أحداث وشخصيات -الحلقة 5-

هؤلاء العباقرة الذين ننظر لهم من بعيد كأنهم كائنات خارقة، وهبت قوة غير عادية تجعلهم يشقون طريقهم للنجاح والإبداع بكل سلاسة، تحوطهم نظرات التقدير من الجميع ولا يعرفون الإحباط أو الفشل.
عندما تبحث في سير ذاتية للعظماء والمبدعين، ستجد أنها مليئة بالتحديات، لم يولد أحدهم وهو يحمل جينات في رأسه تختلف عن باقي البشر.. كانت ميزتهم فقط الفضول والمثابرة.. منهم ظل يبحث ويجرب، ومنهم من كانت إعاقة مثل العمى والصمم دافعًا له نحو تحقيق المستحيل… لكل منهم قصة وحكاية، تعالوا بنا نتعرف عليها ونستلهم منها.

كارل ماركس

يا عمال العالم إتحدوا

ولد كارل هاينريك ماركس في ألمانيا في 5 ماي 1818، وكان واحدًا من تسعة أطفال ولدوا لهاينريك وهنريتا ماركس في ترير، في بروسيا. كان والده محامياً ناجحًا يحمل تقديراً لكانط وفولتير، وكان ناشطًا شغوفًا بتحسين بروسيا.
كان ماركس طالبًا ذا مستوى متوسط. تلقى تعليمه في المنزل حتى بلغ الثانية عشرة، وقضى خمس سنوات، من 1830 إلى 1835، في المدرسة الثانوية اليسوعية.
في أكتوبر من عام 1835، بدأ ماركس دراسته في جامعة بون. كانت جامعةً ذات طابع حي ومتمرد، كما شارك ماركس بحماسة في الحياة الطلابية. وسجن لسكره وإزعاجاته وديونه ومشاركته في عراك مع عضو من جماعة بروسيا الطلابية. في نهاية العام، أصرّ والد ماركس على التحاقه بجامعة برلين الأكثر جدية.
في برلين، درس القانون والفلسفة، وقدم إلى فلسفة هيجل، الذي كان أستاذًا في الجامعة حتى وفاته في عام 1831. لم يكن ماركس في البداية محباً لهيجل، لكنه سرعان ما انخرط مع الشباب الهجيليين، وهي مجموعة راديكالية من الطلاب ضمت برونو باور ولودفيغ فيويرباخ الذي كان ينتقد الأسس الدينية لذلك الوقت في عام 1836، أصبح ماركس أكثر حماسًا سياسيًا.
لم يستقر ماركس، وحصل على الدكتوراه من جامعة يينا في عام 1841، ولكن نظرته السياسية الراديكالية منعته من الحصول على وظيفة في التدريس فبدأ العمل كصحافي، وفي عام 1842، أصبح رئيس تحرير صحيفة رينيش تسايتونج، وهي صحيفة ليبرالية في كولونيا. بعد عام واحد أمرت الحكومة بإيقاف الصحيفة، استقال ماركس وبعد ثلاثة أشهر، تزوج من جيني فون وستفالين، وفي أكتوبر، انتقلوا إلى باريس.

