“صيرورة النص المسرحي المغربي” للباحثين محمد يحيى قاسمي ومصطفى رمضاني

ازدانت رفوف الخزانة المغربية بإصدار بيبليوغرافي جديد للدكتورين محمد يحيى قاسمي ومصطفى رمضاني، اختارا له عنوان “صيرورة النص المسرحي المغربي”. يأتي هذا الإصدار الجديد في سياق دينامية متنامية ومتجددة يشهدها البحث البيبليوغرافي الأدبي بالمغرب، تتجلى ملامحها في المؤشرات الآتية:

المؤشر الأول، يكمن في تواري النظرة السلبية اتجاه علم البيبليوغرافيا: إذ توارت تلك الأقلام، وبكمت تلك الأفواه التي كانت -وإلى عهد قريب- تلوك بعض الأحكام الجاهزة حول الدرس البيبليوغرافي بالمغرب، متهمة إياه بأبشع النعوت والصفات القدحية التي تنقص من قيمته، وتحط من شأن المشتغلين به. إلا أن -اليوم- أصبح جل الباحثين والدارسين يقرون بأهمية الدرس البيبليوغرافي، ويعترفون بفضله العميم على البحث العلمي. فهو مبتدؤه ومنتهاه، كما يقول دائما الدكتور مصطفى رمضاني.

المؤشر الثاني، يتجلى في تواتر الإصدارات البيبليوغرافية: فخلال بحثي الأخير حول التراكم الذي حققه الدرس البيبليوغرافي الأدبي بالمغرب، وقفت عند خمسين ومائتي (250) كتاب بيبليوغرافي، وثق جميع الأجناس الأدبية الحديثة بالمغرب. ويتربع كتاب المرحوم أحمد النميشي، الموسوم بـ”تاريخ الشعر والشعراء بفاس”، والصادر سنة أربع وعشرين وتسعمائة وألف للميلاد (1924م)، على عرش هذا التراكم، فهو باكورة هذا الريبرتوار. في حين يختتمكتاب “صيرورة النص المسرحي المغربي” هذه اللائحة. واللافت للانتباه في هذا التراكم، هو الوثيرة المتسارعة التي تشهدها الإصدارات البيبليوغرافية خلال العقود الأخيرة، حيث بلغت أوجها في العقد الأول من الألفية الثالثة بأكثر من مائة (100) إصدار.

المؤشر الثالث، يتمظهر في إحداث وحدة البحث والتكوين في علم البيبليوغرافيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة، تحت إشراف الدكتور محمد يحيى قاسمي وتأطير ثلة من خيرة الأساتذة الباحثين؛ منهم الدكتور مصطفى سلاوي والدكتور مصطفى رمضاني وبدر المقري وعبد الله الحموتي…. هذه الوحدة فتحت أعين الطلبة والباحثينعلى علم كانوا يجهلون عنه الشيء الكثير. واستطاعت أن تخرج عشرات البيبليوغرافيين الذين يؤثثون المشهد البيبليوغرافي بالمغرب.

المؤشر الرابع، هو تعدد اللقاءات البيبليوغرافية؛ سواء أكانت توقيعات كتب أم ندوات أم أيام دراسية خاصة بهذا العلم وبرجالاته. وهذا شكل من أشكال الاعتراف بفضل هذا العلم وبأهمته.

 إن الكتاب الذي أتشرف بتقديمه، والموسوم  بـ”صيرورة النص المسرحي المغربي”، الصادر عام ثمانية عشر وألفين (2018) عن مطبعة الجسور بوجدة، في سبع وثمانين ومائة (187) صفحة، يوثق المنجز المسرحي المغربي منذ بداية القرن الماضي إلى يومنا هذا. ونقر بسبق إصرار، وقبل أن نلج عوالم المتن، بأن شروط نجاح هذا المنجز البيبليوغرافي وتوفقه متوفرة، مادام المشرفان على تأليفه باحثين متمرسين في مجالين مختلفين. فالدكتور مصطفى رمضاني رجل مسرح بامتياز، يتنفس المسرح ويعشقه، يمارسه إبداعا ونقدا وتأطيرا وتنظيرا. يكفيه فخرا أنه يعد من المنظرين العرب الأوائل للمسرح الاحتفالي. أما الدكتور محمد يحيى قاسمي، فهو بيبليوغرافي متميز، تجاوزت منشوراته البيبليوغرافية عتبة ثلاثين (30) عملا بيبليوغرافيا. لذا، يستحق أن يضع شارة عميد المفهرسين المغاربة؛ لما راكمه من أعمال بيبليوغرافية، تجاوزت حدود الوطن، لتحلق في فضاءات الأدب المغاربي الشاسعة، والمترامية الأطراف حتى أنه وصف بالكائن البيبليوغرافي الذي “يدمن تمشيط المكتبات، ويعيش على ما تلفظه المطابع، يمارس طقوس التأليف البيبليوغرافي بشغف، ولا ينام إلا وصيده في حاسوبه”.

