“نفس ديمقراطي جديد”

الجزء الأول

في إطار مسلسل التحضيرات الجارية لعقد المؤتمر الوطني العاشر لحزب التقدم والاشتراكية، أيام الجمعة 11 والسبت 12 والأحد 13 ماي 2018، تحت شعار “نفس ديمقراطي جديد”، تشرع جريدة “بيان اليوم” ابتداء من اليوم، في نشر النص الكامل للصيغة النهائية لمشروع الأطروحة السياسية، التي اعتمدتها الدورة العاشرة للجنة المركزية للحزب في أفق المصادقة عليها من لدن المؤتمر الوطني، في ست حلقات، وذلك بغرض تعميمها على الرأي العام الوطني وعرضها للنقاش العمومي.

مشروع الأطروحة السياسية

مقدمة عامة
1- محطة المؤتمر الوطني العاشر لحزب التقدم والاشتراكية مناسبة للتأمل في تطور الأوضاع العامة التي تؤثر على مسار الحزب، انطلاقا من المعطيات العالمية والجهوية والوطنية، ذلك أن الحزب دأب منذ نشأته قبل أكثر من 70 سنة، على تدقيق مفاهيمه وتأطير سياسته بما يلزم من الوضوح المبدئي الذي يبعث فيه روحا من العقلانية تجعله في منأى عن كل انزلاق في غياب التحصين الفكري والسياسي، وذلك بالضبط هو الهدف من الإحاطة بهذا السياج من الإضاءات النظرية.إن هذه العملية التي يتشبث بها الحزب في كل مؤتمراته، عمل جماعي تسهر عليه اللجنة المركزية كإطار للذكاء الحزبي الجماعي الذي يمنح الإنتاج الفكري للحزب كل قيمته عبر الوقوف عند المعطيات الأساسية للمرحلة السياسية التي ينعقد فيها المؤتمر.
2- بعد مضي 20 سنة على ممارسة الشأن الحكومي، يحق للحزب أن يسائل ذاته من خلال تفكير جماعي متكامل، حول ما أنجز وما لم ينجز من مهام التغيير والإصلاح الديمقراطي، بعيدا عن الاعتزاز الزائد بالنفس، وبعيدا عن الجلد الذاتي.فالأطروحة السياسية تعد وقفة عميقة تسائل الذات الحزبية بدقة وصرامة لمحاولة فهم دلالات المرحلة واستشراف آفاق المستقبل بناء على المسؤوليات السياسية والتنظيمية والتاريخية التي يتحملها الحزب، لأن الفلسفة التنظيمية التي يستند عليها تقوم على فضيلة النقد والنقد الذاتي الواجب الاحتكام إليهما بكيفية منهجية أثناء المساءلة والمساءلة الذاتية، فجودة الأداء الحزبي تكمن في هذه المنهجية. 
3- إن حزب التقدم والاشتراكية مدرسة متفردة لتوظيف التحليل العلمي الموضوعي في فك رموز الواقع المعقد والمليء بالمتناقضات. فالواقع الذي يشتغل الحزب في سياقه، معقد بطبيعته وتتجاذبه تيارات وموازين قوى متناقضة، وقد تصل في بعض الأحيان، إلى ممارسة ضغوط على الحياة السياسية والنضالية، لذلك على الحزب أن يبدي قدرا عاليا من الصمود والموضوعية والحنكة كي يعبر مناطق الاضطرابات بأقل تكلفة من خلال الاحتكام دون هوادة، إلى الحكمة، والموضوعية، كي يظل محافظا على هويته الأساسية في اتخاذ الموقف والتعبير عنه بأسلوبه المتميز في الحقل السياسي الوطني، 
انطلاقا من هذه المقدمات المبدئية تتمحور الأطروحة السياسية، وفق مقاربة منطقية متكاملة، حول 06 أبواب:- الباب 01: حزب التقدم والاشتراكية ومنظومته الفكرية والقيمية- الباب 02: حزب التقدم والاشتراكية والعملية السياسية- الباب 03: حزب التقدم والاشتراكية والأفق الاقتصادي والاجتماعي والإيكولوجي- الباب 04: حزب التقدم والاشتراكية والقضايا المجتمعية والثقافية- الباب 05: حزب التقدم والاشتراكية والمميزات الأساسية للأوضاع الدولية- الباب 06: القيمة المضافة لحزب التقدم والاشتراكية في المشهد الحزبي الوطني.

الباب الأولحزب التقدم والاشتراكية ومنظومته الفكرية والقيمية
يتطرق هذا الباب إلى المسألة الإيديولوجية باعتبارها الإطار المرجعي والمفاهيمي في تقعيد العمل الحزبي على أسس متينة لفهم الواقع المتغير وتحديد مقاربة الحزب منه وتوضيح معالم مشروعه المجتمعي، ذلك أن حزب التقدم والاشتراكية يبني خطته السياسية على أسس الالتزام النضالي والمبادئ والقيم، أي على أسس بوصلة إيديولوجية تصون الممارسة السياسية والحزبية، وتحافظ على نقائها وأخلاقياتها.
