“لبساط” مجلة فناني الدراما المغربية..

صدر مؤخرا العدد الجديد من مجلة «لبساط» (عدد صيف 2017) وهي مجلة فصلية فنية ومهنية تصدرها النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية.
ويتضمن هذا العدد، الذي صدر في حلة جديدة وجذابة، وعلى مدى 150 صفحة، جملة من المواد الفنية والمهنية موزعة على عدة أبواب، منها: باب الأخبار والإصدارات؛ وفضاء الكاميرا: ويتضمن مقالات في السينما والدراما التلفزيونية والمجال السمعي البصري؛ وفضاء الركح: ويشمل مقالات نقدية ونظرية في المسرح، ومتبعات نقدية حول عروض مسرحية مغربية، ومقالات في المسرح الأمازيغي والمسرح الحساني ومسرح الشارع؛ وباب حوار العدد: الذي أجرته المجلة مع الدكتور مسعود بوحسين رئيس النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية؛ وملف العدد: الذي يتمحور حول «وضعية الممثل المغربي بين التقنين والإكراهات المهنية» ويشمل روبورطاجا صحفيا ومقالات حول مهنة التمثيل في علاقتها بالقوانين والأوضاع الاجتماعية للمهنيين؛ وباب التكوين الذي يتضمن مقالة حول المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بعد 30 سنة على إحداثه، وبحث أكاديمي حول فن السينوغرافيا؛ وباب الأطاريح الجامعية، ثم باب المهرجانات.. كما يشمل العدد أيضا حوارا مع المدير العام للمكتب المغربي لحقوق المؤلف، وحوارين مع كل من رئيس النقابة الفرنسية لفناني الأداء والكاتب العام للفدرالية الدولية للممثلين.
وفي باب الوثيقة، نشرت المجلة نص الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في المؤتمر 19 للفدرالية الدولية للممثلين الذي انعقد بمراكش سنة 2008.
وتصدرت المجلة التي طبعت بمطبعة «تيسير» بالدار البيضاء، افتتاحية بقلم رئيس التحرير ضمنها جملة من القضايا المرتبطة براهن المشهد الفني ببلادنا..
وزينت واجهة العدد بغلاف أنيق جمع بين لقطتين لكل من الفنانة لطيفة أحرار في مسرحية «كفر نعوم»، والممثل حسن عليوي في المسرحية الأمازيغية «ماسين غ كرا ن تمدايزين»..
فيما يلي الافتتاحية التي وقعها رئيس تحرير مجلة «لبساط»، الكاتب المسرحي والإعلامي الحسين الشعبي.

***

قدماً…

يصادف إصدار هذا العدد الجديد من مجلة “لبساط”، التي غابت عن الصدور لفترة غير قصيرة ولأسباب تنظيمية ومادية محضة، مجموعة من المحطات التي تستأثر باهتمام الهيئة الناشرة للمجلة “النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية” بما هي منظمة وطنية تعنى بتنظيم المهنيين وحماية حقوقهم، وكذا بالسياسات العمومية في المجالين الثقافي والفني ببلادنا.

