دور الإعلام في النهوض بالحقوق الإنسانية للنساء

شكل موضوع “صورة المرأة في الإعلام” محورا أساسيا للنقاش خلال المائدة المستديرة التي نظمها اتحاد العمل النسائي بمدينة الدار البيضاء أول أمس السبت. 

وقدم المشاركون في اللقاء صورة قاتمة عن التناول الإعلامي لقضايا النساء ببلادنا، والذي زاد من تدهوره انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وانزياح الرسالة الإعلامية في أغلب الأحيان عن دورها التغييري والإصلاحي إلى خدمة أهداف الإثارة وتعزيز ثقافة استغلال المرأة في تشجيع الاستهلاك، مع كل ما يصحب ذلك من تكريس للصور النمطية التي ظلت المرأة حبيسة لها منذ عقود ولا تزال. 

ووجد المشاركون أنفسهم منساقين إلى مزيد من التشخيص والتحليل لأوضاع النساء بين الواقع والمأمول، وذلك خلال الندوة التي عقدت بالأساس للتداول بشأن “دور الإعلام في تتبع وتنفيذ تدابير الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان ذات صلة بالحقوق الأساسية للنساء”، بحضور مناضلين ومناضلات في مجال الدفاع عن الحقوق الإنسانية للنساء، وكذلك عدد من الفاعلين والفاعلات في قطاع الإعلام ببلادنا.

واعتبر عدد من المتدخلين أن المرأة حققت مكتسبات عديدة على مر العقود الماضية، سواء من خلال مجهوداتها المشهودة من أجل الارتقاء بوضعها الاجتماعي، أو من خلال ما منحه لها المشرع لدى وضع القوانين الوطنية منذ الاستقلال إلى ما بعد دستور 2011 وإقرار مدونة الأسرة.. الشيء الذي يجعل، بنظر هؤلاء المتدخلين، الحديث عن “التمييز” وعن ضرورة تفعيل الحقوق الإنسانية للنساء، “غير ذي موضوع” في سياقنا الوطني. 

بينما رأى عدد من المشاركين والمشاركات، أن إعطاء صورة “مثالية” من هذا القبيل عن وضعية النساء ببلادنا، يعتبر في حد ذاته انعكاسا لاستمرار العقلية الذكورية التي تعد سببا أساسيا في التناقض الصارخ والهوة السحيقة بين الخطاب والواقع، وبين النص القانوني والواقع والممارسة اليوميين، حيث لم يشفع للمرأة نضالها وحضورها الإيجابي في مختلف المجالات الاجتماعية لتغيير صورة نمطية في الذهن الذكوري تجعلها “فاقدة للأهلية” من أجل تبوأ الموقع الذي تستحقه في الأسرة والمدرسة والعمل والفضاءات العمومية.

ويستمر الوضع كذلك في وسائل الإعلام بمختلف قطاعاتها. فعلى الرغم من الحضور المهني القوي والمتميز للنساء في هذا المجال، بحيث ذهب أحد المشاركين إلى اكتساحهن للمجال بنسبة 80 بالمائة بين صحافيات وتقنيات وصلن إلى مراتب رئاسة التحرير والإدارة والتسيير في العديد من المنابر، إلا أن ذلك لم ينعكس بالضرورة إيجابا على صورة المرأة عموما في الإعلام، ومنها أيضا المرأة الصحافية، بحيث ما تزال أغلب وسائل الإعلام تسقط في فخ تقديم صورة سلبية عن المرأة، “بين الشيطنة والاستهلاك”، سواء خلال العمل الصحفي في تغطية الأحداث المجتمعية المختلفة، أو في مجال الإشهار حيث يعلو المنطق التجاري على الرسالة الإعلامية الهادفة إلى التغيير الإيجابي للعقليات والممارسات. 