القسم الأولمحورية المسألة الإيديولوجية
1 – مؤتمر حزب التقدم والاشتراكية، مناسبة لتثبيت التراكمات ضمن جدلية الوفاء والتجديددأب حزب التقدم والاشتراكية على عقد مؤتمره الوطني بانتظام وذلك بغاية التوقف لحظة للقيام بتقييم عميق لما حققه من برنامجه وما أنتجه من اجتهادات فكرية وسياسية في سعيه الدائم لفهم الواقع الاجتماعي الذي يناضل داخله والقبض على قوانينه النوعية باختلاف الأوضاع والملابسات والظروف متسلحا في ذلك بمنهجه المادي الجدلي لرصد الاختلالات والمعيقات التي تقف أمام التطور، و بناء بدائل قابلة للتحقيق يناضل من أجل أن يتملكها المواطنون، والعمل على تفعيلها وإنجازها عبر النضال الديمقراطي في مختلف الواجهات المجتمعية والمؤسساتية.وبهذا، لا ينطلق حزبنا من فراغ أو يقوم بعملية محو أو تناس لما راكمه منذ نشأته إلى الآن من اجتهادات نظرية وعملية و ما عاشه من تجارب مختلفة وغنية لتثبيت نجاحاتها والاستفادة من إخفاقاتها، مستحضرا دوما الأفق الاشتراكي الذي سيسمح بالخروج من عالم الضرورة والاستلاب إلى عالم الحرية لإتاحة فرص المساهمة الشعبية والعدالة الاجتماعية، على أساس تطور قوى الإنتاج تطورا متوازنا لإشباع حاجيات المجتمع. 
2 – لا يستقيم أي عمل حزبي في غياب المرجعية الإيديولوجية: رفض أطروحة نهاية الإيديولوجياتأصبح الكلام عن الايديولوجيا يثير الاشمئزاز عند الكثيرين ويوحي، عند البعض، بالاعتقاد أن هذا المصطلح ارتبط بخطاب مضى وانتهى، خطاب حمل وهما تلاشى مع انهيار ما كان يسمى بالمنظومة الاشتراكية، وأن ما هو صحيح حسب زعمهم، وما يتجسد على أرض الواقع من تفاوتات في توزيع المنافع والموارد والمواقع والامتيازات التي سرعان ما تتحول إلى حقوق فئوية مكتسبة، إنما هي مظهر لطبيعة قوة الأشياء وكفاءات البشر الطبيعية المتوارثة! فباسم الحرية والحظ والمصادفة وإدارة الطبيعة والتاريخ، وباسم الحق الطبيعي في التفوق والتراتب والتفاوت يدافع “منظرو” الليبرالية عن فكرة التبادل غير المتوازن.إن القول والإقرار انطلاقا من هذه المقولات ب “موت الإيديولوجيا” هو نفسه إيديولوجيا الغرض منه إثارة الشعور من طرف الطبقات المالكة لدى الفئات الواسعة من الشعوب والإيمان بنوع من ” القدرية ” وحجب الرؤى عنها للاستمرار في الخضوع لها وعدم الوعي بإمكانياتها لتجاوز أوضاعها المزرية الناتجة عن طبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة واستحالة تغييرها. يتبين إذن، أن الإيديولوجيا كرؤية تفسيرية للواقع الموضوعي حاضرة دوما، وهي لصيقة بالمعرفة وبالممارسة، تتجسد في الأفكار والسلوك والقيم المعبرة عن مصالح طبقة من الطبقات الاجتماعية. فبالرغم من التمايز القائم بين المعرفة والإيديولوجيا، فإن التداخل بينهما أعمق.لذا، من الطبيعي أن يولي حزبنا، سيرا على تقاليده النضالية، أهمية بالغة للنضال الإيديولوجي من أجل تنوير المواطنين وخاصة الكادحين منهم، والارتقاء بوعيهم لمعرفة الأسباب العميقة للظروف المعيشية بغاية الانخراط في النضالات النقابية والسياسية من أجل تغيير هذه الظروف نحو الأفضل وخوض المعارك الفكرية ضد النيوليبرالية والرجعية الظلامية والشعبوية واليسارية العدمية.
3 – المسألة الاشتراكية في عالم اليوم: تساؤلات إيديولوجية وسياسيةما تزال الإنسانية تتطلع إلى التخلص من الرأسمالية ومن ويلاتها، وما تزال الاشتراكية هي الطريق إلى تحقيق هذا المبتغى. لكن الأمر يحتاج إلى البحث عن بديل أو بدائل للنموذج الذي ثبت فشله وأفضى إلى هذه الأزمة التي تعرضت لها التجارب الاشتراكية وانتهت بانهيار ما كان يسمى بالمنظومة الاشتراكية.إن الحركة العمالية العالمية وتعبيراتها الثقافية والسياسية من اشتراكية وشيوعية في البلدان الرأسمالية رغم حصولها على العديد من المكتسبات الاجتماعية والسياسية، قد عرفت تراجعا كبيرا في إشعاعها وتأثيرها، وأصبحت في موقع دفاعي في مواجهة هجمات الرأسمالية على مكتسبات الشغيلة وحقها في توزيع عادل للثروات المنتجة. وإنها اليوم تحاول أن تصل إلى منظور تقدمي لمواجهة أزمة التطور الرأسمالي، والحد من تضاؤل “الوعي الطبقي” بمخاطر النزعة الإثنو- الشوفينية اليمينية التي بدأت تفرض نفسها عبر إذكاء معاداة الأجانب.إن هذه الأزمة التي تعاني منها الحركات اليسارية الاشتراكية التقليدية، ساهمت في بروز حركات متنوعة من حساسيات مختلفة قاسمها المشترك مناهضة تداعيات النظام الرأسمالي من طرد فردي وجماعي للعمال وهشاشة واستغلال وتهميش وتدمير للموارد الطبيعية الشيء الذي سمح للبعض منها بالوصول والمشاركة في تدبير الشأن العمومي مثل اليونان.أما تراجع اليسار في البلدان العربية فقد رافقه، ومنذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، احتلال تيارات الإسلام السياسي ساحات الصراع الاجتماعي والسياسي، الأمر الذي عقد مهامه النضالية. نفس الصعوبات تواجهها الحركات اليسارية في البلدان الإفريقية والأسيوية والأمريكية اللاتينية حسب اختلاف وتنوع ملابساتها المحلية.وتظل التجربة الصينية جديرة بالتتبع والمتابعة، ولو أنه من الصعب التنبؤ بمآلاتها بشكل قطعي رغم ما تم تحقيقه من نمو انعكس إيجابيا على مستوى عيش الغالبية العظمى للشعب الصيني وشكل دفعة هائلة سمحت بتطوير وتحديث البنيات السوسيو اقتصادية والثقافية وبوأتها الصدارة العالمية في عدةمجالات… إن “الاشتراكية” الصينية الحالية كما يعرفها قادة الحزب الشيوعي الصيني هي “اشتراكية مرحلة من حد أدنى وليست من نمط أعلى”، تتطور وتنمو مستحضرة تجارب الشعوب، وتطلعاتها نحو الكرامة والحرية. 

