلف الشرائح (بوسائل مثل مستوى الدخل والجنس والعمر ومحل الإقامة والوضع القانوني للمهاجر والأصل العرقي).
وتشهد بلدان العالم إحراز تقدم في هذا المجال. لكن هناك ملايين من البشر لا يزالون محرومين من أي فرصة للحصول على الرعاية الصحية. ويضطر ملايين آخرون إلى الاختيار بين الانفاق على الرعاية الصحية من جانب وسائر الاحتياجات اليومية، كالغذاء والكساء وحتى المأوى، من الجانب الآخر. وتفيد إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن نصف سكان العالم على الأقل لا يزالون محرومين من التغطية الكاملة بالخدمات الصحية الأساسية.
لهذا اختارت منظمة الصحة العالمية موضوع التغطية الصحية الشاملة كمحور لحملتها لليوم العالمي للصحي برسم سنة 2019، والذي تستعد المنظمة لإحيائه، رفقة الدول الأعضاء، يوم الأحد المقبل 7 أبريل.
وتهدف هذه الحملة إلى مساعدة الناس على تحسين فهمهم لما تعنيه التغطية الصحية الشاملة والدعوة إلى إتاحتها للجميع على قدم المساواة وفي كل مكان.
وتمثل الحملة كذلك فرصة لمسؤولي الصحة في الدول الأعضاء وغيرهم من متخذي القرارات الحكومية للالتزام باتخاذ إجراءات لسد الفجوات الكائنة في التغطية الصحية الشاملة في بلدانهم، وكذلك تسليط الضوء على التقدم الذي أحرز بالفعل.
كما يشكل إحياء اليوم العالمي أيضا مناسبة لإصدار التقرير السنوي للإحصاءات الصحية العالمية. وسيتضمن التقرير معلومات عن الاتجاهات الصحية في مجالات محددة مثل صحة المواليد وصحة الأطفال والأمراض غير السارية والصحة النفسية والمخاطر البيئية، وكذلك بيانات عن التغطية الصحية الشاملة والنظم الصحية.

ما هي التغطية الصحية الشاملة؟
 
تعني التغطية الصحية الشاملة أن يحصل كل الناس على الخدمات الصحية التي يحتاجون إليها دون أن يتعرضوا لضائقة مالية عند سداد مقابلها. وينبغي تغطية المجموعة الكاملة من الخدمات الصحية الضرورية والجيدة، بما في ذلك تعزيز الصحة والوقاية والعلاج والتأهيل والرعاية الملطفة.
وتقتضي التغطية الصحية الشاملة التغطية والقيام بالتدخلات الرئيسية التي تتصدى لأهم أسباب المرض والوفاة. وتتعلق إحدى الغايات الرئيسية للتغطية الصحية الشاملة بجودة الخدمات الصحية التي يتعين أن تكون جيدة بالقدر الكافي لتحسين صحة من يحصلون على الخدمات.
وإذا اضطر الناس إلى أن يسددوا معظم التكلفة من مالهم الخاص سيتعذر على الفقراء الحصول على كثير من الخدمات التي يحتاجون إليها، وحتى الأغنياء سيتعرضون لضائقة مالية في حالة الإصابة باعتلال وخيم أو طويل الأمد. وتزيد إتاحة الخدمات اللازمة والحماية من المخاطر المالية من خلال أشكال الحماية المالية التي تتيح تجميع الأموال (عن طريق الضرائب وسائر الإيرادات الحكومية و/ أو اشتراكات التأمينات) لتوزيع تكلفة المخاطر المالية للاعتلال على السكان، وتتيح الدعم غير المباشر من الأغنياء للفقراء ومن الأصحاء للمرضى.
ولا يمكن تحقيق التغطية الصحية الشاملة في جميع البلدان بين ليلة وضحاها، ولكن بإمكان جميع البلدان أن تتحرك بسرعة أكبر نحو تحقيقها أو أن تحافظ على المكاسب التي حققتها بالفعل. وفي البلدان التي أصبحت فيها إتاحة الخدمات الصحية بأسعار ميسورة أمرا تقليديا تجد الحكومات صعوبة متزايدة في تلبية احتياجات السكان الصحية التي لا تكف عن التزايد، وفي تغطية التكاليف المتنامية للخدمات الصحية.
ومن العوامل الرئيسية التي تحدد الخدمات الصحية التي تعطيها البلدان الأولوية: السياق الوبائي، والنظم الصحية، والتنمية الاجتماعية الاقتصادية، وتوقعات الناس.