 وعلى الرغم من إقرارنا بتميز هذا العمل البيبليوغرافي المحتفى به، وتوفر شروط نجاحه، إلا أنه بالمقابل ليس فريد جنسه؛ إذ سبقته أعمال بيبليوغرافية أخرى اهتمت بفهرسة النصوص المسرحية، منها ما اتخذ من الإقليمية منطلقا لها ككتاب “الحركة المسرحية بطنجة” لرضوان احدادو، الصادر عام واحد وتسعين وتسعمائة وألف (1991م)، ومنها ما اشتغلت على ضابط المؤلف، كما هو الحال في كتاب زبيدة لهلالي المعنون بـ”أعلام مؤلفي المسرح في المغرب”. ومنها ما خضعت لضابط زمني، يحدد المسار التاريخي للبيبليوغرافيا، ويسيجها بحدود زمنية لا تتجاوزها، ولا تخرج عن نطاقها، كما نجده عند مصطفى القباج في “المسرح المغربي من الاستقلال حتى الآن”، الصادر سنة تسع وستين وتسعمائة وألف (1969). وتجدر الإشارة، إلى أن الباحثين: مصطفى رمضاني ومحمد يحيى قاسمي، قد أصدرا سنة ثلاث وألفين (2003) كتابا في الموضوع نفسه، واختارا له عنوان “بيبليوغرافيا المسرح المغربي”. ومن هنا، يتبادر إلى ذهن المتتبع، قبل اطلاعه على متن الكتاب الجديد، مجموعة من التساؤلات من قبل:

> هل الإصدار الجديد هو اجترار لسالفه؟

> هل هو امتداد وتتمة لما سبق؟

> ألم يكن من الأجدى والأنفع بالباحثين أن يصدرا فقط ملاحق وتكملات تغطي المدد الزمنية التي تفصل بين الإصدار الأول والثاني؟

> ما هي القيمة المضافة التي يقدمها الإصدار الجديد في ميدان البحث البيبليوغرافي في مجال المسرح المغربي؟  

ولكي نجيب عن بعض هذه التساؤلات، لا بد من النبش في المتن المرصود، وإخضاع مفرداته البيبليوغرافية لدراسة مقارنة، حتى نتمكن من استجلاء فضل السابق على اللاحق، ونتبين الإضافات التي جاد بها الإصدار الأخير. واحتراما للقاعدة الفقهية التي ترى أن دخول البيوت لا تتم إلا من خلال أبوابها، سندخل متن هذا المؤلف البيبليوغرافي من بابه الرئيس، وعتبته الأولى، ألا وهي العنوان. هذا المصاحب للتأليف جاء في سياق تركيب إضافي مكون من أربع مفردات تحمل دلالات خاصة؛ فإذا كان أمر معاني مفردات المضاف إليه ودلالاتها الاصطلاحية محسوما، وورودها في عناوين بيبليوغرافية سابقة أمرا مألوفا، فإن توظيف مصطلح “صيرورة” في عنوان كتاب بيبليوغرافي يثير انتباه المتتبع ويستفز شعوره. فمن خلال بحث سابق في المصطلحات التي وظفها البيبليوغرافيون المغاربة في منجزاتهم، وقفت عند أكثر من اثنين وأربعين (42) مصطلحا؛ منها العربي الأصيل كالتراجم والتكشيف، ومنها المعرب كالفهرسة والبرنامج والديوان، ومنها الدخيل كالفهرست والبيليوغرافيا، ومنها المستعار من حقول معرفية أخرى كالتراكم. إلا أنني لم أعثر البتة على مصطلح “الصيرورة”. بيد أن الدكتور محمد يحيى قاسمي استعمل مصطلحا قريبا لفظا من مصطلحنا هذا، وهو “السيرورة” (بالسين)، وذلك في كتابه “سيرورة القصيدة” الصادر سنة ألفين (2000). فما الفرق بين المصطلحين؟ ولماذا اختار الباحتان مصطلح “الصيرورة” وفضلاه عن “السيرورة”؟