القسم الثاني السياق العالمي وتأثيره على تطورات المسألة الاشتراكية 
من التداعيات الأساسية لانهيار ما كان يسمى بالمنظومة الاشتراكية هو الهجوم الإيديولوجي و الاقتصادي العنيف والمتعدد الأشكال الذي قامت به البلدان الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لدحض الأفكار التقدمية وبالخصوص الاشتراكية مسخرة لذلك جميع الوسائل التكنولوجية التواصلية والخبرات الفكرية ووسائل البحث للإقبار النهائي للمرجعية الاشتراكية وردم الحلم بولادة عالم جديد تسود فيه الحرية والمساواة والتقدم والعدالة الاجتماعية، الأمر  الذي أدى إلى دخول اليسار العالمي في أزمة لا مثيل لها، ودفع بالعديد من المناضلين والمفكرين والباحثين ممن حملوا هذا الفكر وحلموا بأفقه إما إلى التخلي عنه نهائيا وإما العدول عن توظيف مفاهيمه ومناهجه لكي لا يبدون وكأنهم خارج الموضة النيوليبرالية.
1 – تمركز الثروات وتفاقم الفوارق الاجتماعية عبر العالمإن هذه الوضعية فتحت الباب على مصراعيه لتسريع وتيرة العولمة وإدماج الأسواق الوطنية في سوق عالمية هدفها إزالة العوائق عن حركة رأس المال والنهب على اتساع العالم كله والاستغلال المفرط للموارد البشرية والطبيعية والانتقال من رأسمالية صناعية (نقود- إنتاج- نقود) إلى رأسمالية مالية (نقود–نقود) دون المرور عبر الإنتاج، والسيطرة والتحكم في نتائج واختراعات الثورة العلمية والتكنولوجية وتسخيرها لخدمة مصالحها…الشيء الذي أسفر عنه تمركز كبير للثروات بيد أقلية من رجال الأعمال والشركات الدولية، وتفاقم الفوارق الاجتماعية وتعميق اختلالات النظام البيئي وهدم الصناعات الوطنية القليلة القائمة في بلدان ما كان يسمى بالعالم الثالث.إن جوهر معركة عصرنا الراهن المباشرة والآنية، هي النضال من أجل إقامة نظام عالمي جديد، بالسعي إلى دعم المشروعية الدولية، وحماية حق كل بلدان العالم في اختيار طريقها الخاص للتنمية الاقتصادية والبشرية والثقافية والإبداعية الشاملة في إطار مستجدات العصر وخصوصية واقعها، فضلا عن إشاعة المعرفة العلمية في آخر تجلياتها، وتوفير الحوار بين مختلف الخبرات والتجارب وتنميتها لبناء عالم إنساني جديد يتم فيه احترام الهويات والخصوصيات المختلفة، فلا تعايش حقيقي إلا باحترام الاختلاف والتنوع، ولا تحقيق للاختلاف والتنوع بشكل ناجع إلا في إطار احترام سيادة الدول وحقوق شعوبها وحرية اختياراتها.
2 – للفكر الاشتراكي مستقبل واعد يتوقف على مدى تمكن اليسار من فتح آفاق جديدة لقد راكمت المكونات الأساسية لليسار، وضمنها حزب التقدم والاشتراكية، تجربة كفاحية ثرية، بعناصر قوتها ومواطن ضعفها، وبما أنجزته من نجاحات وتكبدته من اخفاقات. وهي تجربة تظل، على العموم، إيجابية وقابلة للتطوير، إن أحسن اليسار قراءتها قراءة متأنية وموضوعية، قراءة قائمة على إعمال منهجية النقد البناء والنقد الذاتي الخلاق، وكفيلة باستخلاص ما يجب استخلاصه من دروس وعبر، ومن ثم الحرص على تجديد الفكر الاشتراكي، استنادا إلى مقاربة الوفاء والتجديد، ومن خلال النأي عن كل أشكال الدوغمائية، وإبداع أشكال تنظيمية مرنة بقدر ما هي ناجعة وقادرة على مواكبة التطورات المتشعبة والمتلاحقة للمجتمع، والتكيف النوعي مع وسائل التواصل الجديدة بمختلف أنواعها. على هذا الأساس، يعتبر حزب التقدم والاشتراكية أن الفكر الاشتراكي لا يزال أمامه مستقبل واعد، وبإمكانه، وفق الشروط أعلاه، فتح واقتحام آفاق جديدة، آفاق رحبة وذات نفس ديمقراطي جديد. 