وشكلت المائدة المستديرة فرصة لوضع أرضية للنقاش في موضوع محاولة إيجاد مخرج لهذه الإشكالات، من خلال برنامج وضعه اتحاد العمل النسائي للتواصل والتكوين يستهدف نساء ورجال الإعلام، ودورهم في النهوض بالحقوق الإنسانية للمغربيات وإشاعة ثقافتها، عبر تعزيز عملهم في تتبع إعمال “الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان”. وتقوم الجمعية بتنفيذ هذا البرنامج بشراكة مع الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان التي بلورت هذ الخطة.

وفي هذا السياق، قدم موعمو مولاي المختار، ممثل الوزارة المذكورة، عرضا مستفيضا حول الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان، عرف من خلاله بأسباب نزول الخطة ومجالاتها ومراحل بلورتها، وكذا الآليات التي وضعتها الوزارة بهدف ضمان تنفيذها. وأشار المسؤول أن حقوق النساء مستحضرة بصفة عرضانية داخل الخطة من خلال عدة تدابير تشمل الجوانب التشريعية والمؤسساتية، وكذا مجالات التواصل والتعبئة المجتمعية حول الخطة، وتقوية القدرات في أفق التكريس الفعلي لحقوق الإنسان.  

من جهتها، اعتبرت عائشة الخماس، رئيسة “اتحاد العمل النسائي”، أن واقع الحال مازال ينضح بمظاهر “مقلقة” للتمييز الذي تواجهه النساء في عدة مجالات، تنطق بها تقارير مراكز الاستماع التابعة للجمعيات النسائية، وكذا الأخبار والمواد الإعلامية في الصحافة وفي وسائط التواصل الاجتماعي.

 وأشارت المتحدثة أنه، على الرغم من تنامي دور المرأة في الحياة العامة، فإن هذه الديناميكية ما تزال تفتقد، برأيها، “لأداة إعلامية مستقلة ومتحررة من القيود المفروضة من قبل المجتمع التقليدي من جهة والمجتمع الاستهلاكي من جهة أخرى”. 

وتحدثت الخماس، من جانب آخر، عن بعض جوانب القوة والقصور التي تضمنتها “الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان”، معتبرة أن البرنامج الذي أعدته الجمعية من شأنه تقوية قدرات الإعلاميين، بشراكة مع الجمعيات المدافعة عن حقوق النساء، “من أجل تقديم مادة إعلامية ذات خلفية حقوقية ومعرفة كافية بالمستجدات، بما يساهم في إشاعة ثقافة المساواة ومحاربة العنف والتمييز ضد النساء”. 

من جانبه، سجل الصحافي محمد نجيب كومينة إيجابية إعادة إحياء الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان على عهد الحكومة الحالية. 

واعتبر كومينة أن صورة المرأة في الإعلام المغربي لم تكن بذلك السوء يوما بحيث قدم المغرب، منذ فترة الاستقلال، سواء على مستوى الدولة أو على مستوى صياغة القوانين أو وفي وسائل الإعلام، نموذجا للمرأة المغربية المتحررة الفاعلة في المجتمع، بدءا من السلطان محمد بن يوسف الذي أعطى لبناته أدوارا مهمة في الفضاء العمومي، ومرورا بالنساء اللواتي أثثن المشهد الإعلامي منذ تلك الفترة أيضا، ووصولا إلى ما تم تحقيقه على المستوى التشريعي والمؤسساتي. 

إلا أن هذه الصورة وهذا الدور، حسب المتحدث، يجدان بالتأكيد مقاومة كبيرة من المنطق الذكوري الذي لم يتراجع ولكنه سائر بالتأكيد نحو الزوال بقوة الأشياء التي تفرض التأقلم مع مجتمع يرفض إلا أن يكون مؤمنا بالمساواة والكرامة لجميع فئاته.

 واعتبر كومينة أن دور الإعلام في هذه المرحلة يجب أن ينتقل من الوصف والتشخيص إلى فضح مظاهر التمييز التي تعانيها المرأة في مختلف المجالات، وكذا تعزيز قابلية المجتمع للتغيير على المستويين القيمي والسوسيولوجي.    

> سميرة الشناوي

Related posts

Top