بيان اليوم تحاور عبد الواحد سهيل عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية

أكد عبد الواحد سهيل، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن اختيار حزب الكتاب لشعار «نفس ديمقراطي جديد» لمؤتمره الوطني العاشر الذي سينعقد منتصف ماي المقبل، لم يأت من فراغ، بل كان نتاج تحليل رصين للوضع الراهن، بما يحبل به من إيجابيات وسلبيات، ومن تراكمات وإحباطات.

واعتبر عبد الواحد سهيل، في هذا الحوار الذي أجرته معه بيان اليوم، مؤخرا، أن حزب التقدم والاشتراكية يمتلك شجاعة الإقرار بأن هناك نوعا من التباطؤ في استمرار البناء الديمقراطي، وأن البلاد في حاجة ماسة إلى «نفس ديمقراطي جديد»، مستعرضا، بحنكة الخبير الاقتصادي، جوانب الخلل في الاقتصاد الوطني، ومقدما حلولا تفتح بوابة التطور والتنمية التي شدد على أن بلوغها رهين بوجود مؤسسات قوية، وأحزاب سياسية مستقلة في قراراتها تلعب دورها الكامل والجوهري في تطور البلاد، من خلال مساهمتها في التسيير والتدبير سواء على الصعيد الوطني أو الجهوي أو المحلي.

فيما يلي الحوار:

> من زاوية الخبير الاقتصادي، كيف تنتظرون لنقاط القوة والضعف في الاقتصاد المغربي اليوم؟
< للاقتصاد الوطني نقاط قوة تتمثل في الحفاظ على التوازنات الماكرو- اقتصادية. فقد تم تحقيق نسب نمو مرتفعة نسبيا خلال العقدين الأخيـرين، تعتبر من بين النسب المرتفعة على صعيد منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وهناك تنوع نسبي في الاقتصاد المغربي، حيث انتقل هذا الأخير تدريجيا من الاقتصاد الطبيعي الذي يعتمد على المواد الخام والمنتجات الفلاحية، إلى اقتصاد ثانوي معتمد بالأساس على تحويل المنتجات، والتدرج في سلسلة القيمة وخلق قيمة مضافة. وهو ما نتج عنه تنوع في التجارة الخارجية، ذلك أنه، على الرغم من كون الاتحاد الأوروبي لا يزال يشكل الشريك الأساسي، فإن مكانته تراجعت لصالح شركاء جدد من قبيل الدول الصاعدة والبلدان الإفريقية نتيجة انفتاح بلادنا على القارة الإفريقية. كما باتت البلاد تتمتع ببنية تحتية كالطرق السيارة والموانئ والمطارات، رغم التفاوت بين المناطق والجهات. هذه المنجزات تحققت بفضل سياسة الأوراش الكبرى التي كان لحزبنا الفضل في إطلاق الفكرة والمناداة لتبنيها.
> لكن هذه الجوانب الإيجابية لم يكن لها الانعكاس المطلوب على الصعيد الاجتماعي وهو ما يطرح إشكالية النموذج التنموي الذي ينتهجه المغرب؟
< باعتقادي، فإن عملية تشخيص الاقتصاد تتم على عدة مستويات. فهناك المؤسسات الوطنية “المندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب” وهناك المؤسسات الدولية “البنك الدولي” أساسا، والمؤسسات المهنية “الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الأبناك”، وهناك الجامعة التي تتوفر على عدد من الباحثين، وهناك أيضا الصحافة والنقابات.
هناك نوع من الأدبيات الاقتصادية وهناك أمور لا يمكن أن يقع الاختلاف بخصوصها تتعلق بمعدل النمو والمبادلات الخارجية، وقوانين المالية، لكن هناك أيضا من يقدم خلال تحاليله أفكارا حول كيفية المضي الى أمام.
سمعنا عن تعطل النموذج الاقتصادي في خطاب ملكي. وقد تمت الإشارة إلى هذا العطل في وقت سابق من قبل حزب التقدم والاشتراكية والاتحاد العام لمقاولات المغرب وفاعلين سياسيين واقتصاديين آخرين في بلادنا.