القسم الثالث السياق الوطني يرخي بظلاله على الموضوع
1 – أسباب تراجع اليسار بالمغربإن الزلزال الذي هز أغلب الحركات السياسية اليسارية الشيوعية في العالم بعد انهيار ما كان يسمى بالمنظومة الاشتراكية لم يكن له أثر تنظيمي كبير على حزبنا، لكونه أخذ مسافة من الفكر المنتشر في الثقافة السوفياتية، واشتغل أساسا وباستقلالية على مهامه الوطنية، وعمل على إشعاع روح التضامن الأممي مع الأحزاب الشيوعية والاشتراكية وحركات التحرر الوطني.إن هذا الحدث عَقَّد مهام مناضلي الحزب الذين أصبحوا مطالبين إلى حدود اليوم بتفسير وإعادة تفسير أسباب ما جرى، كما قلص ولمدة طويلة، من حديثنا عن هويتنا الاشتراكية نظرا لارتباطها في المخيلة الجماعية بفشل التجربة السوفياتية والاقتصار والتركيز في نضالنا وتحاليلنا وأدبياتنا على تحقيق مهام المرحلة والحفاظ على مكتسبات شعبنا الديمقراطية والاجتماعية.وإذا كان لهذا التأقلم إيجابيات كثيرة تمثلت، بالأساس في تعزيز وتحصين الحزب والعمل على استمراره كفاعل أساسي مؤثر في سيرورة ما عرفته بلادنا من تطور ديمقراطي وتقدم اجتماعي مسلحا في ذلك بمقاربة واقعية تعتمد تقييم ومواكبة تطور ميزان القوى وتحديد الأولويات في النضال لتحقيقها والتفاوض على توافقات سياسية إيجابية، فإن ذلك قد تم على حساب حضوره القوي في ساحة الصراع الايديولوجي، مكتفيا بالاستمرار في لعب دوره في إطار الكتلة الديموقراطية والمشاركة النشيطة والفعالة في صنع التوافقات السياسية التي عرفها بلدنا منذ سنة 1974 إلى الآن، بين المؤسسة الملكية والقوى السياسة، أكان ذلك من موقع المعارضة أو من موقع الأغلبية الحكومية. غير أن التصدعات الداخلية التي عرفتها الكتلة الديموقراطية كإطار وحدوي بسبب خلافات ذاتية بين حزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال، شلت عمل وحركية الكتلة قبل أن تقبر نهائيا، في سياق سياسي إيجابي اتسم بالمصادقة بشبه الإجماع على دستور جديد وحقوقي بامتياز. إن غياب التبصر من طرف هذين المكونين فوت على القوى الوطنية والديموقراطية إمكانية الاستمرار في احتلال صدارة المشهد السياسي، مما فتح الباب على مصراعيه لبروز قوى سياسية ذات مرجعية دينية. وعوض استخلاص الدروس من هذه التجربة والعمل على تدارك الاختلالات وتجاوز المشاكل، تم الدخول، مع الأسف، في صراعات شعبوية ومزايدات مجانية، بعيدة عن المواقف التاريخية والنضالية لهذين الحزبين.
2 – تنامي ظاهرة الإسلام السياسي وتنوعهاأمام هذه الوضعية، احتلت التيارات ذات المرجعية الدينية مكانة أقوى في الحقلين الاجتماعي والسياسي. وهي ليست حركات وأحزاب دينية خالصة، ولا ينبع انتشارها من اجتهاداتها الفكرية، وإنما من ملابسات موضوعية عملية أبرزها فشل المشاريع التنموية وأزمة اليسار . وبروز القيادة الدينية للثورة الإيرانية في بدايتها خاصة، وصعود الفكر الأصولي ومساندة القوى الإمبريالية لهذه التيارات الدينية ضد السعي التحرري للشعوب، كلها عوامل ساعدت في ارتفاع تأثيرها.إلا أن انتشار هذه التنظيمات وتجذرها لا يرجع فحسب إلى تلك العوامل السياسية رغم أهميتها، وإنما يعود كذلك إلىى فشل النظام التعليمي، وإلى ما تستند إليه هذه التنظيمات وتوقده وتنميه وتغذيه من أفكار وقيم سائدة بالفعل في مجتمعنا.إن حزبنا لا يقف مبدئيا ضد الحركات ذات المرجعية الدينية، وإنما يحدد موقفه منها في ضوء مواقفها من قضايا المجتمع والتغيير. وهذا ما يفسر مشاركتنا في الحكومتين التي ترأسهما حزب العدالة والتنمية على أساس برنامج حكومي توافقي متفاوض حوله، يرتكز على احترام الحريات الفردية والجماعية وعلى المكتسبات الدستورية، بما فيها المرجعية الكونية التحديثية.إنه من التعسف أن نحكم على الممارسة السياسية للدين حكما مطلقا بالمحافظة والرجعية أو بالتقدم والثورية وذلك لاختلاف تجلياتها العملية وملابستها الموضوعية. لذا لا نضع على مستوى واحد كل الحركات ذات المرجعية الدينية في بلادنا.