****

> المحطة الأولى تتعلق بالمكتسب الكبير والهام الذي سجله المشهد الفني خلال سنة 2016، ألا وهو تغيير قانون الفنان وإصدار قانون جديد باسم “قانون الفنان والمهن الفنية” الذي ينطوي على مراجعة جذرية ومتطورة عما جاء في قانون 2003 السابق، ولعل من أهم مفردات مكامن التقدم في هذا النص الجديد كونه ينص من بين ما ينص عليه على: إيلاء عناية خاصة بالفنانين الرواد والفنانين في وضعية اجتماعية هشة؛ إضفاء صفة الأجير على فناني العروض؛ تحديد وتفييئ الأصناف الفنية وفق طبيعة العقود لتحديد مجالات تدخل السياسات العمومية؛ تنظيم المهن الفنية عبر إقرار جدول شامل للمهن الفنية؛ إجبارية الأولوية في التشغيل بالنسبة لحاملي البطاقة المهنية في كل أصناف الإنتاج الممول من المال العام أو المستفيد من الدعم العمومي؛ الاعتراف بالفنانين العرضيين Les intermittents du spectacle من أجل إقرار حقهم في الولوجية للخدمات الاجتماعية؛ التنصيص على إحداث آلية للخدمات الاجتماعية للفنانين؛ إضافة فئة التقنيين والإداريين العاملين بالفنون ليشملهم ذات القانون؛ التنصيص على مسلك خاص بالتفاوض الجماعي؛ اعتماد معايير التمثيلية المهنية بالنسبة للمقاولات الفنية وللفنانين الأجراء لإجراء التفاوض الجماعي؛ تنظيم عمل المقاولة الفنية وعلاقتها بالفنان؛ تنظيم وتقنين العلاقات الشغلية… وعدد لا يستهان به من الحقوق والضمانات التي من شأنها أن توفر المناخ القانوني الملائم للممارسة الفنية ومهنييها.
وفي هذا الصدد لابد من تسجيل ملاحظتين أساسيتين:
أولا، التذكير بأن هذا القانون الجديد، يعد، كما هو الشأن بالنسبة لسابقه، ثمرة نضالات النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية التي تتمتع باحترام كبير في الوسط الثقافي والفني، بفضل جديتها وجدية مناضلاتها ومناضليها، وقوتها الاقتراحية، إلى جانب مجهودات كل النقابات الفنية الفاعلة، كما يعد ثمرة العمل الجدي التشاركي بين الفنانين والسلطة الحكومية الوصية على قطاعهم، وكذا العمل التعاوني والتآزري الذي أبدته الفرق البرلمانية التي تفهمت مطالب الفنانين وخصوصياتها وساندتها بروح من الإنصات والتبادل.. بعد هذا التذكير، يتعين على سائر الفنانين المغاربة وهيئاتهم التمثيلية أن يتملكوا هذا المكتسب الجديد وأن يستثمروا هذا القانون ويتبنوه عمليا في ممارساتهم الميدانية اليومية وأن يسعوا دوما إلى تقويمه وبلورته وتمثل وملامسة مكامن قوته وضعفه، حتى يتأتى للقانون أن يلعب دوره كاملا وألا يظل حبرا على ورق..
ثانيا، لا يمكن لذلك كله أن يتحقق وأن يبلغ مبتغاه ما لم يتم العمل على تنزيل مقتضيات القانون الجديد في نصوص تنظيمية تجيب وتحدد المساطر والمسالك التي من خلالها يتم تطبيق القانون والاحتكام إليه، ومن ثمة يمكن له أن يحيى ويتحرك ويحل كل المشاكل ذات الارتباط بإكراهات العمل المهني الفني. ومن بين هذه النصوص التنظيمية التي تنتظر التنزيل ما يتعلق بشروط منح وتجديد البطاقة المهنية، التفاوض الجماعي والتمثيلية المهنية، تحديد جدول ونوعية المهن الفنية nomenclature des métiers، تحديد الحدود الدنيا للتشغيل بما في ذلك الحد الأدنى للأجر والعقد النموذجي… وغيرها من النصوص التي يحيل عليها القانون بشكل صريح أو بشكل ضمني.
ومن ثمة يتعين الإسراع في فتح هذا الورش القانوني والشروع في صياغة مشاريع النصوص التطبيقية المطلوبة لتتميم المجهود الحاصل في هذا الباب ولتثمين المكتسب الجديد، والبدء في إجراء المفاوضات الجماعية، كل ذلك في إطار من التعاون والتفاعل والشراكة الحقيقية المعهودة بين المهنيين وهيئاتهم التمثيلية من جهة، وبين السلطة الحكومية الوصية على القطاع من جهة ثانية.

****

> المحطة الثانية تتمثل في المؤتمر الوطني الاستثنائي الذي على إثره وقع تغيير اسم المنظمة النقابية الأكثر تمثيلية لفناني الدراما ببلادنا ليتحول من “النقابة المغربية لمحترفي المسرح” إلى “النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية”، وقع ذلك في بداية هذه السنة من أجل ملاءمة القانون الأساسي للمنظمة مع المنظومة القانونية الجديدة التي تؤطر المهن الفنية ولاسيما قانون الفنان والمهن الفنية وقانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.. ولعل هذا المؤتمر يمثل درجة عالية من درجات النضج التي اتسمت بها النقابة دوما منذ ربع قرن تقريبا على تأسيسها.. ذلك أن طبيعة الممارسة النقابية وعلاقتها بالممارسة المهنية، إن كانت قد أفرزت جيلا جديدا من المطالب، فإنها أيضا استطاعت أن تصيغ مفاهيم تنظيمية جديدة تستجيب لمتطلبات المرحلة الراهنة والآتية، وتزيد من تحصين وحماية القطاع المهني، وتعضد اللحمة النقابية وتجدد شرايين حياتها الداخلية، وتقوي كذلك منظومة القيم والمبادئ بتعزيز إعمال الديمقراطية الداخلية، ومراعاة مقاربة النوع والتشبيب وحماية التنوع الثقافي والتعددية… كل ذلك في إطار هياكل جديدة ومتجددة، أفقيا وعموديا، تسع برحابة وعقلانية لكل الفئات والعائلات الفنية في مجال الدراما والمهن المرتبطة بها، حسب ما تنص عليه مواثيق اليونسكو وفلسفة حقوق المؤلف والحقوق المجاورة وقانون الفنان الجديد… هذا الاشتغال التنظيمي الهيكلي الجديد سيتم تتويجه لاحقا بعقد المؤتمر الوطني السابع قبل متم هذه السنة كمحطة لتقويم الحصيلة واستشراف الآفاق النضالية والترافعية المستقبلية في الأمدين القصير والمتوسط وفق خارطة طريق واضحة المعالم معززة بمقرر توجيهي يرصد أهم محاور ومشاغل المرحلة القادمة وميثاق لأخلاقيات المهنة ووثيقة فلسفية لإعلان المبادئ الكبرى.

