السلطة الفلسطينية والاختبار الصعب

الرئيس عباس أمام اختبار المصداقية الصعب بين الالتزام بقرارات «المركزي» وبين التزامه الوساطات الجديدة التي تتعارض كلياً مع هذه القرارات
السؤال الذي فرض نفسه مباشرة عقب إعلان البيان الختامي للدورة الثلاثين للمجلس المركزي الفلسطيني التي عقدت في رام الله (27 و 28 /10 /2018) هو:هل سينفذ الرئيس الفلسطيني محمود عباس هذه القرارات المهمة هذه المرة؟ وكان المجلس المركزي قد اتخذ القرارات ذاتها وخاصة قراري تعليق أو سحب الاعتراف الفلسطيني بدولة إسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين، ووقف التنسيق الأمني معها بكافة أشكاله وانفكاك الاقتصاد الفلسطيني عن نظيره الإسرائيلي، في دورته السابقة في كانون الثاني/ يناير 2018.
السبب في طرح هذا السؤال أن المجلس المركزي سبق أن كلف الرئيس الفلسطيني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بتنفيذ هاتين المهمتين، ولم يحدث شئ، وجاء رفض أطراف فلسطينية مهمة المشاركة في الدورة الأخيرة التي عقدها المجلس المركزي الفلسطيني مثل الجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية و«المبادرة الفلسطينية» إضافة إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي لاتهامها الرئيس أبو مازن بالتملص من تنفيذ القرارات الصادرة عن المجلس المركزي، وخاصة هذين القرارين ليؤكد هذا التخوف من التسويف المحتمل لتنفيذ القرارات. لكن هناك سبب آخر لا يقل أهمية وهو تعارض هذه القرارات القوية مع الأجواء الجديدة في الاتصالات غير المباشرة بين السلطة وحكومة الاحتلال عبر الوسطاء، حيث اتضح وجود اتصالات غير مباشرة فلسطينية – إسرائيلية،ووجود أفكار يجري تداولها بهذا الخصوص، تكشف أن أبو مازن والسلطة الفلسطينية مشغولون بملفات أخرى تتعارض مع هذه القرارات التي جدد المجلس المركزي إصدارها.
فالناطق باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي أوفير جندلمان كان قد ذكر بأن هناك نقاشاً حول سبل دفع عملية السلام وقضايا تتعلق بتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. ومن أهم هذه الأفكار محاولة إقناع الرئيس الفلسطيني بالتراجع عن اعتراضه على إجراء أية اتصالات مع الإدارة الأميركية، ومنها أيضاً ترتيبات تديرها بعض الأطراف لها علاقة بالضغط على الرئيس الفلسطيني للتخلي عن ذلك الاعتراض ويجدد سياسة التواصل والتحاور مع الإدارة الأمريكية. من بين هذه الأفكار المهمة أيضاً ما جرى تداوله بوجود استعداد لدى الرئيس الفلسطيني، أعرب عنه مؤخراً باستعداده لإجراء مفاوضات ثنائية مع إسرائيل، لكن من دون وساطة أميركية، وشرط توافر أساس جيد لها.
سلطنة عمان أعلنت بوضوح شديد على لسان يوسف بن علوي عبد الله، وزير الخارجية أمام منتدى «حوار البحرين للأمن الإقليمي» الذي استضافته العاصمة البحرينية مؤخراً (27/10/2018) أن دور السلطنة في «إحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يتوقف على ما تقوم به الإدارة الأميركية في صفقة القرن» وقال إن عُمان «ليست وسيطاً بين إسرائيل وفلسطين، لكنها تساعد على تقارب الطرفين».
من جانبه، حرص الرئيس الفلسطيني على أن يشيد بـ «الدعم الكبير الذي قدمته وتقدمه السلطنة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة على الصعد كافة»، وشدد أيضاً على «حرص فلسطين وقيادتها على تعزيز التنسيق والتعاون المشترك في سبيل خدمة القضية الفلسطينية وقضايا الأمة العربية».
الدور العماني، ومجمل الأفكار والترتيبات التي جرى تداولها بمعرفة السلطة الفلسطينية ورئيسها تتعارض تماماً مع القرارات التي أصدرها المجلس المركزي الفلسطيني في اجتماعه الأخير ليس فقط ما يخص تعليق الاعتراف الفلسطيني بالكيان ووقف التنسيق الأمني، ولكن أيضاً تجديد أبو مازن رفضه المطلق لـ «صفقة القرن»، وتوجيه «هجوم ضار» لهذه الصفقة ومشدداً على أنه «إذا كان وعد بلفور قد مرَّ فلن تمر صفقة القرن»، كما أعلن تمسكه بـ «القدس الشرقية عاصمة لدولتنا» رافضاً أن تكون القدس عاصمة لدولتين، ورافضاً لمقترح «الدولة بحدود مؤقتة». وفي الوقت ذاته، أكد البيان الختامي للمجلس المركزي«تأكيد الحق في المقاومة بكافة الوسائل وفقاً للقانون الدولي».
فكيف سيفي الرئيس واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير المكلفان بتنفيذ قرارات المجلس المركزي مع التزامهما أيضاً بالتنسيق والتعاون مع الوسطاء لتحريك مفاوضات يريدها الرئيس الفلسطيني؟ وكيف سيحرك مقاومة وطنية، وكيف سيتصدى لـ «صفقة القرن» في ظل الانقسام الوطني وغياب قوى فلسطينية فاعلة قاطعت دورة المجلس المركزي لقناعتها أن الرئيس واللجنة التنفيذية تعمدا تسويف تلك القرارات التي كان قد أصدرها المجلس المركزي في دورته السابقة.
تساؤلات تضع الرئيس الفلسطيني ومعه السلطة والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية أمام اختبار المصداقية الصعب في الاختيار بين الالتزام بالقرارات شديدة الأهمية التي تمثل مطلباً شعبياً فلسطينياً وبين مواصلة التزاماته بالوساطات الجديدة وما تتضمنه من أفكار وتعهدات قدمت للوسطاء تتعارض كلية مع قرارات المجلس المركزي الفلسطيني ومع متطلبات تفعيل مشروع وطني للمقاومة.

> د. محمد السعيد إدريس*

* أستاذ العلوم السياسية ومسؤول مركز الدراسات بصحيفة «الأهرام» ـ القاهرة

Related posts

Top