3 – الأحزاب المرتبطة بالإدارةلم تستطع “الأوليغارشية” المهيمنة منذ بروزها أن تعطي لنفسها تعبيرات سياسية منظمة ومستقلة نظرا لتكوينها من فئات مختلفة باختلاف نشاطها الاقتصادي (مالي، صناعي، فلاحي، ريعي…) واختلاف مصالحها. إن هذه الأحزاب الإدارية التي أسست بالقرب من السلطات وترعرع بعضها في سياق التزوير المفضوح للانتخابات وصناعة الخرائط السياسية تميزت بجنوحها للتسلط ولضبط المجتمع والتطور الديمقراطي والحريات، ونحن نحكم على ممارستها السياسية من خلال قيمنا وبرامجنا.ونظرا لإعطاء الاهتمام الأولي والأساسي لتنمية وتطوير للثروات الفردية والعائلية على حساب المصالح المشتركة للطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها، وهذا راجع لجذور نشأتها. أمام هذا العجز وغياب الإرادة من الداخل، بادرت الدولة، منذ بداية الاستقلال السياسي للبلاد إلى الآن، بالتدخل لدفع وتشجيع بعض الشخصيات، في كل حقبة سياسية وحثها على إحداث إطارات سياسية تدافع من خلالها عن مصالح هذه “الأوليغارشية” في شكل أحزاب وتأثيت الحقل السياسي بتعبيرات معارضة ومخالفة لتصورات واقتراحات اليسار والقوى الوطنية.وهذا الأمر يساهم كثيرا في الغموض السائد في الحقل السياسي نظرا لضعف الإنتاج الفكري المستقل لهذه الفئات المنتمية للأوليغارشية الأمر الذي لا يسمح بإبراز هويتها وتموقعها الحقيقي.
4 – الحركات الاحتجاجية العفوية وغير العفوية أمام ما تعرفه الحقول الاجتماعية والسياسة، بين الفينة والأخرى، من احتقان وانسداد أفقها، وأمام التراجع الكبير لقوى اليسار في الحقل الاجتماعي بالخصوص، بدأت تبرز حركات احتجاجية عفوية وغير عفوية محصورة، لحد الآن، في المدن تثيرها أحداث مجتمعية ومحلية تكون هي الشرارة الأولى والمتكأ للخروج للشارع ثم ما تلبث أن تأخذ أشكالا منظمة إلى هذا الحد أو ذاك خارج إطارات الأحزاب السياسية. هذه الظاهرة ولو أنها برزت مع “حركة 20 فبراير” في بداية العقد الحالي فقد أصبحت تتكرر في فترات متقاربة خلال الآونة الأخيرة.ولأن شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت رافعة أساسية تساعد على التعبئة وتأجيج العواطف، غير أنه أصبح من غير الممكن للسلطة السياسية وللفاعلين السياسيين والنقابيين أن يغضوا الطرف عنها لأنها تعبر، بل ريب، عن تفاقم أوضاع اجتماعية بقيت دون معالجة وتؤشر إلى ضرورة مراجعة نجاعة التأطير السياسي والاجتماعي.صحيح أن كل عمل عفوي يحمل في أحشائه محدوديته، غير أنه لا يمكننا كقوى يسارية مناضلة إلا أن نتساءل حول أسباب الظهور لاستخلاص الدروس اللازمة قبل فوات الأوان والعمل على التأهب والتحلي باليقظة الضرورية للتفاعل الإيجابي مع هذه الظاهرة لتأطيرها بسرعة في حالة وقوعها لأنه لا يمكن نقل النضال العفوي إلى نضال اجتماعي واسع إلا بالمعرفة الدقيقة لأسبابه والارتفاع بمستوى الإدراك السياسي للمبادرين إليه.
5 – منظمات المجتمع المدني: تأثير متفاوت عمل حزبنا منذ وجوده على تشجيع المبادرات المتنوعة، داخليا وخارجيا، الهادفة إلى تأسيس منظمات المجتمع المدني نظرا لوعيه العميق بضرورتها للدفاع عن المطالب المتنوعة للساكنة وعن القضايا المجتمعية الشائكة والمساهمة الفعلية لإيجاد حلول لها. ومن هذا المنطلق يعتبر تواجدها ضروريا، كمؤسسات غير حكومية لموازنة الدولة ومواجهة كل محاولات الهيمنة على المجتمع وتفتيته، لكن دون أن يشكل هذا عائقا للدولة على الاضطلاع بدورها كمحافظ على السلم وكحكم بين المصالح الرئيسية.غير أن هذا المجتمع المدني، في حالة بلدنا، متنازع عليه بين القوى السياسية والفكرية المختلفة المتناقضة، بما في ذلك قوى الإسلام السياسي، والتي تلتقي في توظيفه لمواجهة احتكار الدولة وأجهزتها لمصادر القوة وصنع القرار. لذلك يكون من الخطأ اعتبار “المجتمع المدني” حاضنة للأفكار وقيم مدنية ودنيوية تعكس المجال العام دون المجال الخاص المشحون بوعي ديني أصيل أو مصطنع.
6 – ظاهرة العزوف عن العمل السياسي من أهم ما طبع العمل السياسي في العقدين الأخيرين هو عزوف المواطنين والمواطنات عن المشاركة النشيطة في الحياة السياسية الوطنية والمعارك الانتخابية لأسباب مرتبطة بمحدودية سلطات مختلف المؤسسات التمثيلية، وتبخيس العمل السياسي وإضعاف الأحزاب السياسية وممارسات الفاعلين السياسيين، وبتدخل السلطات أثناء الاستحقاقات الانتخابية لصالح أطراف ومحاربة أخرى، وباستعمال المال أثناء الانتخابات، وبمظاهر الفساد السياسي واستعمال المؤسسات التمثيلية كطريق ووسيلة للاغتناء غير المشروع فضلا عن صعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأغلبية المواطنين والتي جعلتهم يعتبرون أن المعركة الديمقراطية معركة ثانوية وخصوصا في أوساط الشباب والأطر.هذه بعض الأسباب التي يجب معالجتها من طرف القوى السياسية لكي تسترجع السياسة وهجها ومصداقيتها.