****

> المحطة الثالثة وترتبط بمستجدات الوضع السياسي الوطني ما بعد الانتخابات التشريعية التي أفرزت حكومة جديدة يهمنا فيها، في هذا المقام، هندستها التي أثمرت وزارة مندمجة تجمع بين قطاعي الثقافة والاتصال، وهي السلطة الحكومية الوصية على قطاعنا المهني الذي كان دائما يتوزع على وزارتين.. ونعتقد أن في ذلك نعمتين: الأولى تتمثل في توفر مخاطب حكومي واحد ولو بـ “شباكين”، مما سييسر، من دون شك، عمليات التفاوض والتنسيق والتشارك المفترضة والمطلوبة؛ والثانية تتجلى في توفر إمكانية مواصلة الأوراش التي شرعنا فيها مع الحكومة السابقة بنفَس متجدد ومتطور ينتصر للمكتسبات والمنجزات المحققة ويتطلع للمزيد من الاستحقاقات في باب تقنين وتنظيم وحماية وتحصين مهن ومهنيي الفنون الدرامية في المسرح والسينما والسمعي البصري وحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، ومجالات الدعم العمومي، والسياسة العمومية في الثقافة والفنون والاتصال.. وهنا يحق لنا أن نذكر، باعتزاز، بأن كل ما أنجز لفائدة القطاع، منذ حكومة التناوب سنة 1998 إلى اليوم، ما كان له أن يتأتى ويتحقق لولا صدقية وجدية العلاقة التشاركية والتعاونية والتشاورية التي كانت تربط نقابتنا بكل المؤسسات المتدخلة في الشأن الثقافي ببلادنا وعلى رأسها الوزارتان الوصيتان والمؤسسات التابعة لهما، وهي علاقة لم تخل من اختلافات وتباينات أحيانا، لكنها كانت علاقة تشاركية حقيقية خصبة وغنية بالمبادرات والاقتراحات والعمل المشترك الناجع، أثمرت نتائج مفيدة للبلاد والعباد.. ولعل العبرة بالنتائج… ذلك ما نتوخى الاستمرار فيه ونسعى مواصلته بحماس في المرحلة الراهنة وما سيليها..
تلك أهم المحطات التي تصادف إصدار مجلة “لبساط” في عدد جديد وفي حلة جديدة، ذكرناها وذكرنا بها لعلها تكون نصب أعيننا ونحن نشمر على سواعد العمل لنمضي قدما إلى ما نريد.

****

مجموعة من مضامين وأفكار هذه الافتتاحية سيجدها القارئ الكريم موزعة بين صفحات هذه المجلة التي حاولنا جهد المستطاع تضمينها في مختلف الأجناس الصحفية من خبر، ومقال، وحوار، ودراسة وتحقيق.. والتي تناول فيها كتابها بالتحليل والتعليق وجهات نظرهم ومقارباتهم الرصينة والمعمقة.. شاكرين لهم جميعهم حسن تعاونهم وتطوعهم لإخراج هذا العدد إلى حيز الوجود، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا العدد ما كان ليصدر اليوم لولا دعم وزارة الثقافة والاتصال (قطاع الاتصال) مشكورة، وهو دعم مستند على اتفاقية شراكة بين النقابة والوزارة يحتل فيها الطبع والنشر حيزا مهما.. نتمنى أن نواصل الصدور بانتظام أربع مرات في السنة، بمعدل عدد واحد كل فصل، ونتمنى أن نجد رجع الصدى من قرائنا وأصدقائنا ونوسع رقعة مدعمينا ومساندينا حتى نواصل المشوار..
إلى اللقاء في عدد خريف 2017.

 بقلم: الحسين الشعبي

Related posts

Top