تعطل النموذج التنموي يتمثل في كون النمو يظل غير منتظم ولا مستمر ولا مسنود ذاتيا. وبالتالي يظل النمو الذي تشهده البلاد رهينا بالطلب الداخلي، أي بالطلب العمومي أساسا، وبنوع من التحسن الذي طرأ على القدرة الشرائية للمواطنين خلال العشرين سنة الأخيرة. وبالتالي، يظل النمو الاقتصادي ضعيفا مقارنة بالمجهود المبذول على مستوى الاستثمار في البنية التحتية مع تأثير ضعيف على المواطنين. وهو ما يفسر اتساع الفوارق الطبقية بين أقلية تراكم الثروات وأغلبية تعيش الفقر والهشاشة، واتساع الفوارق بين جهات ليست على نفس مستوى الموارد.
> هناك مطالب عبر عنها المواطنون علنا وبشكل جماعي. كيف السبيل إلى تلبيتها في ظل هذا الوضع؟
< نعم شهدنا مطالب اجتماعية قوية بجرادة والحسيمة، وهناك نداءات في مناطق أخرة تعاني هي الأخرى نقصا حادا في الماء، والتطبيب، والتعليم، وضعف البنية التحتية.. كل هذا يعطينا اليوم شبابا بدون آفاق، شبابا يعاني البطالة. هذا يعني أن التراكم الرأسمالي الذي تحقق، والرفع من القيمة المضافة وخلق الثروات، لم يستفد منه كل مكونات الشعب المغربي. إذ أن قراءة الإحصاءات الوطنية والدولية توضح أن فئات محدودة من المحظوظين ومن أصحاب الريع هي التي استحوذت على أغلبية الخيرات، مما زاد في تعميق الفوارق الاجتماعية والمجالية وأدى إلى استفحال مظاهر التخلف والإقصاء الاجتماعي والزيادة في حدة الحرمان والبؤس. إنه نموذج يمكن وصفه إجمالا بنموذج إنتاج الفقر.
فالسياسات العمومية القطاعية التي همت العديد من الأنشطة الإنتاجية والخدماتية افتقدت إلى الفعالية والنجاعة وذلك في غياب المخطط الوطني الذي بإمكانه أن يربط فيما بينها، ويحقق الالتقائية حول أهداف وطنية مشتركة محددة بصفقة تشاركية وديمقراطية، يساهم في وضعها مختلف الفاعلين المؤسساتيين من برلمان وجماعات ترابية وشركاء اجتماعيين وفاعلين مدنيين. لقد تم إطلاق هذه المخططات بصفة أحادية ومجزأة ودون أي تعبئة وطنية وشعبية، مما يجعلها يتيمة وغير مندمجة في النسيج الاقتصادي والاجتماعي.
وكانت النتيجة “المنطقية” تعميق الفوارق الاجتماعية والمجالية واستمرار ظاهرة الفقر والهشاشة.
> ما هو البديل الذي يطرحه حزب التقدم والاشتراكية وهو على بعد أيام من مؤتمره الوطني العاشر؟
< حزب التقدم والاشتراكية تعامل ولا يزال مع الأحداث التي همت شعبنا وبلادنا، حيث يعمل على تقديم البدائل الضرورية والمقترحات العملية لتجاوز الأزمة وتحسين مستوى عيش مواطنينا وضمان كرامتهم. حزب التقدم والاشتراكية يرى أن الأمر يتطلب مراجعة عميقة للخيارات والتوجهات التي كانت تحدد النموذج التنموي القائم حاليا والذي استنفد كل إمكانياته ولم يعد بإمكانه أن يضمن تقدم البلاد واستقرارها وتحقيق الرفاه الاجتماعي لكل سكانها.
إن مقاربة حزب التقدم والاشتراكية للمسألة الاقتصادية لا تنفصل عن المسألة الاجتماعية فهو يعتبر ما هو اقتصادي اجتماعي في ذات الوقت، حيث يضع الإنسان في صلب العملية التنموية. ومن ثمة، فهو ينبذ تلك المقاربة الاقتصادية والتكنوقراطية التي تعتمد على آليات السوق كوسيلة لتحقيق التوازن الاجتماعي وتعطي الأولوية لإنتاج الثروة أولا، قبل توزيعها.