7 – صعوبة التمايز وضرورة الوضوح الفكريإن المرحلة التاريخية التي تجتازها بلادنا، والتي هي مرحلة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، تتقاطع خلالها مواقف قوى اجتماعية وسياسية برغم اختلافها وتناقضها تتفق على تحقيق بعض مهامها ومتطلباتها، الأمر الذي ينشأ عنه غموض وارتباك، خصوصا خلال عرض الأحزاب السياسية الإدارية (اليمينية) لبرامجها إبان الحملات الانتخابية حيث تدعي “خدمة المواطنين وحل مشاكل التعليم والصحة والتشغيل والسكن…” طمسا لخلفياتها الفكرية وتموقعها الاجتماعي بغاية استمالة أصوات الناخبين خصوصا الفقراء، فضلا عن استعمال المال لشراء ضمائرهم، مما يجعل فئات عريضة منهم تعتقد، نظرا للمستوى المتدني لوعيهم السياسي ولضعف النقاش العمومي، أن كل الأحزاب متشابهة، كما أن انفتاح الأحزاب اليسارية، لأسباب ذاتية، على طاقات انتخابية ليس لبعضها تكوين سياسي متين وليس مطلوبا منها بالضرورة أن تتقاسم هوية هذه الأحزاب ومرجعيتها، يمكن أن يفضي إلى مواقف لهؤلاء المنتخبين تماثل مواقف القوى السياسية اليمينية فضلا عن الانحرافات السلوكية والأخلاقية التي تصيب الجسم اليساري والانتخابي في بعض الأحيان.كل هذه العوامل متشابكة فيما بينها لا تساعد على التمايز السياسي الضروري بين الفاعلين السياسيين، هذا التمايز الضروري والحاسم لكي يتمثل المواطن الهوية الحقيقية لكل قوى سياسية على حدة.إن هاته الممارسات والأوضاع تضر بالأساس القوى السياسية اليسارية وتحد من تأثيرها وتعقد مهامها التواصلية والتنويرية علما ان معركة الوضوح الفكري هي وسيلتنا لتنوير وتحريك الجماهير وتعبئتها من أجل تحقيق الشروط الأساسية للتغيير.غير أنه من المستحيل القيام بذلك اثناء الاستحقاقات الانتخابية او المناسبات، إنه عمل يومي لصيق بمهام كل مناضل ومناضلة بحزبنا ينبغي القيام به عبر أشكال ووسائط متعددة ومناسبة للفئات المستهدفة. إن القضية ليست قضية معرفة وفهم فحسب، وإنما هي كذلك قيم وأخلاق وسلوكيات جديدة. وهذا لن يتحقق إلا بالصراع بين الأفكار وبالنقد الذاتي فضلا عن العمل السياسي الجماهيري.
القسم الرابعلزوم الاجتهاد العميق للجواب عن سؤال “ما معنى أن تكون اشتراكيا في مغرب اليوم؟”
أمام ما عرفه العالم من صراعات سياسية وأزمات اقتصادية واجتماعية خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي عصفت بما كان يسمى “المنظومة الاشتراكية “والتي مهدت الطريق  للأنظمة الرأسمالية العالمية لتوسيع نفوذها خارج مجالات ترابها ومحاولة الهيمنة على باقي بلدان المعمور، ودخول اليسار العالمي في أزمة غير مسبوقة، أصبح التساؤل حول “ما معنى أن تكون اشتراكيا في مغرب اليوم ؟ “مشروعا لا مناص من الإجابة عنه.وبالنسبة لحزبنا، ان الاشتراكي اليوم هو الذي يَتَمَلَّكُ رؤية للعدالة والمساواة لا تقوم على مجرد التوازن القانوني أو تكافؤ الفرص وإنما تقوم على النضال من أجل إلغاء الأساس الموضوعي للظلم والاستغلال والاستعباد. وهو لا ينكر التفاوت بين البشر، وإنما يسعى لإزالة أساسه الاستغلالي دعما وتأكيدا لكرامة الإنسان.والاشتراكي اليوم، هو الذي حينما يتعامل مع الواقع، فإنه يضع أمامه مهمات محددة تتصل بهذا الواقع وبضرورة تغييره في الاتجاه الأفضل ويناضل لتحقيق هذا التغيير بالوسائل المتاحة أخذا بالاعتبار الأولويات في هذه المهمات ذات الصلة بالمرحلة اللاحقة.والاشتراكي اليوم، هو الذي يقارب الواقع في حركيته وينهل مما أنتجه الفكر الاشتراكي وتوجهاته المنهجية مع الاستمرار في تجديد مصادره من مرجعيات عملية وفكرية وموضوعاتية معاصرة والاستفادة من الخبرات البشرية المتعددة بسلبياتها وبإيجابياتها بعيدا عن الإطلاقية والفكر الوحيد، منفتحا على الإسهامات الفكرية المتنوعة.الاشتراكي هو الذي لا يقتصر على التحليل والشرح بل يبدع حلولا للإشكاليات المطروحة وفق مرجعيته وتملكه لقضية البيئة والدفاع عنها.
1 – رفض الدوغمائية والنماذج الجاهزة وتحنيط الأفكار لم يسبق لحزبنا أن اتخذ قراراته السياسية على أساس المبادئ العامة وحدها، دون استحضار الظروف الواقعية التي عليه ان ينفذ سياسته فيها، ودون أن يدرك ان هذه السياسة نفسها يمكن ان تكون غير صحيحة في حالات أخرى تبعا للظروف المحددة لذلك.انطلاقا من هذا، يؤكد حزبنا، باستمرار وقوفه ضد الجمود الفكري، ضد اتخاذ الصيغ النظرية الواحدة في مختلف العمليات الاجتماعية المتنوعة دون مراعاة للمميزات الخاصة لكل عملية متفاديا الأحكام الجاهزة معتمدا المحاججة والاعتماد على الوقائع الموضوعية، لأننا أدركنا مبكرا، أن على الحزب أن يكون ابن واقعه وليس مجترا لصياغات ثابته متصديا بالصرامة اللازمة للدوغمائية والتعصب، متنقلا في المجالات جميعها من الواحد إلى المتعدد، ومن اليقيني إلى المحتمل، ومن المطلق الى النسبي، وعدم الاقتصار على التحليل والشرح، بل يجب عليه أن يلعب دور المبدع القادر على تقديم رؤية جديدة للعدالة الاجتماعية. 