تحديات متعددة

وتعتبر منظمة الصحة العالمية أن التغطية الصحية الشاملة لا تتعلق بالتمويل فقط، وينبغي أن تغطي كل عناصر النظام الصحي كي يكون ناجحا: نظم تقديم الخدمات الصحية، والقوى العاملة الصحية، والمرافق الصحية أو شبكات الاتصال، والتكنولوجيات الصحية، والمعلومات الصحية، وآليات ضمان الجودة، وتصريف الشؤون، والتشريع.
ولا تتعلق التغطية الصحية الشاملة بمجرد تأمين حزمة من الخدمات الصحية التي تشكل الحد الأدنى، ولكنها تتعلق أيضا بتأمين التوسع التدريجي في التغطية بالخدمات الصحية والحماية من المخاطر المالية مع توافر المزيد من الموارد.
كما لا تعني التغطية الصحية الشاملة التغطية المجانية بكل التدخلات الصحية الممكنة بصرف النظر عن تكلفتها، ولا أن بإمكان أي بلد أن يقدم كل الخدمات مجانا على الدوام.
ولا تقتصر التغطية الصحية على الصحة، فاتخاذ خطوات من أجل تحقيق التغطية الصحية الشاملة يعني اتخاذ خطوات من أجل تحقيق الإنصاف وأولويات التنمية والإدماج والتماسك الاجتماعيين.

رصد التقدم

تؤكد منظمة الصحة العالمية أن رصد التقدم نحو تحقيق التغطية الصحية الشاملة ينبغي أن يركز على تغطية السكان بالخدمات الجيدة الضرورية وعلى الحماية المالية من المدفوعات المباشرة الكارثية سواء بسواء. وينبغي إيلاء اهتمام خاص لأشد الفئات حرمانا، مثل أكثر الناس فقرا أو من يعيشون في مناطق ريفية نائية.
وقد وضعت المنظمة مع البنك الدولي إطارا لتتبع التقدم في تحقيق التغطية الصحية الشاملة. ومن خلال رصد التغطية الصحية الشاملة يمكن أن تتحقق البلدان من الغايات المنشودة، وأن تركز على المجالات التي تتطلب المزيد من الاهتمام.

***

تقرير: ما زال الناس يدفعون الكثير من أموالهم على الصحة رغم زيادة إنفاق البلدان

يشهد الإنفاق على قطاع الصحة نموا بوتيرة أسرع من سائر قطاعات الاقتصاد العالمي، حيث يمثل نسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ويكشف تقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية مؤخرا بشأن النفقات الصحية العالمية عن تصاعد سريع في مسار الإنفاق العالمي على قطاع الصحة، وهو ما يتضح بشكل خاص في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط حيث يتنامى الإنفاق على قطاع الصحة بنسبة 6% في المتوسط سنويا مقارنةً بنسبة 4% في البلدان المرتفعة الدخل.
ويتألف الإنفاق على قطاع الصحة من الإنفاق الحكومي، والمدفوعات من الأموال الخاصة (حيث يدفع الناس مقابل ما يحصلون عليه من رعاية)، ومصادر مثل التأمين الصحي الطوعي، والبرامج الصحية التي توفرها جهات العمل، والأنشطة التي تمارسها المنظمات غير الحكومية.
وتوفر الحكومات نسبة 51% في المتوسط من إنفاق البلدان على قطاع الصحة، بينما تأتي نسبة تتجاوز 35% من الإنفاق على قطاع الصحة في كل بلد من النفقات من الأموال الخاصة. ويؤدي ذلك إلى عواقب من بينها دفع 100 مليون شخص إلى دائرة الفقر المُدقِع سنويا.
ويسلط التقرير الضوء على اتجاه تصاعدي في التمويل العام المحلي لقطاع الصحة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، مع تراجع التمويل الخارجي في البلدان المتوسطة الدخل. ويشهد الاعتماد على النفقات من الأموال الخاصة انحساراً في أنحاء العالم، وإن كان ذلك بمعدلات بطيئة.
وعلى حد قول الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، فإن “زيادة الإنفاق المحلي أمر ضروري لتحقيق التغطية الصحية الشاملة وبلوغ أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة. لكن الإنفاق على قطاع الصحة ليس من قبيل التكاليف، وإنما هو استثمار في سبيل الحد من الفقر، وإيجاد الوظائف، وزيادة الإنتاجية، وتحقيق نمو اقتصادي شامل، وإقامة مجتمعات تنعم بقدر أكبر من الصحة والأمان والإنصاف”.
وقد تضاعف نصيب الفرد من الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة في البلدان المتوسطة الدخل منذ العام 2000. حيث يبلغ مقدار ما تنفقه الحكومات على قطاع الصحة في الشريحة الدنيا من البلدان المتوسطة الدخل 60 دولارا أمريكيا لكل شخص في المتوسط، وما يناهز 270 دولارا أمريكيا لكل شخص في الشريحة العليا من البلدان المتوسطة الدخل.
وعندما يزداد الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة، تقل احتمالات سقوط الناس في براثن الفقر أثناء سعيهم للحصول على الخدمات الصحية. لكن الإنفاق الحكومي مجرد وسيلة للحد من أوجه الإجحاف في الإتاحة عند التخطيط بعناية لاعتماد مخصصات تضمن إمكانية حصول السكان بأكملهم على الرعاية الصحية الأولية.
وتشير البيانات الأخيرة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط إلى أن أكثر من نصف الإنفاق على قطاع الصحة يخصص للرعاية الصحية الأولية. إلا أن أقل من 40% من مجمل الإنفاق على الرعاية الصحية الأولية يأتي من الحكومات.

Related posts

Top