بالرجوع إلى المعاجم اللغوية العربية، نجد أن السيرورة مشتقة من الجدر (س.ي.ر) الدال على التقدم المتتالي.أما الصيرورة فهي مصدر مشتق من الفعل صار الدال على التحول والتقدم. وإذا ما انتقلنا من الدلالة اللغوية إلى الدلالة الاصطلاحية للمفردتين، نجد أن المصطلحين قد شغلا بال الفلاسفة منذ زمن هيروقليطس، بل مثلا بالإضافة إلى مصطلح “الكينونة” محور الفلسفة اليونانية، والعمود الفقري لكل الأبحاث الإلاهية والطبيعية والإنسانية. وقد استمر حضور هذه المصطلحات في الأدبيات الفلسفية مع فلاسفة الوجودية والماركسية.. الذين خاضوا في قضية دلالة المصطلحين، والفرق بينهما. فاعتبروا “السيرورة”سلسلة من الإجراءات أو العمليات تتميز بتغيرات تدريجية تقود الى نتيجة معينة، فهي عبارة تراكم كمي متتال. بينما تحيل “الصيرورة”إلى انتقال الشيء من حالة الى أخرى، أو من زمان الى آخر، وهي مرادفة للحركة والتغيير، أي أنها تحول نوعي وليست تراكما كميا فقط.فالشيء المتصف بالصيرورة نقيض الشيء المتصف بالثبوت والسكون. وقد استدلوا على ذلك بأقوال خالدة من قبيل (لا يستحم في النهر مرتين).

من هنا نستنتج أن اختيار مصطلح “صيرورة” وتفضيله عن رديفه “سيرورة” في مؤلف الدكتورين مصطفى رمضاني ويحيى محمد قاسمي، لم يأت صدفة أو اعتباطا، بل لعمري، جاء عن وعي وتبصر. وهما بذلك يودان إثارة انتباه المتلقي إلى أن موضوع كتابهما يدور حول التراكم الكمي والتطور النوعي الذي حققه النص المسرحي المغربي منذ سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة وألف (1933)، تاريخ صدور أول نص مسرحي بالمغرب لعبد الخالق الطريس، والموسوم بـ”انتصار الحق بالباطل”، إلى آخر عمل مسرحي لأحمد عبد السلام البقالي والمعنون بـ”مشاعل الحرية”.

وإذا ما تجاوزنا العتبة الأولى من الكتاب، وتفحصنا المتن، نجد أنه يزخر بمادة بيبليوغرافية غزيرة، تتمثل في ستة وثلاثين وخمسمائة (536) نص مسرحي منشور بين دفتي كتاب، وأربع وثمانين (84) مسرحية منشورة بمختلف المجلات المغربية والعربية، وواحد وتسعين (91) نصا ورد بالملاحق الثقافية للجرائد المغربية. كما أن الكتاب رصد أربعا وسبعين ومائتي (274) سيرة للمسرحيين المغاربة. وهذا الكم لم نعهده في أي عمل سابق؛ فزبيدة لهلالي – مثلا- التي خصصت كتابها لأعلام المسرح بالمغرب لم ترصد سوى اثنين وتسعين ومائة (192) ترجمة. أما كتاب “بيبليوغرافيا المسرح المغربي” للمؤلفين نفسيهما، لم يوثق سوى أربع وعشرين ومائتي (224) مسرحية. هذه المعطيات تبرز غزارة المادة المرصودة بكتاب “صيرورة النص المسرحي بالمغرب”. ولكي يبسط الباحثان المفردات البيبليوغرافية المرصودة، ويسهلا عملية الوصول إليها، اعتمدا منهجا توثيقيا يرتكز على أربعة أقسام؛ قسم خاص بتوثيق النصوص المسرحية الصادرة بين دفي كتاب، مرتبة ترتيبا كرونولوجيا، مع ووصفها وذلك من خلال تقديم مجموعة من البيانات البيبليوغرافية مثل: العنوان، اسم المسرحي، دار النشر، سنة النشر، عدد الصفحات… أما القسم، فقد خصص للنصوص المسرحية المنشورة بالمجلات العربية والمغربية، وخصص القسم الثالث للمسرحيات الواردة بالملاحق الثقافية للجرائد المغربية.وأفرد الباحثان القسم الرابع للشق البيوغرافي، حيث استعرضا سير كتاب المسرح المغربي مرتبة ترتيبا معجميا، ومتضمنة لإبداعاتهم المسرحية. ولم يخل أي قسم من أقسام الكتاب من بيانات واحصائيات وجداول تقيس التراكم المسرحي بالمغرب وتقارنه، تبرز مظاهر تطوره من سنة لأخرى ومن عقد لآخر. كما تطرح القضايا التي تستدعى من المهتمين والنقاد الانكباب عليها قصد تحليلها ودراستها واستنتاج خلاصات وتبريرات لها. ومن ضمن هذه القضايا المثارة نذكر:

قضية البداية المفترضة للمسرح المغربي: تؤرخ البيبليوغرافيا لبداية نشر النصوص المسرحية المغربية بسنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة وألف(1933)، وهي سنة صدور نص “انتصار الحق بالباطل” لعبد الخالق الطريس. لكن هل فعلا يمثل هذا الحدث صرخة ميلاد الحركة المسرحية بالمغرب؟ ألم تسبقه محاولات تأليفية سابقة؟ خصوصا وأننا نعلم أن ظروف النشر في تلك الحقبة من تاريخ المغرب، كانت صعبة، وأن عيون الرقيب المحتل كانت يقظة ومتربصة بكل من يحاول أن يعكر صفو استقراره. 

وإذا ما علمنا أن احتكاك المغاربة بالمسرح العربي والعالمي، وتعرفهم على أبجدياته سبق ذلك بكثير، انطلاقا من زيارات الفرق المسرحية العربية كفرقة فاطمة رشيد وفرقة يوسف وهبي ما بين سنتي 1913 و 1923. وأيضا تأسيس فرق مسرحية بتطوان وفاس والرباط وطنجة والبيضاء ابتداء من سنة 1920، كفرقة المرحوم محمد بنزكور، وفرقة الجوق الفاسي برئاسة المرحوم محمد القري، نقر بأن بداية التأليف المسرحي بالمغرب سبقت التاريخ المشار إليه في هذا العمل البيبليوغرافي، وقد أشارت بعض الدراسات لنصوص  مسرحية قديمة؛ مثل مسرحية “تحت راية العلم والجهاد” لعبد الله الجراري 1928، مسرحية “كليلة ودمنة أو عقبى الماكرين” لمحمد الحداد التي ألفت سنة 1929، ولم تنشرت إلا سنة 1986، ومسرحيات محمد القري “شهيد الصحراء، المنصور الذهبي، اليتيم المهمل”…..  

وأني تكن البداية الحقيقية للتأليف المسرحي بالمغرب، وإذا ما سلمنا جدلا بمصداقية التاريخ المشار إليه بالبيبليوغرافيا، واعتبرناه محطة فارقة في حياة المسرح المغربي، نجد أن الإصدارات المسرحية سبقت الإصدارات الروائية والقصصية المغربية والتي تأخرت إلى سنة 1938 بصدور أول مجموعة قصصية لمصطفى الغرباوي “عجائب الأقدار أو عواقب الاصرار” ، وإلى سنة 1941 بظهور أول عمل روائي لأحمد السكوري والمعنون بـ”طه”.