2 – المسار الوطني نحو الاشتراكيةإن المبادئ العامة للاشتراكية كتنظيم اجتماعي وتكريس لعلاقات اجتماعية جديدة وتوزيع عادل للثروات وكقيم ومثل إنسانية بشرت بها، هي المكون الأساس لهوية الحزب. وذلك ما تم إقراره وتأكيده في جميع مؤتمراته. غير أننا لم نركن أبدا إلى الاكتفاء بالإعلان عنها بل دأبنا دوما على الاجتهاد والإبداع والتفكير الجماعي في محاولة منا لتبيئتها كي تتطابق مع واقع بلادنا ومع شروط تطورها التاريخي معتبرين كذلك بأنها ليست هي المكون الوحيد لهوية حزبنا التي تتغذى بانفتاحها على ما هو  مشرق من تراثنا العربي الإسلامي ومن المراجعات الفكرية والعلمية الموضوعية وما استجد منذ إبداعها وصياغتها بهدف تحرير البشرية من كل أشكال الاستغلال والاستعباد حتى اليوم، من تطورات علمية وتكنولوجية وبخاصة ما يتحقق اليوم من ثورة كاملة في مجال علوم الاتصال والمعلوميات خلخلت وطورت مفهوم قوى للإنتاج ومفهوم القيمة وما يفرضه هذان المفهومان من تطوير لمفهوم الطبقة العاملة التي لم تعد هي ذاتها في صورتها التقليدية بل أضيفت إليها قوى جديدة فضلا عن ضرورة دمج البعد البيئي كمكون إضافي أساسي لها وذلك لما تتعرض له الطبيعة كمصدر لاستمرار الحياة، من تدمير من طرف الرأسمالية.إن هوية حزبنا الاشتراكية-الايكولوجية ليست هوية مغلقة على ذاتها، وإنما هي ذات طابع علائقي متفاعل مع غيرها. إن التطور والتفاعل لهوية حزبنا لا يلغيها بل يغنيها ويجعلها قيمة فاعلة لا قيمة جامدة راكدة.
3 – البعد الإيكولوجي للاشتراكيةيعتبر حزب التقدم والاشتراكية أن النضال الإيكولوجي لا يقل أهمية عن النضال من أجل حق الإنسان في العمل وفي التوزيع العادل للثروة، لأن الرأسمال المتوحش الذي يستغل القوى البشرية المنتجة هو نفسه الذي يستغل الأرض والطبيعة كقوة منتجة، وهو حين يفعل ذلك يدمر حق الإنسان في الحياة.إن الرأسماليةفي صيغتها الاستهلاكية المحضة، لا يمكن لها أن تزيد في ربحها وفي أسرع وقت، أو تشتغل أحسن وأجود بأقل الموارد، لأنها مبنية في كنهها على مبادئ أساسية تتجسد في تعظيم الربح وحرية وسرعة انتقال رؤوس الأموال في الاتجاه الذي يضمن أكثر وأحسن ربحية. الأمر الذي يتعارض مع متطلبات الحفاظ على المنظومة البيئية وتجديدها في إطار التنمية المستدامة. وهذا ما يفسر الارتباط الكلي للنضال الإيكولوجي بقيم الاشتراكية على الرغممن محاولات “منظري” الرأسمالية من إضفاء صباغة ايكولوجية خضراء على مشاريعهم عبر الترويج لمفاهيم مثل “المسؤولية الاجتماعية للمقاولة” أو “الحث على استعمال الطاقات المتجددة” وذلك بدافع الاستحواذ عليها وإفراغها من محتواها وإضافتها لمعجمها التضليلي ولأدواتها الإنتاجية دون استبدال أنماط الإنتاج الملوثة فضلا عن تقليص آجال استعمال المنتوجات الاستهلاكية (obsolescence programmée) وتهجير التلوث الملازم لتهجير الرأسمال إلى البلدان المتوفرة على شروط تقليص الكلفة وتعظيم الربح. 
القسم الخامس لزوم تحليل معمق للتطورات التي يعيشها المجتمع المغربي
1 – التطورات الديمغرافية وانعكاسات التحول الحضريإن نسبة التنامي السريع لسكان الحواضر الحضرية بالمغرب منذ سنة 1950 إلى يومنا بلغت   4سنويا، أي ما يفوق نسبة النمو العالمية ب %1.5. إن هذه النسبة جعلت سكان المدن المغربية يتضاعفون، حيث انتقلت من %26 سنة 1950 إلى ما يقرب من %60 سنة 2016. هذا التطور يساءلنا كحزب ديمقراطي حداثي، عبر ما حصلنا عليه من نتائج أثناء الاستحقاقات الانتخابية لسنتي 2015 و2016 بالمدن، ويساءلنا أيضا عبر قدرتنا على استيعاب ما تعرفه هذه الفضاءات من تحولات هيكلية عميقة تتجلى في اتساع وتعقيد الولوج لمرافقها والعيش المشترك فيها وفي بروز قيم وسلوكيات جديدة لفئاتها المتنوعة وبالخصوص الفئات الشابة منها.كما أن هذا التطور أفرز انتظارات جديدة لدى المواطنات والمواطنين، خاصة في مجالات الشغل والسكن والنقل والثقافة وتدبير المدن، مع ما لذلك من انعكاسات على مستوى تفاقم الفوارق الاجتماعية وعلى المستوى الأمني. لم نستطع، رغم المجهودات المبذولة، من المسك بمفاتيحها وصياغة إجابات ملائمة لها. لذا صار جليا، أن الرهان الأساسي لتنظيماتنا الحزبية، على جميع مستوياتها، هو إيلاء الأهمية البالغة لمعالجة إشكالية تجذر الحزب في المحيط الاجتماعي الحضري والتعبئة والانفتاح على كل الكفاءات الداخلية والخارجية والتوفر والاستناد على كل المعطيات والدراسات الجدية لتوظيفها في فهم واستيعاب ما يجري، وتنظيم الحضور والفعل القوي فيها عبر برامج نضالية ومناهج ووسائل عمل ملائمة وكفاءات ريادية لرفع هذا التحدي الذي سيرهن مستقبل الحزب.