حزب التقدم والاشتراكية يعتبر أن العمليتين متلازمتان ولا يحق إعطاء الأسبقية لواحدة على الأخرى. وقد أظهرت التجارب الدولية صحة هذه الأطروحة، ذلك أن المجتمعات التي تعرف توزيعا عادلا للثروة هي التي تسجل نسب نمو مرتفعة وتظهر مقاومة كبيرة للأزمات.
> هل هذا البديل هو ما يلخصه شعار المؤتمر العاشر لحزب التقدم والاشتراكية “نفس ديمقراطي جديد”؟
< شعار حزب التقدم والاشتراكية “نفس ديمقراطي جديد” يسعى لتوضيح رؤيته ليس فقط حول كيفية حل المشاكل المرتبطة بالسياسة أو الحكامة فقط، بل أيضا من أجل التأكيد على أن حل هذه المشاكل يجب أن يتم بوسائل وأسلحة في يد المجتمع كي يتم تطويره على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. نريد أن يصل هذا النفس الديمقراطي الجديد إلى كل المناطق والجهات التي يطالب سكانها بتوفير الماء والتطبيب، والمدرسة العمومية التي تقدم تعليما من مستوى لائق، وتوفير الشغل للعاطلين…
لا ينطلق حزبنا من فراغ، ولا يقوم، بهذا الشعار، بعملية محو أو تناس لما راكمه منذ نشأته إلى الآن من اجتهادات نظرية وعملية وما عاشه من تجارب مختلفة وغنية لتثبيت نجاحاتها والاستفادة من إخفاقاتها، مستحضرا دوما الأفق الاشتراكي. حزب التقدم والاشتراكية يؤكد للجميع الحاجة اليوم إلى نفس جديد بمحتوى اقتصادي واجتماعي وثقافي وسياسي جديد، أي يريد أكثر مما أنجز وأحسن مما وصلنا إليه. هذه هي الحمولة التي يقترحها شعار مؤتمرنا الوطني العاشر.
فالمغرب، ورغم التطورات الاقتصادية والاجتماعية الملموسة والتي لا ينكرها أحد، لم يستطع تحقيق نتائج اجتماعية إيجابية. وبالتالي لم يعد النموذج التنموي الحالي قادرا على تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية. وبالتالي تظهر الحاجة إلى صياغة نموذج تنموي جديد وقوي قادر على الاستجابة لتطلعات المواطنات والمواطنين في جميع مناطق المغرب من خلال جعل السياسات العمومية تلامس وتلبي حاجياتهم الاجتماعية وتحفظ حقوقهم الأساسية من قبيل التعليم، الصحة، والسكن، والثقافة، وارتفاع الدخل الفردي.
إن اختيار حزب التقدم والاشتراكية شعار “نفس ديمقراطي جديد” لمؤتمره الوطني العاشر الذي سينعقد في غضون الأيام المقبلة يعتبر بمثابة دعوة لتجديد الفعل السياسي ودعوة من أجل ترسيخ الديمقراطية من أجل الاستمرار في بناء المغرب الديمقراطي الحداثي الذي يحتكم للدستور والقانون وينعم بالعدالة الاجتماعية والمجالية، بعيدا عن الوضع الراهن الذي يتسم بـ “اختناق اجتماعي” ويعرف إقصاء لعدد من الجهات والأقاليم على مستوى التنمية.