قضية التراكم المسرحي بالمغرب: غطت البيبليوغرافيا قيد الدرس فترة زمنية تقدر بخمس وثمانين (85) سنة، رصد المؤلفان من خلالها أحد عشر وسبعمائة (711) نص مسرحي، وبعملية إحصائية بسيطة، يمكننا أن نستخلص أن التأليف المسرحي بالمغرب، تجاوز بقليل معدل ثمانية (08) نصوص في السنة. إلا أن هذه النسبة غير قارة، وغير مستقرة على حال؛ إذ إنها تتفاوت من سنة لأخرى، ومن عقد لآخر، فهي تعرف حالات من المد والجزر: مرة تصل إلى أقصى درجات التوهج، ومرات عديدة تدخل مراحل الكمون والخمول؛ وإذا ما أمعنا النظر في سنوات النشر، واستنطاقنا المتن البيبليوغرافي، تمكننا من الوصول إلى حقائق هامة، ومعطيات لا يمكن تجاهلها، أو المرور عليها مرور الكرام. ونذكر من هذه الحقائق والمعطيات أن التآليف المسرحية المغربيةبدأت بوثيرة متثاقلة، إذ لم يتجاوز عدد ما لفظته المطابع في العقود الخمسة الأولى من القرن الماضي ثمان (08) مسرحيات. في المقابل، تجاوزت الإصدارات المسرحية خلال العقد الأول من الألفية الثالثة خمسين ومائة (150) إصدار، وفي العقد الثاني من الألفية نفسها تجاوزت ثمانين ومائة (180) مسرحية. ويعد عقد الثمانين من القرن الماضي، محطة مفصلية في مسار تطور المسرح المغربي؛ إذ إنه يؤشر على بداية مرحلة، تتميز بغزارة في إنتاجات النصوص المسرحية، والتي بلغت ثلاثة وستين (63) نصا، وهو عدد لم يحفل به المشهد المسرحي المغربي من قبل. وقد حاولت مجموعة من الدراسات النقدية أن تتلمس أسباب هذه الصحوة، وتخوض في مسبباتها.

أغزر المسرحيين إنتاجا: أثارت البيبليوغرافيا قضية طبيعة الإنتاجات المسرحية لدى المسرحيين المغاربة. حيث أبرزت أغزرهم إنتاجا. إذ تربع عبد الله شقرون على عرش الفنانين المغاربة بأربع وثلاثين (34) مسرحية، متبوعا بعبد الكريم برشيد باثني وثلاثين (32) نصا، والمسكيني الصغير بسبع وعشرين (27) مسرحية. لكن الظاهرة الملفتة للانتباه هي أن أغلب المسرحيين المغاربة لم يتجاوزوا إصدار النص الواحد. وهذا لعمري، يتطلب بحثا مستقلا، يحلل دواعي الظاهرة، ويقف عند أسبابها. 

قضية اقتحام المرأة المغربية لمجال التأليف المسرحي: فإلى وقت قريب كان صوت المرأة المغربية غائبا كليا عن مشهد التأليف المسرحي، إذ لم تقتحم هذا المجال إلا خلال العقدين الأخيرين، وبالضبط انطلاقا من سنة 2005. حيث ظهرت أقلام مسرحية بصيغة المؤنث، استطاعت أن تجد لها موطئ قدم في ساحة تذكرت منذ زمن طويل. وبفضل مساهمات مبدعات مثل بديعة الراضي ونزهة حيكون وأمنة اللوه وآسية البلغيتي، استطاعت المرأة المغربية مراكمة واحد وعشرين (21) نصا. وهو عدد ضئيل جدا بالمقارنة مع ما أنتجه شقيقها الرجل، إلا أن دلالاته هامة. 

قضية اهتمام المجلات والصحف بالنصوص المسرحية: تشير البيبليوغرافيا إلى أن النص المسرحي المغربي أثار اهتمام المسؤولين عن بعض المجلات العربية والمغربية  والملاحق الثقافية للجرائد الوطنية منذ خمسينات القرن الماضي، إذ نشرت هذه الوسائط الثقافية ما يربو عن خمسة وسبعين ومائة (175) نص مسرحي. وقد تربعت مجلة آفاق ومجلة الفنون على عرش نشر المسرحيات بتسع عشرة (19) مسرحية للأولى، وثمان عشرة (18) للثانية. كما أن مجلات عربية اجتذبهم النص المسرحي المغربي، فتهافتوا على نشره، خصوصا نصوص عبد الكريم برشيد والمهدي الودغيري… ومما يثير الانتباه في تعاطي المجلات والملاحق الثقافية مع النص المسرحي المغربي، هو أن وثيرة النشر قد خفتت، إن لم نقل قد خمدت تقريبا. فبعد الوثيرة المرتفعة التي شهدها مجال نشر النصوص المسرحية عبر صفحات الجرائد والمجلات خلال سنوات السبعين والثمانين، لم تعد هذه الأخير تنشر هذا الجنس الأدبي إلا في حالات قليلة تعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة. كما أن المتتبع لعملية  تفاعل الملاحق الثقافية مع المنجز المسرحي، يجد أن بعض الأسماء تحظى بفرص النشر أكثر من غيرها، فنصوص عبد القادر السميحي تغطي صفحات كثيرة من الملحق الثقافي لجريد العلم، واسم يوسف فاضل يتكرر ذكره بملحق جريدة الاتحاد الاشتراكي، والمهدي الودغيري نشر أكثر من نص بملحق البيان. وهذه القضية تستدعي بحثا مستقلا.  