2 – ضرورة الاجتهاد في تحليل البنية الطبقية للمجتمع المغربييولي حزبنا، منذ نشأته إلى الآن، اهتماما مركزيا، عبر مؤتمراته المتعددة وأنشطته العلمية والسياسية الكثيفة، لدراسة وتحليل التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية المغربية وتطور العلاقات الاجتماعية السائدة سعيا منه دوما لإبراز التناقضات والكشف عما هو رئيسي وما هو ثانوي وذلك بغاية توجيه نضالاته بارتباط مع ما تسمح به الشروط الموضوعية والذاتية للمرحلة التاريخية المحددة مواكبا ومترصدا لما هو جديد، ما هو صاعد ونام وليس لما هو موجود في اللحظة الراهنة فحسب وإنما لما سيولد بعد. إن تجديد تحليلنا للبنية الطبقية الراهنة لمجتمعنا من المهمات العاجلة التي يجب على حزبنا الانكباب عليها بعد انعقاد مؤتمره العاشر لما أصبح يعرفه المجتمع المغربي من تعقيدات وخلط وغموض بغاية التوضيح وتسليح الوعي والإرادة الجماعية وتعبيد المسالك في اتجاه التغيير المنشود.إن التنمية الاقتصادية في إطار الملابسات الموضوعية والذاتية الراهنة في بلادنا، محكومة من ناحية بهيمنة طبقة أوليغارشية تستفيد من القسط الأكبر للخيرات المنتوجة، فضلا عن أوضاع اقتصادية يغلب عليها الطابع التجاري والريعي ومشروطة من ناحية أخرى بعلاقات التبعية على مختلف المستويات مُكَرَّسة عبر اتفاقيات التبادل الحر المبرمة مع كثير من البلدان والتي تسجل جلها عجزا للميزان التجاري المغربي.إن هذا التوجه أدى إلى إضعاف البرجوازية الوطنية وخفوت دورها السياسي والاقتصادي جراء الأزمات التي تعرفها جل القطاعات الصناعية تجلت في إغلاق العديد من المصانع وتسريح آلاف من العاملات والعمال وتفاقم البطالة والتهميش.لذا، فالتناقض الرئيسي يجعل الغالبية العظمى من الشعب المغربي (برجوازية وطنية، فئات برجوازية صغيرة ومتوسطة، عمال، فلاحون فقراء، مهمشون…) تتعارض مع “الأوليغارشية” وحلفائها.إن المصلحة الوطنية تقتضي تغيير  الاتجاه عبر التحكم السيادي في القرار والقيام بإصلاحات عميقة في الهياكل، إصلاحات يكون من شأنها تعبئة الموارد الوطنية وتوظيفها من أجل تنمية مستدامة ترتكز على إمكانيات بلدنا وعلى وضع البحث العلمي والتكنولوجي من الأسبقيات مع استبطان ذكي لما جادت به البشرية من نتائج في العلوم والتكنولوجيا والتصنيع والوسائل المعلوماتية الحديثة…، كما يستلزم المشاركة الديمقراطية الفعالة الواعية المنظمة للفئات العريضة من جماهير شعبنا عبر تعبئتها الدائمة وليست الظرفية.هذا هو التوجه الكفيل وحده بتسوية المشاكل الاجتماعية في أمد معقول.
3 – ضرورة مواكبة التحولات التي يعرفها عالم الشغلانسجاما مع تموقعه الاجتماعي، يواكب حزبنا ما يعرفه عالم الشغل من تحولات عميقة التي تعرفها ميادين الإنتاج والخدمات جراء استبطانها واستعمالها للمعلوميات والأنظمة الرقمية والآليات الإلكترونية التي تتطلب يد عاملة قليلة ومتملكة لاستعمال الأنظمة المعلوماتية.إن هذا التحول قد حد نسبيا في بلادنا من العمالة الصناعية والخدماتية والفلاحية في علاقات الإنتاج وتؤشر على تنامي المضمون الفكري في العمل الأمر الذي ينذر بما ستلعبه الفئات المنتمية للطبقة العاملة المتملكة للمعلوميات وللتكنولوجيا الحديثة من دور مستقبلي قريب في العملية الإنتاجية حيث أصبحنا اليوم نتكلم عن الكونيتارية cognitariat على غرار البروليتاريا. لذا، لزاما على حزبنا، أمام هذه الظاهرة التي ما زالت جنينية في مجتمعنا، أن يرصد ويواكب بالتحليل ما يجري في عالم الشغل قصد تنوير الفعل وتكييف أساليب النضال والقيام بالاستهداف الملائم لهذه الفئة الصاعدة من المأجورين.

 

Related posts

Top