16 ماي، الدروس المستمرة إلى اليوم

تحل اليوم ذكرى التفجيرات الإرهابية التي كانت قد شهدتها الدار البيضاء في 2003، وأفضت إلى مقتل 45 شخصا، فضلا عن 12 انتحاريا، كما نجم عنها الكثير من الصدمات النفسية والاجتماعية، وتداعيات أخرى، لعل أبرزها كان هو أن الإرهاب لم يعد وقتها المغاربة يسمعون به فقط لدى الآخرين، وإنما ضرب عاصمتهم الاقتصادية، كما جدد الضربة مرة أخرى لاحقا، وصار الخطر هنا بين ظهرانينا نحن أيضا.
إن استحضار 16ماي اليوم ليس فقط لتجديد الدعاء بالرحمة للضحايا أو لإعادة استعراض الوقائع كما حدثت عام 2003 والتذكير بتفاصيلها، وإنما لكي نتمعن دروس ما حدث، ولتجديد العزم من أجل العمل لكي لا تعيش بلادنا مرة أخرى ذات الرعب.
من المؤكد أن فضاعة ووحشية الجريمة الإرهابية التي ضربت بلادنا أحدثت حينها، وفِي السنوات التي تلت ذلك، كثير انحسارات ديموقراطية وحقوقية، وذلك على غرار ما شهدته بلدان أخرى كان قد استهدفها الإرهاب، وهنا يبرز الدرس الأول، حيث أنه بقدر ما أن الصرامة الأمنية تبقى واجبة وضرورية لحماية سلامة البلاد والمواطنين وصيانة الاستقرار العام، فإن تقوية الديموقراطية وحقوق الإنسان والانفتاح هي الأسلحة الحقيقية لمواجهة الإرهاب والتطرف والانتصار عليهما، ولتفادي الانجرار خلف لعبة الظلاميين والاستسلام لأفقهم السياسي والمجتمعي المتخلف والغارق في التزمت والانغلاق.
اليوم، من الواجب الإقرار أن المصالح الأمنية المغربية نجحت في اكتساب خبرة كبيرة في مواجهة الإرهاب والإرهابيين، وبرغم ضعف ما يتوفر لديها من إمكانيات وموارد قياسا لنظيرتها في أوروبا وأمريكا، فهي استطاعت بلورة استراتيجيات استباقية فعالة وناجعة فككت عبرها عشرات الخلايا الإرهابية وأفشلت مخططاتها الإجرامية، وباتت هذه التجربة المهنية اليوم مطلوبة إقليميا ودوليا، كما أنها مكنت المغرب من تأمين استقراره العام طيلة السنوات الأخيرة، وهذا جوهري، ويفرض التنويه بعمل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية.
أما الدرس الآخر الذي يجب استحضاره اليوم في هذا السياق، فهو يتعلق بأن التعبئة الأمنية، ونجاح المقاربة الاستباقية، من الضروري إدراجهما ضمن مسار مجتمعي عام يرتكز أساسا على تقوية الإصلاحات السياسية والديموقراطية في بلادنا، وتمتين بناء دولة القانون والمؤسسات وحماية التعددية، والإصرار على الانفتاح والتحديث والانتصار لقيم المساواة والعدالة الاجتماعية والتقدم، أما إهمال كل هذا فهو انهزام أمام الإرهابيين وتنفيذ لمخططهم الحقيقي.
وفي الإطار نفسه، فإن إنجاز البرامج الاجتماعية والتنموية، وتنفيذ الإصلاحات الاستراتيجية، وتحسين ظروف عيش شعبنا، والقضاء على الفوارق الاجتماعية والمجالية بين الفئات وبين المناطق، يعتبر هو الطريق الناجع لاجتثاث الإحباط والخيبة من نفوس شعبنا وشبابنا، ومحاربة اليأس والسلبية والاستسلام في عقولهم.
وعلاوة على التشبث بالخيار الديموقراطي واحترام حقوق الإنسان والتعددية، والإصرار على مواصلة الإصلاحات الأساسية والنهوض بأوضاع شعبنا، فإن إصلاح الحقل الديني وتقوية دور المدرسة وإنجاز إصلاح شجاع وحقيقي للتعليم، والاهتمام بالثقافة والفنون والفكر والإعلام ضمن الاستنهاض الوطني العام للدفاع عن الاستقرار والانفتاح ووحدة البلاد وأمنها، من شأنه جعل المقاربة ناجعة وشمولية والتقائية.
حلول ذكرى تفجيرات الدار البيضاء يفرض إذن علينا كلنا اليوم استحضار هذه الدروس وغيرها، وتمثل راهنيتها واستمرار حاجة بلادنا وشعبنا إليها اليوم، كما أن استمرار اشتعال عديد بؤر توتر عبر العالم، وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط، وتربص خطر الإرهاب والتطرف بالعالم كله، يفرض أيضا على بلادنا الانخراط في مختلف الجهود الأمنية الإقليمية والدولية ذات الصلة للدفاع عن الأمن والسلام والتعاون بين الشعوب، ولكي لا يتكرر في المستقبل ما حدث في الدار البيضاء، سواء هنا أو في أي مكان بالعالم.

محتات الرقاص

[email protected]

Related posts

Top