قضية التقويم البيبليوغرافي:

قدمت البيبليوغرافيا المدروسة عدة معطيات وحقائق تجب ما سبقبها، وتصحح ما اعتبر لدى الباحثين من الأمور المتفق عليها. فانطلاقا مناطلاع الباحثين على متون النصوص المسرحية، استطاعا تصحيح بعض المعطيات الوصفية لمجموعة من المسرحيات من قبيل تصحيح تاريخ صدور النص المسرحي، كما هو الحال “الحقيبة والصقيع” للزبير بن بوشتى الصادر سنة 1991، بدل التاريخ الذي أثبته الباحثان في كتاب “بيبليوغرافيا المسرح المغربي” وهو 1990.  كما صححا عدد صفحات مجموعة من النصوص المسرحية، ودور نشرها. 

قضية الاستدراكات البيبليوغرافية: 

لا غرو إن قلنا إن نتائج أي عمل بيبليوغرافي تبقى نسبية وغير تامة، تحتاج دائما إلى من يقومها، ويملأ فراغاتها. وهذا الأمر ليس غريبا عن كل من اشتغل بهذا الجنس التأليفي وخبر دروبه وخباياه. لذا نجد أن ثلة من البيبليوغرافيين المغاربة اعتبروا أن كمال أعمالهم وشمولها مطمح سعوا إليه سعيا حثيثا، وكابدوا من أجله مكابدات كبيرة، إلا أنهم لم يستطيعوا تحقيقه، ولم يتمكنوا من بلوغه، نظرا لطبيعة العمل البيبليوغرافي من جهة، ومحدودية القدرة البشرية من جهة ثانية. وانطلاقا من هذا الاقتناع الراسخ، وجه المفهرسون المغاربة دعوات للنقاد، والأدباء، والمؤسسات الثقافية والعلمية، والمهتمين، والمتدخلين في صناعة الكتاب، كي يبادروا إلى تقويم اعوجاج إنتاجاتهم، واستدراك ما غفلت عنه أعينهم، وتزويدهم بما لم تستطع أن تصل إليه أيديهم. لقد لبى الدكتوران مصطفى رمضاني ومحمد يحيى قاسمي هذه الدعوات، فقاما باستدراكات همت كتابهما البيبليوغرافي السابق في مجال المسرح بالدرجة الأولى، وانتاجات غيرهما من الباحثين. ففي مؤلفها الجديد، قدم الأستاذان مجموعة من الاستدراكات التي تسود بياض الأعمال السابقة. ففي كتاب (بيبليوغرافيا المسرح المغربي) الصادر عام 2003، أحصى الباحثان أربعة وعشرين ومائتين (224) نص مسرحي، غطت مساحة زمنية تقارب سبعين حولا؛ من سنة (1933)، إلى سنة (2002). وبمؤلفهما المدروس هذا (صيرورة النص المسرحي المغربي)، رصد الباحثان -في الفترة نفسها- واحدا وأربعين ومائتي (241) نص صادر بين دفتي كتاب، أي أنهما استدركا ما يناهز سبعة عشر (17) نصا غابت عن في مؤلفهما السابق. ومن النصوص المستدركة نذكر: مسرحية “المشعوذ” لعبد الله عاصم، والصادرة عام ستة وستين وتسعمائة وألف (1966). كما استدركا مجموعة من البيانات الوصفية التي لم يسعفهما البحث في الوصول إليها في العمل السابق. ومن نماذج ذلك،إستدراكهما لدار النشر ومكانه وعدد الصفحات لمجموعة من النصوص، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: “ارتجال ذي اللحية الزرقاء” لعبد الصمد الكنفاوي. 

> بقلم: يحيى عمراني*

*باحث في بيبليوغرافيا الأدب المغربي الحديث

Related posts

Top