إنجازات كارل ماركس

كانت باريس هي القلب السياسي لأوروبا عام 1843 فيها وبرفقة أرنولد روج، أسس ماركس مجلة سياسية اسمها الحولية الألمانية. شارك ماركس بمقالتين في بحث “مدخل إلى المساهمة في نقد فلسفة هيجل في الحق” و”حول المسألة اليهودية” وقدم في المقال الثاني رأيه حول
البروليتاريا وكيف أنّها قوة ثورية ووضح فيه اعتناقه للشيوعية. مقال واحد فقط نشر، وكان ذو نجاح نسبي، يرجع سبب ذلك بشكل كبير لتضمن المقال قصيدة غنائية لهاينرك هاينه يسخر بها من لودفيج ملك بافاريا، مما دفع الولايات الألمانية إلى حظرها ومصادرة النسخ المستوردة؛ مع ذلك رفض روج تمويل نشر الاصدارات المستقبلية، فتحطمت صداقته مع ماركس.
بعد انهيار الصحيفة، بدأ ماركس بالكتابة للصحيفة الألمانية الراديكالية اليسارية الوحيدة التي لم تكن تخضع للرقابة ومقرها باريس، صقل
ماركس وجهات نظره حول الاشتراكية المبنية على أفكار الديالكتيكية المادية لهيغل وفيورباخ، في نفس الوقت أنتقد الليبراليين والاشتراكيين الآخرين الموجودين في أوروبا
في 28 غشت 1844، التقى ماركس بفريدريك أنجلز الاشتراكي الألماني وبدأت بعدها صداقة دامت مدى حياتهما. عرض أنجلس على ماركس مقالة حديثة النشر، ظروف الطبقة العاملة في إنجلترا في عام 1844، مقنعاً ماركس أن الطبقة العاملة سوف تكون فاعلة وأداة ثورية. قرر الاثنان كتابة نقدٍ حولَ الأفكار الفلسفية لصديق ماركس السابق، برونو بوير، وتم نشره عام 1845 بعنوان
“العائلة المقدسة”.
في وقت لاحق من ذلك العام، انتقل ماركس إلى بلجيكا بعد طرده من فرنسا أثناء كتابته لصحيفة متطرفة أخرى كان لها علاقات قوية مع
منظمة من شأنها أن تصبح في وقت لاحق الرابطة الشيوعية.
في بروكسل رافق ماركس اشتراكيين آخريين منفيين من جميع أنحاء أوروبا بمن فيهم موسي هيس، وكارل هينزين، وجوزيف ويديمير، قبل أن ينتقل أنجلس إلى المدينة منضمًا إليهم. حضّر ماركس بالتعاون مع أنجلس لكتابة الكتاب الذي لطالما اُعتبر أفضل ما تناول مفهوم المادية التاريخية والأيديولوجية الألمانية، إلا أن العمل كباقي الأعمال الأخرى العديدة، لم ير النور في حياة ماركس حيث تمت طباعته في العام 1932. وقد تبع ذلك “ببؤس الفلسفة” في عام 1847 كرد على كتاب “فلسفة البؤس” الصادر عن الفرنسي برودون جوزيف،
الاشتراكي الفوضوي، وقد انتقد أيضًا الفكر الاشتراكي الفرنسي بشكل عام.
وضعت هذه الكتب الأساس لأشهر أعمال ماركس وأنجلس، وهو المنشور السياسي الذي عُرف باسم “البيان الشيوعي”. انضم ماركس إلى منظمة سرية متطرفة تدعى حزب العدالة أثناء إقامته في بروكسل عام 1846، وقد كان ذلك الحزب نشطًا بشكل سياسي سري منذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر. وكان أعضاء حزب العدالة نشطين في ألمانيا وانجلترا وسويسرا وفرنسا. في يونيو من عام 1847، تمت
إعادة تنظيم حزب العدالة من قبل أعضاءه وتحويله إلى مجتمع سياسي علني ناشد الطبقات العاملة بشكل مباشر. سُمّي ذلك المجتمع السياسي باسم الرابطة الشيوعية. شارك كل من ماركس وأنجلس في صياغة البرنامج والمبادئ التنظيمية للرابطة الشيوعية الجديدة.
تم نشر البيان الشيوعي في عام 1848، وبعد فترة وجيزة، في عام 1849، طرد ماركس من بلجيكا. انتقل إلى فرنسا متوقعًا ثورة اشتراكية، ولكن تم ترحيله من هناك أيضًا. رفضت بروسيا إعطاءه الجنسية مجددًا، لذلك انتقل ماركس إلى لندن. وعلى الرغم من أن بريطانيا أنكرت مواطنته، إلا أنه ظل فيها حتى وفاته.
وفي لندن، ساعد ماركس في تأسيس جمعية العمال الألمانية ومقر جديد للرابطة الشيوعية. كما واصل العمل كصحافي وكمراسل فترة 10 سنوات لصحيفة نيويورك ديلي تريبيون، لكنه لم يستطع تأمين تكاليف المعيشة فكان أنجلز يدعمه إلى حد كبير.
أصبح ماركس يركز بشكل متزايد على الرأسمالية والنظرية الاقتصادية، وفي عام 1867، نشر المجلد الأول كتاب رأس المال. وقد أمضى بقية حياته في كتابة وتنقيح المجلدات التي لم تتم يوماً. تم تجميع المجلدين المتبقيين ونشرهما بعد وفاته من قبل أنجلس.

أشهر أقوال كارل ماركس

الترياق الوحيد للمعاناة النفسية هو الألم الجسدي
لا يمكن أن يكون شيء ذو قيمة دون أن يكون ذو فائدة
التاريخ يكرر نفسه، أولًا كمأساة، والثانية كمهزلة
إنتاج الكثير من الأشياء المفيدة يؤدي إلى الكثير من الناس عديمة الفائدة
لا يمكن أن يكون شيء ذو قيمة دون أن يكون ذو فائدة
التاريخ يكرر نفسه، أولًا كمأساة، والثانية كمهزلة
توفي ماركس في لندن في 14 مارس 1883. بعد أن عاش حياته متألماً، فقد عانى أمراضَا عدة منها مشاكل في الكبد، والروماتيزم، والصداع المتكرر، والتهاب الأسنان، ونوبات من الأرق.
وبعد أن كان قبره الأصلي مجرد حجر بغير وصف، أقام الحزب الشيوعي لبريطانيا العظمى في عام 1954 له تمثالا وقبرا كتب عليه السطر الأخير من البيان الشيوعي “يا عمال العالم اتحدوا”.

> سعيد الحبشي

Related posts

Top