> ما هي الأطراف التي ترونها قادرة على أن تشكل “الجبهة” التي تحمل معكم مضمون هذا “النفس الهام”؟
< كل القوى السياسية في البلاد، أي الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسة الملكية، والمؤسسات المنتخبة على كل المستويات. الجميع معني. إذ ليس هناك حكومة واحدة في الرباط. هناك حكومات جهوية في المدن والجماعات الترابية، والجميع يمتلك سلطة سياسية. بل حتى داخل الأحزاب هناك سلط. كل القوى الحية التي تريد الخير لهذا البلد معنية بهذا النفس. نحتاج “عقدا اجتماعيا” نتفق من خلاله على الكيفية التي نريد أن نرى بها المغرب سنة 2030 أو سنة 2050. علينا أن نحدد الأولويات وكيفية الاشتغال على هذه الأولويات، حتى إذا ما تغيرت الحكومة الحالية المكونة من ست أحزاب، نضمن نوعا من الاستمرارية في النهج الذي تسير عليه البلاد والرامي إلى خلق تحولات في المجتمع وإقرار سياسة إنمائية وعدالة اجتماعية. فبعيدا عن كل انغلاق، يمد الحزب يده لجميع القوى الوطنية الصادقة التي تقاسمه إيمانه بمستلزمات ثنائية الإصلاح في كنف الاستقرار، لتطوير منظومة الحكامة وبناء مجتمع العدالة الاجتماعية وترسيخ أسس المجتمع الديمقراطي الحداثي. هذا موقف مؤداه أن الشرط الأول لبناء جسور العمل المشترك هو الاقتناع بثنائية الإصلاح والاستقرار التي تستبعد بطبيعة الحال كل الذين يكون الاستقرار المؤسساتي والسياسي خارج مرجعيتهم، كما أنه موقف يستبعد العمل المشترك مع من يشتغل خارج ثوابت الوطن التي يمنحها الدستور قوتها المرجعية وصلابتها القانونية، ويستبعد هذا الموقف الحزبي أيضا العمل مع من ليست له رغبة في تطوير منظومة الحكامة ومن ليست العدالة الاجتماعية ضمن اهتماماته. إنها ضوابط تقدمية ومتقدمة يؤمن بها حزب التقدم والاشتراكية.
> ونحن على بعد أيام معدودة لانعقاد المؤتمر الوطني العاشر لحزبكم، هناك سؤال ملح سيطرح بالتأكيد على أشغال المحطة القادمة، يتعلق بتموقع حزب التقدم والاشتراكية خارج المعارضة. ما هو تقييمكم لهذه الحصيلة على امتداد عشرين سنة من المشاركة في حكومات بمكونات مختلفة؟
< يحق لكل مناضلة ومناضل داخل حزب التقدم والاشتراكية، ليس فقط أن يتساءل حول هذه الحصيلة، بل وأن يفتخر بها. لا يمكن القول إننا لم ننجح في مهمتنا، ولكن هناك قطاعات لم نصل فيها إلى المستوى المطلوب. بعد مضي 20 سنة على ممارسة الشأن الحكومي، يحق لمناضلاتنا ومناضلينا أن يتساءلوا، في تفكير جماعي متكامل، حول ما أنجز وما لم ينجز من مهام التغيير والإصلاح الديمقراطي.. ويحق للحزب أن يسائل ذاته حول صحة الموقف المتخذ من المشاركة، بكل موضوعية ودقة.
حزب التقدم والاشتراكية ينطلق من مرجعية مبدئية، هي أن معياره الأول في اتخاذ المواقف يظل هو أن القرار المتخذ يجب أن يكون في صالح الوطن والمواطنين، أما المساهمة في العمل الحكومي، فمنطلقها هو أن الحزب لا يختار التموقع بصفة إرادية في المعارضة، بل تتوفر لديه الشجاعة لتحمل المسؤولية الحكومية متى توفرت شروط المشاركة والفائدة الوطنية من المشاركة. ما ربحه الحزب هو تقديم رصيده النضالي والمعرفي لإغناء البرنامج الحكومي وتطويره، إلى جانب إسهامات القوى الأخرى المشاركة. وأعطي نماذج عن ذلك من قطاعات: التربية الوطنية، الفلاحة، الطفولة، الشؤون الاجتماعية، الاتصال، الإسكان والتعمير، الصحة، الثقافة، الشغل والتكوين المهني والماء، ومساهمة الحزب في الفريق التنفيذي أكسبت صورة المغرب قيمة مضافة. وفي نظري مساهمة الحزب وتواجده في الحكومات المتتالية ساهم في خدمة قضايا الوطن والشعب، بل وشكل كابحا ضروريا لتفادي الانزياح.
> حاوره: مصطفى السالكي / تصوير: عقيل مكاو

Related posts

Top